|
هذا ليس دستوراً !
السيد مكاوي زكي
الحوار المتمدن-العدد: 3905 - 2012 / 11 / 8 - 20:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقضي المادة " 16 " من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789 والذي جاء نتاجاً للثورة الفرنسية علي تعريف الدستور. وطبقاً لهذا المادة فإن أي مجتمع ليس لديه ما يضمن حريات المواطنين وحقوقهم الأساسية واحترام القانون وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يصبح بدون دستور حتى إذا وجد بهذا المجتمع وثيقة يطلق عليها الدستور. وطبقاً لهذا التعريف فإن مسودة الدستور التي طرحتها اللجنة الإدارية المسماة "الجمعية التأسيسية" والتي هيمنت عليها الأحزاب الطائفية ليست بدستور بل هي وثيقة تؤسس لديكتاتورية مستبدة طائفية وذلك للأسباب الآتية: أولاً: المسودة تؤسس لديكتاتورية الرئيس فالمسودة تؤسس لديكتاتورية الرئيس إلى الحد الذي يصبح فيه الرئيس مرادفاً للدولة. فالرئيس هو من يعلن الحرب ويعقد السلام وهو القائد الأعلى للجيش ويحق له الاعتراض على القوانين و وهو من يعين رئيس الوزراء و الوزراء وللرئيس أن يقيل الحكومة ويحل البرلمان ويعين كبار موظفي الدولة المدنين والعسكريين بما فيهم القضاة ورؤساء الأجهزة الرقابية دون عناء الحصول علي موافقة البرلمان. فالرئيس في مسودة الدستور الجديد يستطيع أن يقول بملء فيه "أنا الدولة" لقد تمتع الرئيس في مسودة الدستور الحالية بما لم يتمتع به الملك في دستور 1923 أو الرئيس في دستور 1954 حيث كانت قرارات الملك أو الرئيس مقيدة بموافقة رئيس الوزراء والوزير المختص باعتبارهما مشاركين في المسئولية ويحاسبون عليها أمام البرلمان وقد تم تذكير رئيس الوزراء والوزراء بأن أوامر الملك أو الرئيس الشفهية أو المكتوبة لا تعفيهم من المسئولية(مواد 48،60-62 في دستور 1923 ومادة 111 دستور 1954) بما يعني أن مصلحة البلاد العليا وليس أوامر الملك أو الرئيس هي الفيصل في اتخاذ القرارات. ثانياً: مسودة الدستور تؤسس لدولة رجال الدين لأنها تسمح بإنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني سواء كانت إسلامية أو مسيحية "المادة 6" بما يجعل السياسة المصرية صراعات بين أديان وعقائد ويهدد بتقسيمها علي أسس طائفية. فضلاً عن ذلك فإن المسودة تجعل لعدد محدود من رجال الدين المسلمين دون غيرهم السلطة المعنوية والأدبية في تفسير النص الديني" الشريعة" وهو أمر غريب على الإسلام فالإسلام لا يعرف الكهنوت ولا توجد فيه واسطة بين المسلم وربه أو بين المسلم وكلام ربه ممثلاً في القرآن الكريم أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ممثلة في الحديث الشريف. فبأي حق يتم حصر حق تفسير النص الديني على مجموعة بعينها من البشر دون باقي المسلمين ليصبحوا المتحدثين الوحيدين باسم الله جل جلاله! فضلا على ذلك هناك محاولة لتنصيب السلطة التنفيذية "الدولة" وصية على المجتمع في أخلاقه وسلوكه "المادة 10 " والأصل أن الحكومة "الدولة" هي خادم لدى المجتمع تقوم على رعاية مصالح أفراده المشتركة، والمجتمع هو من يُقيم الحكومة ويسمح ببقائها أو يزيلها ويعبر عن نفسه من خلال الرأي العام ونوابه في البرلمان ويقرر إذا ما كان هؤلاء النواب نجحوا في تمثيله أو التعبير عنه من عدمه فيجدد الثقة فيهم أو يسحبها منهم وكذلك يفعل بالحكومة والرئيس ومن ثم فلا يجوز أن يصبح الخادم وصياً على سيده أو في مكانة أعلى منه.
