|
المحاصصة والطائفية والبناء الديمقراطي
صبحي مبارك مال الله
الحوار المتمدن-العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 06:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عانت مكونات الشعب العراقي كافة من سياسة الظلم والأستبداد التي كان يمارسها النظام الدكتاتوري السابق ، حيث وزع الأضطهاد والفقر والمعاناة الأجتماعية على كافة هذه المكونات ، وبالتساوي ، وأتبع سياسة قمع الحريات وكبت الصوت المعارض للسياسة الدكتاتورية ، فكان الشعب أزاء هذه السياسة لاحول له ولاقوة بسبب أستخدام النظام القمع البوليسي والقتل والتعذيب وزج الشعب في حروب عبثية خسر فيها خيرة شبابه ، والذي أتاح لهذه السياسة الأستمرار هو الحزب الشمولي الواحد و عدم وجود دستور ديمقراطي و مؤسسات دستورية حقيقية وأنما دستور مؤقت يكرَس الدكتاتورية في حكم الشعب . لقد بدأت بذور الطائفية تنبت من خلال ذلك النظام بسبب أشاعة التعصب العشائري وتثبيت الألقاب والأنتماء المذهبي والقومي والديني كما كان واضح . قبيل التغيير في 9/4/2003 ومع بدأ الأحتلال في أذار / 2003 ، بدأت الماكنة الأعلامية الأجنبية ،تعمل على وتر الطائفية والمذهبية وتدغدغ مشاعر الأقليات ، ثم عملت على ترسيخ المفهوم المحاصصي في ذهنية أبناء الشعب وبكافة مكوناته وأطيافه . لقد أستفاد الأعلام بكل أشكاله من مخلفات العهود القديمة، منذ الأحتلال العثماني للمنطقة العربية والكردية، فكانت تستعرض مكونات الشعب حسب مسمياتها ، فبرزَت التوجهات القومية / عربي ، كوردي ، تركماني ،آشوري ، كلداني ، سرياني ومن ثمَ التوجهات المذهبية والطائفية والدينية وعزفت على وتر ( فرق تسُد) ، في حين هذه المسميات موجودة ومعروفة . لقد ظهر لأول مرة أثناء البدأ بأحتلال العراق وتحرك جيوش الحلفاء، مصطلح (المثلث السني ) ، والجهة الغربية والجهة الشرقية مع ذكر الأنتماء المذهبي لسكان تلك المناطق وبأصرار متعمد . بعد سقوط النظام في 9/4/ 2003 ، جاءت سلطة الأحتلال والتي كان يمثلها في بداية الأمر غارنر ، في 21/4/2003 و لم يستمر أكثر من ثلاثة أسابيع ولأسباب عديدة ، تلاهُ السفير بول بريمر رئيساً لسلطة الأحتلال و هي أول هيئة تولت شؤون العراق بعد شرعنة الأحتلال من قبل مجلس الأمن حسب قراره المرقم 1483الصادر في 22أيار 2003 . (تمَ تشكيل مجلس الحكم في 12تموز/2003وبقرار من سلطة الأحتلال أو ماتسمى بسلطة الأئتلاف الموحدة مع منح صلاحيات جزئية في أدارة شؤون العراق بينما كانت سلطة الأئتلاف الموحدة تمتلك الصلاحيات الكاملة حسب قوانين الحرب والأحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة ) الموسوعة الحرة . أمتدت صلاحيات مجلس الحكم من 12/ تموز/2003 لغاية 1/ حزيران / 2004 لقد كان مجلس الحكم مؤلف من 24شخصية ، وحسب التوجهات الجديدة جرى تعيين أعضاء مجلس الحكم حسب التوزيع الطائفي والمذهبي والقومي والسياسي وكان كل أسم يوضع بجانبه المذهب ،أو الدين ، القومية ، أو التمثيل السياسي ، وكانت هذه العملية مقصودة لغرض تثبيت العزل الطائفي والمذهبي والقومي والسياسي وجعلها من أعمدة نظام الحكم اللاحق ، وبهذا بدأ أول تفتيت للوحدة الوطنية وطمس الهوية الوطنية ، مقابل الهويات الفرعية وهذا جاء من تجربة الأحتلال البريطاني