خالد أبو شرخ
الحوار المتمدن-العدد: 3902 - 2012 / 11 / 5 - 00:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الحركة النازية حركة عرقية شمولية، قادها هتلر وهيمنت على مقاليد الحكم في ألمانيا، وعلى المجتمـع الألماني بأسـره, جاءت ضمن حركات سياسية فكرية أخرى تحمل نفس السمات، ظهرت داخل التشكيل الرأسمالي الغربي بعد الحرب العالمية الأولى .
كانت النواة الأساسية للحركة النازية, هي حزب صغير يُسمى "حزب العمال الألمان", أُسس في جو البطالة والثورة الاجتماعية عام 1918م, بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى, وإذلالها على يد الدول الغربية المنتصرة, وكان المنظّر الأساسي للحزب هو "جوتفريد فيدر", الذي نادى بعقيدة لها صبغة قومية قوية, وطابع اشـتراكي، تدعـو إلى ملكية الدولة للأرض وتأميم البنوك, وكان من أوائل من انضم لعضوية هذا الحزب محاربون قدامى, مثل "رودولف هس" و"هرمان جورنج"، ومثقفون محبطون مثل "ألفريد روزنبرج" و "ب.ج. جوبلز" و"هتلر" نفسه، وشخصيات أخرى مثل "يوليوس سترايخر", وقد ازدادت عضوية الحزب, لأنه توجه إلى المخاوف الكامنة لدى قطاعات كبيرة من الألمان, من الشيوعيين والبلاشفة، وإلى حنقها على معاهدة فرساي, التي أذلت ألمانيا, وحولتها إلى ما يشبه المستعمرة، وعلى جمهورية "وايمار" المتخاذلة, التي قبلت هذا الوضع، وإلى إحساس الجماهير بالضياع في المجتمع الحديث, وإحساسهم بالقلق وعدم الطمأنينة نتيجة تآكل المجتمع التقليدي, ورغم أن الحـزب كان يُسمى "حزب العمال"، إلا أنه لم يضم كثيراً من العمال بين أعضائه، ولم ينضم له سوى العاطلين عن العمل, وأُعيد تنظيم الحزب عام 1920م وسُمي "حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي", وترأسه "هتلر" الذي حصل على تأييد "لودندورف" (بطل الحرب العالمية الأولى), وعديد من رجال الصناعة, الذين رأوا أن بإمكان هتلر تقويض دعائم النظام السياسي القائم، الذي لم يكن يسمح لهم باتباع سياسة رأسمالية حرة تماماً، كما أنهم رأوا أن وجوده يمثل الفرصة الوحيدة أمامهم لوقف تقدم الشيوعيين, وقد تزايد نفوذ الحزب مع اتساع نطاق الكساد الاقتصادي, وحل كتاب "هتلر" كفاحي محل برنامج "جوتفريد فيدر" الذي تحول إلى مجرد ناطق بلسان هتلر، كما تراجع الخطاب الاشتراكي وحل محله خطاب نازي أكثر تطرفا.
وسار الحزب النازي بخطى واسعة في الـفترة من 1930م حـتى 1932م، ووصلت عضويته إلى مليونين بحيث أصبح الحزب الثاني في ألمانيا, أثناء فترة الكساد الكبير الذي بدأ عام 1929، وهي فترة شهدت تآكل مدخرات المراتب الإجتماعية الوسطى, وانتشار الحركات الإباحية والبغاء والفوضوية وتعاظم نفوذ الشيوعيين, ورغم أن "هتلر" خسر انتخابات الرئاسة عام 1932م أمام "هندنبرج"، إلا أن حزبه النازي أصبح أكبر حزب ألماني على الإطلاق, وقد فشل المستشار "فون بابن" في الاحتفـاظ بأغلبية تمـكنه من الحـكم في البرلمان، وذلك لعجز كلا من الحزبين الاشتراكي والشيوعي من التحالف, فأُجريت انتخابات أخرى وكان هتلر قد حصل إبان ذلك, على الدعم المالي, من رجال المال والصناعة في وادي الراين, الذين كانوا يهدفون إلى احتوائه واستخدامه كأداة.
