|
الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 08:23
المحور:
الادب والفن
الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_ _____________________________
الشعر لايتعارض مع الدين ، بل يتاخمه ،والنص القرآني واضح ، فأداة الاستثناء في الآية المشهورة بخصوص الشعراء ،توضح الغاية من سابق القول ، فهو غير ممنوع ولا مذموم في ذاته دينيا ، وانما شرط كرهه هو قول بلا عمل ، وهيام بلا بوصلة ، ولعله موقف أخلاقي سامي من وجهة النظر الأخلاقية المؤسسة على قواعد دينية . واننا اليوم اذا راعينا موضوعية البحث وصدقية القصد ، نجد كثيرا من النقاد الكبار ،من يعيب على الشعراء تذبذبهم في المواقف ،وخدمتهم لأجندات تجهيلية مكشوفة ، ونفاقهم الواضح ، وهذه أفعال مذمومة من كل ذي نفس نقية وصافية ، نفس شعرية حقيقية ،وهي فعلا خارجة عن حجب الشعرية والابداعية ،لأنها ببساطة لاتصدر عن الذات ،بل تصدر عن برامج وايديولوجيات وأمراض ،يمكن للعارف بمسالك اللغة واندياحات الدلالة أن يكشفها بكل وضوح وبساطة.
تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن الشعر : "الشعر كلام.. فحسنه حسن، ورديئه رديء، فخذ الحسن, واترك الرديء". وهنا لم يقيد الحسن بتقييد ولا الرديئ بشرط ، وانما نستطيع أن نحدسهما من خلال بنية الحدود الأخلاقية التي وضعها القرآن ، وقد كان الرسول "ص" يستمع الى كثير من الشعر ، بل ويحفظه ، والدلائل كثيرة في هذا الباب ، أولها ما تثبته المصادر من قوله : "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ماخلا الله باطل ....وكل نعيم لا محالة زائل ._" تتمة البيت من عندي ". وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عمر بن الشريد عن أبيه أنه قال: استنشدني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته؛ حتى أنشدته مائة قافية. وهناك شواهد عديدة بكون الشعر لم يكن مهجورا أو مذموما ، وانما المذموم من الشعر ، هو الرديئ ،والمقزز ،والموظف لأهداف مشبوهة وما يصرف ضد القيم الانسانية الرفيعة ، تماما كما هو حال شعرنا اليوم. فالشعر في علم الشعريات اذا جاز هذا الاسم ، لاتحديد له ولا مرجع ثابت ، انه بالنسبة للانسان بمثابة الاسطقسات الأربع التي تعطي للانسان شرط وجوده . اذ لا يمكن أن تعثر على أمة لم تمارس شعرها ، ولم تحاول استئناس وجودها عبر قول الشعر . فالانسان أيا كان يحمل بذرة الشعر حتى وان لم يتقن انتاجه ، وهو دائم البحث عن ما هو شاعري وشعري ، هو حنينه التكويني المتأصل في أعماقه ، وكلما خلخل الانسان أعماقه أصبح شاعرا بالفطرة . فنحن لا ننفك نتساءل عن مجاهلنا ، عن غموضنا ، ومجموع المجاهل والغوامض التي تعترض حياتنا ووجودنا ، فنعمل جاهدين للبحث عن تفسيرات ما ، أو ايجاد أجوبة ما ، وتلك قمة الشعرية والشاعرية. هذا التوق الى فض بكارة المجهول ، هو الجينة الأساسية المسؤولة مباشرة عن شعرية الشعر وابداعيته . الانسان لم يستنفذ بعد ، ولو جزءا بسيطا من طاقاته ،ولم يضئ ولو مكانا صغيرا من عتماته ، كما لم يكتشف ولو حيزا يسيرا من مجهولاته ، انه الكائن الوحيد الذي يظل أبدي الغموض وسرمدي الأسطرة .
اللغة الشعرية هي لغة عشق ،وكلما تعمق عشقنا وتعتق ، كلما جاءت لغتنا مضمخة بالهذيان الفني العالي ، وعادت للشعر قدرته على الامتاع واستجلاب اللذة ، فالشعر لا يرمي الى الافهام ،أو الى التلقين ،الشعر يقذفك الى قلب الوجود لتحيا وجودك بكامل العنفوان والامتلاء . لتغيير لغة الشعر علينا أن نغير طبيعة علاقتنا بالوجود وموجوداته ، الكون في تحول مستمر ،والدلالات في توسع دائم ، لكن وعاء اللغة يظل في مجمل الشعر هو هو . وهنا يتمأزق الفعل الشعري في شرنقة الابتذال والاجترار ،عبر لغة شائعة ،وصور مكرورة ،ورموز استنفذت كل طاقاتها الايحائية ، وصياغة نمطية تجاهر بعدائها لكل تجديد ،وتفتقد للابتكارية والابداعية . واذا كان لكل عصر شعراؤه ، وهي قاعدة ثابتة ، فان قاعدة أخرى تنشأ عنها بالضرورة ، وهي أن لكل عصر شعره ، بل لكل حساسية شعرية شعريتها ، فقد تتفاعل في شاعر واحد حساسيات متعددة ، كما قد تتعايش في زمن واحد مدارس متنوعة ، ترفد هذه تلك ، وتغذي تلك الأخرى ، فالشعر يعتبر من أكثر أنواع الفن تأثرا وتأثيرا ،تفاعلا وتفعيلا . لكن غياب البحث وضمور الجهد ، يؤدي الى أسن شعري لا يبعث غير روائح كريهة . لم يبق الشعر مسكوكا في تعريفه القديم ، كما لم يعد ممكنا أن يتطور الشعر عبر لغة الوصف والمحاكاة ، فمنذ صرخة الحداثة الشعرية العربية الأولى_ ونحن هنا نتحدث عن الشعر عربيا تجاوزا ، لأن الشعر لاجنس له _ مع أبي تمام في اشتغاله على اللغة العالية ، ومنذ الصرخة الثانية مع ادونيس باعتبار الشعر رؤيا ، تغيرت مفاهيم كثيرة في منظومة الشعر العربية ،وأصبح لزاما علينا ان نخرج من جلابيب آبائنا لنبني شعريتنا التي تعبر عن حاجاتنا وتجيب عن أسئلتنا ، وتعايش همومنا وطموحنا ، وتنفتح على رهاناتنا .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من المسؤول...؟
-
طريق أبيض
-
بنية- نظام المخزن - بالمغرب
-
الشوهة
-
أغاني العربي
-
دروس حرب الأسبوع
-
سفر في سحب الحب
-
للورد أن يقرأ ....عطره
-
ميزانية القصر وروح العصر
-
مزامير الجمر
-
هل عادت الطيور الى أعشاشها ؟
-
المثقف العربي وفراغ الانسان
-
الأنظمة المتجاوزة
-
لغزة اسم الله
-
حين يكون الكاتب أكبر غائب
-
توضيح هام لامرأة مغرورة
-
هوامش أولية في جينيالوجيا الكتابة
-
أنت تعدد النساء
-
الشعر والشاعر
-
الشريعة الاسلامية والهوية الضائعة
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|