|
قصة قصيرة : غواية الفيسبوك
بديع الآلوسي
الحوار المتمدن-العدد: 3896 - 2012 / 10 / 30 - 17:13
المحور:
الادب والفن
عاد حمدان المغربي إلى بيته بعد أن رأى البحر ، تسجى على الأريكة ، راصدا ً من النافذة طيورا ً تحلق عاليا ً ، ليس من حدث يعكر مزاجه ، أوقد النار في المدفئة ، أتجه إلى الحاسوب . حين شعر أن ليس في وسعه فعل شيء آخر ، ضغط على زر التشغيل . هذا الروتين تحول مع الوقت الى إدمان لا مهرب منه ، أدرك متأخرا ً أن ثمة وقتا ً للتخلص من عدوى تهييج الذاكرة . أهمل مشاريعه المؤجلة حينما أغرته لأول مرة بصورتها الفوتوغرافية بالأسود والأبيض ، كانت ضمن قائمة الأصدقاء الذين ينتظرون تأكيد الصداقة . حمدان المغربي وبينما هو يتذكر كيف مرت سنين عمره الأربع والأربعين ،ألتفت وسأل عرائسه بمرارة : مَن سيعترف بكنّ إذا زارني عزرائيل ؟ نعم ، قبل عشرين سنة قد أنتسب لمنظمة إحياء التراث الشعبي ، هنالك التقى بصديقه اليهودي الذي يكرر بشغف : تعرفون جيدا ً ، إن حمدان أفضل مصمم للعرائس ولكنكم تجهلون ان شكسبير ربه . أما سيدي عباس فقد قال له يوما ً : سامحني يا ولدي ، من حقك أن تكون ملحدا ً ، لكن أعلم أن الله ليس دمية . بعد شهر تقريبا ًسمع بائعة الحلوى ، رغم ضجيج السوق ، لم تترد وقالت له ككل صباح : أعطني وَسامتك وسأمنحك ما شئت من بسبوسة البندق . لا يدري لماذا حين يتذكر كل ذلك ينتابه السرور ، لكن الأمر أرتبك عليه قليلا ً في أواخر المساء، هذا ما حدث بعد أن أحس بان نظراتِها مغرية بطيشها ، ظن حينها إن الصداقات الافتراضية قد تثمر عن أملا ً ذا جدوى . وبينما هو يغرس الدبابيس ويفك أزرار دميته ، بادر ووافق على صداقتها مرددا ً : سوف لن أخسر شيئا ً . تناول غليونه ليدخن بهدوء ، منتبها ً إن الإسراف في تعقب الأحلام المالحة يزيد من العطش ، نظر إلى لوحات (نسرين أغا ) التجريدية، وقرر هو الآخر أن ينشر على صفحة الفيسبوك صورة للدمية رقم خمسة . سيبقى كل شيء على حاله لو إنها لم تبرق له بتلك العبارة : منذ ثلاثة اشهر وأنا أسجل إعجابي بكل ما تنشره ، اليوم أنا سعيدة الحظ بكرمك . ردها السريع طرد عنه الضجر ، واكتفى بإرسال عبارة شكسبير التي يحبها : على المرء أن ينتظر حلول المساء ليعرف كم كان نهاره عظيماً. في نفس اللحظة ، حدق في عيون عرائسه وسألهن : ـ هل علقت كسمكة في صنارة ؟ وقبل أن يفعل أي شيء ، أتى مسج جديد في موعده، أشرق وجهه وهو يحدق بكلماتها منذهلا ً : ( أنت نادر يا حمدان ) , بدافع غريزي تعقب صفحتها معاودا ً التأمل بوجهها الممتليء ونظراتها التي تُخفي عنادا ًمتغطرسا ً . كان قلبه يتسع و يتسع بالانشراح ، إنتظر قليلا ً ، ونهض هازا ً رأسه ، طالبا ً العون من العرائس متسائلا ً : ما الخطأ والصواب في كل ذلك؟ أبتسم غير مصدق ما ينتابه ، معتقدا ً إنه من الآن ، سيجد في الفيسبوك تعويضا ً عن كل الخسارات . صار الأمر بالنسبة له أشبه بلعبه مغرية لملأ فراغ العاطفة. ما كان بوسعه ان يتصور أبدا ًان صورة فوتوغرافيه بلا عطر ، كافية أن تقلب مزاجه بهذه السهولة . عبثا ً ، كل محاولاته باءت بالفشل ، حيث لم يتمكن من إقناع عرائسه بما ينتابه من مشاعر ، لها تسمية واحدة هي الإغراء . أحس ان العرائس تقول له : نخاف عليك من الفضيحة . التبست مشاعره ، لم يعثر على اختيار واضح يعود به نحو هدوئه اللائق ، رغم ذلك ، قرأ فصل من هاملت قبل أن يهجع لفراشه و ينام . في صباح اليوم التالي أمضى حمدان المغربي خمسين دقيقة جالسا ً في الشرفة . ابتسم وهو يستذكر مفعول كلمة نادر. على كل حال ، بعدها اكتفى بالنظر ، والتلذذ بصورتها وبتقوس حاجبيها المرسومين بعناية . تلألأت عيناه بالدهشة حال رؤيته تلك الشامة المستقرة بعناد على الجهة اليمنى من شفتيها . غمغم ضاحكا ً : ما حاجتك يا حمدان الى هذا الفخ ما دام عندك بقرة؟. حاول ان يحتفظ بتوازنه ممعنا ً في خواطره .وحين أعد قهوته أردف متسائلا ً : ماذا يتوجب علي فعله ؟ بعد القيلولة مباشرة ً ، وبينما هو يتأمل رف من النوارس تذكرما قرأه ليلة أمس في برج الثور : تبادر الى إتخاذ خطوات مهمة لم تجرؤ على إتخاذها من قبل . حينها فقط أحس إن آلاف المبررات بدأت تفعل فعلها ، وانه في الأيام القادمة سيصرح لها لماذا يحس أن الدنيا أكثر صدقا ً في عيون بائعة البسبوسة .
بعد مرور يومين ، استحوذت صورتها على مخيلته تماما ً ، وأزداد انبهارا ًوكأنه يذوب في الحب لأول مرة ، هذه المفاجأة جعلته يؤمن ويردد طوال ذلك اليوم عبارة شكسبير ( أكون أو لا أكون) . بذل جهدا ًاستثنائيا ًوهو يحاول كتابة مشاعره ، وتأويل تلك اللهفة التي داهمته، وكان هذا التطهير الذاتي يعطيه إحساسا ً بالقوة والإيمان كامرأة يفاجؤها المخاض ، في نهاية المطاف ، كركر ضاحكا ً ثم أردف لعرائسه : هل تفهمون ، ماذا يعني أن نُخترق بالغرام دون سابق إنذار ! تشبث حمدان المغربي بخيط الأمل ، لكنه شعر بعد السابعة مساء ً ان قلبه يُعصر أكثر وأكثر ، حينها تحولت المتعة الى اضطراب ، رثى حاله حينما أستلم منها ذلك المسج ، الذي جعله يتناول قليلا ًمن العسل ومزجه بالحشيشة ووضعه تحت لسانه لكي لا يصاب بوعكة روحية ، وظلت عبارتها تخدش عينيه : بعيداً ..خارج سياج الفيسبوك لفترة .. اتركك بخير يا حمدان .
