|
ضد المسيح-المسيح الدجال 2009(لارسون فون تراير): رؤية ذاتية للخطيئة الأصلية مخالفة لآراء المسيح
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 10:38
المحور:
الادب والفن
ضد المسيح-المسيح الدجال 2009(لارسون فون تراير): رؤية ذاتية للخطيئة الأصلية مخالفة لآراء المسيح العنوان يشير إلى رأي عن منظومة بشرية كاملة لا يجسدها شخص معين في الفيلم،بل الفيلم يتحدث عن جزئية خاصة ذات شهرة واسعة في التناول والطرح والتحليل الفكري والنقدي،عن ثنائية أزلية لا تنفصل ...عن هو وهي فقط لا غير. عن ثنائي بشري متناقض احيانا ومتفاهم أحيانا ومتفاوت في الرؤية كثيرا. هذه الرؤية لها ما يدعمها من الشروحات ولها العناصر الطبيعية المعروفة لدينا فالمخرج (لارسن فون تراير) في فيلمه المتطرف هذا لا يقدم عناصر ميتافيزيقية لشرح قصة ميتافيزيقية مليئة بالدماء والرعب والجنس والمرض النفسي... إذا فيلم المسيح الدجال فيلم متطرف لمخرج بدأ متطرفا أصلا ولكن لارسن فون تراير بدا وكأنه يحاول الوصول إلى الأصل.. أصل الطبيعة البشرية من دون أن يكون هناك نموذج تمثيلي أو توضيحي على شاكلة إميلي واطسون في فيلم (تحطيم الأمواج). أو حتى المحقق في فيلم عنصر الجريمة،بل الشخصيتان ترمزان إلى مكون طبيعي أصيل ووحيد إلى الكون ومن خلالهما يخلق ما يدعى بالقيم الأصلية،مثل الخير والشر وحالة التكاثر وحالة الرغبة الجنسية في الفيلم لذلك هو بعيد تمام البعد عن ما يدعى ب(جورج باتاي). يستخدم لارس فون تراير اسلوبا تقليديا استخدمه سابقا في أفلامه، وهو اسلوب تقسيم الفيلم إلى أجزاء،فالمقدمة مضاجعة زوجية (حقيقية) لزوجين وليست رمزية يظهر فيها المخرج الاعضاء التناسلية في حالة حميمة،وعلى خلفيات موسيقى أوبرالية... هذا الانشغال الجنسي كان سببا لسقوط ابنهما من النافذة (نيك) وسيموت طبعا... هذه المقدمة تعطي مفتاحا قويا للنظر إلى القصة وإلى الشخصيات برمتها،وهو موت الابن الذي يؤكد وجود عنصر قوي في المعالجة ألا وهو الجنس... في الحقيقة أن تراير يمثل جنسا حقيقيا صارخا وصادما ومكثفا في نفس الوقت،ولكن على الرغم من كل هذا فلا يجوز أبدا نعت الفيلم ب(البورنوغرافية) إلا أذا استثينا الجنس كحالة ضرورية من عناصر معالجة وتحليل هذه القصة غاية في الرمزية أو دعونا نقول هذه الرؤية الشاملة.... وإذا كنا على علم مسبقا بأن هذا الفيلم مهدي إلى روح الراحل تاركوفسكي،فالفيلم يجاري أسلوب تاركوفسكي ولكنه لا يحاول تقليده تماما لأن لمسة فون تراير موجودة بقوة ووضوح في الفيلم...لذلك فاللقطة لها دور كبير في الفيلم(النظرة واللهثات والتأملات وايضا تاركوفسكي وتركيزه على الطبيعة). الزوج أو (هو) يعمل كمعالج نفسي، والأزمة النفسية تتطور إلى نوبات عصبية والجرعة المهدئة هي جرعة جنسية فالزوجة تطلب الجنس دوما،ليس كشهوة أو لغايات المتعة بل كعلاج،والزوج يبدأ علاجه ضمن مقدمة مثالية للسيد فرويد (افعل ما تخف). فهو يحاول ان يتعرف على ما تخاف منه زوجته، والأمر الثاني الذي تخاف منه زوجته هو جنة عدن ولكن الأمر الأول أو قمة مخاوف زوجته شيء سيتوصل إليه هو ونحن في النهاية.... جنة عدن هو كوخ في غابة سوداء مخيفة،إذا فالأصل عن جنة عدن هو كئيب وأسود،وكأن تراير يضع رؤية ومعالجة أخرى مشوشة عن تصوره لقصة بداية الخليقة وعن آدم وحواء بالذات في نظرية معقدة بالدرجة الأولى لا نستطيع في فيها سوى التخميين ... يلمح الزوج غزالا في لحظة الوضع بل الصغير لازال يتدلى من الرحم... هنا عنصر طبيعي آخر بعد الغابة المتصورة لعالم الخليقة الأول،وكأن الخطأ الأول بالنسبة لتراير هو الولادة...