أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادرار نفوسه - خوصصة النساء















المزيد.....


خوصصة النساء


ادرار نفوسه

الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 11:52
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


بداية مشهد واقعي: لأيام طويلة، باردة وحارة، مشمسة وممطرة، ومنذ أبكار الصباح وحتى قيلولة الظهيرة، تجلس امرأة ليبية تتلحف فرشيتها البيضاء سابقا والبنية لاحقا من كثرة افترشها الارض، تجلس بجانب مدخل مكتب شهداء الجيش الليبي، ولا احد يعيرها الانتباه. أقلقني وأوجعني المنظر وأنا أتابعه يوميا من نافذة مكتبي، فقررت أن أتجرأ، فسألتها عن ظرفها، فردت باكية بأنها أرملة جندي قضى خلال حرب النظام في تشاد، وبأنها تعيل أطفال عجزت عن إعالتهم، وأنها تقدمت بطلبات لمكتب الشهداء لمساعدتها بحكم القانون، وأنهم في المكتب أهملوها بأن عليها الانتظار "زيها زي غيرها"، وأن بعض المشتغلين في المكتب ساومها على شرفها مقابل مساعدتها، فأبت وطلبت مقابلة آمر المكتب لشكوى إليه فمنعت، وأن آمر المكتب يمر عليها يوميا مرتين بسياراته الفارهة، عند دخوله وخروجه من البوابة. فسألتها عن جدوى قدومها اليومي، فأجابت "لأتسول حقي، عسى قلب الآمر يرق يوما، وما عنديش لمن نشكي".

في الثامن من شهر مارس من كل عام تحي جماهير النساء في العالم، ومعها كل مناصريها، الذكرى السنوية ليوم المرأة العالمي كيوم مذكر بنضال المرأة المضطهدة والمظلومة الطويل من اجل إنسانية متساوية مع الرجل. طريق نضال المرأة شاق وصعب، وخصوصا في منطقتنا حيث يتحالف فهم جامد ومتخلف للتراث مع قوى مجتمعية ترى في حرية المرأة تهديدا لحصونها الذكورية وزعزعة لقلاعها المصلحية، وفي مقدمة تلك القوى الديكتاتوريات الحاكمة.

بحوث الديمقراطية السياسية والتنمية البشرية الأكاديمية والتطبيقية الحديثة تتفق على أن من أكبر معوقات الديمقراطية والتنمية هو وضعية المرأة الدونية ومعاملة المجتمع التمييزية ضدها. وبالتالي فمن شروط تحقيق الديمقراطية وإنجاز التنمية في بلداننا المتخلفة هو أن يتعاضد النساء والرجال في النضال من اجل وضعية إنسانية عادلة ومتوازنة للمرأة، تنهي حالة الاختلال والتفريق بين الرجل والمرأة وتدحض الحجج والنصوص الدينية والثقافية والسياسية المختلفة المبررة للتمييز ضد المرأة، المتراوحة بين الحرام والعيب، العورة والعار. فوضع المرأة الحالي هو ليس بسبب قصورها العقلي الخلقى أو العاطفي الفطري، بل هو نتيجة لفرض القصور عليها، وان الخروج من حالة التخلف والتبعية والتعسف لن يتم إلا بخروج كل المجتمع، رجالا ونساء.

ليبيا، لا تختلف في واقعها المتخلف ووضعية المرأة فيها عن باقي المنطقة المتخلفة التي تعيش فيها وتنتمي إليها. ولكن وعي القيادات خلال العهد الملكي (1951- 1969) كان متقدم وبل متحدي حين منح التعديل الدستوري لسنة 1963 المرأة الليبية حق المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وهو بحق إنجاز تاريخي يشرف قادة الدولة ونساء والشعب الليبي في تلك الفترة، خصوصا إذا علمنا أن المرأة السويسرية تحصلت على هذا الحق سنة 1971. جهد العهد الملكي المهم هو الدستور الذي اعتبر "الليبيون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة"، أما الخطوة الحكيمة التي تعتبر بالفعل أهم خطوة في طريق نضال مساواة المرأة بالرجل فهي إقرار الدستور الليبي بان"التعليم الأولي إلزامي لليبيين من بنين وبنات. والتعليم الأولي والابتدائي مجاني في المدارس الرسمية"، وان "التعليم حق لكل ليبي وتعمل الدولة على نشره".

وهكذا تقدم وضع المرأة في المجتمع الليبي خلال تلك الحقبة باتزان وتأني، مراعيا ومغيرا قيم المجتمع السلبية السائدة والمتصفة بالوهمية المنتقصة من وضع المرأة، لينتكس التقدم إلى فوضى شديدة بعد انقلاب سبتمبر، لتصورات الديكتاتور القذافي الساذجة ولأسلوبه الأهوج وسياسته المستفزة للمجتمع، حين حرض المرأة على التمرد الغوغائي المنفلت- والسطحي- ضد المجتمع، دون أن يكون له فهم واضح لجوهر قضية المرأة، ودون أن يثقف ذاته في ماهية التحرر الإنساني وفلسفته.

الديكتاتور القذافي، الذي يحلو له أن يصف نفسه بـ"محرر المرأة"، كتب جزء خاصا عن تصوراته ورؤيته لوضع المرأة في الفصل الثالث من كتيبه "الكتاب الأخضر". نظريا، وضع نظام القذافي العديد من القوانين والإجراءات التي ساوت بين الرجل والمراة في مجالات العدالة القضائية وسوق العمل والمشاركة السياسية، مما دفع بوضع المرأة شكلا في المجتمع. واقعا- كما كل شيء قذافي- فوضع المرأة في ليبيا يتراجع، بفعل قصور القذافي الكامن والمزمن، ولتخليه عن كل شعاراته الصاخبة درا ومسايرة للرياح الغربية.


اليوم وفي "الجماهيرية العظمى" المرأة في الهامشين وما بينهما مهددة. ففي هامش الفقر المتسع المرأة سلعة أو متسولة، فإذا كانت على قدر من الغنج فباب مخادع ذئاب السلطة من قذاذفة وثوريين وضباط وتكنوقراط وخدامهم مشرع، وإلا فعرض وطلب فنادق الشوارع الخلفية هو المسار، أما العفيفات فلهن الله والصبر، إلا الأرامل والمطلقات فمتسولات أمام مداخل المقابر والمساجد. وإذا كانت المرأة مقتدرة طموحة فليس أمامها إلا خط السلطة ومخاطر الاحتكاك بذئاب السلطة، وفي مقدمتهم “القائد" المعروف في محيطه بـ"الذئب الخرفان"، والذي يسخر فريق نسائي كبير لاستدراج الساذجات والطامعات إلى وكره الشاذ، وعلى راس الفريق ضابطات الحراسة التي يخرجن معه كحرس، ولكنهن في الواقع قوادات له. ولان "ولد الفار يطلع حفار" فجراء الذئب هم ذئاب كما هم خدمه كذلك. والذئاب تعيش في قطيع، وتقتات بالغدر والدماء.

الشريحة الأكبر من حرائر ليبيا يحميها الاشتغال في القطاع العام، وبالأخص في مجال التعليم والتربية، رغم قلة وجمود مرتباته، إلا أن تلك الحماية في طريقها إلى زوال، وحينها ستجد "راقادت الريح" منهن أنفسهن مقيدات في خانة العاطلات أو مخبرات في مراتع أجهزة الأمن والمخابرات. وهذا ليس تنبؤ أو تخمين وإنما نتاج لتوجه النظام المتعجل لخوصصة وتقليص القطاع العام ضمن برنامج "الإصلاح الاقتصادي" المفروض عليه من الذئاب السمان والمؤسسات الدولية (كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) الذي تسيطر عليها أمريكا، كإرضاء لها دون مراعاة ظروف المواطن الفقير في البلد الغني.

القذافي، في 2 مارس الجاري، وبمناسبة الذكرى 28 لما يسميه القذافي "إعلان قيام سلطة الشعب" قال: "يجب أن تكون القوة المسؤولة عن الأمن قوية.. لابد أن نحول الشباب الموظفين المتواجدين إلى الأمن.. لابد أن تحولوا مائة ألف .. مائتي ألف إلى الأمن .. كل الشباب الموجودين في المكاتب هؤلاء لابد أن يتحولوا إلى الأمن". ووزيره "معتوق محمد معتوق" في اجتماع "اللجنة الشعبية العامة للقوى العاملة والتدريب والتشغيل" بتاريخ 6 مارس صرح بـ" ضرورة معالجة اوضاع الزائدين عن العمل بالجهاز الادارى .. مشيرا إلى وجود أكبر عدد من الموظفين في القطاع العام .. حيث يتقاضى أكثر من 862 الف موظف مرتبات من الخزينة العامة من بينهم 462 الف في قطاع التعليم فقط .. موضحا بأنه سيتم خلال هذه السنة احالة اكثر من46 الف موظف من الجهاز الاداري الى مواقع انتاجية اخرى في مختلف شعبيات الجماهيرية العظمى". فماذا تفهم نساء ليبيا وعموم الشعب الليبي من قولي القذافي ومعتوقه؟

إذن فهي ليست تخمينات ولا بوادر بل إجراءات في الطريق تنتظر نساء ليبيا. إنها خوصصة النساء، وتلك مهانة إضافية لكرامة الوطن. أمام نساء ليبيا المشتغلات في القطاع العام خيارين إما يقبلن الاشتغال في أجهزة الأمن أو يجدن أنفسهن عاطلات مفلسات، وكلا الخيارين يعنيان التهميش والاستغلال. أما الخيار الحلم والأمل، فان يثرن، فيؤسسن نقابتهن الحرة المستقلة ويضربن عن العمل ويتظاهرن في الشوارع، لعل رجال ليبيا يلتحمون معهن في عصيان مدني مجيد يمسح نظام القمع من جذوره.

بقية المشهد لا خاتمته: حملت الوطن معي طريدا، وبعد سبع سنوات عجاف في منفى اللجوء، تظل صورة "الولية" حية تثير الوجدان المائر وترهق الضمير القلق. مشهد لن أنساه حتى يختفي من ليبيا، حين يأخذ كل ذي حق حقه ويجزأ كل إنسان على فعله، خير كان أو شرا. أليس هذا هو عين الإصلاح؟!
المهجر، 8 مارس 2005



#ادرار_نفوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارون والقذافي معا ضد الكوفية


المزيد.....




- مين اللي سرق الجزمة.. استمتع بأجمل اغاني الاطفال على قناة ون ...
- “بسهولة وعبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل”… خطوات وشروط التس ...
- الشرع يرفض الجدل بشأن طلبه من امرأة تغطية شعرها قبل التقاط ص ...
- -عزل النساء- في دمشق.. مشهد يشعل الغضب ويثير الجدل
- سجلي الـــآن .. رابط رسمي للتقديم في منحة المرأة الماكثة في ...
- طريقة التسجيل في منحة المرأة العاملة في السعودية .. عبر المو ...
- سوريا.. إدارة الشؤون السياسية تخصص مكتبا لشؤون المرأة يعنى ب ...
- تعيين أول امرأة في الإدارة السورية الجديدة
- لا اعتراف بأمومتكن.. أهلًا بكنّ في “برمانا هاي سكول”
- سوريا.. تعليق أحمد الشرع على قلق العلمانيات من فرض ارتداء ال ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادرار نفوسه - خوصصة النساء