محمد دريوس
الحوار المتمدن-العدد: 1130 - 2005 / 3 / 7 - 09:45
المحور:
الادب والفن
الطريقُ قاس ٍأيّها الطريق
أكملْ يا قلقي خطابَكَ الهادرَ من على شرفة ِإصغائي
أتمّي يا خساراتي فكاهتك ِلينقلبَ الوقتُ على قفاه من الضحك ِ, فما أنا إلاّ خياط يرتقُ ثقوبَ الغيب ِ.
وأنت ِأيّتها الغامضة , يا من يدعونك ِالسعادةَ الرحبة
تابعي مضاجعاتك ِمع الوهم ِ,أحدٌ لنْ يستدعيك ِفي قلق ِالجغرافيا هذا .
أكملْ يا قلق , أتمّي يا خسارات فاليأسُ حاسّةٌ سادسة هنا
واني أتّهمُ ضحكات الظهيرة التي ترمي عناقها كقطع ِالنقد ِفي حصّالة ِالرعب , أتهم الخطرَ الممسّد بأقدام ِالجنود ِوالأنين ِالمؤبّد لسرقاتهم البيضاء , بذّات الكتّان ِالنبيل ِالتي وزّعها البؤسُ بيديه اللاعبتين والأحزمة َالمصنوعة َمن نفخ ِأمعاء ِالتيوس .
أتهمُ الخراطيشَ المخزّنةَ تحتَ بلاط ِالممرِّ والبواريدَ اللامعةَ في غرف ِالاستقبال ِكأنها تهدّدُ الفراغَ , الإصغاءَ الكاذب َلراوية ٍكاذب وتخاريفه المصنوعة من عظم ِالسمك ِوالتي تدبُّ فيها الحياة عند سماع ِرائحة ِالماء .
اتهمُ الموتَ
والموتَ
والموتَ بيد ٍعلى الوجنة
أمام َالمذياع وتبجحاته
أمامَ الله وخطاريفه
أمامَ الرعب ِوالموت ِالذي لا يأتي .
الطريقُ قاس ٍأيها الطريق
يدي في يد ِالموت ِووجهي محفورٌ على وجهه
يدي في يدي والاثنتان إلى فوق كأنما تتقيان خبثَ الغيب ِ
كأنما تبعثران الرعب َومحاولاته الدائمة لرصف ِحنيني بحجارةٍ كاليأس.
كأن الملائكة َملّتْ تسجيلَ حياتي وتهيئة َالظلال ِلعبور تجارتي فألقتْ – دفعة ًواحدة ً– الملفَ إلى العبث .
إلى فوق , إلى فوق
كما كلّ جثة ٍتنظرُ إلى فوق
كما ترتفعُ دغدغاتُ الموتى إلى إبط ِالفجر ِِالذي أتم َّصفقاته مع النقص ِوهي تتقدّمُ نحو مصيرها كما يتقدّمُ الطيرُ إلى خساراته .
إلى فوق ككلِّ هباء , كلُّ شيء
يدي في يدي والاثنتان إلى فوق
ترجوان الفناءَ ألا يُعفي الجمادَ من مروره الساحر
فيأسي جمادٌ وقلقي جماد ٌوما من فناء ٍيعفي الجماد .
لم يتركْ لي الرعبُ سلاماً
نحو الموت ِيطيرُ الرجاء
نحو أطفاله المطعّمين تنكاً كما الحقيقةُ مطعّمةٌ بفصوص ٍمن اللعنة
نحو الليل ليديم َراياته الحبرية كما أدام َنقائصه
لأرى وجعي عارياً إلا من سنّه الذهبية وأرى مقصّات الخياطين تجزُّ بقايا مداهناته وتستبدلها بحكمة ِالقنّب
نحو الشجر ليتمسّكَ بحنيني فلا يقتلعه النملُ الذي يقدر أن يزيحَ الأبديةَ بعناده لأن حنيني لا يصلح كغذاء ٍولا كحنين بل كسمّ .
لم يتركْ لي الرعبُ سلاماً
ندائي في البوق وألمي على المصطبة
يأسي في إطاره الذهبيّ باسماً كالشهداء قبل اكتشاف ِرصاصةِ المجّان والموتُ على طاولة ِالموت
نحو نفسي يطيرُ الرجاء, نحوي أنا المكتوبُ على حدِّ الفأس لا أتركُ أثراً في الريح.
