علي عبد الكريم حسون
الحوار المتمدن-العدد: 3873 - 2012 / 10 / 7 - 21:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عنوان المقالة أعلاه يعود للأستاذ عبد الرحمن طهمازي , بحلقاتها الأربعة والمنشورة في صحيفة إيلاف الألكترونية خلال شهر أيلول من العام الحالي , والتي يتعرض من خلالها الأستاذ عبد الرحمن صالح مهدي , لنموذج المثقف السلطوي في ظل النظام الصدامي , وبالتحديد في فترة مجيء وعودة البعث الثانية : 1968 – 2003 . مع تلميحات ذكية وبلغة مكثفة لمثقف تماهى مع سلطة مابعد 9 – 4 – 2003 .
محاولتي في هذه المقالة المتواضعة , التطرق لنقيض مثقف السلطة , الذي فضحه وعراه طهمازي , وهو على حق في ذلك ... أن أتطرق أنا وفي عودة مني إلى (( المثقف العضوي )) الذي صنفّه غرامشي , بإعتباره مثقفا وضع نفسه في خدمة أفكار تقدمية علمية علمانية يسارية تنحاز للكادحين . ومناطحا للظلم والتعسف في مجتمع يكون فيه الصراع الطبقي , المحور الذي تتغلف حوله صراعات ثانوية , طائفية , جهوية , مناطقية , مذهبية , أثنية , عرقية .
ثمة دافعا آخر جعلني أدبج التالي , وهو عثوري وبمحض الصدفة البحتة على وثيقة (( أحتفظ بنسختها )) صادرة من مديرية التحقيقات الجنائية في العهد الملكي وهي غير مؤرخة لأنها الصفحة الثانية التي تحوي الأسماء . أما الصفحة الأولى التي تتضمن مضمون وفحوى وغاية الأصدار فمفقودة مما إستحال معرفة تأريخ صدورها , والذي أعتقد أنه منتصف الخمسينات من القرن الماضي .
الورقة معنونة بأسماء الخطرين من ملاك المعاهد العالية , في وقت كانت هذه المعاهد تتبع وزارة المعارف العراقية , لعدم وجود وزارة للتعليم العالي آنذاك . الأسماء هي :
1 – الدكتور صفاء جميل الحافظ .
2 – الدكتور فيصل جري السامر .
3 – الدكتور صلاح الدين عبد الرحمن الخالص .
4 – الدكتور طلعت الشيباني .
5 – الدكتور إبراهيم عطوفة كبة . هكذا ورد عطوفة وليس عطوف .
ثم تتبعها قائمة ثانية بأسماء غير الخطرين وتحوي سبعة عشر إسما منهم :
1 – الدكتور علي حسين الوردي .
2 – الدكتور هشام عبد الملك الشواف .
3 – الدكتور عبد الله إسماعيل البستاني .
4 – الدكتور فيصل مهدي الحمداني .
وزارة المعارف آنذاك ووفق نظام وموجبات تشكيلها , هي معنية منذ زمن تأسيس الدولة العراقية المستوردة لملك من الحجاز , جاء ترضية لوالده الشريف حسين الموالي للحلفاء زمن الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 , ضد الدولة العثمانية . والطامح لتسيّد عرش المنطقة العربية في غفلة , لم تتح له الأنتشاء بفوزه المزعوم , فأرسله البريطانيون وبالتنسيق مع لورنس العرب إلى جزيرة قبرص منفيا . لكي يتسيّد ولداه : عبد الله على عرش الأردن , وفيصل في سوريا , حيث طرده الفرنسيون بعد حين منها إلى العراق . فكافأه الأنكليز بعرش العراق مستوردا له , ولكي يربض لأكثر من عقد , إنتهى بوفاته الغامضة في سويسرا .
هذه الوزارة ( المعارف – التربية ) والتي خصصت محاصصة للشيعة / المحاصصة لم تكن وليدة تغيير 2003 / . ليتسيدها عبد المهدي المنتفكي والد نائب رئيس الجمهورية المتنحي عادل عبد المهدي , لسنوات طويلة , لم تكن الوزارة , تخرج عن إرادة مفتشها العام ساطع الحصري ذو الأصول التركية , والذي جعل من إستهداف الجواهري محمد مهدي , المعلم في مدرسة المأمون الأبتدائية , هدفا للنيل من تبعيته الأيرانية المزعومة .
الوزارة هذه , أخذت على عاتقها التعاون مع وزارة سعيد قزاز -الداخلية -آنذاك ومديريتها – التحقيقات الجنائية لصاحبها بهجت العطية ونائل الحاج عيسى _ للتصيد كأي وكيل أمن عادي لهؤلاء الأساتذة الكبار , الذين خدموا آنذاك , وخدموا لاحقا , توجه وطني ديمقراطي علماني يساري , لبناء دولة مدنية عصرية . لم تتح فترة الأربع سنوات ونصف من عمر الجمهورية الأولى 1958 – 1963 , فرصة لها لكي تطبق وتنفذ برنامجها الذي أراد زعيم وطني أن يضعه , وإستطاع موضع التطبيق .
مثقفون .... نعم وليسوا كالمثقفين , فهاهو فطحل الأقتصاد إبراهيم كبة , والذي يبدو أن عز وجل , أحبه فمد في عمره ليعبر التسعين , يعاصر من خلالها كل العهود التي تعاقبت على حكم العراق . وقبلها كانت له سجدة أممية في الحرب الأهلية الأسبانية زمن الثلاثينات من القرن العشرين , ليكملها في ساحات التدريس الجامعي , وفي إستيزار وزارتين ( الأقتصاد والأصلاح الزراعي ) , جاعلا وجوده فيهما تطبيقا لمغاليق فهمه لنظرية كانت مطمح أحزابا وأفراد .