وكان هتلر يستخدم خطابين مختلفين, أحدهما للجماهير، والآخر لرجال المال, وقد احتجت بعض العناصر الاشتراكية في الحزب على الاتجـاه المتزايد نحو اليمين، ولكن هتـلر نجح في القضاء على هذه العنـاصر, وفي عام 1933م، قام الرئيـس "هـندنبرج" بتعيين هتلر مستشارا, وحينما اندلع حريق في مبنى البرلمان (الرايخستاغ)، قام هتلر بطرد النواب الشيوعيين, بعـد أن ألقى التبعة عليهم, ثم اقـترع البرلمان على منـح هتلر سـلطات شاملة، ومن ثم أنجز هتلر ثورته القانونية, وفي يونيه 1934م أصبح الحزب النازي هو الحزب الأوحد، وقام هتلر بتصفية البقية الباقية من العناصر العسكرية في حزبه بطريقة دموية، وكان من بينهم "إرنست روم" رئيس قوات العاصفة, كما قام هتلر بضرب اليمين، فأثبت بذلك أنه لم يكن مجرد أداة في يد الممولين, أو بقايا النظام الملكي, فأمم المصارف وبعض الصناعات, ومع هذا استفادت العناصر الرأسمالية, من خلال سيطرة الدولة على كثير من القطاعات الاقتصادية، فقد أُلغيت اتحادات العمال، وفقد العمال حقوقهم، وتم استيعابهم في مؤسسات الحزب، وتم التنسيق بين جميع مؤسسات الدولة والحزب, كما أصبحت الخدمة العامة إجبارية، ثم فرض التجنيد الإجباري, وأُخضعت ألمانيا كلها لنظام مركزي قوي, وأُلغي استقلال الولايات، وأُخضعت لهيمنة "الفوهرر" وأجهزته مباشرة، بل أسس الحزب كنيسة ألمانية, بهدف السيطرة على الكنائس البروتستانتية.
في عام 1936م بدأت خطة السـنوات الأربـع لإعـادة تسـليح ألمانيا، وإعادة تنظيم الاقتصاد, انطلاقاً من الاعتماد على الذات, وقد حقق النازيون نجاحاً اقتصادياً باهرا، الأمر الذي زاد من التفاف الجماهير حولهم، حيث تم القضاء على البطالة, وبُنيت منشآت عامة عديدة، ثم سيطر هتلر على حزبه سيطرة كاملة، وتولى "هملر" رئاسة الجستابو (البوليس السري) عام 1936م, وبعد مـوت "هندنبرج"، أصبح هتلر رئيـساً للدولة, لا يقاسـمه السـلطة أحد, ونجح في استصدار قرار عام 1934م بتأسيس الرايخ الثالث الذي سيدوم ألف عام، وأصبح هو حاكم (فوهرر) ألمانيا بلا منازع.
وبدأ هتلر في تنفيذ مخططه الإمبريالي في الداخل والخارج, إنطلاقا عن الرؤية النازية للعالم , فقد آمن النازيون بفكرة الدولة باعتبارها مطلقا متجاوزا للخير والشر, وحدد هتلر المطلق الأول والأوحد (الدولة), بدقة غير عادية حين قال: "إنه لابد من تحقيق العدالة وتوظيفها في خدمة الدولة"، أي أنه لا يوجد مفهوم مطـلق للعـدالة، وإنما تتحدد العدالة بمقدار تحقيق نفع الدولـة, والدولة كمطلق هي الإطار الذي يُعبر الشعب العضوي (فولك) الألماني من خلاله عن إرادته.
تبنت النازية النظرية العرقية، وأكدت التفوق العرقي للشعب الألماني على كل شعوب أوربا، ولشعوب أوربا على كل شعوب العالم, ورفض هتلر فكرة المساواة بين البشر, باعتبارها فكرة دينية "حيلة يهودية مسيحية"، "نوع من التنويم المغناطيسي تمارسه اليهودية الغازية للعالم بمساعدة الكنائس المسيحية".
قامت النظرية العرقية النازية, على فكرة الشعب العضوي (فولك), الذي تُوجد وحدة عضوية بين أعضائه من جهة، وبين حضارتهم والأرض التي يعيشون عليها من جهة أخرى، وهي وحدة لا تنفصم عراها, ولا يمكن لهذا الشعب أن يحقق كل إمكانياته, إلا بعد أن يضم إليه مجاله الحيوي, حيث تتجسد عبـارة "الدم والتربة"، وهي من الشعارات الأساسية للنازية, والمرتبطة بفكرة الشعب العضوي, وهذه العبارة تمجد آداب الفلاحين, وعواطفهم باعتبارها تجسيداً للصفتين الأساسيتين اللتين يستند إليهما رقي الجنس الألماني؛ الدم الألماني والتربة الألمانية, وهي تحول الدم والتربة إلى المرجعية أو الركيزة النهائية, التي تستند إليها المنظومة المعرفية والأخلاقية للفولك, حيث يُنصب شـعب من الشـعوب نفسـه إلهاً على بقية الشعوب، فدمه وتربته يحويان كل القداسة, ويعطيانه حقوقاً مطلقة لا يمكن النقاش بشأنها, أما العناصر الغريبة الأجنبية, فهي تؤدي إلى إعاقة هذا التكامل العضوي الصارم، وبالتالي فهي عناصر ضارة لابد من استبعادها.