هو الوضع. هنا أرى هجوم وعدم قبول لنتائج الفعل الجنسي وليس ميكانيكياته... ثم الصوص الذي يسقط فجأة من اعلى شجرة والنمل المتوحش ينهش جسد هذا الطائر ثم يأتي نسر ويختطفه فجأة ويبدأ بنهش لحمه... من الملاحظ من خلال اللقطة السابقة أن الذي رأيناه هو أحد قوانين الطبيعة القاسية ولكنها تطورت بسبب الولادة وبسبب التكاثر. إذا الخطيئة الأولى هي التكاثر...هي ولادة في غابة سوداء متوحشة صامتة (العالم) وأزمة هي أصلا تفجرت من خلال الولادة ومن ثم الموت ولنعود قليلا إلى تأملات تاركوفسكي في الطبيعة،فتأملاته تختلف عن هذه التأملات مع محاكاة الأسلوب فتأملات تاركوفسكي تأملات محضة خاصة هدفها التأمل أكثر من التحليل. نلاحظ أن الأم أو هي تعد أبحاثا حول الجرائم التاريخية التي ارتكبت بحق النساء،وبدأت تقتنع بفكرة أن النساء ذات طبيعة شيطانية شريرة،والزوج يحاول أن يضع شيئا في قمة هرم المخاوف الذي يسبق الخوف من جنة عدن... فيضع كلمة (SATAN)أي الشيطان ثم يشطبها ثم يضع كلمة الطبيعة ثم يشطبها.... يلمح الزوج ذئبة وهي في لحظة الوضع...هذه الذئبة تنطق وتقول أن الفوضى تزداد... الفوضى تزداد بالولادة والخطيئة الأصلية هي خطيئة الولادة،خطيئة التكاثر في هذا العالم...ثم يبدأ الفصل الثالث(الاحباط) الطبيعة في هذا الفصل تبدأ بالشتاء،والشتاء عنصر مهم عند تاركوفسكي،وهو يكتشف صورا تعلقها زوجته تتعلق بالمحاكمات والتعذيب الديني(النساء)...محاكمة جان دارك،قتل باسم الصليب،نساء مقيدات في أوضاع مؤلمة واسم الكتاب هو GYNOCIDE وهي تعني الابادة الجماعية لشعب أو طائفة ولازالت الكنايات مشوشة... هل الابادة عبارة عن عنصر جديد...هل تشير إلى العذاب الانساني الدائم أو أي شيء من هذا القبيل..لا أعتقد ذلك،فالابادة تخص النساء وتخص بأن النساء هن أصحاب الخطيئة الأصلية... بالنسبة لها:البشر يفعلون أشياء ضد الانسانية،لقد ناقشت شيئا في كتاباتي ولم أكن أتوقعه...إذا ما كانت الطبيعة البشرية شريرة فإن هذا بسبب طبيعة السيدات(الطبيعة الأنثوية)،إن السيدات لا يمكنهن التحكم باجسادهن بل الطبيعة هي التي تتحكم.. هنا،وفي الجملة الأخيرة نرى تراير يحول هجومه نحو الطبيعة... الجنس يعود كعنصر قوي وفعال في هذا الفيلم،فهي تطلب منه أن تضريه حتى يجرحها (مازوشية) وبعد أن يرفض ضربها تذهب إلى الغابة لممارسة العادة السرية وتكون الحالة عنيفة جدا... يأتي هو ويمارس الجنس معها تحت شجرة ضخمة،وتظهر أيدي لأاجساد بشرية يبدو بأنها ميتة أو تحتضر وهي تمثل عقوبة الجنس وعقوبة التكاثر (وربما تكون تعبيرا عن حالة رادعة لهذا الفعل)...والشجرة ربما تشير إلى البذرة الأصلية. عقوبة التكاثر هي أجساد ميتة تحتضر...عقوبة التكاثر هي الفوضى والعذاب الانساني وكأن تراير يرى بأن الخطيئة الأصلية هي القدوم الاإرادي إلى هذا العالم.... قمة الخوف هو أن يتركها وهي تعبر عن خوفها بممارسة الجنس معه وتضربه على خصيتيه فيفقد الوعي،ولكنها تستمنى له (حتى في هذه الظروف) فيقذف دما... الرؤية متطرفة جدا في تحميل المرأة الحطيئة الأصلية والشهوة الأصيلة،وتعلقها بالرجل لأسباب قد يكون منها تعلقها بأعضائه الذكرية إلى درجة البله...