حاول في اليوم التالي التملص من نظراتها ، أنسل هاربا ً لرؤية البحر واللقاء بصديقه اليهودي المولع بحياكة السجاد ، هنالك استراح عند المدافع الصدئة ، فكر مطولا ًبما ينتظره ، مصمما ً أن لا يأبه او يكترث بنيران الفيسبوك التي يفسدها أي خلل طاريء . كان البحر مكفهرا ً . في ذلك المساء عاد قلقا ً مغمورا ً بالخزي وكأنه يسمع عرائسه تصرخ بوجه : يحسن بك ان لا تكون متطفلا ً . عبثا ً ، لم يجد من حيلة ، هرع كالمسحور الى الفيسبوك عسى أن يجد منها اي إشارة ، هي لا تعرف ان حالته تزداد سوءا ً وإنه بحاجة ماسه إلى ذلك المخدر من الشفقة ، وهو كذلك لم يعد يعرف كيف ان بروده العاطفي تأجج ليسقط في براثن إغواء الفيسبوك . لكن ومرة ً أخرى ، وبدلا ًمن أن يمتثل لنصائح عرائسه ، أصغى إلى مشاعره الثملة ، مفكرا ً بكل التفاصيل المغرية التي صارت تثير اهتمامه . عاد يتلصص على صفحتها ، تفاجأ بنشرها صورة ً لملاك جريح ، وقرأ عبارتها وأحس بالفرح : ( لا نبالي بشيء ، ما دمنا نؤمن بفلسفة الأمل ) . كانت نشوته مصحوبة ً بمتعة حسية تكبر وتكبر ، مثل بالون لا يستطيع أن يتنبأ له ما إذا كان سينفجر او سيحلق صاعدا ً فوق البحر .بعد ساعتين ، أستغرب كيف تكون تلك الترهات التي اندلقت عليه ، تهدده وتحيله إلى كائن مسلوب الإرادة ، تملكه الخوف حين لم يعد قادرا ًعلى الثرثرة مع عرائسه التي لم تتفوه بأي كلمة لمواساته . بحلول منتصف الليل وقبل ان يفقد الرضا ، وقف معززا ً مغامرته بقناعات جديدة ، رأت العرائس عينيه الضاحكتين وهو يتحدث بانشراح عن الفرص الطيبة التي بفسادها تضمحل العواطف وتتلاشى . وبينما هو يتجه إلى الخزانة التي ملأت باللوازم الضرورية لصناعة الدمى ، قفز إلى ذهنه ذلك التساؤل : هل أنت متأكد من مشاعرك حقا ً ؟. لم يبال ِ كثيرا ً بذلك السؤال الذي صار يشبه الرمال المتحركة ، بدأت أنامله تضطرب ، شعر لأول مرة بالفخر ، تأجج حماسه ولم يتمن َ حينها سوى أن يحالف الحظ تخيلاته ، ها هو يحاول أن يخلق من صورتها عروسا ً تمكنه من أن يتجاذب أطراف الحديث معها ، أنفرط الزمن وانطلق يبحث عن ما وراء الشكل ، بعد ثلاث ساعات شعر بالإنهاك المقرون بالسعادة ، نعم ، أنه أنجز دميتها وكما يجب ، هذا الانتصار مكنه أخيرا ًمن أن يتخيلها للمرة الأولى كملكة تحضر في ورشته دون أن يساورها الإرباك أو الريبة . في اليوم الخامس استيقظ بعد العاشرة صباحا ً، يا له من نهار ، بدأه بتسريح شعر آخر دميه له . كما هو مألوف وما يعرفه حمدان جيدا ً ، بعد كل ولادة ينتابه إحساس بالقنوط ، وحين عاد يتأمل ما بين يديه ، أحس إنها كعروس يوم الزفاف ، فجأة ً، لم يصدق ما رأى ، لَحَظَها قد أومأت له برأسها فطار من الفرح وأحس على أثرها ببشارة خير . رغم إنه لم يتمكن من التحقق من صحة هذه الإيماءة ، لكنها جعلته ينسى أحزانه ويتذكر أن (حياة الخوري ) إخترقت حياته عنوة ً و منذ خمسة أيام فقط ، قبل هذا التأريخ كان لا يبالي بمداهمة الافكار الغريبة التي تأتي وتضمحل وتتلاشى . بات مقتنعا ً بضرورة التريث ولجم مشاعره ، مصمما ً التوقف عن مكاتبتها ، فهو لا يريد لها أن تعرف انه يتمرغ كطفل في وحول العاطفة ، نعم ، قرر أن يتراجع خطوة الى الوراء معتقدا ًإن ذلك سيساعده على الإمساك بزمام الموقف ، الذي لم يعد نزهة كما ظن سابقا ً .
