|
عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن سمير: التفكيكُ للسعادة أم للمأساة ؟
مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري
(Moemen Samir)
الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 22:12
المحور:
الادب والفن
عاطف محمد عبد المجيد يكتب عن ديوان " تفكيك السعادة " لمؤمن سمير: التفكيكُ للسعادة أم للمأساة ؟
يُلَخِّص ـ أو هكذا أرى ـ مؤمن سمير ديوانه (تفكيك السعادة)..الصادر عن دار "هـﭭن" ، في مقولة ماركيز التي جعلها مُفْتَتَحاً له: "بلسمي السُّمُّ يا أماه" لا سيما وأن الذات الشاعرة تعمل ـ طوال المساحة الزمكانية لقصائد الديوان ـ على تفكيك المأساة ـ وليس السعادة ـ لتحصل من بين ثناياها ـ أي المأساة ـ على السعادة أو ـ ربما ـ على قليل منها... ويلفت الانتباه في هذا الديوان بسرعة أن الشاعر يقسمه ـ على طريقة الروايات أو ما شابه من كتابات نثرية ـ إلى فصول ثلاثة..الأول منها عنونه الشاعر بـ :تهويمات الفرشاة..التي لا ينقصها الإخلاص،عادة. أما الثاني فسماه: الألوان أو هكذا نكون سعداء ..فيما جعل عنوان الفصل الثالث :بعد مرور أطنان من اللوحات ونحن نمضغ الوقت تحت المظلة...... وهي لافتات شعرية في الآن ذاته..
لُغةٌ مُنسابة :
لغة الديوان لغة سلسة تنساب انسياباً رائقاً ورائعاً عبر أسطر الديوان الشعرية ..فيما يحاول الشاعر ـ بواسطة ما يمتلكه من أدوات فنية بادية التمكن ـ ألا يعزف كثيراً على أوتار المجاز ..مبتعداً بنصه الشعرى /النثري عن ما يسمى ب مجانية اللغة والتناول والصورة ..والتي لا تضيف إلى العمل قدر ما تُنقص منه..وعلى الرغم من تربع السعادة (حقيقية كانت أو مُتخيلَة) على كرسي عنوان الديوان وبين ثناياه ..إلا أن المأساة ـ أو ما تعانيه الذات الشاعرة بصوره المختلفة في سبيل الوصول إلى تلك السعادة ـ تطل بعينين جاحظتين من نوافذ شتى في كثير من قصائد الديوان..وإذا كان تفكيك السعادة قد يعني فداحة تمظهرها بعد تفتيت بنياتها الأولية أو إعطائها مساحة أكبر لتمارس فيها أنشطتها.. فإن تفكيك المأساة قد يُقصد منه كذلك- إضعافها إلى الحد الذي لا تقوى فيه على التحرك أو البقاء... تعالوا لنحكي عن السعادة.. نحكي قليلاً.. أجل،السعادة يا أصدقاء.. صدقوني الأمر يستحق بجد أن نترك مشاعرنا إلى جانبنا على المقعد.. هذا ـ بصورته القائمة الآن ـ ما أخبرنا به الشاعر عن سعادته المفقودة ـ على الأقل في اللحظة الراهنة ـ أما عن المعادل الموضوعي للسعادة ـ هنا ـ أو الوجه الآخر لها وهو المرارة فيسرد عنه قائلاً: التعب زاد كثيراً والمررة لم تعد تصدق أننا مللنا طعمها الاستعماري في الفم والحلق ورائحتها التي تحيط بالذكريات مثل شرنقة..