ما العملُ لتكفَّ الخسارةُ عن مناداتي : يا أخي ؟
ليمرَّ القتلى فلا يشتموا حيوانات المغفرة ولا يرموا النوافذَ بخواتم زفافهم فترنُّ رنينها المقلق في أذني الاتهام
ليكفّوا عن طرق ِبابي كل فجر ٍحاملين لوحات أسمائهم المعدنية , باحثين عن حيوات ٍكانوا تسلموها قبل أيام .
لتصدّقَ الهزيمةَ أملي باستبدال طلاقتها ومفاتيح ِغرفها الدائرية لا أن تزيد قسوتها كما يزيدُ الفلاح ُنعاجه .
ما العمل لأنجو بأغانيي من هذه اللغة ِالسائدة ِكمغص .
أسعفيني يا مرضعة َالأبد من ثدي تهاويمها
يا الزوجةُ الحالمةُ بكراسي القشّ وعصافير الكناري كأنها زوجة الضوء ِنازلة لتوّها عن مصطبة الفجر .
يا الخطأ المرمّمُ بالضلال ِالحسن , يا النهبُ المنظّمُ لغرّة ِالفجر.
يا الضوءُ الفارُّ من حوانيت النهار ِورفوفه العالية علوََّ أحاديث الأميرة .
يا كنزي ذا المجسّات الزلقة التي تجرشُ الرياحَ فتصقلُ صفيرها .
أيتها المخيلة الأم
أعدكِ بكلِّ الفاكهة التي سترميني بها بناتُ الأقدار ِعندما أداعبُ كواحلهن البنية
بكلِّ الرسومات التي ستخطّها امرأةُ الفضائل ِعلى صدري عندما أسحبُ من كعبها شوكةَ الخطيئة .
أيتها الأمُّ الحارسةُ مجاناً قملَ عانات النخبة
ضمّي كتائبك ِالشرسة الملونة كسيف ٍمن جَرْح ِالفاكهة والعائدةِ لتوّها من معركةٍ مع الموت
ضمّي حقائبك ِالمجدولة ِمن قنّب ِالخيالِ والتي تُفتحُ بمجرّد ِلمسة لتضمَّ الأزل , أوانيك ِالنحاس التي تصطدم ُبالملائكة ِفتكون موسيقا لا تضاهيها موسيقا الوحي , مراكبك ِوتجارتكِ وأسطولَ عشاقكِ البُله .
ضمّي هباءَكِ وثرثراتك ِاللامجدية حول المطلق ِوالخلود ِ, مهندسي خيلائك ِورسوماتهم التي لا تفرّقُ بين المراثي والمراحيض .
دعي ملوك َالحقيقة ِأشقياءَ في تخاريفهم الملتوية
دعي حكايات الوهم ِ- ابنك ِ- تقودهم إلى تأويل ٍآخر للرماد : لا يسأم ُالميتُ أسماءه .
ضمّي يأسك ِإلى يأسي لنجدَ تشبيهاً لهذا اليأس :
العتمةُ تطحنُ كبدي
والتيهُ يطحنُ كبدي
والرعبُ كأي جزّار ٍأعمى بمطحنة ٍعمياء يطحنُ كبدي .
الطريقُ قاس ٍأيها الطريق .
لتتوقفْ قطاراتكَ إذن عن نقل ِالمحاربين والضغائن ِالتي يتركون قشورها خلفهم فتكون دليلَ الحسرة ِإلى مكاني
ولتتوقفْ عن تحدّي محنتي بنصب ِنساءك َالبلهاوات وسلالهن معدومةَ القعر ِكأنها الندم
توقفْ عن خداع ِالرياح ِبإشارات ِاتجاهاتكَ المضلِّلة : لا أحد يُخطىءُ في اختيار ِالموت ِكحفرة ٍيلقي بها كراته .
أقمْ حواركَ مع الخيّاطين لا مع الغبار
مع بحّارة ِالنسيج ِالقطني الذي يدفّىءُ خصيتيكَ لا مع الجهات
انظرْ للمهارة ِالتي يتجاوزون بها ثقوبَ النعمة ِوتمزق اختياراتها فلا يسقطُ منها جمالٌ أو عبرة
كيف يُلبسون المساءَ ثوباً تنكرياً فلا يتعرّفُ عليه الوقت
كيف يحيّونكَ بطقطقة ِمقصاتهم كحلاقي الهواء ِوحمل ِالحكمة ِإليك َرزماً مربوطةً بشعور ِالزوجات .
