|
ماذا يحدث للنساء تحت اسم الإسلام؟
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 20:48
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أجلس في مقعدي بالطائرة من مدينة كراكو ( في بولندة ) الي مدينة ديترويت في ولاية ميشيجين بأمريكا الشمالية ( مرورا بمدينة وارسو وباريس ) ، حوالي خمسة عشر ساعة في الجو ، أقرأ فيها صحف العالم ، شمالا وجنوبا
أمامي رزمة الجرائد بلغات متعددة ، منها العربية والفرنسية والانجليزية والبولندية والألمانية ، أرشف القهوة السوداء المرة ، مع الأخبار الأكثر مرارة وسوادا القادمة من المنطقة التي يسمونها الشرق الأوسط ، منذ الاستعمار البريطاني في القرن ١٩ حتي الاستعمار الأمريكي في القرن ٢١ : مصر واليمن وتونس والعراق وسوريا ولبنان وايران وباكستان وأفغانستان وغيرها
تبدو العناوين الرئيسية متشابهة رغم احتلاف الحروف الأبجدية ، تعرفت علي بعض الكلمات البولندية أثناء زيارتي الأخيرة لمدينة كراكو ، حيث زرت متحف شيندلر ، ومحارق الغاز ، في منطقة " أوشويدس " سيئة السمعة الشهيرة ، منذ فيلم المخرج سبيلبرج ،
قلت للمرشدة البولندية ، ونحن داخل محارق الغاز ، وأنفاسي تكاد تنقطع من انعدام الأوكسجين
هل تريدون خنقنا هنا في كراكو؟
ضحكت المرشدة البولندية وقالت :
ربما هناك محاولة لتصوير بشاعة ما حدث من تعذيب لليهود ، لكن الحقيقة يا سيدتي أن ضحايا هتلر والنازية في محارق الغاز ، من سنة ١٩٣٩ حتي ١٩٤٥ ، كانوا بالآلاف ، من شعوب ٤٣ دولة ، داخل أوروبا وخارجها ، نساء وأطفال ورجال غير القادرين علي العمل ، من مختلف العقائد والأديان ، وليس فقط من اليهود ، لكن الاستعمار البريطاني ( والأوروبي ) تعمد نشر الاشاعة أن اليهود فقط كانوا الضحايا ، من أجل تبرير انشاء دولة اسرائيل في فلسطين عام ١٩٤٨ ، وها هي دولة اسرائيل تفعل بالشعب الفلسطيني ما فعله هتلر بهم وأكثر
كانت الأمطار تبلل ملابسنا ، فقد خدعتنا الشمس في الصباح بقوتها ودفئها ، فتركنا المعاطف بالفندق والشماسي ضحكت المرشدة وقالت : الشمس تخدعنا مثل التاريخ الرسمي الأوروبي ، نحن الشعب المسيحي في بولندة عانينا من عذاب النازية أكثر من اليهود ، ثم سألتني : هل قرأت الأخبار السيئة الأخيرة ضد النساء في مصر وتونس وطالبان ؟
لم يكن عندي الوقت لقراءة شيء الا في اليوم التالي وأنا بالطائرة أقرأ صحف العالم ، ماذا يحدث للنساء والبنات باسم الاسلام ؟ اطلاق الرصاص علي الأطفال البنات تحت حكم الطالبان ، لمجرد سعيهن الي العلم والمعرفة في المدرسة ، والانقضاض علي حقوق النساء التونسيات وكرامتهن تحت الحكم الاسلامي الجديد ، حتي تاريخ المرأة التونسية يتم تشويهه ،
هذه السطور من بيان لتحالف نساء تونس في ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢
لم نتصور أن ثورة تونس الشعبية العظيمة سوف تتمخض عن هذا الحكم الذي يهدر حقوق النساء وكرامتهن تحت اسم الاسلام ، حتي الرائدات المناضلات يتم تشويه تاريخن المشرف ، منهن السيدة عائشة المنوبية التي ثارت ضد الظلم وضحت بالزواج من أجل العلم ، ودعت ( مثل رابعة العدوية ) الي جوهر الدين وليس الطقوس والقشور ، وكانت تحمل الماء وتطفيء به نار جهنم ، أو تحمل شعلة تضيء بها الجنة ، رمزا الي عمل الخير حبا في الخير وليس طمعا في الجنة أو خوفا من الجحيم ،
والبنات الأطفال المقتولات تحت حكم الطالبان ، منهن الطفلة " مالالا " التي صوبوا الرصاص الي رأسها لأصرارها علي التعلم وليس الانحباس داخل جدران البيت ، وأطفال بنات وفتيات تلميذات ، حرقت وجوههن بماء النار ، لخروجهن الي المدرسة ، أو عدم ارتداء النقاب أو الحجاب
في مصر تعمدت معلمة منقبة ارهاب تلميذة طفلة ، بقص شعرها بالقوة ، لعدم ارتدائها النقاب