للعراق الذي أستخدم سياسة فرَق تسُد بعد أحتلال العراق بين سنة 1914-1918،أثناء الحرب العالمية الأولى وذلك لكي يسهَل عليه الحكم والسيطرة على ثرواته . في هذه الأثناء تمَ أصدار قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية وكان بمثابة الدستور المؤقت ، تمَ التوقيع عليه من قبل مجلس الحكم في 8اذار 2004 ، بدأ العمل به في 28/6/ 2004 بعد نقل السيادة العراقية من سلطة الأئتلاف الموحدة الى الحكومة العراقية المؤقتة ، بعد ذلك تمَ أنتخاب المجلس الوطني المؤقت في أيلول/ 2004 من خلال المؤتمر الوطني العراقي الذي حضره أكثر من 1300 شخصية بعد تشكيل اللجان التحضيرية له في حزيران 2004 كان التوجه المحاصصي والطائفي والمذهبي ينمو ببطأ من خلال مجلس الحكم والحكومة المؤقتة والمجلس الوطني المؤقت الى أن حل الدستور العراقي الدائم (الذي كُتب على عجالة) محل قانون أدارة الدولة وبعد الأستفتاء العام الذي جرى في 15/8/2005،وعند تشكيل الحكومات اللاحقة، ظهرت المحاصصة التي ثبتت في بداية الأحتلال والتي كانت تدور حول السلطة وفي المقابل ضعفت الهوية الوطنية ،ولهذا يعتبر البعض أن المحاصصة بدأت في 2005ولكن في الحقيقة بدأت منذ تشكيل مجلس الحكم . والمحاصصة تعني توزيع مراكز السلطة الى حصص وحسب مكونات الشعب الرئيسة بغض النظر عن الهوية الوطنية العراقية والكفاءة العلمية . وأنواع المحاصصة هي الطائفية ،السياسية ، الأجتماعية ،المذهبية ، الدينية ولكن ماذا كانت تداعيات هذه المحاصصة ؟ لقد أثبتت المحاصصة وبعد مرور تسعة سنوات، أنها عقبة أمام تطور الحياة الديمقراطية في العراق ، وكذلك في العمل الأداري وبداية مع تشكيل الحكومة التي تأخرت لعدة أشهر بعد ظهور نتائج الأنتخابات بسبب التوزيع المحاصصي ومن ثمَ التوافق حول المناصب الحكومية . كان الوصول الى التوازن بين كافة الأطراف المعنية أمر صعب ، فأذا جرى التداول حول منصب وزير لوزارة معينة ، أو تمت الموافقة والتوافق بين الكتل السياسية حول مرشح كردي مثلاً فيجب أن يكون الوكيل عربي وأذا كان المرشح عربي فيجب أن يكون حسب المذهب المطلوب ، وأذا كان المرشح على أساس قومي فأما أن يكون تركماني أو كردي أو عربي أو على أساس ديني فأما مسيحي آشوري أو كلداني أو سرياني ......ألخ وبهذا أصبح المعيار الوحيد هو الصفة المذهبية و القومية و الدينية بدلاً من الكفاءة العلمية والأخلاص والنزاهة والوطنية ، وعلى هذا الأساس أنتشرت المحاصصة في كافة مؤسسات الدولة والى أصغر وحداتها الأدارية . ونتيجة لذلك أنتشرت حالة الريبة والشك وعدم الثقة بين موظفي الدولة ، مما أدى الى تأخر أنجاز المعاملات، وألى ترصد البعض البعض الآخر والكل يعرقل عمل الكل ونتيجة لذلك أنتشرت ظاهرة الفساد الأداري والمالي فلا وجود للمشاريع ولا حل للمشاكل والشعب يعاني من سوء الخدمات وسوء الأوضاع الأمنية . كذلك وصلت المحاصصة حدَ تعيين الموظفين في كافة دوائر الدولة فلابدَ من مرور المرشح للوظيفة( بفلاتر ) مرشحات الطائفية والمذهب والدين ،ولكن هذا الأسلوب لايبني دولة دستورية ديمقراطية كما ثبتَها الدستور الدائم. أن تأريخ العراق السياسي فيه الكثير من العِبرالتي تعبَر عن وحدته الوطنية ومنها وقوف الشعب العراقي في ثورة العشرين الوطنية في 30/6/1920 وبكافة