عدنان اللبان
الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 22:55
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
( 1 )
جاءت حركة انصار حزبنا الشيوعي نتيجة ردة فعل عنيفة ومنطقية ازاء العنف , والقهر السياسي , والتصفية الجسدية, التي استهدفت الحزب ممثلا بمنظماته , وكوادره ورفاقه وأصدقائه .
ربما لم تكن الظروف الموضوعية ناضجة تماما لممارسة اسلوب الكفاح المسلح , لكن غياب وتلاشي اية فرصة لممارسة اي نشاط آخر ( سياسي , جماهيري , مطلبي , اعلامي ..الخ ) هو الذي املى على الحزب تبني هذا الاسلوب النضالي , فقد كانت القضية قضية حياة او موت ولا خيار ثالث بينهما .
لم يكن في تقديري ان قيادة الحزب , او غالبيتها قد فكرت في اتباع اسلوب الكفاح المسلح اصلا , والدليل على ذلك ان الحزب بكامله كان يفتقد الى خطة إستراتيجية واضحة , بل والى تكتيكات صائبة , وتجلى هذا النقص الخطير على نحو خاص عشية وخلال الهجمة الشرسة التي شنها البعث بهدف استئصال حزبنا من الحياة السياسية في العراق . فاختلط الحابل بالنابل , ولم يعد العضو او الكادر الحزبي يعرف كيف يتصرف ؟ والى اين يتجه ؟ . وإذا كان صحيحا ان كل الاخطاء بما فيها السياسية والتنظيمية , اساسها فكري , فقد اتضح ذلك مرة اخرى في القرار الذي اتخذته اللجنة المركزية على ما اذكر عام 1977 بكشف كل التنظيمات الحزبية والكوادر , حتى غير المعروفة للبعث , بحجة الحفاظ على التحالف وتعزيز الثقة بين الطرفين للسير سوية صوب الاشتراكية !! ذلك القرار الذي كان ينبع من الثقة العمياء بالبعث والمراهنة على بعض الانجازات الاجتماعية والاقتصادية , مولين ظهرنا كليا للديمقراطية السياسية وفي بلد يفتقر الى ابسط التقاليد الديمقراطية والسياسية عموما مثل العراق . كما اولينا ظهرنا في ذات الوقت لتراثنا الثوري الكبير , ولما قاله مؤسس الحزب ( فهد ) , عندما شبه التنظيم الحزبي بجبل الجليد العائم حيث يختفي ثلاثة ارباعه ويظهر ربعه فقط . فإذا كان الحال هكذا عشية الهجمة البعثية , يصبح من اليسير الاستنتاج بان قيادة الحزب , او اليمين المهيمن فيها لم يفكر في انتهاج هذا النوع من الكفاح ولا في غيره ! ( رغم امتطائه الموجة وسوقه الناس بالكرباج الى كوردستان خلال السنتين او الثلاث الاولى من عمر الكفاح المسلح ) .
يعود الفضل على ما اعتقد في تشكيل نواتات الكفاح المسلح اواخر 1978 وأوائل عام 1979 الى بعض كوادر ورفاق السليمانية واربيل , وعندما نمت هذه النواتات وأصبحت امرا واقعا تبنتها قيادة الحزب , وعادت الى كوردستان لقيادتها , مؤملة سقوط النظام خلال فترة وجيزة ( كانت العبارة الاثيرة في ذلك الزمان : النظام آيل للسقوط ! ) متطامنين جميعا الى ( الحتمية التاريخية ) في سقوط النظام طالما دخلنا نحن معترك الكفاح المسلح ومستنسخين تجارب اخرى مختلفة تماما .