أهكذا تردُّ التحية َأيها النهم
بفتح ِكوابيسكَ إلى أقصى ما يستطيعُ الرعبُ حتى لتبتلع الحقيقة وتفرّعاتها الرطبة
أبإطلاق ِالخدعِ ِالبركانية وذئاب ِالجوع ِالسوداء تستقبلُ مريديك ومتعهدي زينتك ؟
انظرْ كيف يتناولون القماشَ من أيدي الغيب وأصابعهم تتحركُ بسرعة ِالخطر آخذةً قياسكَ , يخلعون عنك البنطلون القديم الذي خاطه ترزيّكَ الأحمق فكان عقوبتك في السابق ليلبسوك من مهاراتهم ما تتباهى به على أقرانك
أهكذا تكافئُ ندماءَ السفر ؟
بركل ِالوقت ِعلى قفاه حتى يخرجَ الليلُ والنهارُ دفعةً واحدة
بإطلاق ِصرخاتك َالشيطانية في وجه أطفال ِالزينة ِحاملي أسنانهم اللبنية إلى عرشك َالترابي , برفع ِقدمكَ الجافة أمام سيقانهم اللينة لينكفئوا كالبطاطس في قدور الليل.
فلتندمْ إذن كما يفعلُ السكارى أيها الطريق
كأي أداة ٍقبل استخدامها , كأي ٍغابة ٍمنحتْ سرّها للعاصفة لا للطير
فلتندمْ ولتكفّ عن تمويه ِالصيغة ِالسورية ِللرعب
فالوقتُ يأخذُ شكلَ جثة
والمدنُ تأخذُ شكلَ جثة
والله إن أرسلَ برهاناً إلى ضالّين يرسله على شكل ِجثة .
الطريقُ قاس ٍأيها الطريق .
الحنينُ كلبٌ أسود أيها الحنين .
لأنَّ السيدة أطفأتْ أمومتها ورقدتْ حيث رقدَ يقينها , إنما بلا مشيئة ترعاها أو قلادة تحمي ثدييها من ألاعيب ِالترمل
لأن اليأس أطبقَ بأصابعه ذات العقد على المكان حتى أخرجَ أحشاءه
لأن يأسي ليس دجاجة ًفيخنق وليس يأساً فيمر ُ كعربة ٍتاركاً خطين متوازيين كما يتوازى الموتُ وتخاريمُ الموت
يأسُ الماء ِمن وحل التشابه
يأسُُ الجغرافيا من أثلام ِالجهات تدخلها الحقيقةُ فتخرجُ كلباً أعرج
يأسُ الجريمةِ من عجز الأداة
يأسُ الحكاية من فم ٍأدرد يرميها متلاصقة فلا تُعرفُ قبعةُ الفتاة ِمن ذيلِ الحكمة
اليأسُ الذي طمرته الأقدارُ فيما مضى والآن أخرجته فؤوسُ الباحثين
اليأسُ الذي هو حقل ٌبمزارعين وثيران وبيوت زجاجية لإنبات ِالعدم
اليأسُ الذي من يأس ٍنشر خياطيه ومقصاتهم ليستبدلوا زيَّ الأبد
يأسُ من يعضُّ الندمُ عباراته, يأسُ اليأس ِِمن شغفه.
دليلي أيها الخراب
حيث ألمحُ عصاكَ المعقوفة كاستفهام ٍوسحائب َانهماكك َتسوّرُ رأسك كإكليل أنصبُ خيمي
حيث أرى ناركَ تلتهمُ الفكاهات الخائبة للمحاضرين في معنى الحياة ألقي أطفالي
أمسحُ بباطن ِكفّي شفرة َمنجلك َالتي اخترتَ سطوتها بكثير ٍمن العناية والتدقيق كأنك ستحاسبُ على كل صفة ٍتُفلتُ بمعناها من أرقك َالدامي .