وجاء اليوم السادس ، بعد ان تحرر من إغراءات اللعبة ، وبعد ان طرد كل الأفكار معتقدا ُ ان الحب يتحول الى فخ ومغالطة إذا لم تصدر تلك الاشارات السرية من كلا الطرفين . توج ذلك النهار بالذهاب الى البحر ، كان مأخوذا ً بدافع غريب هو رؤية النوارس وهي تتغازل قرب القوارب او على الصخور . الامواج المتكسرة بتناغمها حررت ذهنه بعض الشيء . لكن وبينما هو يجمع القواقع الخضراء قال : إذا كنت نادرا ً حقا ً ، ستحضر ولا تتركني وحيدا ً كحمار سيدي عباس . هذه الكلمات جعلته يهرع الى بيته قبل هطول المطر ، رأى ثلاثة مومسات يتجولن على طول الطريق الضيق المؤدي الى بيته . حينها وجد بتلك المصادفة مصدرا ً للراحة المسلية ، تساءل : هل إن حياة الخوري أكثرمنهن طهرا ً ؟، أهي حقا ًتحبني ؟. نعم، انه كان يتوقع ذلك الامر ، حدسه يؤكد له أنها ستحضر هذا المساء . أنتظر ، بعد العشاء توجه الى الحاسوب متذكرا ً المومسات اللواتي حسدهن لأنهن لا يعرفن شيئا ً عن الفيسبوك ، حدق في صورة حياة بعد أن اغلق الباب ، مال إلى الوراء بكرسيه الدوار ، كانت حلقات التبغ الممزوج بالحشيشة تكبر وتضيق حين لاحظ مندهشا ًتلك العبارة التي أمدته بقليل من التفاؤل : ( أعترف لك يا حمدان ،إننا بحاجة لك ، آه ، والله عرائسك لا تحتاج الى برهان ، إنها البرهان ) . تذوق طعم الكلمات بفضول ، أشرق وجهه وهو يعيد قراءة العبارة مرارا ً وتكرارا ً ، فكر أن يكتب لها عبارة : حين نحلم لا نخسر شيئا ً . لكنه ظل شاردا ً ، بعد نصف ساعة وصلت عبارتها البالغة الأهمية : موعدنا غدا ّ تمام السادسة مساء ً . أكتظ قلبه بالهواجس وحفرت عبارتها الأخيرة في ذهنه أثرا ً لا ينسى . في هذه الليلة كان أكثر صفاء ً وهياما ً ، وتحدث مع العروس بانشراح ، لاحظ ان روحه تفيض كلاما ً يدعو الى الاستغراب ، صار أخيرا ً يعرف ما يتوجب قوله ، نام وقلبه يبتهج بالأمل ، إلا انه حَلمَ بأمه التي همست له : سيكون لك ما تريد.