وفي جراب القائمة السوداء هذه , إسم للدكتور فيصل جري السامر إبن البصرة وصاحب مؤلفات الزنج والقرامطة , والمتحدث للرائع سعدي يوسف عام 1957 في مدينة الكويت عندما إلتقاه , والأخير يعمل مدرسا في مدارسها عندما إستحال عليه الرجوع لبغداد بعد إنتهاء مهمته في موسكو لمؤتمر الشبيبة العالمي , وهو يرى جيب دشداشته البضاء منتفخا , عندما زاره في سكنه المتواضع في الكويت : ( سعدي لماذا أوجدوا المصارف ؟؟ ) . إرتبك سعدي وهو العارف بتلميح أستاذه السامر , إلى جيب دشداشته المنتفخ برواتبه الشهرية المتواضعة من عمله كمدرس . هذا السامر الذي إستوزر زمن الجمهورية الأولى , وبقي مخلصا بقامته النحيفة وسمرة بشرته البصرية لوطن أراد الآخرين إستباحته فما نجحوا .
صلاح خالص ... صلاح الدين عبد الرحمن الخالص , الأستاذ الرائع الباحث عن فرصة ليثبت كفاءته اللغوية والأدبية الغزيرة في حقلها الخاص . وفي عمل سياسي , أرادت منه زوجته الدكتورة سعاد محمد خضر , أن يخرج من بوتقة الوطنية , لتقول كلمة سامحها الله , أنه لم يكن شيوعيا , ككثير من المثقفين المحسوبين , حسب قولها على الشيوعية وهم ليسوا بشيوعيين .
تورد الوثيقة السوداء إسم الشهيد صفاء جميل الحافظ , الحاصل على الدكتوراه في القانون من فرنسا , أوائل الخمسينيات , والذي ذكره القيادي في الحزب الشيوعي العراقي , بهاء الدين نوري , أنه إستلمه في أحد أحياء بغداد ليكون مسؤوله الحزبي . هذا الرائع أب التوأمين الوحيدين , والمختبيء من ملاحقة فاشيست شباط 1963 في أحياء مدينة الثورة , والممثل للحزب الشيوعي العراقي في جبهة الأتحاد الوطني لعام 1957 , والذي ردّ على أحد قيادييها بعد ثورة 14 تموز 1958 , عندما قال له : لم نعد بحاجة إليكم .... نعم سوف تحتاجوننا لأننا مؤمنون بميثاق وقعناه معكم ولم يستنفذ بنوده بعد , فالمرحلة هي وطنية ديمقراطية بدأها عسكر ليستكملها أبناء وطن مستباح .
هذا الرائع , غيبه نظام البعث الفاشي بعد 1978 مع زميله الموصلي الدكتور صباح الدرة عقابا له على شيوعيته ومبدأيته , التي تجاوز بها تهديدات النائب آنذاك المقبور صدام حسين , الحاصل على درجة الرسوب في مادة القانون التي يدرّسها الدكتور صفاء . فعاقبه بنقله إلى دائرة التدوين القانوني ليبعده عن الحرم الجامعي . وليكمل إنجاحه , أستاذ عاهر باع ضميره ليعطيه درجة النجاح , فيكافيء الشعب العراقي بعدها , بمقولته العرجاء : ( ماهو القانون ؟؟ إنه ورقة نخطها ونغيرها .... ) .
طلعت الشيباني , الوزير ذو عقلية التخطيط العلمي , والمستوزر في وزارة الحكم الوطني للجمهورية العراقية الأولى , والذي أفرغ في وزارته كل مافي جعبته , للنهوض بالبلد إلى آفاق رحبة .
الدكتورة وديعة طه النجم , وأخيها حسن طه النجم , اللامعين في أروقة كلية الآداب بجامعة بغداد زمن الخمسينات والستينات . هي صاحبة الرسالة الجامعية عن الجاحظ الذي تولهت به بحثا وتمحيصا وتدقيقا , حتى قيل أنها قالت .... لو كان الجاحظ حيا لتزوجته .
نعم ياطهمازي , هؤلاء مثقفون , يصح عليهم وينطبق المصطلح الغرامشي (( المثقفون العضويون )) . مثقف عضوي , بمعنى المثقف المدافع عن مصالح الكادحين والشغيلة , وليس النخبوي الواضع نفسه في برج عاجي , يطّل منه على الناس , موزعا مصطلحاته , مبتعدا بها عن التبسيط , خشية أن يتهم بأنه يريد التغيير وبالتالي يلاحق بتهمة ( شيوعي خطر ) .
نعم ياطهمازي , هم وأنت على حق بمقالاتك الأربع , ليسوا من طراز من وضع نفسه في خدمة نظام البعث الفاشي . ليطبل ويزمر ويصفق , ويلقي القصيد وينثر النثر , بمديح متريّف جاء عبر خاصرة مدينة لها تأريخ إمتد لأكثر من ألف ومائتان وخمون سنة . نعم فضحتهم , عبر لغة مكثفة , إنتقيت عباراتها بدقة وتمحيص , لكي نستطيع من بعدك أن ندّبج مقالة , عما يتميز به أساتذة الخمسينات والستينات من علم وتواضع
#علي_عبد_الكريم_حسون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