أداعبُ مفاجآتكَ بنتف شعرها حتى تصبحَ كخصية ِالديك
نكاية ًبولعك َالصبيانيّ في اختيار ِالفجر ِكموعد ٍلهجومك َالضاحك
نكاية ًبالعقاب ِالذي تدعي أنه دافعكَ الأساسي لإقامة ِمجازرك َالفكهة.
نكاية ًبالحكمة ِرفعت َأعمدتها نكاية ًبي .
دليلي وسيّد مشهدي أيها الراعي الكسول
نسيتَ القطعان َفي حقل ِالأبد ِوجلست َمدلياً ساقيكَ كالله ٍ, شغفٌ بالنداء يتصاعدُ من الأرض : إلهنا وعضلُ أكتافنا .
النداء ليس لكَ , ليس لكَ أيها المظلوم في الترتيب الأبجدي للفضائل , بل للمشيئة ِمسيرة الطير إلى حضن الإرهاب .
يا أجيرَ خبث الله
يرسلكَ لتحصيل ِديونه المتأخرة ومعاقبة ِالمتمردين على حصانته الساذجة
لتسوية ِالأرض ِلمشاريعه الضائعة في وهم ِنجاحها وإنقاذ ِعرشه من حصار الخاسرين الذين أدمتهم عدالته فأدموا سكينته .
يستخدمكَ ويهجوكَ ولا تحصل حتى على اسم ٍيليقُ بمجدكَ الأسطوري .
أيها القديس , أيها الغبي
هل تظنُّ أني أنسى الليلي التي صرفتها متسكعاً خلف عاهرات الفردوس متحسّراً على مؤخراتهن المتلفّعة بفرو الخلود
أو رهانك الرابح مع الأخلاق حول مضاجعة بناتهن الواحدة تلو الأخرى .
هل تظن أني أنسى ألاعيبك العبقرية..؟
ولعكَ بتمزيق ِالملائكة ِحتى يظنَّ البشرُ أنه الوحي هابطاً عليهم على شكل ِمزق ٍنورانية
أو الأجنة التي حطمتَ حلمها بالمشارك في هذه اللعنة عن طريق مزج دمها بالكحول .
هل تغمض الآن عينيك عن هذه المهمة الجليلة أم تدعي أن الشيخوخة تمدّدتْ في صلبك َالحديدي ؟
قمْ أيها الكسول وانظرٍْ , الحياةُ تناديكَ لتمنحها طفلها الأول
قمْ أيها العالي لك ملمسُ برجوازي وعظامُ بغل
لكَ الرسومُ العميقةُ بحبر ِالمكر ِتحيلُ السلالات عشاءاً رائعاً للعدم
لكَ النسوةُ اللواتي كن نساءَ العنف ِثم ربحتهن منه في لعبة بوكر
لكَ النداءُ الشرعي الذي يتصاعدُ من يأس ٍيانع كالشعب ِإلى يأس ٍيانع ٍ كالطبيعة
لكَ يديك وأدواتك , يدي وأدواتي
زوجاتي زوجاتكَ أيها الخرابُ وأطفالي أطفالكَ
قدمي التي تدفعُ بالفضائح دفعاً لتترجرجَ كالآلهة في احتفال ِاليقين ِقدمكَ
ومزارعي التي يتحاذى بها العدمُ و النعناعُ مزارعكَ
اركبْ أيها الخراب اركبْ, المكانُ دراجتكَ
واصدحْ أيا الخراب اصدحْ , الأبديةُ مزماركَ
والتواريخُ التي تراها على هيئة ِتلال ٍليستْ سوى حواجز َوهمية تجتازها بسرعة ِالبرق ِ, بسرعة ِالعدم ِيقطرُ من ذيلكَ فيبقّعُ التأريخَ
أدر يا سائق اللحن إلى حتفه , أدر محركاتك بقوة ألف شيطان وأرهم أن الخلقُ تابعكَ , حيث تبولُ ينصبُ راية
أرهم أنَّ الوقتَ لعبتكَ , تجتازه ولا يجتازكَ كأنه محضُ حيوان ٍصلبه رمحكَ على جدار الطبيعة .
مدَّ أيها الخرابُ خرابكَ بحجم ِالجغرافيا : النخرُ أضنى الجهات .
مدََّ أيها الخرابُ خرابكَ ولا حاجةَ لسحب ِقرعة : بلى
إن
اليأسَ
سوريّ .
اللاذقية 1996
#محمد_دريوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