ترجم كل هذا نفسه إلى مفهوم العرق السيد، وهو العرق الآري الألماني, الذي سيحتفظ بنقائه العرقي, ويؤسس أمة تتألف من الحكام المحاربين والمفكرين، قدرها المحتوم أن تحكم الأعراق الدنيا, وتعيش على عملها, وتحقق السيادة على العالم, وهذه الأمة تنتظم على شكل هرمي, ففي قاعدته تقف جماهير الشعب العضوي المتماسك, تعلوه نخبة من العلماء والساسة تتسم بالصفات العرقية الأكثر تفوقا، يدورون جميعا في إطار واحد, هو الدولة القومية التي تتجاوز مصالحها كل المصالح، وعلى قمة الهرم يقف "الفوهرر", التجسيد المادي المحسوس والتاريخي للشعب العضوي والدولة, والذي تتركز فيه جمـيع القوى الحيوية الكامنة في الهرم، وهو القادر على تحريكه، وهو القادر على حسم كل الاختيارات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، تساعده النخبة العلمية والسياسية الحاكمة .
هذا الهرم المنظم تنظيماً دقيقا, يتحرك بشكل محايد ليدافع عن مصلحته، كما يراها هو، وعن منفعته، كما حددها هو، أو كما حددتها النخبة الحاكمة من علماء وساسة, وحركة الهرم النازي تتسم بالتجرد المذهل, من القيم والعواطف والغايات الإنسانية, فقد كانت واحدة من أهم مؤسسات الإبادة تدعى "مؤسسة تدعيم القومية الألمانية"، وقد أُسست عام 1939م, لتوظيف العناصر الألمانية غير المرغوب فيها بما يخدم الدولة, وكان هملر الذي أُسندت له مهمة إدارة هـذه المؤسـسة القومية, يرى أنها تجسد قيمة قومية عضوية مطلقة، فهي تخدم المصالح العليا المطلقة لألمانيا، وكان رجاله يؤدون واجبهم بأمانة وإخلاص شديدين لوطنهم.
كان تنظيم الحزب النازي, تعبيراً عن نفس الرؤية، فقد استعار هتلر من التنظيمات الشيوعية فكرة الخلية والتنظيم الهرمي للحزب ( لكن بدون مركزية ديمقراطية)، واستعار من الفاشية الإيطالية, فكرة ميليشيا الحزب ذات الزي الموحد، وهؤلاء هم مرتدو القمصان البنية وكان يشار إليهم بالحرفين إس. آي S. A. (قوات العاصفة), أما النخبة فهم فرق الإس. إس .S. S (نخبة الأمن) أو (الحرس الخاص)، وكانوا يرتدون قمصاناً سوداء وشارة الموت, وكان للحزب تحيته الخاصة بأن يرفع العضو ذراعه اليمنى ويقول: "هايل هتلر", وأصبح الصليب المعقوف رمزه، كما كان له نشيده الخاص.
رأت العقيدة النازية, أن هذا الهرم الألماني المنظم، لابد أن يسيطر على العالم بأسره, وقد استفادت هنا من الفكر الجغرافي السياسي الغربي, إذ رأى النازيون أن ألمانيا أمة حركية, من حقها أن تحصل على مجال يتناسب مع قوتها وحيويتها، وهو مجال أوسع مما سمحت به معاهدة فرساي.
انطلاقاً من كل هذا وضعت ألمانيا فوق الجميع, وأصبح للألمان حقوق مطلقة, فيما تصوروا أنه مجالهم الحيوي, وقد رأى النازيون, أنه يجب على الشعب الألماني, أن يستيقظ من سباته ويتنبه للخطر، وأن يغزو مجاله الحيوي, حتى يصبح مجالاً ألمانياً صرفا, خالياً من السلاف والأقليات الأخرى .
عقيدة الشعب العضوي (فولك), تحتاج دائماً إلى آخر تستمد منه هويتها, والآخر هنا, هو كل من يقف في طريق تحقيق الأطروحات النازية، وهم في هذه الحالة السلاف بالدرجة الأولى، الذين يشغلون المجال الحيوي في الخارج.
