عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 3896 - 2012 / 10 / 30 - 13:55
المحور:
الادب والفن
في المحطة...
أجلس متكورا في هذا المكان ؛ إنه المحطة ؛ تحيط بي جزماتي ؛ ياله من إنتظار تنحفر فيه جروح الصمت ؛ يقترب مني أطفال ؛ يلعبون ؛ سرعان ما يتعاركون، ثم يضحكون ؛ آه إنني أرى أرخبيلا من الحياة تتقاذفه أمواج الموت.
أجلس هنا ؛ بينما تجلس هناك نسوة صامتات متكورات ؛ إلى جانبهن فتاة ترتدي نظارتين ؛ بين الفينة، و الأخرى ؛ أراها ترمقني ؛ هل نظرة إعجاب ؛ أم نظرة اشمئزاز ؟ لا أدر
يغادر هؤلاء الأطفال ؛ بينما أستمر أنا في الكتابة، فتحل محلهم امرأة ؛ آه إنها تعنف طفلها ؛ يبكي دموعا غزيرة ؛ آه ما أجمل البكاء ؛ إنه شكل من أشكال إدمال الجروح.
تشير الساعة إلى الواحدة، ودقيقتين ؛ إنني مقبل على السفر في حدود الواحدة، والربع ؛ عيون هنا ؛ عيون هناك ؛ الكل على أهبة الإستعداد ؛ لكن لا أثر للحافلة ؛ لم تأت، وكلما تأخرت ؛ أزداد شوقا لمعاينة الأرض، و الأحباب ؛ آه إنني أحس باحتراق داخلي ؛ إلى متى سيزول هذا الإحتراق ؛ آه كم أشتاق إليك أيتها المحمدية ؛ يا بنسليمان ؛ يا باديتي الرائعة.
آه إنني أكتب، وهذا القلم يزداد ولها، وشوقا للكتابة، كما أن عيوني التي تنظر إلى هناك ؛ إلى تلك الجبال الثاوية تزداد أكثر شوقا.
عبد الله عنتار- محطة الستيامبني ملال-23/10/2012
محطة خريبكة
الساعة تشير إلى الرابعة إلا الربع ؛ المكان : خريبكة ؛ كل شيء متوقف هنا ؛ لا بل معطل ؛ لا شيء على ما يرام هنا ؛ الزمن يهدر ؛ المكان تنتهك حرمته ؛ الأجساد تهدر ؛ على عكس ما توقعت ؛ كنت أتوقع أن الأمور لن تكون هكذا ! لكن ها هي الحافلة تتوقف ؛ تهدر الوقت ؛ تتعامل ببراغماتية...ها هي تزحف.
23/10/2012
في البداية علقت عليها آمالا ؛ عندها كنت أهتز اهتزازا ؛ لكن بمجرد الوصول إلى ولاد يعيش حدث التحول الرهيب.
إبن أحمد : إحساس غريب
ها أنا على مشارف ابن أحمد ؛ من النافذة تظهر جبال مشجرة ؛ إنها جبال ولاد امحمد، و أسفلها تجمعات سكنية ؛ بينما على القارعة دجاج ينقر بقايا روث.
ثلاثاء الأولاد ؛ شباب يلعبون كرة القدم ؛ باعة يبيعون البطاطس، و البصل ؛ على القارعة ؛ بالقرب منهم ؛ تلاميذ إلى جانب تلميذات .
خارج هذه القرية ؛ في القارعة كتل صخرية ؛ حمير ترعى ؛ أشجار متلاصقة.
بينما أنا أجلس ؛ يكاد النعاس يغلبني، وبين الفينة، و الأخرى ؛ أسمع سعالا ؛ في الخارج أمطار توشك على السقوط، و هناك بعيدا غمام تخترق بقايا أشعة شمس ميتة.
آه أكتب، ولكن بصعوبة، فمن حين لآخر تشدني نوبات الدوخة، فأنا لم أفطر، و لم أتغدى، ورغم ذلك لا أحس بالجوع.
تتحرك الحافلة ؛ يظهر رجل يمشي جوار حقول الصبار، أي تحرك ؟ إنها تزحف كالحلزون ؛ مصدودة من طرف طابور طويل من السيارات.
ها هي ابن احمد، و السماء توشك أن تنهمر ؛ أما أنا ؛ فأحس بامتداد ؛ هناك أصل، ومنبت أخي نور الدين.
الطريق المؤدية إلى الكارة ؛ أشم رائحة بنسليمان ؛ هناك خارج النافذة ؛ تتصاعد أدخنة زرقاء ؛ أ-تلك رائحة الشي ؛ أم الكي ؟ ورائي تجلس امرأة ؛ تقول إنها : تنحدر من ابن احمد، و كم من أراضيها انتهكت .
برشيد
طريق برشيد ؛ تعود الشمس ؛ هناك تحلق في كبد السماء ؛ حينئد تزيل ظلمة تربة التيرس.