كان مسرورا ًفي النهار السابع ، تطلع الى الساعة وقال : يا له من وقت طويل . قام قبل الموعد بقليل ، علق الدمى على الجدران ، اللواتي صرن يرقبن ما سيحدث وكأنهن أيضا ً قد أصبن بعدوى الفيسبوك ، داهم الجميع الاضطراب وهم يصوبون نظراتهم الى تلك العلامة الخضراء ، ها هي تعلن حضورها ، رغم تأخرها نصف ساعة ، ً لكنها لم تخيب أمله . كان الحظ معه ، وعلى الفور بادرت بإرسال أولى الكلمات : ـ أستميحك العذر أيها الطيب حمدان . لم يقل لها كيف قضت نهارها ، أو ما تعاني هذه ألايام ، بعجالة رد : ـ لا تكترثي، أود ان أسرك يا حياة بأمر هام . ـ حدثني قبل كل شيء عن العرائس . ـ إنها متعطشة لرؤيتك . ـ العطش يؤدي الى الشقاء يا حمدان ههههه. لم يكن أمامه سوى ان يباغتها ساخرا ً : ليس من الإنصاف أن نشقى . في هذه اللحظة احس إن العرائس تخترق الصمت وتناديه بلهجة ناصحة :آه ، من ما يجري ، لا تغامر دون بوصلة . أرتشف قليلا ً من البيرة وهو يواصل الثرثرة معها بتحفظ وريبة ، أخيرا ً تثاءب ضجرا ً حين إستلم منها عبارتها الحاذقة : الشقاء من ذواتنا يا طيب القلب . لم يتوقع إن الفضول الذي بدأ بصورة فوتوغرافية يتحول الى رهبة بحاجة إلى مفاوضات سرية كي يبقى كل شيء على حاله ، تملكته رغبة ان يقول لها ما يجيش في صدره ، لكنه مكث يدخن بغليونه قبل أن يكتب كلمة اليتيمة : أنقذيني . فكان ردها سريعا ً ، مستمتعة ًبإثارته : ماذا ؟ هل أنت غريق ؟ههههه . ـ أنا سعيد باللقاء بك يا حياة ، اريد أن أقول لك مسألة هامة . أدرك حمدان إن التمادي في الكشف عن مشاعره سيكلفه ثمنا ً باهضا ً ، فليس من الائق إجهاض للقاء ألاول ببوح ساذج يؤدي الى النفور . وقبل أن يستلم تساؤلها ، ألتفت إلى عرائسه حائرا ً : أتعتقدون إنها ستهرب بسبب .. إني أريد كل شيء ودفعة واحدة ، حقا ً ، الأمر يحتاج الى كثير من الصبر . لكن حياة ردت بذلك السؤال الذي إستفزه : ـ ماذا تبغي مني يا حمدان ؟ كان الجواب على هذا التساؤل محرجا ً ، لكنه فضل الحياد مستأنفا ً الرد : آه ، إعتقدت إن قلبك يحمل جواب ما . بين الفينة والفينة كانت كلماتها تعكس نوع من الإشراقات تخفف ما يعتريه من تردد وحرج . بعد نصف ساعة ، لم يعد حمدان يعرف هل يتعجَل ام يتمهل ،أما بالنسبة لها فلم تتخل َ عن مزاحها الذي لم يخلُ من السخرية ، لتكتب له عبارتها التي إخترقت قلبه مثل رصاصة طائشة : حان الأوان أيها الملاك ، هيا بحق الله إعترف هههههه. تلعثم حمدان ، التفت موجها ً كلامه إلى العرائس ، بوجل وبصوت ساخر همس : ـ أتعلمون إن المبارزة قد بدأت ، وإن هاملت في خطر؟ . هنا شرع يكتب لها عن تأثير صورتها عليه ، وكيف تعرض للإغراء ، كان يعالج الملل بوضع الحشيشة بين أسنانه كي يتمكن من مجارات صراحتها التي لم يألفها ،لكنها لم تتردد ، مضت نحو هدفها ، تهيل علية الكلمات التي أصابته بخدرالإرباك : ـ هذا أمر خطير ، لكني بصدق لا احب سوى عرائسك ، ههههههه . كانت عيناه جامدتين وكإنه يسمع ضحكاتها التي أفسدت ما تبقى له من حلم ، مفعول تلك العبارة بدلت سحنته ، ارتجفت شفتاه ، بيد أنه اراد أن يحافظ على توازنه ولطافة روحه ، حينها فقط تعززت قناعته ، واصل الحديث مع العرائس : ـ إذن من الممكن أن نحب المخلوقات ولا نحب الخالق . إنتظر دقيقة ، ثم أخرى ، وحين لم يستلم منها أي شيء ، قرر كأي مراهق عنيد أن يمضي بمهمته الغامضة حتى النهاية .