هذه الرؤية مشوشة وغير واقعية بالمرة... الأمر وكما قلت في مقدمة هذا المقال لازال بعيدا عن جورج باتاي وافكاره المتطرفة حول الجنس هو الآخر فالجنس ليس له أي طابع وجودي في هذه الرؤية،وهي تبالغ جدا في تعذيبه وتقوم بخرم رجله وربطها بثقل وتشده بقسوة وكأن المسيح الآن هو شخص مخروم الرجل بدلا من أن يكون مخروم المعصم،وهو يحمل ثقله( خطيئة المرأة) بدلا من ان يحمل صليبه وهي لازالت تمشي عارية وهي مجنونة...هي مجنونة والفيلم ليس عن الجنون بل عن أصل هذا الجنون.. الأصل الذي نبحث عنه هو أصل ميتافيزيقي.... ولكن الخطأ،وأصل الخطيئة هي التكاثر فتقوم بقص بظرها في مشهد قاسي جدا،وهو يتحرر منها فيقوم بقتلها واحراقها وفي لحظة العودة يتأبط عكازه فتظهر جثث عارية وملقية من حوله كنتيجة طبعا للخطيئة الأولى،ثم تظهر من خلفه صوره لنساء بأزياء مختلفة وبعدد كبير وبملابس وأزياء مختلفة أي أن الخطيئة سوف تسود... إذا كانت الحكمة مبهمة في هذا الفيلم،فالتأمل مبهم أيضا،والتحليل يعتمد على الظن وعلى وجهات النظر...إن تراير يخضع تأملاته في الخطيئة لرؤى خاصة جدا بل بالغة الخصوصية ولكن أفكار لارسن فون تراير تبدو متشعبة أكثر في هذا الفيلم دونا عن كل أفلامه(ونحن أنجزنا هذا المقال كتابة قبل نزول فيلم الأخير مانوخوليا الذي لم نشاهده بعد) وهنا تأتي طروحات أخرى لأفكار كبيرة كلاسيكية رأيناها عنده هو وعند بيرغمان وقد يكون الأمر برمته يشبه –مع تحفظ مهما كانت درجته-كونديرا مع قليل من الرعب... بالرغم من كل شيء...بالرغم من المؤيد بشدة والمعارض بشدة فتراير يبدو عبقريا جدا في فيلمه هذا التي تبدو أطروحاته كلها ضد المسيح..أو ضد آراء المسيح.
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوليتا (ستانلي كوبريك)1962:قصة سينمائية تغازل في مضمونها روا
...
-
أفول المهرج 1953(أنغمار بيرغمان): رؤيا شاملة لعناصر سيقولها
...
-
الإمبراطور الأخير 1988:برناردو برتولوتشي:رواية للتاريخ من خل
...
-
صيف مع مونيكا 1953(أنغمار بيرغمان):ميلودراما تذكر بالبدايات
...
-
عن ستانلي كوبريك وسبل المجد1957:
-
حدث ذات مرة في الغرب 1969:سيرجيو ليوني:عن رباعية السباغيتي و
...
-
كازانوفا فليني 1976:سقوط فليني في رؤية خاصة أبعدت الشخصية عن
...
-
ساراباند 2004: دراما معقدة لعلاقة ناقصة
-
مشاهد من الحياة الزوجية 1974 لانغمار بيرغمان: قصة انتهاء زوا
...
-
الظمأ(ثلاثة قصص حب غريبة) 1949 لأنغمار بيرغمان:نموذج لأمرأة
...
-
TANGO 1998::امتزاج بين الواقعي والاستعراضي في سرد سلس ومتناس
...
-
السفينة تبحر 1983 لفدريكو فليني:حضور أوبرالي وكنايات سياسية
...
-
العظيم الأخير(إيليا كازان) 1976:تبريرات قصدية لأحداث تغيب عن
...
-
البكاء والهمس 1972 (أنغمار بيرغمان):محاولات للوصول إلى أصل ا
...
-
The Touch1971:قصة حب عادية جدا للصدفة فيها دور كبير
-
In The Mood Of Love 2001:سردية هادئة لقصة هي في ذروة العقدة
...
-
دراسة مطولة حول فيلم التضحية(أندريه تاركوفسكي)1986: الخلاص ا
...
-
الحنين 1983 لأندريه تاركوفسكي: تأملات في شعور بشري خالص
-
لفدريكو فليني: مرة أخرى عن ذكريات فلينيAmarcord
-
ستالكر أو الدليل لأندريه تاركوفسكي 1980 :المنطقة أو لحظة زوا
...
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|