بوسكورة الكئيبة
آه غمام متشظ ؛ يطفح فوق بوسكورة الكئيبة، و من ورائه تختفي الشمس...أقترب من غابة كثيفة ؛ أشم رائحة النتانة ؛ إنني مرهق، و المحمدية تظهر لي في ظلمات بعيدة ؛ أما بنسليمان ففي الكاوس ؛ لا أدر متى تصل هذه الحافلة المتعهرة ؛ إنها مزاجية التصرف، فتارة تسرع، وتارة أخرى تبطىء.
أ-أقتربت الشمس من الغروب ؟ لا أريد أن أصل إلى الدار البيضاء في الظلمة ؛ بل لا أريد أن أقضي فيها حتى نصف ثانية ؛ مدينة تثير في الرهاب .
الدار البيضاء : الرهاب بعينه
الدار البيضاء كئيبة كعادتها ؛ إختناق يليه إختناق آخر ؛ في الشارع يتجول باعة، ومساحون، ومتسولون.
أحس بالحنق ؛ إنني في ورطة، و المخرج بات عسيرا ؛ أريد أن أصل إلى المحمدية، و لكن البيضاء النتنة تأبى ذلك
23/10/2012
المحمدية-بنسليمان : إرتياح، وشوق
استيقظت هذا الصباح ؛ لم أنم بشكل جيد ؛ كان البرد قارسا ؛ خلال نومي ؛ انشغلت بتحيين رحلتي من بني ملال ؛ آه كم كانت رحلة شاقة، و طويلة، ومتعبة ؛ غير أن ما ميزها هو ذلك الطابور الطويل ؛ أي ذلك الإختناق ؛ الإنتظار ؛ اليأس الذي ميز شوارع الدار البيضاء ؛ ما رأيت مثله قط.
تنفست الصعداء بوصولي إلى المدينة القديمة ؛ هناك وجدت المحمدية تنتظرني.
حافلة 900 ؛ صعدت إليها، وجلست في الكرسي ماقبل الأخير ؛ حينئد شرعت في الأكل بشراهة ؛ كيف لا، و أنا لم أذق طعمه مند البارحة، فباستثناء القليل من الرغيف الذي تناولته في الصباح، فلم أتناول شيئا ؛ أحسست بالأمان ؛ إنني خائف من الدارالبيضاء، وخصوصا في الليل، لكنني أطمئن إلى المحمدية، والمدينة القديمة.
وصلت إلى عين السبع، ومن هناك استذكرت البحث* الذي قمت به أنا، وزميلة الدراسة حسناء ؛ آه على ذلك الشارع الذي مررنا منه ؛ آه على ذلك الجدار الذي انتظرتني فيه، فمازلت أتذكر عيونها المنتظرة، وصوتها الزرمدي.
ها أنا الآن أكتب هذه الخواطر على متن هذه الحافلة المكتظة ؛ من حين لآخر ؛ أسمع في المقدمة لغطا، وملاسنات ؛ لا شيء تغير ؛ الإكتظاظ هو الإكتظاظ .
أذهب الآن إلى المحمدية ؛ إلى الكلية، فمنذ مدة لم أراها ؛ في هذه الآونة أخوض مباراة مع الذاكرة ؛ بين الفينة، والأخرى تتوقف الحافلة ؛ في القارعة أرى بعض البنايات الجديدة، وأرى بقعا خضراء، وحصيدات منتوفة ؛ ناهيك عن غابة قطعت من الأساس، وتحولت إلى أراض زراعية ؛ آه كم يحب هذا الإنسان أن يدمر نفسه !
المحرك يطن ؛ أسمع صوت صكيك النقوذ ؛ أقترب الآن من - الشطبية -** ؛ أعمدة الكهرباء تلوح من بعيد ؛ من قريب متجاوزة منعرجات وادي نهر النفيفيخ ؛ أراضي محروثة ؛ تدوس عليها أغنام برؤوس منحدرة.
غابة وادي النفيفيخ ؛ تتخللها مسالك نصل إلى منطقة - الثلاثة و الثلاثين -*** ؛ نقطع الوادي ؛ نصل إلى مرجان ؛ آه هناك تحلق طيور الحمام إلى جانب النورس ؛ آه كم راقني طيران الخطاف ؛ آه لقد رأيت الحياة هناك .
24/10/2012
--------------------------------
* بحث جامعي قمت به أنا وحسناء أيت الصديق في أبريل 2012، ويتعلق موضوع هذا البحث بكيفية تصميم وزخرفة، وتلوين الواجهات الأمامية لمنازل عين السبع، وذلك بتوجيه من الأستاذة سعاد عزيزي، و أشير هنا أن ما رافق البحث من انطباعات مازالت لدينا في انتظار نشرها.
** قرية صغيرة تحاذي وادي نهر النفيفيخ، و تبعد عن المحمدية بحوالي خمسة كيلومترات ؛ بينما عن بنسليمان بحوالي خمسة وعشرين كيلومترا .
*** ملتقى طرق ؛ كان في وقت يبتعد عن الدارالبيضاء بهذا الرقم، لكن نظرا للتوسع العمراني ؛ أصبح الملتقى يبتعد عن هذه المدينة بأقل من ذلك بكثير .
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