|
تونس من الهويَة الى الهاوية ؟
علي قيدارة
الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 17:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أول انتخابات ديمقراطية في تونس في أكتوبر 2011، تحصَل حزب النهضة ذو الاتجاه الإسلامي على 37٪ من الأصوات، وبمساعدة من طرفين محسوبين على التيار اليساري، المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل استطاعت النهضة أن تكوّن أغلبية داخل المجلس التأسيسي و كذلك أن تشكل حكومة ائتلافية من أجل إرساء أسس الدولة المدنية والديمقراطية. بعد مرور عشرة أشهر من وصول هاته الترويكا تحت سيطرة النهضة إلى السلطة، نجدها تعاني أكثر من أي وقت مضى من انحدار شرعيتها و من تحدى شريحة واسعة من السكان وذلك لأن حزب حركة النهضة الاسلامي و بعد أن احتكر تدريجيا معظم هياكل السلطة، أثبت أنه عاجز على تلبية مطالب الشعب التي قامت من أجلها ثورة يناير كانون الثاني 2011 كالحرية والعدالة ورد الإعتبار للمهمَشين و المظلومين، كما أثبت أنه غير قادرعلى الوفاء بوعوده الانتخابية. والأسوأ من ذلك أن الترويكا لم تقم بالقطع مع ممارسات الديكتاتورية الهاوية،حيث أن ميولها الاستبدادية تضخمت إلى حد دفع البلاد إلى أزمة عامة على كل الأصعدة أسرعت في تراجع الدولة و دورها في إدارة البلد. اجتماعيا، احتكرت حركة النهضة منذ بداية الحكم الهوية العربية الاسلامية كأرضية شعبوية لبرنامجها الأيديولوجي ومزايداتها السياسية، وقد تسبب ذلك على الفور في التفريق بين المواطنين بوصف فئة منهم بالمسلمين الحقيقيين وهم الذين ينتمون إلى فكر النهضة وبنعت الفئة الأخرى بالعلمانين و أحيانا بالكفَار، مما أدَى الى توتر اجتماعي حاد وتسبَب في تبرير العنف ضد الفئة هذه الأخيرة. كما تحَوَل الخوف من الدكتاتورية سابقا إلى خوف من الفئة المتعصبة من المجتمع التي كثَفت من اعتداءاتها و هجماتها ضد من سموهم بالعلمانيين أو "الكفار" دون أية ردة فعل من طرف السلطات المعنية. كنتيجة لهذا الوضع، تبدد حلم التونسيين بمجتمع سلمي، تعددي ومتسامح تتعايش فيه سلميا كل شرائح المجتمع في ظل المساواة في الحقوق والواجبات. كما تعددت مظاهر سلبية أخرى داخل المجتمع التونسي كازدياد حدة الفقر و النزوح من الأرياف و كذلك الهجرة الغير شرعية نحو شواطئ أوروبا في ظروف غالبا ما تتسبب في هلاك المهاجرين. وبالإضافة إلى ذلك، فاندلاع أعمال العنف ضد الجامعيين والفنانين والمثقفين وغيرهم من المواطنين، إلى جانب المضايقات التي يتعرض لها الصحفيين والقيود المفروضة على حرية التعبير، يفتح فصلا خطيرا في علاقات الدولة مع مواطنيها. فغالبا ما ترتكب أعمال العنف من قبل الجماعات المتطرفة وميليشيات الحكومة و حزب النهضة بدون أن تتعرض إلى أي عقاب وبتواطؤ واضح من السلطة التي لا تتردد في استغلال القضاء أيضا ضد كل من يعترض على مشروع و ممارسات الإسلاميين. و أكبر دليل على ذلك هو عودة مثيرة للقلق لتقارير المنظمات الدولية التي تتعلق بالوضع السياسي و الحقوقي في تونس. أما فيما يتعلق بالاقتصاد، فكل المؤشرات تدل على أنه في حالة متداعية، بالرغم من أن الحكومة تحاول إخفاء الحقيقة وتواصل في تقديم الوضع على أنه في تطور مستمر. فالتدهور الاقتصادي المتسارع بلغ أشدَه في التأثير على جميع المناطق و كل مكونات المجتمع إلى درجة أن تفاقم القطاع غير الرسمي و السوق السوداء بدأ يهدد قدرة الدولة على ضمان التزاماتها المالية. ونتيجة لذلك، تشهد البلاد تدهور تصنيف الديون السيادية وتراجع تقييم نظامها المصرفي. و إنَ استبعاد تصنيف تونس من مؤشر التنافسية العالمية لعدم وضوح البيانات كان آخر مؤشر لهذا الوضع الاقتصادي المتدهور ، و هو الذي سيؤثر سلبا على مناخ الأعمال والاستثمار و ينبئ بمخاطر قد تغرق البلاد في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي و السياسي. وأخيرا، على الصعيد السياسي، فقد فشلت الدولة في أبسط أدوارها و هي حماية مواطنيها وضمان الخدمات الأساسية لهم. كل هذا يجعل المواطنين يشكٌون أكثر فأكثر في نوايا الترويكا وفي شرعية السلطة، خاصة في ظل غياب خارطة طريق واضحة المعالم في مايخص الفترة الإنتقالية و تاريخ الانتخابات المقبلة. إن تراكم كل هذه المؤشرات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي يدل على تراجع دورالمؤسسات العمومية وانهيار الدولة التونسية مما ينبئ بقرب تحويلها إلى دولة فاشلة لا تعدو أن تكون إلا أرضا خصبة للتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة وانتشار العنف الذي يهدد أمن واستقرار كل منطقة شمال افريقيا و غرب المتوسط. فهل ستتحرَك السلطات قبل فوات الأوان؟
#علي_قيدارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|