ابراهيم هيبة
الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 04:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من بين كل الرجال الذين عرفتهم في حياتي ، لم يؤثر في إلا واحد منهم. لقد كانت سلوكاته وتصرفاته ونظرته إلى الأشياء تعطي الانطباع كما لو انه جاء من كوكب آخر. إذا كان الناس في أعمالهم ونشاطاتهم يجرون دائما ضد عقارب الساعة، فهو لا يتحرك نحو أية وجهة يقصدها، أكانت وجهته نحو عمل شاق أو نحو مأدبة، إلا بإيقاع سرعة السلحفاة. بالنسبة له، لا شيء يستحق أن نتصبَّب عرقا من اجله؛ فكل سر الحياة يكمن في التحرك ببطء. في الحقيقة، لم يكن يجمعه ببني البشر إلا هيئته الآدمية، أما تصرفاته فكانت أقرب إلى المخلوقات الأخرى منه إلى شيء آخر. مع البومة كان يجمعه عشق التجول بالليل، ومع الكوالا ساعات النوم الطويلة، أما مع القنفذ فالتقوقع على الذات.
الماضي، الحاضر، المستقبل- هذه، في نظره، مجرد مفردات تنتمي إلى علم الصرف ولا تمس الوجود في أي شيء.السعادة ، بالنسبة له، مشكلة بسيطة وحلها يكمن في عدم التفكير في الغد. العمل لا يجب أن يكون لأجل هدف آخر غير تحصيل الحاجات الأساسية، أما الرفاه فهو التمكن من شراء علبة سيجارة وشرب فنجان من القهوة في مقهى عام. عندما كنا نتسامر ليلا، كان يحلل ويفكك مقومات الحياة من ألفها إلى يائها، لا شيء كان يصمد أمام مزاجه الكلبي وبصره الثاقب. كان يعري كل شخصية اجتماعية، من أصغر بواب إلى أكبر موظف حكومي. عندما يبدأ في الكشف عن الجوانب المضحكة في شخص أو ظاهرة ما، كان لا يضحك أبدا- بالنسبة له، لا شيء مدهش بخصوص الحياة، فهي غير جدّية من بدايتها إلى نهايتها.
بصراحة، من خلال معايشتي لحواراته وملاحظاته، تعلمت بان الفلسفة الحقيقية تمشي على الأرصفة و تتردد على المقاهي والأمكنة الهامشية؛ بل إنني تعلمت منه أيضا بان الفيلسوف الحقيقي لا يملك بالضرورة أطروحة ميتافيزيقية أو كرسيا جامعيا. الموقف الميتافيزيقي الحق لا يكمن، حسب تصوره، في السير وراء هذا النبي أو ذاك، بل فقط، وببساطة تامة، في تقليد بعض الزواحف، حيث لا تكلف ولا تفنّج- فقط الالتفاف حول الذات.
#ابراهيم_هيبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