حافة المأساة :
يدرك الشاعر أنه في سرده لوقائع السعادة التي يقف على حافة المأساة منتظراً لها ..إنما يحاول ـ قدر ما أوتي من حلم وخيال ـ أن يبدأ رحلة بحثٍ بُغية أن يعثر عليها وسط ركام وأكوام من مآسي شتى تعمل ـ وبشكل جماعي جهنمي منظم ولا فوضى فيه ـ على إزهاق الروح الشاعرة معنوياً وربما تفكر مستقبلاً في القضاء عليها مادياً بعنفٍ ملموس كذلك... أعلم أننا بكلامنا طول الوقت عن سواها إنما نبحث عنها.. ونظراً لأن هذه السعادة/الأمل/السؤال دائماً تراوغ الذات الشاعرة وتجعلها تدخل منعطفات متوهمة أو لا وجود لها .. لهذا فهي تغيب أو تُغَيَّب أكثر مما تجئ ويُقبض عليها..ومن هنا اكتسبت لقب السعادة الماكرة ـ والوصف للشاعر ـ وهي قد تكون ـ ربما ـ في "إزالة الجِلد السميك الذي أعمانا طويلاً.." أبجدية أخرى :
ملمح آخر يتبدى من خلال قصائد هذا الديوان ،ألا وهو أن مؤمن سمير ـ الشاعر ـ يحاول أن ينقش فوق جدران مملكة الشعر لغة خاصة به وأبجدية أخرى لا تشبه أبجديات سابقة ..متكئاً على ثقافة شعرية وتشكيلية وإنسانية عالية..ومنطلقاً من ذائقة تحاول أن يكون لها حضورها وخصوصيتها ..بعيداً عن أعمال النسخ ـ طِبْق الأصل ـ ومحاولات الاقتراب من نصوص الآخرين.. الألف واللام حرفان جلبا لنا وجع القلب بسببها رافقنا الخيبات والحب والعدل والموت والسجن والقطارات وال... وال... وال... ........ حرفان فوقيان عنصريان سنثور ضدهما بولاءاتنا التحتانية المشرفة وسنقرر أن ننساهما في البداية بهدوء...
توهمات:
كذلك نعثر على الذات الشاعرة وهي تعاني من عدد من الأوهام التي كانت بفطرتها تظنها واقعاً ..لكنها سرعان ما تكتشف ـ بفاجعة ـ أنها ليست سوى توهمات تبخرت مسرعة تاركة إياها في دوامة لا سبيل إلى الخروج من دهاليزها المتشابكة... سِكة أخرى أن نبحث عنها في أمر له بريق منذ طرقنا قطار الإحساس الحنين...الحنين المجنون الذي قد يرسم أشياءً ويضحك علينا غالباً لا يهم..هو طريق والسلام.. وعن تعطشها الوحشي لأشياء هي بحاجة دائمة إليها , تعلن الذات الشاعرة أنها تحاول أن تصل إلى تلك الأشياء وأن تتشبع بها ولو عن طريق التخييل ..حيث ليس كل ما تتمناه الذات الشاعرة تجده أمامها ملفوفاً في ورق فخم وعلى طبق من فضة... كالعادة لا شئ يكفي كالعادة لا شئ يملأ المسام ويدفئها احترت والله واحتار دليلي..
لغة العادي :
ثمة شيء آخر نلمحه ـ دون أن نبذل أي مجهود ـ في هذا الديوان وهو أن الشاعر يستخدم مفردات /لغة بسيطة تقترب ـ إلى حد ملموس ـ من لغة الإنسان العادي ـ ولا أقول إلى لغة الشارع ـ غير أن اقترابها منه أو تماسها معه لا يعني سطحيتها أو سوقيتها ـ مما يحولها إلى لغة ساذجة ومُنَفِّرة ـ إذ أنها رغم بساطتها تحافظ على رونقهاوجزالتها... * الشيخ "باتع" بعد أن ضيّع اللوح وانتبه لبنات الترع... * سمير... أبوك الذي تركك في الغيمة ويمنعه عنك الشديد القوي * عديم النخوة الذي سببناه مع صديقه الأول يتسلل بخسة ليختبر قدرتنا على التذكر * يا كبير يا طويل يا واقفاً تخيفنا طول الحياة يا..... * فلننس الخسارة ولا نسمح لعقدة الذ نب أن تؤجرنا بالرخيص * أي أدلة يا ناس الأمر اقرب وأكثر رهافة خرجنا من الماء...صح؟ صح * اجلس يا صديقي في وردة البلل واغمض قلبك الشكاك وابلع ريقك...