وقد رافق ظهور الحركة الانصارية الشيوعية عدم فهم وتعتيم اعلامي , اقليميا ودوليا , بل ان اقرب حلفائنا ( الاحزاب الشيوعية ) لم تكن تفهم السبب الذي حدا بنا الى اتباع هذا الاسلوب الجديد من اساليب النضال , وبهذه السرعة الضوئية بعد ان جعلت قيادة الحزب من البعث ( البؤرة الاكثر ثورية في العالم الثالث ) والإصرار على الجبهة الإستراتيجية , كما ورد على لسان الرفيق عزيز محمد عند التوقيع على ميثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية . كما قوبلت حركتنا الانصارية ايضا ومنذ البدء بالعداء من دول الجوار , او بالمواقف غير الودية في احسن الاحوال ( هذا اذا استثنينا طبعا الفترة الاولى من الدعم والتسهيلات السورية ) . بل ان العداء كان يستحكم حتى في بعض القوى السياسية المناضلة على ارض كوردستان , وخصوصا الاتحاد الوطني وجناحه " كوملة " بالذات . فضلا عن عزلة الحركة الانصارية بكاملها عن الجماهير الكردستانية وإخفاقها في التحول الى حركة جماهيرية فاعلة خلال سنوات نشاطها , الامر الذي ادى وبمرور الوقت الى ظهور وتبلور شعور بالمرارة لدى عدد غير قليل من انصارنا , وتكريسه في السنوات اللاحقة بصورة واضحة .
في ظل هذه المواقف , وفي ظل التوازنات السياسية التي كانت سائدة في العراق وفي عموم المنطقة , كان من الخطأ اعتبار الكفاح المسلح الاسلوب الرئيسي في النضال , وكان ينبغي ايلاء اهتمام اكبر للأساليب النضالية الاخرى , وايلاء اقصى الاهمية لعمل الحزب في العمق رغم كل الصعوبات وإعادة بناء تنظيماته على اسس سليمة بعيدة عن المزاجية والارتجال , بعبارة اخرى كان من الواجب اعتبار الكفاح المسلح احد اساليب النضال , واقتصاره على الشبيبة القادرة على ادائه والمقتنعة به .
جاء الكفاح المسلح ثمرة لكل هذه الظروف والعوامل المعقدة وغير الطبيعية التي احاطت بولادته , اي انها كانت اشبه بعملية ولادة قيصرية فجاء الوليد غير معافى , ويحمل معه الكثير من الآلام والأمراض التي لا يرجى شفائها . وبالرغم من كل ذلك حققت حركة الانصار الشيوعيين نجاحات لا يستهان بها , ومآثر ستظل موضع اعتزاز لجل من ساهم فيها , بل وللحزب , والأجيال القادمة ايضا . وتتجسد هذه النجاحات التي هي في غالبيتها سياسية بما يلي :
1-ادت فيما ادت اليه الحركة الانصارية واستمرارها كل هذه السنوات ( اثر الانتكاسة , بل الانتكاسات المتتالية ) الى بقاء الحزب كقوة سياسية يعتد بها في الساحة السياسية , وخصوصا في صفوف المعارضة العراقية , اي فشل مخطط تغيبه واستئصاله بالكامل . واستطاع بعد تضميد جراحه او بعضها في الاصح , ان يلعب دورا بارزا في توحيد قوى المعارضة الوطنية , وان يشكل عامل استقطاب لعدد كبير من الاحزاب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية , كما اشاع في نفوس الشيوعيين وأصدقائهم الامل بديمومة حزبهم وإمكانية معافاته .
2-احترام القوى القومية الكردية للحزب واعترافها بوجوده في كوردستان , فقد كان المعيار الاساسي في ذلك الوقت لثورية اي حزب يتجسد في امتشاقه السلاح وإعلانه الكفاح المسلح اسلوبا رئيسيا لإسقاط الدكتاتورية .
3-التخفيف من التعصب القومي والتناقض الحاد بين الاكراد والعرب , والذي كان يغذيه النظام الدكتاتوري , والقوى القومية الكردية , وبعض الشيوعيين الاكراد ( لأسباب مختلفة يأتي في مقدمتها تدني الوعي السياسي , والاضطهاد القومي البشع الذي مارسته الحكومات العراقية المتعاقبة على الشعب الكردي ). والمفارقة المؤلمة التي يمكن رصدها هنا , هي ان المسيسين من الاكراد سيما اعضاء الاحزاب وكوادرها كانوا الاكثر تعصبا , اما الناس البسطاء فهم اكثر تسامحا واقل تعصبا من الفئة الاولى , لانهم يتعاطون مع الاشياء والظواهر كما هي وحسب رؤيتهم لها في الواقع الملموس لا وفق حسابات سياسية انانية ومصالح ضيقة .
4-حافظت الحركة الانصارية على العمود الفقري للحزب ( الكادر الحزبي رغم الصدأ الذي علاه في السنوات الاخيرة ) وكذلك الجمهرة الواسعة من اعضاء الحزب وأصدقائه .
