مشكلة تغيير النظام الاجتماعي

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3928 - 2012 / 12 / 1 - 22:55
المحور: كتابات ساخرة
    

ثلاثة عوامل مهمة تعمل على التغيير والتطور والتطوير وهما: الكُتب والمناخ والثراء, وكل واحدة تشتغل على منوال معين, فالكُتب ونشرها تغير العادات والتقاليد والمُناخ يغير الطبائع,والثراء يغير العادات والتقاليد, وتبقى هنالك مشكلة واحدة وهي العامل الزمني المهم جدا فحتى تغير الناس عاداتها وتقاليدها بحاجة إلى عشرات السنين وحتى تغير الناس معتقداتها الدينية بحاجة إلى 500 عام وأكثر وحتى تغير الناس طبائعها بحاجة إلى ألف سنة من التغير في المُناخات,ولكن الغريب في الموضوع هو تغيير الأجهزة التكنولوجية فهذه تحدث بسرعة كبيرة و إذا كنت مندوب مبيعات جيد ومقبول ومحترم ومهذب وصاحب لسان(زي العسل) وتلبس ثيابا أنيقة للتأثير على شخصية الضحية التي تريد أن تأخذ ما لديها من أموال فإنك تستطيع إقناعي كضحية ببضاعتك خلال ساعة أو خلال ربع ساعة حتى وإن كنت غير مكترثٍ بما لديك من مغريات حقيقية أو وهمية كاذبة ولكنك من المستحيل في خلال هذه المدة وأنت ترتدي نفس الثياب أو حتى إن كان معك معجزة من السماء أن تقنعني بضرورة تغيير نظامي الاجتماعي السائد في مجتمعي وبيئتي التي نشأت وترعرعتُ عليها حتى وإن بقيت تتحدث معي سنة بأكملها أو أن تقنع جاري المتصلب برأيه أكثر مني, فربما أنا محتاج لأسبوع أو لسنة لتقبل رأيك وعاداتك الغريبة عني ولكن جاري وكل جيراني بحاجة إلى ألف سنة لتقنعهم برأيك, ومن الممكن لك أن تغسل مخي خلال يومٍ أو يومين أو سنة أو سنتين ولكنك لو استخدمت كل أنواع المساحيق الخاصة بالغسيل فإنك لن تصل مع جيراني إلى أي نتيجة في سبيل تغيير معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم هذه الظاهرة في علم التطور تقول بأن الأفكار والمعتقدات الدينية تمشي ببطء شديد جدا أبطئ بكثير من مشي السلحفاة التي تريد أن تقطع مسافة 7000كيلو متر زحفا على أقدامها, أما التكنولوجيا والصناعات فإنها تنطلق بسرعة الصوت أو بسرعة البرق إن لم أكن مبالغا, وهذه المشكلة لا تتعلق بي وحدي فكل جيراني لديهم مثل هذه المشكلة, وعلى الصعيد الآخر أنا مثلا رغم ما أدعو إليه من تطور إلا أنني من أسرة محافظة جدا وتتسم بالحشمة والخجل وخصوصا في التحدث مع النساء على أرض الواقع فليس من السهولة بمكان أن أقيم علاقة كاملة مع جارتي على اعتبار أنها صديقتي فهذه ربما تكون خطوة أو تقدما بحاجة إلى أكثر من 100 عام لمجرد طرحها على أرض الواقع.

وتستطيع أن تقنع أي شخص بتجديد أثاث بيته بخلال ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين إن لم يكن مقتنعا بهذه الفكرة وكل هذا يعتمد على حدسك وحسك ولباقتك وحلاوة لسانك ولكن لو جمعت كل هذه الأمور فوق بعضها أضعافا مضاعفة فإنك لن تستطيع أن تقنع امرأة أوروبية متبرجة بضرورة ارتداء الحجاب أو امرأة عربية مسلمة وملتزمة بخلع الحجاب, وتستطيع إقناعي وأنا غير مقتنع بتحديث (موبايلي) خلال ساعة أو ساعتين, إن الأفكار الرئيسية المتعلقة بتحديث أثاث المنزل والثياب والملابس من الممكن إقناع من ليس مقتنعا بها في لحظات أو من خلال جلسة نقاش مطولة أو قصيرة من ساعة أو ساعتين, ولكن المشكلة هي أن تقنع غالبية الناس بتغيير معتقداتها التي ورثتها عن آبائها وأجدادها وهذا الأمر متعلق بكل الحضارات وبكل المجتمعات البشرية فعملية تغيير المعتقدات السائدة يعتبر موضوعا خطيرا وله (تابوهات) أي محرمات ومقدسات يحرم المساس بها أو العبث بها من بعيد أو من قريب, فمثلا رأيتُ أنا في حياتي أناسا لم يكونوا ليؤمنوا بخلع زوجاتهم للحجاب ولكن من السهولة إقناعهم بتغيير حاسوبهم من جهاز قديم إلى جهاز أحدث وكما قال آينشتاين مستغربا:إذا كنا نخجل من اقتناء ملابس قديمة فعلينا أن نخجل أيضا من اقتناء أفكار هزيلة وقديمة, فليس من السهل أن تقنع أحد الناس بأن أفكاره قديمة وعتيقة وبالية ولكن من السهل أن تقنعه بضرورة تحديث سيارته من أحسن إلى ما هو أحسن, وعلى الصعيد الجغرافي العربي كل العرب لا يقتنعون بالصناعات العربية ويفضلون عليها الصناعات الأجنبية اليابانية والأمريكية والصينية, ولكن ليس من السهل على هذا الجمهور أن يقتنع بأن النظام الاجتماعي الأمريكي هو أفضل من النظام الاجتماعي العربي السائد حاليا.

وكما قال آرنولد توينبي المؤرخ الشهير: العرب استسلموا للتكنولوجيا الغربية ولكنهم لم يستسلموا للنظام الاجتماعي الغربي, وأضاف قائلا: التقليد هدم للشخصية وهو عبارة عن وضع دماء حية في أجساد ميته,

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل