خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 3906 - 2012 / 11 / 9 - 14:34
المحور:
الادب والفن
عالم غابريل غارسيا ماركيز ومناخاته
لا يحتاج ماركيز شهادة من أحد على قدرته على صناعة نموذجه الروائي وقدرته الفذّة في اختيار شخوصه وامكانيته اللامحدودة في منحهم الحياة وقدرة الحركة والمقاومة العنيدة في ظل صراع لا يرحم , يطبق حدّ الموت .
ان اول ما يمكن ملاحظته عند العودة الى ماركيز , هو أن البيئة المسيحية في معظم اعماله في حالة انفصام او ما يشبه الطلاق عن تلك المسيحية الاوروبية المعروفة , او تلك التي توارثناها , بل سنجد فيها صورة اخرى ولونا اخر مغايرا فهي مسيحية متكيفة الى خصائص الوسط الذي صدرت المسيحية اليه . وسط من نوع آخر وجديد , ليس عصيا على الفهم والادراك بقدر ما هو وسط طوطمي , وثني كان يتألف بالاصل من العبيد والغزاة والهنود والمهاجرين والشرائح الهجينة من الخلاسيني وغيرهم الذين ولدوا من جراء الزواج والمعاشرة شرعية كانت او غير شرعية بين الاسبان والبرتغاليين والفرنسيين والانجليز مع السكان المحليين . من هنا يكون موضوع الاسقاط الاسطوري على هذه البيئة الدينية المتكيفة موضوع تساؤل , فهو لم ينجم عن موقف ميثولوجي مسبق , انما يقود في مجمله الى قدرة الكاتب ومهارته الفنية ومدى استيعابه لخصائص بيئة ونحتها فيه .
تقودنا قراءة التاريخ وخاصة ذلك الجزء الذي يتعلق منه بالأديان عموما الى انها -اي سائر الاديان - قد تكيفت حيثما كانت تهاجر وتحلّ في مناطق نفوذ جديدة مع الواقع المحلي , تدخل في هذا هجرة الرسول (ص) الى المدينة وكيف تكيفت جماعة المهاجرين مع الواقع الجديد وتقبلت شروط الحياة الجديدة وتنازلت بسبب وضعها الجديد عن بعض خصوصياتها . وفيما يتعلق بعالم ماركيز في موضوعة الاديان المهاجرة وتكيّفها للبيئة الجديدة , فأنها سمحت الى دخول الطقوس الوثنية اليها لكي تكون قريبة من مدارك واحاسيس تلك الجماعات المحلية .
ان معظم اعمال ماركيز تتداخل فيها الرؤيا المستقبلية والموقف المتجذر بشكل يتقاطع لكنه لا يلغي وحدة الموضوع . فان الاهمية التي تتدرع بها مائة عام من العزلة لا تكمن في شكلها على حده أو في مضمونها على حده , فالاصالة فيها دعوة فاضحة وقائمة في اسلوبها في وحدة تكوينها . وهي بذلك خرجت على السياق التقليدي في كل الروايات التي وقعت بين ايدينا من قبل , وسجلت حضورا مميزا ومتميزا عن سواها , فقد كسرت طوقا عصيّا على الكسر والتجاوز من اطواق البناء الروائي المألوف . وبكسره خرجت الى عالم الضوء والأنتشار تحت شمس الحياة التي لا تخبو .
الناصرية - خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