***
مرة أخرى نعود إلى مسألة السعادة/الوهم والتي يتخذها الشاعر محوراً مركزياً في ديوانه هذا والتي أعلن الشاعر عجزه ـ العجز هنا ليس عجزاً سلبياً لكنه العجز الناتج عن ضيق ذات القَدَر!! ـ عن العثور عليها أو حتى الإمساك بتعريف لها سواء في نهاية الفصل الأول أو الثاني إذ يقول محاولاً تعريف السعادة..أو إثبات - عن طريق هذا البحث الشعري – استحالة القبض عليها.. السعادة هي: .................. .................. غير أنه في هامشين من هوامش الفصل الثالث الثلاث يسميهما بـ "عديم اللون" يقول: قال الرجل عبر النافذة مرت بنا بالأمس سفينة السعادة... رد الرجل عبر النافذة السعادة...السعادة أين سمعتُ هذه الكلمة من قبل؟!!!!
وهنا يشير إلى عدم معرفته بهذه السعادة - أساساً - والتي يتساءل ـ مستنكراً وجودها/غيابها ـ : أين سمعت هذه الكلمة من قبل؟ إنه يقرر هذه الإستحالة ويضعها في القلب والعقل , وبشكل نهائي... في الوقت الذي يقرر فيه في الفصل الثالث الذي عنونه بـ "بعد مرور أطنان من اللوحات ونحن نمضغ الوقت تحت المظلة" أننا سنكون سعداء حقاً لكن متى؟ يوم أن نبتسم عشرين مرة متوالية ..يوم أن نتفق مع موتانا على أوقات الزيارة .. يوم لا نحسد الطيور على أنها عارية..يوم أن نلهو فوق السطوح وتحت السرير فنجد خبزنا القديم..يوم أن نجد شخصاً يربت على قلوبنا دون خوف من العدوى..يوم أن تضحك لنا المرآة..يومئذ نكون سعداء حقاً...
إذن ربما تتأخر سفينة السعادة في المجئ خاصة وأنه لا توجد تربة صالحة لاستقبال بذورها فينا لا سيما وأننا نحاول أن نوقع أنفسنا ـ عن جهل ربما ـ في شِراك اليأس..وبهذا ـ أيضاً ـ سوف يمتد زمن رحلة البحث عن تلك السعادة المفقودة والتي يحاول الشاعر أن يفككها..فهل يمتلك الشاعر ما يؤهله لأن يبدأ أو يستأنف رحلة أخرى باحثاً في عوالمه الخاصة عنها أم تراه أعياه اليأس فقرر أن يستسلم ـ رغماً عنه ـ للواقع مضحياً بسعادة يلقي به البحث عنها في غياهب المأساة؟! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *الكتاب:تفكيك السعادة. *المؤلف: مؤمن سمير. *الناشر: دار هـﭭن. *سنة النشر:2009.
#مؤمن_سمير (هاشتاغ)
Moemen_Samir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( بروفيل ) لمؤمن سمير: بقلم د/ أشرف عطية هاشم
-
بهاء جاهين يكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - لمؤمن سمير : روح
...
-
قصيدة - مؤمن سمير - شعر/ منى كريم – الكويت
-
د/ أماني فؤاد تكتب عن ديوان - تفكيك السعادة - للشاعر / مؤمن
...
-
خالد محمد الصاوي يكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير :
...
-
قصيدة - بوابتان - شعر : مؤمن سمير
-
ديوان - السريون القدماء - شعر / مؤمن سمير
-
ديوان - ممرعميان الحروب - شعر / مؤمن سمير
-
ديوان - هواء جاف يجرح الملامح - شعر / مؤمن سمير
-
ديوان - تفكيك السعادة - شعر/ مؤمن سمير
-
- الهاتف - مسرحية للأطفال تأليف / مؤمن سمير
-
ديوان - تَأطيرُ الهَذَيانْ - كتاب شعري
-
ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -
-
المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - )
...
-
كتاب - أَوْرَادُ النوستالجيا وقراءات أخرى -
-
مرفت يس تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
-
زينب الغازي تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
-
- المخبوءُ هُنَاكْ
-
- نقوشُ السَطْوِ - شعر/ مؤمن سمير
-
- رمل ..- شعر/ مؤمن سمير
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|