|
الأيمان والمؤمنون
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 00:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هو مؤمن لان منهجه الايمان، والايمان هو التصديق والتسليم الكامل دون ادنى شك بصحة ما أومن به، لذلك يقولون بـ الايمان الاعمى، والاعمى هي صفة المؤمن وليس صفة الايمان، صفة لعقل المؤمن وليس لعيناه، فاعمى العين وان لا يمكنه البصر، الا انه يشك ويفكر ويحلل ويركب ويستنبط، اما اعمى العقل، اي المؤمن، فانه وان استطاع البصر بعينيه الا ان عقله حجارة صلدة، لا تعي ولا تبصر. المؤمن يسره عمى البصيرة، اذ ان البصيرة، وهي رؤية الصحيح في متاهات الشكوك وتشابك الافكار، تعني البحث والتحليل، والبحث متعب ذهنيا ومؤلم عاطفيا وقد يجرانه، رغم انفه، الى استخدام العقل والتفكير فيقودانه الى جهنم التي ابدع الله في صنعها لتعذيب جسد الانسان على ابداعات عقله. الايمان مثله مثل الوضوء له مبطلات ايضا، فالسؤال عن ذات الله وعن من خلقه وعن انبيائه ورسله وعن الكون ، كلها من اعظم مبطلات الايمان، الهاجس الواحد منها يوجب استغفارا ابديا، فالهواجس ليس الا تساؤلات تبحث عن اجوبة، والايمان لا يطرح الاسئلة، فهو المطلق لكل القناعات. الايمان هو اللا- سؤال- اللا-جواب. لذلك اعتبر اهل الايمان بان المفكرين والفلاسفة هم زنادقة وهراطقة فطاردوهم وقتلوهم واحرقوا كتبهم وكانوا لهم دائما بالمرصاد. . المؤمن الصادق يتمنى في قرارة نفسه ان يعمي الله عيناه حتى لا يرى من المباهج او النساء ما يهيجه، وان يميت حواسه وغرائزه فهي القنوات التي يصل عبرها الشياطين باسلحتها، المؤمن يتمنى لو اصابه الله بالعنة حتى لا يزني، ويشله ويقعده حتى لا تقوده قدماه الى المعاصي وان يخرسه حتى لا ينطق لسانه بما نهى الله عنه. فايوب ذلك النبي الاجرب المتقيح الذي عافه حتى الذباب هو قدوة المؤمن وهدفه. المؤمن الصادق لا يحب ولا يعشق، وميله الى النساء تفرضه الغريزة وليس العاطفة، الجنس عنده اشباع غريزة، غريزة غير مثقفة، غير متحضرة.
واذا قلنا عن المؤمن الصادق، فهل هناك مؤمن كاذب.؟ المؤمن الكاذب هو ذلك الذي يحاول تبرير موافقه وقناعاته ويستخدم كافة اشكال المعرفة الانسانية، العلمية او الخرافية مثل تلك التي تقول بوجود الارواح والاشباح، في تاكيد صحة اعتقاداته. فالايمان لا يفترض البراهين ولا يتطلب الاثباتات، لكن المؤمن الكاذب، وهو يعيش في تناقض معرفي، يسعى الى اقناع نفسه قبل ان يقنع الاخرين بصحة ما لا يصح..