أهذه هي نتيجة الثورة الشعبية المصرية العظيمة التي أطاحت برأس النظام السابق الفاسد ؟ هل خرجنا الي الشوارع والميادين منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ لاخفاء وجوه البنات أو من أجل تطبيق ما يسمونها أحكام الشريعة ؟ نحن خرجنا واهدرت دماؤنا وفقئت عيوننا من أجل الحرية والعدالة والكرامة للجميع نساءا ورجالا فقراء وأغنياء ؟
من هو وزير التعليم الذي أصدر قرارا بفرض الحجاب علي تلميذات المدارس؟ ومن هو الوزير الذي سكت علي هذا القرار ولم يعترض عليه بالاستقالة من منصبه؟ وماذا فعل وزير التعليم الحالي أو رئيس الوزراء أو رئيس الدولة لابطال هذا القرار؟ وهل فرض الحجاب علي البنت الطفلة هو الحرية الجديدة تحت الحكم الاسلامي؟
حين جاء باراك أوباما الي القاهرة في يونيو ٢٠٠٨ ، قال أن المرأة المصرية حرة في اختيارها الحجاب أو النقاب ، أهذه هي الحرية والديموقراطية الأمريكية التي تتبعها الحكومات المصرية منذ السادات حتي اليوم ؟
هل تذكرون الأب المصري الذي تعاون مع زوجته في ضرب طفلتهما حتي ماتت لأنها خلعت الحجاب في يوم شديد الحرارة ؟
والسؤال الذي يهرب منه الكثيرون : ما هي القوي السياسية والاقتصادية الخارجية والداخلية التي مولت وشجعت ودربت علي السلاح هذه التيارات السياسية الاسلامية ، علي رأسها الطالبان والجهاديين الاسلاميين . من أفغانستان الي باكستان الي الجزائر ومصر وتونس وسوريا والعراق وايران والأردن واليمن وغيرها
أليست هي الحكومات العربية والاسلامية المتعاونة مع الاستعمار الأمريكي الأوروبي الاسرائيلي ؟
لا يكون العلاج بوضع المراهم علي الجروح ، أو أن يصدر وزير التعليم قرارا بنقل المعلمة أو فصلها أو سحلها ، فهي امرأة مضللة بالتعليم الهابط والاعلام والثقافة والسياسة الأكثر هبوطا ، مثل غيرها من أفراد الشعب المصري
العلاج هو استئصال الأسباب التي أدت الي تصاعد قوة التيارات السياسية الاسلامية الي هذا الحد ؟
العلاج هو كشف العلاقة بين الاستعمار الأمريكي الأوروبي الاسرائيلي والحكومات المصرية والعربية وغيرها من الدول الاسلامية
العلاج هو ثورات شعبية جديدة ، لاسقاط الحكومات الدينية في كل الدول ومنها الحكومة اليهودية في اسرائيل ، والقوي المسيحية المسيطرة علي السياسة والانتخابات والأسواق المالية والتجارية في أمريكا وأوروبا
العلاج ليس فقط اصدار قرار بمنع النقاب والحجاب في المدارس ، سواء علي التلميذات أو المعلمات ، ولكن بفصل الدين عن التعليم والدستور والثقافة والفنون والقوانين العامة في الدولة ، والقوانين الخاصة في الأسرة
لا بد من اصدار قانون يعاقب الأم أو الأب الذي يفرض الحجاب علي ابنته في مرحلة الطفولة أو بعدها ،
يجب تنقية الدستور المصري من كل المواد والكلمات التي تشير من قريب أو بعيد الي أحكام دينية تتعلق بالدولة أو الأسرة أو الحقوق الشخصية والعامة للنساء والرجال
هذا واجب كل فرد من شعب مصر العظيم الذي استطاع دائما أن يتخلص من كافة أنواع العبودية سياسية أو دينية أو غيرهما.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غياب العدالة فى المؤتمرات الدولية
-
في ظلم اليمين واليسار للمرأة المصرية
-
التبادل الفكرى مع القارئات والقراء
-
الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمرأة
-
مسيرة الحركة النسائية المصرية
-
التوازن بين مطالب الجسد والروح
-
الهوس الدينى يواكب الهوس الرأسمالى
-
حركة الإبداع الحر فى مصر والعالم
-
امرأة ليس لها رأس
-
الدستور المأكول وقلادات النيل
-
سقوط الأب ونزاهة القاضى
-
اغضبى وثورى ولا تستكينى
-
لماذا لم تتحرر النساء المصريات؟
-
نيوتن.. زويل.. باراك أوباما
-
انطقوا الصدق فالتاريخ لن يرحمكم
-
نساء ورجال نتاج الفساد
-
البرادعى.. زويل.. المنقذ والتبعية
-
الرئيس القادم.. الروحانية الصوفية والتحرش الجنسى
-
تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!
-
النساء والفقراء.. هل ينتخبون أعداءهم؟
المزيد.....
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|