5-دحض المزاعم القائلة بان نهج الحزب كان وسيضل يمينيا , من خلال رفع شعار الكفاح المسلح وممارسته عمليا .
6-ساهمت المعارك البطولية التي خاضها الشيوعيون في ازالة الوهم الشائع بان الشيوعيين لا يصلحون لغير العمل السياسي والتنظير .
7-تعزيز تنظيمات الداخل بالرفاق والكوادر الحزبية , وانتظام الصلة معها احيانا رغم الكوارث التي حصلت تباعا ونجاح السلطة في اختراق اكثريتها , نتيجة امكانية السلطة من جهة , وخطل سياستنا التنظيمية وعدم التشخيص الدقيق من جهة اخرى .
8-ارتفاع مستوى الوعي السياسي والنظري لعموم القاعدة الحزبية , حتى ليمكن القول دون مبالغة بان القاعدة الحزبية كانت اكثر وعيا وأكثر استشرافا للمستقبل من غالبية القيادة الحزبية التي ظلت تراوح في مكانها ان لم تتخلف اشواطا الى الوراء .
9-تحطم الصنمية ونظرة التقديس التي كانت سائدة في الحزب تجاه القادة باعتبارهم انصاف آلهة , واختفى معها الخوف من مواجهتهم بالحقائق او انتقادها . وتم الى حد ما تصديع جدار القمع الفكري الذي كان قائما في الممارسات الحزبية , وزادت من جانب آخر الرغبة في المساهمة الانشط في رسم سياسة الحزب وعدم الاقتصار على تنفيذها فقط .
لقد ظهرت سمات ايجابية جديدة , تمثلت في امتلاك عدد ليس قليل من الرفاق والأنصار الشجاعة لقول ما يفكرون به , والتصدي لمظاهر الخلل والنواقص الكثيرة التي كانت تسود الحياة الانصارية والسعي للارتقاء بمستوى العمل بجدية ظاهرة .
باعتقادي ايضا كان اكبر الاخفاقات وأخطرها على الاطلاق هو عدم قدرتنا على تفهم طبيعة وجوهر النظام , مصادر قوته , آلية عمله , طبيعة وسعة تحالفاته العربية والإقليمية والدولية . ولم ندرك , او لم نرغب في الادراك بأن البعث استطاع ان يقيم نظاما توتاليتاريا شموليا , يرتكز على الثالوث الفاشي المعروف 1-الارهاب المنفلت بلا حدود. 2-الرشوة, داخليا وعربيا وعالميا . 3-الديماغوجيا , التي كرس لها جهازا اعلاميا كفوءا , ومنابر اعلامية وثقافية في المحيطين العربي والدولي . مضافا الى كل ذلك خبرة واسعة في خصوصية المجتمع العراقي , وفي كيفية الانفراد بالخصوم السياسيين والتغلب عليهم الواحد اثر الآخر . اي ان الخبرة البعثية ( التي هي خبرة المافيا ) كانت في صلب المشروع البعثي لتأطير المجتمع , ويعني ذلك مسخه وجعله حطاما لا ينفع لشئ , وهنا ينبغي الاعتراف بانه نجح في ذلك كل النجاح .
الفهم الخاطئ جدا لطبيعة النظام العراقي , والذي استمر لسنوات متأخرة من الكفاح المسلح , ادى بطبيعة الحال الى عدم ادراك حالة اللاتكافؤ المريعة بين قوة النظام وإمكاناته من جهة , وقوة وإمكانات الحزب والمعارضة من جهة اخرى , فكنا نبالغ في امكانياتنا الذاتية الى ابعد الحدود , ونقزّم قوة النظام وإمكانياته الى ابعد الحدود ايضا . اي اننا كنا اسرى المرض المزمن في استبدال الواقع المأساوي بالطموح والحلم الذي نحتضنه بإصرار عجيب , رغم وجود دلائل ومؤشرات كثيرة تشي بعدم امتلاكه شروط النجاح . وهذا الفهم اللاموضوعي استتبع بالضرورة سلسلة من الانتكاسات , والأخطاء السياسية والعسكرية وحتى الفكرية .
" يتبع "
.
#عدنان_اللبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