أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمرو عبد العزيز منير - (الرؤية الشعبية للتاريخ العثماني)















المزيد.....

(الرؤية الشعبية للتاريخ العثماني)


عمرو عبد العزيز منير

الحوار المتمدن-العدد: 3861 - 2012 / 9 / 25 - 13:28
المحور: الادب والفن
    



تعد ثريا فاروقي من أهم المؤرخين المعاصرين المهتمين بالشأن العثماني عبر تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . إذ أنه بعيداً أطر المنهجية التقليدية في البحث ، فقد اتخذ كتابها المهم (الدولة العثمانية والعالم المحيط بها) منحي أكثر واقعية وصرامة عبر عدم قصر الاهتمام على المصادر التاريخية العثمانية التقليدية التي كتبت بقصد أن تكون تاريخاً ، بل لجأت إلى استخدام المصادر العثمانية غير التقليدية ، ككتابات الرحالة والأدباء والشعراء ، وتقارير القناصل والسفراء ورسامي الخرائط والتجار ، بل وكتابات الأسرى والعبيد والسجناء ، وكذا انطباعات النساء الأوروبيات والعثمانيات عن العالم الآخر المختلف . فالكتاب بذلك يصدر عن رؤية تلتمس في الماضي التفسير الشعبي للتاريخ العثماني. أو ما يمكن أن نسميه بـ (البعد الثالث) للدراسات التاريخية العثمانية ؛ أي التفسير النفسي والوجداني ورؤية الجماعة الإنسانية لذاتها وللكون والظواهر والأحداث من حولها.
كل هذا وغيره مكن فاروقي من الإبحار في التاريخ العثماني ، وتلمس حقيقة تكوين مؤسساته عبر الاعتماد على كافة المصادر العثمانية والأوروبية والعربية المتاحة .
يعالج الكتاب الذي بين أيدينا وضع الإمبراطورية العثمانية والدول المجاورة لها ، كدول أوروبا وإيران الصفوية ، بل وعلاقة العثمانيين بأماكن بعيدة كاليمن والهند ، وكذا المحيط الأطلنطي ، وكل ما أثر في سياسة وتصورات الدولة العثمانية .
وترى المؤلفة أن رؤية العثمانيين لـ " الآخر " لم تكن محدودة أو سطحية ، إذ لم تكن مرتبطة بكونه " داراً للحرب " . بل أن السلاطين العثمانيين تجاوزوا ذلك المصطلح الفقهي الإسلامي عبر استخدام سياسة " براغماتية " مطلوبة من أجل الانفتاح الكامل على جيرانهم الأوروبيين المسيحيين وكذا جيرانهم الإيرانيين الشيعة .
كما استعرضت تكوين النخب العثمانية الحاكمة ، وتأثيراتها ، ومدى رؤيتها لأمور الحرب والسلام مع العالم الخارجي ، ومحاولة الحفاظ على علاقات أكثر " واقعية " مع الغرب المسيحي ، وتذكر أن اعتمادها الكبير على مصادر الجيران الغربيين للإمبراطورية العثمانية أكثر من اعتمادها على الجيران الشرقيين أو الجنوبيين إنما يعود إلى ندرة المصادر الأخيرة ، كما ترى دائماً أن أطر التبادل التجاري ، فضلاً عن بعض العوامل الطبيعية قد حافظت على العلاقات بشكل شبه دائم بين العثمانيين وجيرانهم .
وهكذا لم تحاول فاروقي أن تصوغ كتابتها بشكل تقليدي ، عبر متابعة العلاقات السياسية بين النخب الرسمية الحاكمة في اسطنبول والعواصم الأخرى ، لكنها اتخذت طريقاً صعباً يعتمد على رؤى وتصورات غير رسمية تجاه " الآخر " . كما رصدت تنامي طوائف التجار المسيحيين من رعايا الدولة ، وكذا التجار المسيحيين الأوروبيين ، فضلاً عن تنامي التجار والتجارة العثمانية ، وما أفضى إليه في النهاية من وجود أسس للعلاقات والتعاون المتبادل بين اسطنبول وكافة العواصم التجارية الأوروبية ، ومما أحدث تواصلاً لا يمكن تجاهله تجاه علاقات العثمانيين بجيرانهم الأوروبيين ، كل ذلك تركيز من المؤلفة على تحقيق رؤيتها في متابعة العلاقات بين العثمانيين والعالم المحيط بهم عن طريق تلمس أساليب ومناهج غير تقليدية ، من أجل خلق تصور جديد للعلاقة ، وهو ما عبرت عنه حسب كلماتها : "إن الكتاب الحالي يحاول خلق نسق متوائم في مجال لا يتاح فيه سوى عدد محدود من الأبحاث . وهذا يعني أننا نحاول عبور نهر سريع التدفق ، ليس فقط بدون جسر ، ولكن أيضاً عبر الاعتماد على قطع صخرية قليلة جداً للمرور فوقها " .
لقد اعتمدت ثريا فاروقي في معلومات الإمبراطورية العثمانية عن العالم المحيط بها على ما سطره رحالة وأدباء وجغرافيون وسفراء ، على رأسهم جميعاً أوليا جلبي ، الذي ناقشت أعماله بشكل جاد ، وفندت رؤاه القاصرة حول " الآخر" ، وكذلك حول ما جاء في كتاباته من معلومات إثنوجرافية خاصة أن المفهوم الإنثوجرافي لا يجرد الأساطير تجريداً تاماً من الحقيقة بل يرى أن في كل أسطورة شيئاً من الحقيقة لا يلبث أن ينمو ويتضخم بفعل الخيال الشعبي ، من هنا عدت فاروقي كتابة الأهم في هذه المضمار بعد الاستفادة من الإيجابيات التي وردت به . ثم أولت اهتماماً كبيراً ، لا يخلو من رؤية نقدية أيضاً ، لتصورات كل من يرميسكيز محمد عن العلاقة مع فرنسا ، وأحمد أمري أفندي والعلاقة مع إيران ، فضلاً عن كتابات وأدوار كل من محمد أمني في روسيا ، وأبو بكر راتب في فيينا ، وواصف أفندي في أسبانيا ، وما سطره سيدي علي رئيس عن الهند . كما ناقشت المعرفة الجغرافية للعثمانيين ، وأثر ذلك على علاقاتهم بجيرانهم.