ثالثاً: المسودة "غامضة" فمسودة الدستور غامضة ومطلوب من الشعب أن يصوت علي " مجهول لا يعلمه" فالمسودة تحتوي على أكثر من أربعين مادة مزيلة بكلمات مثل " وفقا للقانون" أو " كما سيحدده القانون" أو " في حدود القانون". وهذه كلها أبواب خلفية للتلاعب بمواد الدستور لأننا لا نعلم من الذي سيضع نصوص هذه القوانين و ماذا سيضع بها ومن الذي سيوافق عليها وهي غالبا ما ستخضع لمنطق المغالبة السياسية داخل البرلمان وهو المبدأ الذي لا يجوز تطبيقه عندما يتعلق الأمر بالدستور. والسؤال ما الذي يدعو إلي الإحالة فيما يتعلق بمواد الدستور الذي هو أبو القوانين إلى "القانون الأدنى" والذي يستمد قوته الدستور. وحتى إذا ما ادعى البعض أن هناك بعض دساتير لبعض الدول أحالت إلى القانون فإن هناك دساتير أخرى مثل الدستور الأمريكي لم تحل إلى القانون نهائياً وحيث أن المصريين قد تخلصوا لتوهم من نظام مستبد كان يتلاعب بالدستور والقوانين فإنه سيكون أبعد للشبهة وأقرب للمصلحة العامة أن توضع نصوص الدستور خالية من أي إحالة إلى القانون الأدنى ثم يستطيع المشرع أن يضع ما يراه من قوانين بما لا يتعارض مع نص أو روح الدستور. فإذا ما وقع خلاف ترك للمحكمة الدستورية العليا الفصل في مدى مطابقة أو مخالفة هذه القوانين للدستور وهذا هو دورها الذي تلعبه في النظام السياسي السليم. رابعاً: تمثل المسودة عدوان علي حقوق الإنسان لقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً في الاتفاق على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي لا يمكن انتقاص أحدها أو الحد منها واعتبرت هذه الحقوق والحريات حقاً طبيعياً وأصيلاً لكل إنسان و ليس منة من أحد. ولقد وصل يقين المجتمع الدولي بهذه الحقوق إلى درجة أن القانون الدولي برر للدول التدخل في شئون بعضها البعض لدواعي حماية حقوق الإنسان وقد أسهم تدخل الدول الغربية في شئون البلقان التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر بحجة حماية حقوق الأقليات المسيحية إلي تفكك البلقان وفقدان العثمانيون سيطرتهم عليه. وقد وقعت مصر منذ أكثر من نصف قرن على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شأنها في ذلك شأن كل دول العالم المتحضر وعليه فلا يمكن أن يحاول البعض كما رأينا في مسودة الدستور الحالي أن يتلاعب بحقوق وحريات المصري كإنسان من خلال التجاهل التام للمواثيق الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان وعدم الإشارة إليها في مسودة الدستور. خامساً: المسودة لا تعالج أسباب ثورة 25 يناير أتت الدساتير العظيمة في تاريخ العالم استجابة لرغبات الشعوب التي عبرت عن نفسها في ثورات وقد كانت ثورة 25 يناير احتجاجاً عنيفاً على إهدار كرامة الإنسان المصري وحالة الظلم الاجتماعي وعدم توفير أبسط ضرورات الحياة و عدم تداول السلطة سلمياً و عدم احترام القانون و تجاهل المعارضة التي عبرت عن الهم العام والواجب أن يضع الدستور حلول واضحة وآليات لمعالجة هذه المشكلات وليس فقط الاكتفاء بشعارات رنانة دون التطرق إلي الآليات و الوسائل. ونذكر هنا أن أحد المشكلات التي قادت إلى الثورة كانت مشكلة "التوريث" والتي لم تشر مسودة الدستور إليها من قريب أو بعيد. وقد تناول دستور فرجينيا (1971) والذي يعد الأب الشرعي للدستور الأمريكي قد عالج هذه المشكلة في مادته الأولي والتي منعت توريث المناصب والوظائف العامة ومن ثم فيجب معالجة مشكلة التوريث السياسي والوظيفي في مصر التي أضرت بمصالح البلاد العليا وعرضتها للخطر وولدت حالة من الاحتقان الاجتماعي وقضت عملياً علي مبدأ تكافؤ الفرص. سادساً: المسودة لا تمنع قيام حكم مستبد إن الوظيفة الأساسية لأي دستور حقيقي هي منع قيام حكومة مستبدة أياً كان شكلها جمهوري أم ملكي ولا يتم ذلك إلا من خلال التوثق من أن الدستور يكفل أشياء أساسية من قبيل : 1. الشفافية الكاملة في انتخاب السلطة وضمان نزاهتها من خلال إشراف قضائي كامل ودائم. 2. الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية – التشريعية – القضائية) وضمان استقلاليتها. 3. التوازن بين صلاحيات السلطات الثلاثة بما لا يجعل أحد السلطات أقوى من السلطات الأخرى فيطغي عليها و يؤسس لاستبداد. 4. كيفية محاسبة كل مسئول أو خادم للشعب وذلك بتوضيح ما هي جرائمه ومن سيحاسبه وكيف سيحاسبه وما هي العقوبات التي ستوقع علي المقصرين. وللأسف الشديد فإن المسودة الحالية فشلت في توفير هذه الضمانات التي من شأنها منع قيام حكومة مستبدة. وأخيراً فلا يجب أن ننسى أن نجاحنا في وضع دستور حقيقي يعبر عن أماني كل المصريين و يصون حقوقهم و حرياتهم الأساسية ويحميهم جميعا بلا تمييز ويمنع قيام حكومة مستبدة هو الضمانة الوحيدة بجانب يقظة الشعب لبناء استقرار سياسي واقتصادي للبلاد بما يقود إلى مستقبل مشرق لأبناء هذا الوطن الغالي.
#السيد_مكاوي_زكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسودة الدستور تدعو لتقسيم مصر!
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|