|
تساؤلات نقدية
مازن مريزة
الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 15:29
المحور:
الادب والفن
تساؤلات نقدية .
توقفت لأشهر طويلة عن نشر أي مقال أو دراسة أو نقد أو أي عمل أدبي آخر ، وقد تساءل العديد من طلبتي وأصدقائي ومتابعي نتاجاتي المتواضعة ، عن سبب امتناعي وتمنعي عن الكتابة ، وكان جوابي سهلا بسيطا ، بأنني لم أتوقف عن الكتابة ، لأن طبعي مجبول عليها ، حيث باتت ضربا من ضروب الإدمان ، ولكني ببساطة توقفت عن النشر ، لما لمستُ من غزارة المنشورات المتدفقة كسيل العرم ، في قنوات الشبكة العنكبوتية ومنافذها غير المحدودة ، وما شاب تلك المواقع والمنافذ من حمى النشر بلا تمييز ولا تمحيص ، فأصبح الغث يلتهم السمين ، وباتت البقرات العجاف يلُكن بتلذذ الجاهلين ، ما تبقى من فُتات البقرات السمان ، تحت مرأى ومسمع الجمع المثقف الذي انزوى بعضه ، ومازال بعضه الآخر يقاوم بضراوة ذلك التدفق الحر والسريع لأنواع شتى من المعرفة السلبية أو المعرفة غير المؤكدَّة. ولكن ما ساءني أكثر أنَّ أرى البعض يتمادى في خلطه بين المعاني والمصطلحات ، إلى أن بات سكينه يلامس عظم الجسد الأخلاقي للمجتمع العربي ، وقيمه الإسلامية ، بدعوى العولمة ، والترويج بسماجة للفكر العالمي المعاصر ، بتراثه المتعدد ، لتعلو نبرة الانحراف والعهر على نبرة القيم والمثل ، والإصرار على تداول مصطلحات مكسوة بطبقة قبيحة من العهر والتهتك ، لتمتطي ظهر الإباحية والألفاظ المكشوفة حد الشتيمة بكل صلف ووقاحة ، والسير في طريق شرعنة كلمات من النوع التي نخجل من تلفظها إمام بناتنا وأولادنا الذين تحولت معاناتهم من فقر و شحة مصادر بناء الشخصية الأخلاقية ، إلى نماء وتعاظم المصادر النقيضة والموارد السلبية ، التي تحتقر البناء الأخلاقي والثقافة الخاضعة لمعايير سلوكية وأدبية ودينية رصينة ، والتي تحاول الخلط في مفاهيم التحرر والتقدم الايجابي وبين معاني الانحراف والفجور والانحلال الأخلاقي ، وآخر معاناتهم وليس أخيرها ، ما جاد به احدهم ن ممن يطلقون على أنفسهم لقب ( ناقد أدبي) ، مصفقا بصفاقة وحماس ، لإحدى القصائد النسائية الرقيقة ، التي لم تخل من إشارات جريئة ، لكنها لم تتوغل أو تنقل أي صور إباحية حقيقية ، ولكنه طالعنا بفلتته العبقرية ، بما نصه : " الجرأة في الطرح ادخل القصيدة في التجليات الايروتيكية في القصيدة النسوية وهذا الامر تنفيس عن ارهاصات انثى يحضر عليها التابو المقدس ان تفصح عن مكنوناتها الانسانية تجاه الاخر وسوف يصدر كتابي الذي تناولت فيه 35 شاعرة من مختلف الاقطار العربية تحمل هذه الارهاصات وبصور شعرية تفصح عن امكانيات شاعرات العربية في وضع رؤية وموقف من الحياة والحب والاخر"
فهل يعلم الناقد المعنى الحقيقي لمفهوم (الايروتيكية) أو مفاهيم (الإيروسية) بصورة عامة ، والتي تنادي بممارسة الجنس بكل حيوانية وشهوانية ، وبدون أي تحفظات ، حيث ورد هذا المفهوم في الميثولوجيا اليونانية مرارا ، في حق الجسد المتلوي برغبة الجنس الظامئة ، بممارسة رغباته الجامحة بانتشاء ومجون ، دون الالتفات إلى ( التابو) المقدس كما يدّعي ، والمرير أن الناقد قد قرن كلمة ( تابو) بكلمة ( المقدس ) ، مما يفصح عن وعي وإصرار بنقائض الأمور ، ليعود مرة أخرى ويقحم كلمة (تجلّيات) ويقرنها بـ(الإيروتيكية) ، ولا أعرف بالضبط إن كانت إشارة مقصودة منه ، أم أنها على طريقة ( خبط - لزق ) وطريقة ( نسخ - لصق ) ، كون كلمة تجلّيات (( بمعنى إشراق ذات الله وصفاته)) لا تستخدم إلا في مواطن محددة ، ولا مسوغ البتة في ربط النقيضين بهذه الطريقة ، كما أنها لا تتناسب مع المفهوم وصفته، ولا يجوز استخدامها في الجانب النقيض مطلقا ، لقد تفحصتُ القصيدة مرارا ، ولم أجد فيها من التهتك أو الشره الجنسي ما يُشير إلى ذلك ، وعدت فتفحصت النقد بكآبة مرة أخرى ، وفتشتُ له بملل عن طروحات شبيهة ، فعثرتُ على مقال آخر له ، نُشر منذ ما يقارب عام مضى ، بعنوان (( ثلاث قصائد لتحرير الإيروتيكية العربية )) ، فصدق ظني ، وأثبت الناقد ، بأنه كان يقصد كل كلمة كتبها ، عن قصد وعمد وإصرار ، وانه يروّج مطلقا لإباحة التحرر الجنسي ، من خلال نقده لقصيدة ثانية ، لشاعرة أخرى ، تقدم نصوصا تقنية غير مكتملة البناء ، ولغة مفككة ومفردات فقيرة ، لا هم لها سوى الترويج لإباحية غير مسبوقة ، تتجاوز فيها كل معايير الذوق والأريحية والأخلاق ، بقولها :
دعوني أنام عراء الاحتمال، بحق لعنة الذنب.. لا توقظوني، لا تفسدوا حماقة العقاب دعوني… أترنح بين جدران الباطل، لتكتمل قوارير دمي الفاسد فيك "
لينبري الناقد ، في شحذ قلمه ، وتدفئة طبلته ، مدّونا أغرب العبارات ، التي لا صلة لها بأصول النقد وفنونه ، متجاوزا ربما رقعة وصلاحيات علماء الاجتماع ، والأخلاق ، وعلم النفس الاجتماعي ، ليقول لنا : " كما أرى تحرير الجنسية (الايروتيكية) من الشعور بالآثم والخطيئة والكبت والحرمان والضعف الذي شابها واحتاط بها ، وقد استطاعت الشاعرة نوعا ما منح نفسها حرية التعبير الهادئ من خلال رؤية متوازنة والتحرر من نظرة الاحتقار لهذه الحاجة الماسة "، فهذا الذي يدّعيه نقدا ، متخم بأنماط تحاكي عقول المنزوين بشبقيتهم وغرائزهم ، عند الموانئ المتقيحة للجسد الآثم ، الذي تتوقف وظيفته عند هؤلاء في حدود الجنس والرغبة غير البديهية فقط ، وكأن المرأة خُلقت للتمتع بمفاتنها وجسدها بصورة أقرب للاضطراب منها إلى السواء ، ومحاولة غض النظر عن ما هو مأْلوفٌ مِنْ عادَاتٍ وَأطر أخلاقية وسلوكية ودينية متعارف عليها ، في مجتمع شبابه يكاد أن يوصف بأنه غير محصّن برصين الثقافة ، التي تستطيع أن تميز بين الجنس الطاهر في سياقات المألوف والطرق النبيلة المنزهة عن الدنس والرذيلة ، وبين الجنس المنحرف المصنوع من طينة العهر والفحش والفجور ، والملغوم بالأكاذيب والافتراءات ، بحجة التحرر والعولمة والتقدم ، والتحول إلى نزعة التعامل أنوثة المرأة وجسدها ، من كونه ميزة أخلاقية قابعة في عمق الهيكل الأخلاقي للمجتمع منذ آلاف السنين ، إلى شكل من أشكال التعاطي الفيزيائي البحت ، المجرد من أية معايير سلوكية متداولة ، ورفع أي شكل من أشكال الخصوصية الجوهرية عن الجسد – ذكراً وأنثى - وجعل الرغبة الرخيصة معيارا أوحد ، للتعامل مع الرضا السفلي الداخلي دون الحاجة بالشعور بالإثم أو الخطيئة ، كما يرغب ويروج له ناقدنا العزيز ، الذي ربما عليه أن يعي بكل جدية ، أن الشرف هو نفس الشرف الذي أوجبته المثل العليا لديننا الحنيف ، وأن الاستعلاء على الهوى والشهوة، والتمسك بطرق الفضيلة ، والاندماج في تنزيه الروح وتنقيتها لإنقاذ الجسد من شوائب الحياة المادية، ومحاورها الدنيا . دعونا نبقي شيء من الخصوصية والقدسية لعلاقة الإنسان بجسده ، دعونا لا نسمح لمثل هؤلاء بخدش تلك العلاقة الطاهرة ، والسماح لهم بالإيحاء لفتياتنا وفتياننا بأن التحرر المفترض يتمركز في الجسد وشروط التهتك الأخرى ، دعونا نعلّمهم أن المرأة المتحرّرة هي المرأة المتحررة من الأدران والشوائب ، وان مدى نقاؤها سيجعلها تحظى بأكبر قدر من الرضا الداخلي والخارجي ، مما يحررها فعليا من قوانين عبودية الجسد ، والانعتاق الروحي الايجابي ، بكل ما يعنيه من نبل ونزاهة ، بكل أنواع التماثل مع مبادئ الشرائع السماوية ، وقوانينه الطبيعية.
#مازن_مريزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قانون العدالة الإنتقالية وإصلاح المؤسسات التعليمية
-
خواطر عن الدولة المدنية
-
قضية وطن - حايط نصيص
-
قضية وطن - لا للتباكي الكويتي
-
نسور الشمال
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|