من صفات الايمان الجهل، والجهل نعمة الله على عبادة المغفلين الذين ان اصابهم مرض او حلت بهم كارثة نظروا الى السماء الزرقاء، حيث يسكن الرب كما يعتقدون وقالوا حمدا لله. فان تحسرالمؤمن او تضايق او حزن لبلاء اصابه او مكروه حل به، اعاب عليه الجمهور ذلك وقالوا بان يكف عن الشكوى فهو رجل مؤمن. الجهل في حالة المؤمن اندفاع ورغبة ذاتية، فاذا كان غير المؤمن يتوق ويتشوق للتعلم والتثقيف ويسعى الى زيادة معارفه ليواكب التقدم والتطور ويرعى في حدائق المعرفة والعلم ليكون عضوا نافعا في المجتمع، فأن المؤمن يبذل جهودا جبارة لكي يغسل عقله من اي معلومة نافعة قد تكون علقت في تلافيف دماغة عرضا او صدفة او عن طريق الاعادة والتكرار، لن يرتاح او يهنئ له بال حتى يجد من يطردها له، فالشك هو الابتلاء الكبير الذي يصيب عقل المؤمن، الشك ان اصاب المؤمن سيظل ينهش فيه ويعذبه الى درجة الخبال. اعرف احدا، وقد كان قريبا لي، لاحظته يوما وهو لا يكف عن الركوع ولا عن السجود المستمر لاكثر من ساعة، عندما فرغ سألته اذ ما كان يصلي لموتاه او ليؤدي فروضا قد نساها!! قال لي لا هذا ولا ذك، انه واثناء تأديته الصلاة، اذ يحمد الله بلسانه، يشتم الله ورسوله بقلبه، لذلك يضطر الى اعادة الصلاة فلعل قلبه يوافق لسانه ويكف ان انزال الاهانة بالاله وبالرسل، لكنه، وكلما كرر الصلاة يزيد قلبه اصرار على الشتم والتحقير. هو ليس حالة فريدة، اذ انه عندما استرسل بحديثه، أخبرني عن مصدر هذه اللعنة التي حلت به، قال، ان صديقا قد قاطعه الان، اخبره انه عندما يصلي، يلعن الاله والانبياء جميعا في داخل قلبه، لذلك قرر التوقف عن اداء الصلاة حتى لا تكون سببا للكفر. قلت له ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر!! لم يجد جوابا غير الامتعاض.
المؤمن يصر على ان كل جديد بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. البدعة لا تقتصر على تحريم التجديد في شكليات العبادة والآداب الدينية، بل تعدت ذلك، واصبحت مثل مقص الرقيب تمنع اي جديد. المؤمن وان يرى الاحداث ويستخدم نفس الكلمات التي ينطقها ويراها الانسان الطبيعي، لكن التفسير والمعنى يختلفان بين العقلين، عقل المؤمن وعقل الانسان الطبيعي. عمر بن الخطاب وقد ادرك عن طريق الملاحظة وليس عن طريق التفكير، بان الحجر الاسود ليس الا حجرا مثل بقية الحجارة لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فهو مثل الاصنام الجميلة التي كفروا من يسجد لها، لكنه، اي عمر، استمر في تقبيل الحجر قائلا: والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. اما كان الاجدر بعمر ان يعيب على رسول الله تقبليه حجرا لا يملك ضرا ولا نفعا، اما كان الاجدر بعمر بن الخطاب ان يلاحظ انعدام الفرق بين السجود لصنم جميل والسجود لحجر قبيح اصم؟. لكن منهج الادراك والتفسير عند عمر او عند اي مؤمن آخر هو منهج ايماني ديني يستند على قناعات منتهية، لا ترى من الاحداث والمجريات الا اقدارا ربانية ونصيب مكتوب واوامر ملزمة التنفيذ.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والغريزة الجنسية
-
الدين والطوائف والشعب
-
فلم مثير وثلاث ملاحظات
-
تزاوج ثقافة الحقد الإسلامي مع ثقافة العنف الامريكي
-
تفضيل إنجاب الذكور وحقوق المرأة
-
هل لك أن تنتظم في طابور الموت رجاء!
-
الصهيونية وموقف البعض منها
-
الشيعة ومقبرة النجف
-
كوردستان من الفدرالية الى الكونفدرالية
-
رجال الدين والفضائح
-
المساواة في القانون والشريعة الاسلامية
-
إله عربي بقلنسوة وأزلاف طويلة
-
وصايا الله العشرة والاسلام السياسي
-
كلمات الله الضائعة بين جبرائيل وبين محمد
-
سيرة غير عطرة لنبي
-
الايمو والسياسة والدين.
-
اضطهاد المرأة في صدر الاسلام
-
عندما يكون الله معديا
-
من اجل ربيع يساري قادم
-
هل يمكن تعايش الثقافتين العلمانية والاسلامية؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|