|
ذاكرة بطعم الخبز
رفقة رعد
الحوار المتمدن-العدد: 3876 - 2012 / 10 / 10 - 21:13
المحور:
الادب والفن
في الحياة آنية تقتل آنية، فنتوهم ان للحياة زمن يمكن الامساك به وادراكه، ويمكن ان نزداد صراعاً للبقاء أو للأبدية، بينما تكمن الابدية في ما سنخزنه من لحظات نحملها معنا من شارع سرنا به يوماً أو من اكلة استطعمناها من يد فرحة بنا، ولربما نحمل رائحة نكدسها في جوف عقولنا نطلقها كلما دقت لحظتها ابواب ذاكرتنا. فهذا درويش يحن إلى خبز امه، واي خبز تحن إليه يا درويش ذلك المختوم بأنامل ( أم ) تكاد حدائق قلقيلية تنمو بين ممرات طبعتها.
روائح الخبز المؤلمة تولد في النفس جوع الحنين والذاكرة قبل جوع الجوف، حيث تستعيدنا الذاكرة لا نستعيدها ، بطقوس من حرارة و خشب ولفحات من نسيم يحرقنا ونحرقه، اذا ما طرنا مع لهيب الخبز أو تطايرنا.
لامستُ جِدار فنائنا الخلفي بحرارته المرتفعة التي تشعل مسامات الجلد ، خيل لي للحظة انه مريض، لكن لم يخيل لي ان يكون جزء من معاش عائلة أو لقمة طفل كثير الحركة، عندما يكون هذا الحائط ظهراً لتنور خبز. فلا نقطن الارياف و لا نقتات على الرعي لكننا نعيش في مدينة كل شيء فيها متوقع ويمكن تحمل فكرته.
فكرة ان تكون لفحات التنور الساخنة تؤذي رموشهن لتلفح ما تبقى من جمال أو يمكن ان تزيدهن جمالاً بترك بصمات الأحمر على وجنات تخشنت حرارةً، فما بال هذا التنور يحتضنكن ويحتضن سعادتكن التي دارت مع دورات فمه الأكول، وما بال هذا الحطب يزداد اشتعالاً على مسمع ضحكاتكن، اي سعادة واي حياة خلقتن هناك في فناء هو الفناء اللامعقول كأنه واحة من بجعات تتلاطم بإجنحتها تغتسل وتوشح برؤوسها خجلاً..
فناء خلفي بل قلعة يحرسها تنين يتربع بجلده السميك بين ذرات حائط يهدد بالسقوط، ونوافذ مسح الزمان عليها الوانه، حيث ارضية تُحدث الماء عن اقدام الراحلين وما تبقى من القادمين وعن فتات لامس يوماً ما ثناياه، هناك اتخذن جزيرتهن وخبزهن الملاذ الاخير لظهرن المتعب و لقطرات عرق شفقت على سواقيها.
كيف يمكن لهذه البقعة من الكون ان تأوي الحسناوات وتحتضن ارواح تسلسلت اقدامها وافواهها بسلاسل الممنوع، فخلقن خشبة مسرح في مؤخرة منزلهن يعرضن عليها مواهبهن و طقوسهن في العيش. فتبدأ الحكايات تسرد نفسها، فهذه تطلقت واخرى تزوجت، والغريب ان بنت فلان انجبت... فتسأل احدهن متى تزوجت؟ فتجيب الاخرى عندما كان اخوها في السجن..ويستمر الحديث ويطول انتظار الخبز بين ايديهن والدهشة لا تفارقهن بأخر الاخبار.
ذلك الفناء الروحي، ذلك المركز الانوثي الذي تستقر فيه اصوات نسائية استثنائية تتلفظ بحروف ممتزجة مع ابتسامة، حين يسرقن اوقات الصباح أو الظهيرة لينعمن بلحظة مشاركة لأخبار بعضهن، فتُستنشق من خلف الدار رائحة الخبز وصوت التنور الذي تتقطع انفاسه بين ضربات أكفهن في بسط العجين.
فليس بالغريب اننا نعشق الحرارة ونتلوى اشتهاءاً فيها، فكيف للتذوق ان يعمل على وقع البرودة التي تحاصرنا والتي لا يولد منها غير مرارة الرغبة لحرارة تلمنا أو تنجينا من ضراوة الجوع البرية.
خلف الدار تجتمع الالوان السبعة في لقائها الاول ، وتتنوع اغطية الاجساد بين الطري و الخشن، فتسقط كل قوانين الشريعة والحشمة، فيغدو المكان خالي الوثاق من حجاب يستر كل جميل...فالظفائر تظهر كما تحب ان تظهر، والاكتاف تكشف كما يحلو لها الكشف، والوجه بطبيعته تلفحه نيران التنور، وبقايا دقيق تجالس خدهن المسكين.
في الفناء النسوي تُسمع اللغة بطعم جديد فأنصتُ لهن يتلفظن بلهجة سومرية أكاد اسمعها اول مرة فإستحضر شبعاد تضحك وسميراميس تلّمِع سيوفها...فأضحك معهن واستشعرهن، استشعر ذلك الرعب الذي يسكنهن من صوت يصيح ، يطلق نداء التأخر قبل ان يضيق سلسلة خفهن فيخدش الجذوع ويسيل الرحيق.
هناك حيث يكمن العشق الاول والرسالة الاولى والرومانسية في ماهيتها الحقيقة، تتخذ النساء منها احياناً انطلاقة لحريتهن المخفية خلف الاسمنت، فتغدو السماء هي الحد الأوحد لأحلامهن وتغدو الارض تحتهن بساط أحمر ينقلهن من حكاية لحكاية ومن عصر إلى عصر.
فإي قانون يحق له الحكم على هكذا ذوات لها ارواح؟؟ واي قدرة تجعل من مساحة باربع جدران مكشوفة السطح صيوان سمر أو ديوان ترحيب ؟؟ في بلدي ما زالت الامهات يلدن الطقوس في فنائهن الخلفي.
#رفقة_رعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خارج اطار مشروع السلام الدائم
-
ذاكرة بطعم التمر
-
أمنية فخارية
-
ما زال هناك ثلج
-
حمراءُ الشَعر
-
حكاية لحظة
-
أهداء الى كل نساء الثورة
-
لما أنا بنية العينين
-
السلام وضمان الطبيعة له عند الفيلسوف كانط
-
رمالُ أنا
-
أمنيات رجل
-
صحوة صوت
-
الموقف الأسطوري من طبيعة الحرب:
-
قديسة
-
ثمرةُ غير صالحة لأكل
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|