ولكن انطلاقاً من الرؤية الرأسمالية النفعية المرنة, طور النازيون مقياساً مرنا لتعريف من هو الآري، ولذا كان الشخص السلافي، الذي يتسم بقدر كاف من الصفات العرقية البيولوجية الألمانية, من بينها الطول ولون العيون، يُعاد تصنيفه "آرياً", ثم يلحق ببرنامج خاص للأرينة (أي التحويل للآرية), ليتعلم الألمانية, والسلوك الألماني الأصيل, وكانت هناك مؤسسة خاصة تسمى "المكتب الرئيسي للعرق والتوطين"، مهمتها هي تحديد الصفات الآرية وإمكانية الألمنة, وانطلاقـاً من الرؤية البرجماتية, نفسـها صنف اليابانيون حلفاء الألمان، «آريون شرفيون» رغم انتمائهم للجنس الأصفر .
أما جبهة الداخل، فكانت توجد عناصر عديدة غير نافعة, مستهلكة دون أن تكون منتجة، وأحياناً ضارة (وذلك حسب وجهة النظرالنازية), من بينها الشيوعيين والغجر والمصابين بأمراض وراثية مزمنة و الأقزام والمعوقيين والمثليين, ولذا كان النازيون يرون ضرورة إبادة العناصر الضارة, في الداخل والخارج, السكان السلاف الذين يعيشون داخل المجال الألماني الحيوي، والغجر ممن لا نفع لهم، واليهود خصوصاً الأقلية المالية اليهودية.
واتبع النازيون, واحد من أهم المفاهيم الطبية في القرن التاسع عشر، وهو مفهوم "الصحة العرقية"، الذي ينطلق من ضرورة الحفاظ على وحدة الشعب العضوي, وعلى بقائه, فهما سر تفوقه ورقيه, عن طريق التخلص من العناصر الضارة أو غير النافعة .
وقد أصدرت النخبة النازية, عدة قوانين لضمان الصحة العرقية، فوضعوا البشر تحت تصنيفات مختلفة:
• المستهلكون الذين لا نفع اقتصادي لهم: مثل المعتوهين والمتخلفين عقلياً والمصابين بالشيزوفرنيا (انفصام الشخصية) والأطفال المعوقين, والأفراد المتقدمين في السن والمصابين بالسل، والمرضى الميئوس من شفائهم, بل كان يُضَم لهؤلاء الجنود الألمان, الذين أصيبوا أثناء العمليات العسكرية، فعلاجهم كان يُشكل عبئا على ميزانية الدولة.
• المنحلون: وهم الشيوعيون والمثليون, وعدد كبير من أعداء المجتمع, الذين يتسمون بالسلوك غير الاجتماعي مثل مدمنو الكحول والعاهرات والمجرمون ومدمنو المخدرات ومن لا مأوى لهم.
• أعضاء الأجناس الدنيا: مثل السلاف والغجر واليهود والأقزام، فهم غرباء داخل الفولك الألماني, ولا يوجد مبرر قوي لوجودهم, إلا باعتبارهـم مادة خام توظَّف لصالح الجنس الآري الأرقى،خاصة أن بعضهم، مثل البولنديين، يشغلون المجال الحيوي لألمانيا.
على النموذج العقائدي النازية, تم استئناس قطاعات واسعة من الشعب الألماني, وتحييد حسه الخلقي تماما, وإسكات عواطفه، ليكون في انتظار التعليمات, والحلول الواقعية العلمية و العملية النهائية لمشـاكله، وهي الحلول التي سـتأتيه من مجمـوعة من رجال الحزب والعلماء وأهل التخصص.
وتم إعداد الآلة الإبادية ذات الكفاءة العالية، وتم النظر إلى العالم بأسره، على المستويين المعرفي والوجداني، إلى مادة استعمالية خام .
وحينما بدأت آلة الإبادة الجهنمية, ذات الكفاءة العالية, منقطعة النظير، في الدوران، كانت الإبادة قد تحققت معـرفيا ووجدانياً ونظرياً، من خلال النموذج العقائدي النازي، قبل أن تتحقق فعلياً من خلال معسكرات الاعتقال والسخرة والإبادة.
المصادر:
ندوة مجلة النهج بمناسبة مرورد اربعون عاما على الانتصار على الفاشية عام 1985م
كتاب صعود النازية للباحثة نيرمين سعد الدين ابراهيم
أصدار -صفحات للدراسات والنشر عام 2008
بحث النازية والصهيونية للباحث فارس غلوب
اصدار مجلة شؤون فلسطينية عدد 84 ، ص 67-94 ، عام 1978
الصهيونية في عصر الديكتاتوريات للباحث الامريكي اليهودي ليني برينير
http://www.countexpunch.org/brenner1223.html
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للباحث عبد الوهاب المسيري
#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