|
بوح امرأة (5)
محمد هالي
الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 04:43
المحور:
الادب والفن
خرجت مسرعة، توجهت مباشرة إلى السوق الشعبي الموجود بالقرب من حينا، اقتنيت ديكا كبيرا، و شيء من البطاطس و الطماطم و الزيتون و البصل، و توجهت إلى البيت لم أجد أحدا، نظفت لوازم الطبخ، و طهيت لهم غذاء فريدا من نوعه، ستقتات عائلتي بديك كامل محمر الشكل، رأيت مثله مرارا في الحانة، حينما يحضر النادل الطبق وسطه الديك المعلق الساقين في الهواء، يبدو و كأنه ممتد على أريكة مزخرفة الأشكال، و يضعه أمام البطون المنتفخة، فتنهشه كما تنهش الأسود الفريسة في الغابة، ليتمتع الإخوة، من حقهم أن يكون أسود و لو مرة واحدة في حياتهم، هذه فرصتهم، و لو كان الأمر على حساب حياتي، يموت البعض من أجل أن يحيى الآخرون، لم أعد أفكر في شيء، ما وقع، وقع، و ربما سيقع مرارا و تكرارا، عليهم أن يتعودوا على ذلك، نجلاء تغيرت، ماتت نجلاء و تحولت إلى نجاة، و لم أعد أعرف هل هي بالفعل نجاة أم غرق؟ لم تكن هذه الليلة الوحيدة، التي أتأخر فيها عن البيت، فكنت في الغالب أفضل المبيت عند أمينة، لأسباب تبدو لي معقولة، لأن العمل في الحانات يحتاج إلى الليل، أكثر من النهار، و في نفس الوقت أتفادى الصراع مع إخوتي، فكلما جئت متعطلة، إلا و حدث شجار، تخلله في الغالب تصفيقات قوية ترتطم بخدودي، تتحول إلى احمرار شديد، أو إلى تورم يصيب مكان معين في الوجه، لولا فاطمة أختي لغادرت البيت نهائيا. وبينما كنت أمثل دوري، في المسرحية التي أعتدت على تنفيذها في الحانة أو الخمارة يوميا، جرتني أمينة من كتفي إلى جهة متسترة في الحانة، و أخبرتني - أن إحدى الشخصيات المهمة، أراد أن يقيم حفلة عيد ميلاده، بطريقة خاصة، يكون فيها النساء أكثر من الرجال، و أن سيدفع مالا مهما للحاضرات، إنها فرصة نوفر من خلالها مالا للمستقبل، خصوصا، و أن مثل هذه المهن تحتاج إلى الشباب، أكثر من العجائز، و نحن نكبر يوما بعد يوم، و من يدري سيقذف بنا إلى الشارع، أنداك لم نجد ما يتكفل بنا، لنستغل مثل هذه الفرص، التي ناذرا ما تقع. و بدون تفكير قلت: - نستغل الفرصة إذن، سأحضر معك كانت الساعة تشير تقريبا إلى السادسة و الربع مساء، امتطيت إحدى السيارات الفخمة، لم أتخيل يوما في حياتي أن أمتطيها، توقفت السيارة بجانب إحدى الفيلات، منظرها من الخارج يوحي أني سأدخل قصرا فخما، لكن عندما دخلت أغرتني بكل ما يحمله الإغراء من كلمة، زرابي تقليدية مفروشة تنعش العين من خلال النظرة الأولى، و أفرشة لا توجد حقا إلا في مثل هذه الأماكن، قس على ذلك لمعان الأواني المستعملة في الحفل، كل شيء يثير الارتياح، كانت الموسيقى تسمع بطريقة هادئة، تتقاطع مع ضحكات بعض المراهقات، منهن من ترقص و منهن من تنتظر دورها في ذلك، و في كل جهة من الصالة الواسعة توجد مائدة فوقها كافة أنواع الخمور، و علب السجائر، و بعض الأواني الجميلة مملوءة بأشكال مختلفة من الزيتون و اللوز و الحمص ... و بعض باقات الورود، و في ركن من الصالة وضعت بعض الهدايا، ربما أتى بها بعض المتملقين إرضاء لصاحب الحفل، أشعلت سيجارة و بدأت أنفت دخانها في هواء الصالة بعدما تعودت على التدخين منذ مدة، كانت القاعة تعج بالشباب و الإناث، بدأت الرقصات الثنائية، كل واحد اختار عشيقته المفضلة، و بدأ الرقص الجماعي يعم كل الصالة، أنقض علي أحد الشبان، ادعى أن اسمه حسن، رقصت معه طيلة الليل، تبادلنا القبلات كالحمام في لحظة التفريخ، شربت كل أشكال الخمور، و دخنت كل أنواع السجائر، أصبحت ثملة لا أعرف ما أفعل، و نمت في مكان ما داخل الفيلا، لا أعرف أين، و متى؟ وكيف؟ لم يترك لي أية فرصة للمقاومة، ارتمى فوقي، وهو يضغط على جسمي بكل قواه، و كأني أقاوم الموت، و أنا في لحظة الاحتضار، أصبحت أحمل جثة ضخمة من جهة البطن، شيء يتسلل من جهة فخدي الأيمن، خنجر يمزق أحشائي السفلى، قاومت، صرخت، بدون جدوى، أدركت أنني انتقلت من عالم العذرية، إلى عالم آخر، لا أعرف بدايته من نهايته، تملكني حزن عميق لم أشعر به من قبل، أدركت أن من رافق أمينة لا بد من أن يصل إلى هذه الدرجة من الانحطاط و المجون، سأنتقل هذه الليلة، من فتاة كانت تتميز بنوع من العفة و الوقار، إلى امرأة عاهرة بامتياز، استسلمت جثة هامدة له، لم أشعر بنشوة الجنس التي طالما تخيلتها على أنها أرقى لذة يتمتع بها الإنسان في هذا الوجود، أطفأ غريزته الحيوانية، وسقط من فوقي، وحش بصفة إنسان، يلهث كالكلب المسعور، و رائحة الخمر تتطاير من جوفه، لم يكن حسن، كان رجلا يبلغ أكثر من الخمسين من عمره، لم أعرف كيف أتى؟ و متى أتى؟ و لماذا استهدفني أنا بالذات؟ بقيت ممتدة بالقرب منه، أتحسس أعضائي التناسلية، أ أبكي أم أصرخ؟ لا هذا، و لا ذاك، تملكت نفسي، و نهضت من مكاني أبحث عن معلمتي الفاضلة أمينة، و جدتها لا زالت ممتدة في إحدى الأمكنة بالقرب من جثة أخرى، تتلوى كالأفعى، تبحث بلسانها عن لذة الجنس، التي اختفت مع السكر، دنوت منها، وقلت: - استيقظي ، استيقظي .. تنهدت في البداية، ثم نظرت إلي، و هي تقول بلسان ثقيل، يخرج صوتا غير مسموع فهمت منه: - لازلت في حاجة إلى النوم، اتركيني من فضلك أرتاح قليلا لم أتركها، أيقظتها من مجونها، وكوابيسها، وأخبرتها بحادثة الاغتصاب، و عن حقيقة ذلك الوحش الذي لا يزال ممتدا في مكانه، لم تجبني بطريقة لبقة هذه المرة، تحدثت و كأن الأمر عادي، قالت: - سنتفاوض معه، كل شيء و له ثمنه، لم أجبها، تأملتها، امتلأت عيناي بالدموع، رغم أني تقبلت الأمر ببساطة، و تفوهت بصوت خافت و متثاقل: - و ما جدوى التفاوض إذن؟ تفاوضي معه، و أي نتيجة توصلت إليها، سأقبل بها جرتني من يدي اليمنى، وهي تحاول أن تهدئ من فوراني، بقولها: - أعرف عمق أزمتك، هذه هي الحياة، ماذا بوسعنا أن نفعل؟ سنتقبل، و نستمر. انكمشت حزينة نفتت سيجارة أخذتها من بين السجائر المنتشرة في كل مكان، و دماغي يسبح في أمكنة و أزمنة متداخلة و متقاربة، و لا أدري ما أفعل. لم أعرف مع من تفاوضت، و لا كيف تفاوضت، كل ما أعرفه هو أنها جاءت لتحذرني بقولها: - إنه رجل ثري، و له نفوذ كبير في هذا البلد، و لا نستطيع أن نقوم بأي شيء، المسألة ستحل ماديا فقط، ما تقولين في هذا الأمر؟. تأملتها مليا، و أجبت: - افعلي ما شئت، أنا في حالة تجعلني متوقفة عن ألتفكير، أنت أدرى مني في هذه الأمور، اقبلي بعرضه، ماذا بالإمكان أن يفعل الميت أمام من يغسله؟!
#محمد_هالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح امرأة (4)
-
عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
-
إبهامات لفقرات متقطعة (10)
-
بوح امرأة (3)
-
ابهامات لفقرات متقطعة (9)
-
بوح امرأة (2)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (8)
-
بوح امرأة (1)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (7)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (6)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (5)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (4)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (3)
-
ابهامات لفقرات متقطعة (2)
-
إبهامات لفقرات متقطعة (1)
-
صور من واقع مضى ! الصورة : 10
-
اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟
-
صور من واقع مضى ! الصورة : 9
-
صور من واقع مضى ! الصورة : 8
-
صور لواقع مضى ! الصورة: 7
المزيد.....
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|