وواصل الكتابة بتأن ٍ : ماذا يعني ، هل قررت أن تتركيني أنتظر ؟، ام تودين قتلي بالتقسيط هههههه ! لكنها سرعان ما ارسلت تلك العبارة ، محاولة ً إصلاح الخلل : كم انت نبيل يا حمدان ، لكن هل جريمة ما فعلت ؟ إنها منحته عدة فرص كي يفهم بالضبط مشاعرها ، فجأة ً ، وكي لا تزيد في تعذيبه ، أكتفت باعادة سؤالها السابق لمجرد كسب الوقت : هل يزعجك ، أن أحب فقط عرائسك الأنيقات ههههههههه ؟ أراد أن يسترسل في مراسلتها ، لكنه شعر بالملل ، مدركا ً أنه لم تعد لديه الرغبة بالحاق بها . رغم ذلك ، بدا له إن بعض عباراتها توحي بنوع من الاهتمام . غير إن هذا الهاجس لم يدم طويلا ً . أحس للمرة الأولى أنه كمن يقف على حافة الهاوية جزعا ً ينتظر الفرج . تأمل مطولا ًدميتها التي خلقها بجهد مضني . أندهش وهو يرى صورتها على شاشة الحاسوب قد بدأت تفقد بريقها اللذيذ . سألته وكأنها أحست بعدم قدرته على الكتابة : لماذا لا تجيب أيها المغربي الجميل؟ الإحباط والإحساس بالخيبة دفعت بحمدان أن يعاقب دميتها ذات العينين الواسعتين كالقار . وفي اللحظة التي قام و نتف شعرها و فقأ عيناها و مزق ثيابها ، ورماها في النار. إستلم منها مسج تسأله : ـ سنلتقي مرة أخرى أيها المبجل ، أليس كذلك ؟ لم يعد يبد أي إهتمام بما تكتبه ، شعر أخيرا ً إن الخيبة امتزجت بالزهو ،والكآبة بالإنتصار، والخطيئة، بالإغراء ، والغثيان بالخداع . قرأت عيناه آخر مسج لحياة الخوري : ـ زوجي سيرجع بعد قليل ، إني آسفه ، طابت ليلتك يا عزيزي . أراد أن يجيبها ، بأن زوجته هي الآخرى ستعود من سفرها نهاية الأسبوع . وإنها خرقاء وسوف لا تغفر له حماقاته الصبيانية . وقبل أن يطفأ الحاسوب تلاشى كل شيء ، على إثر محو أسمها من قائمة الأصدقاء والى الأبد . ليحشو حمدان ، الذي أحب بائعة البسبوسة ، فمه بالحشيشة ، مصغيا ً بخجل لذلك الصوت الغريب الغامض للعرائس ، الصوت الذي أحس انه لم يكف عن ترديد : يا إلهي ّ! هل الحب الافتراضي وهم ؟ .
25 / 7 /2012
#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديقة كيفين
-
قصة قصيرة : نجمة في القلب
-
خفقات ناي غريب / البوح الثالث
-
خفقات ناي غريب / البوح الثاني
-
خفقات ناي غريب / البوح الأول
-
قصة قصيرة :عجيبة هي الحياة
-
الرأس
-
صباح أسمر
-
هواجس : اللومانتية 2011
-
الأركان الضرورية للإبداع
-
طريق التغييرالى(( اين))
-
وجهات نظر عن ......
-
مرايا الإبداع وترويض اللوحة
-
عاشقة الفلامنكو
-
قصة قصيرة / الروزنامة الملعونة
-
قصص قصيرة جدا ً/ إعتراف
-
رسائل اليبرالي الجميل
-
وكان ماكان ..وقصص أ ٌخرى قصيرة جدا ً
-
قصة قصيرة جدا ً : من يصمت يحصد .....
-
قصة قصيرة : مسيرة راجلة
المزيد.....
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|