كما تطرقت فاروقي – في دراسة متعمقة – إلى أحوال أسرى الحرب لدى الجانبيين ، العثماني والأوروبي ، وكيفية معاملتهم ، وإحسان وصدقات العثمانيين على آسراهم ، وأحوالهم المعيشية في ربقة الأسر والعبودية ، كما تحدثت عن عذابات الأسرى والمساجين إبان نقلهم على متن السفينة ، وتسخيرهم في عمليات التجذيف بالسفن العثمانية الأوروبية . والحقيقة أن قلة من الباحثين قد تعرضوا إلى أحوال الأسرى والمساجين في أوروبا خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر ، قبل أن تكثر فيما بعد أبحاث المؤرخين الأوروبيين المعاصرين عن أسرى الحربيين العالميتين في القرن العشرين .
وتطرقت أيضاً ببراعة إلى نقاط القوة والضعف في الحروب العثمانية ، ومناقشة الصراع ما بين " الصقور " و " الحمائم " داخل النخب العثمانية الحاكمة تجاه فكرة الغزو ، وتابعت كيفية تمويل الحروب دون خسائر كبيرة اعتماداً على الضرائب ، فضلاً عن عمليات النقل والإمداد ، كما أنهم لم تغفل عن دور مجتمعات سكان الحدود في الحروب العثمانية الأوروبية .
ونظراً لاستمداد السلاطين العثمانيين لشرعيتهم الدينية والسياسية من كونهم حماة للأماكن الإسلامية المقدسة ، فقد تعرضت فاروقي للعلاقة بين العثمانيين والحجاز ، فتابعت علاقاتهم بالأشراف والبدو ، والتركيز على حماية الحجاج المسلمين . فضلاً عن الحرص على استمرارية التدفق التجاري لسكان الحجاز والحجاج . واعتقد أن المؤلفة قد تعرضت لذلك بتفصيل أكبر فيما سبق عبر كتابها "حجاج وسلاطين " الصادر أيضاً عن دار توريس بلندن في العام 1994 . وعلاوة على ذلك ، لم يفت فاروقي أيضاً أن تعتمد على كتابات الحجاج الأوروبيين المسيحيين واليهود عن الأماكن المقدسة في فلسطين الخاضعة للحكم العثماني . مما ساعد في إثراء الصورة الأوروبية عن الآخر العثماني ، ومعاملتهم للحجاج الأوروبيين .
وأخيراً وليس آخراً ، لا يملك المرء سوى تقديم الإعجاب والاحترام العلميين للمنهج الذي اتبعته المؤلفة في هذا الكتاب ، وهو الأمر الذي زاد من أهميته . والشكر والتقدير للمترجم الذي عصى قلمه على الإسفاف والهبوط كما عصى منهجه في اختيار المترجمات على الانحراف والزيغ والضلال وهو الذي رد إلى الترجمة اعتبارها بعد ان هبط بها المرتزقة ولاشك أن إثراء المكتبة العربية بهذا المؤلف الجليل عمل يستحق كل تقدير , فما أحوجنا إلى مزيد من الدراسات الجادة في التاريخ العثماني الذي ارتبط طويلاً بتاريخ الأمة العربية وفي تصوري أنه على الرغم من الصعوبة التي اكتنفت موضوع ومنهج الكتاب ، فإنه كان يسيراً على الدكتور الطحاوي أن يقوم بالإبحار دون خوف من حبس نفسه في عقل المؤلفة , فقد نجح في تقديم الترجمة للقارئ العربي بأسلوب عربي خالص مع تقديم التعليقات المناسبة عندما يكون هناك ما يستدعي ذلك واستطاع بفضل تمكنه من لغات عديدة ـ كالتركية والفرنسية والانجليزية والعبرية ـ أن يوفق في ترجمة هذا الكتاب المدهش في ثوب يستحقه الكتاب , ويستحقه القارئ.



#عمرو_عبد_العزيز_منير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشتاقت مصر لكل نديم !!


المزيد.....




- وزارة الثقافة الروسية: فرق موسيقية روسية ستقدم عروضا في العا ...
- وفاة الفنان المصري عبد المنعم عيسى
- فنان مصري ينفعل على الهواء على قناة لبنانية خلال محاولة عرض ...
- محسن جمال.. 4 عقود من الإبداع ساهمت في تشكيل الغناء المغربي ...
- فيديو طريف.. فنان سوداني يوقظ أحد الحضور من سبات عميق في حفل ...
- وفاة الإعلامي السوري صبحي عطري
- عندما تتكلم الشخصية مع نفسها.. كيف تنقل السينما ما يدور بذهن ...
- الفكر والفلسفة في الصدارة.. معرض الكتاب بالرباط يواصل فعاليا ...
- أول تعليق لمحمد رمضان على ضجة -حمالة الصدر- في مهرجان كوتشيل ...
- أكاديمية السينما الأوراسية تطلق جائزة -الفراشة الماسية- بمشا ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمرو عبد العزيز منير - (الرؤية الشعبية للتاريخ العثماني)