أطيافه ومكوناته ضد الأحتلال البريطاني كذلك عندماخاض الأنتفاضات الكبيرة وثورة 14 تموز المجيدة وعند قيام جبهة 1954 لخوض الأنتخابات وجبهة الأتحاد الوطني 1957 ، مما زاد ذلك في تماسك الوحدة الوطنية العراقية . أما الآن نلاحظ عدم الأنسجام وتضارب البرامج ، وتوغل المحاصصة في كافة مفاصل الدولة حتى الهيئات المستقلة لم تنجو منها فعند أنتخاب وتعيين 9أعضاء في المفوضية العليا للأنتخابات وهذا ما حصل في جلسات مجلس النواب حيث تمَ تعيين 2كورد ، 2سنة ، 4 شيعة ، 1تركماني وهي حسب المحاصصة والمرأة الآن تطالب بحقها في التمثيل في هذه الهيئة كذلك المكونات الدينية الأخرى. المحاصصة والديمقراطية :- أن أي توجه نحو بناء نظام ديمقراطي ، وجعل الدستور (وهو القانون السامي ) أن يأخذ دوره في الحياة السياسية العراقية ،فلابد من نبذ نظام المحاصصة وجعل الوطنية هي المقياس في كل شئ ، فالديمقراطية تتقاطع مع المحاصصة ولكن ماهي أسباب أستمرار سياسة المحاصصة ؟! الأسباب هي :- - التعصب القومي وسيادة مفاهيم القومية الكبيرة والقومية الصغيرة - التعصب الديني وتطوراته نحو التطرف . -التعصب المذهبي -الأعلام المعادي والتحريض الطائفي . -أضعاف المواطنة والهوية الوطنية وجعل كل شيئ تحت مبدأ المحاصصة -الجهل وتدني المستوى الثقافي . -عدم الأعتراف بحقوق المكونات سواء الدينية أو القومية . -عدم الألتزام بحقوق الأنسان –عدم الألتزام بالدستور . - التدخل الأجنبي . ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه وهو متى نخرج من نظام المحاصصة؟ الجواب :- عندما يصل الشعب الى مستوى عالي من الوعي والثقافة وفهم خطورة نظام المحاصصة والألتزام بالنظام الديمقراطي النيابي وتلبية مطاليب وحاجات الشعب وحل الأزمات السياسية (حاضنة سياسة الطائفية والمحاصصة ) فسيكون الطريق مفتوح الى بناء النظام الديمقراطي والدولة المدنية الدستورية ، كما أن ذلك سيجعل الجميع على مستوى واحد من المسؤولية . كما نلاحظ أن هناك الكثير من الدوائر الأجنبية وخصوصاً دول الجوار تشجع على الطائفية والمحاصصة ، لكي يسهل عليها التدخل في شؤون العراق وقطع الطريق أما م تطوره الديمقراطي وجعله يدور في دوامة الأحتراب الطائفي والمحاصصي .
#صبحي_مبارك_مال_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقوق الأنسان في العراق الى أين ؟!
-
أول الغيث قطرٌ ثمَ ينهمرُ !!
-
حركة دول عدم الأنحياز والأزمات المتراكمة !
-
مستقبل العراق والصراع السياسي في مفترق طرق
-
الأصرار على مصادرة الأصوات يعني الأصرار على مصادرة الرأي الآ
...
-
أدارة الأزمة السياسية في العراق !
-
التيار الديمقراطي وآ فاق المستقبل !
-
على طريق التحول الديمقراطي
-
ورقة الأصلاح السياسي في الميزان
-
مستلزمات الأنتخابات المبكرة
-
مجلس النواب في مواجهة الوضع السياسي المتأزم
-
لا بديل عن المؤتمر الوطني والحوار الديمقراطي
-
الكتل السياسية من وراء الكواليس
-
الموازنات العامة بين التخطيط والطموح
-
مؤشرات عن الأقتصاد العراقي
-
الفساد بين الرقابة والمحاسبة
-
رؤى وموضوعات سياسية معلَقة
-
الطبقة العاملة ودورها التأريخي
-
الأزمة السياسية ألى أين ؟!
-
مؤتمر وطني أم أجتماع وطني ؟
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|