|
التوثيق في الأعمال الإبداعية
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3858 - 2012 / 9 / 22 - 07:59
المحور:
الادب والفن
كتبت مقالة بعنوان " وهج الذاكرة : ستون عاماً على النكبة الفلسطينية " تم نشرها في جريدة الإتحاد الحيفاوية ، بتاريخ 14 /1/ 2008 ، و في جريدة القدس العربي أيضاً … بحثتُ قبل كتابة المقالة عن معلومة موثقة لفترة طويلة من الوقت ، تتعلق برد فعل الصحف العربية على ذلك اليوم المشؤوم الذي شهد سقوط مدينة حيفا ( مسقط رأسي) بتاريخ 1948/4/22 … وجدت ضالتي في افتتاحية لجريدة الحياة البيروتية نشرتها في عددها الصادر غداة سقوط حيفا ، وجدتها مثبتة في ثنايا كتاب رشيد الحاج ابراهيم الموسوم " الدفاع عن حيفا وقضية فلسطين " سجلتُ تلك المعلومة في مقالتي بكل ما فيها من أحاسيس حزينة ومؤلمة لما حل بأهل بلدي ، وبينتُ مصدرها حسب أصول التوثيق المتبعة .
فوجئت بعد أربع سنوات من نشر مقالتي أن جزءاً كبيراً منها قد سجلته كاتبة مغمورة من معارفي في رواية لها أصدرتها مؤخرا ، سطت على معلومات مهمة وسجلتها حرفيا ًعلى عدة صفحات ، بكل مفرداتها وخط تتابع تفاصيلها ، دون ذكر لمصدرها… أقحمتها إقحاما ًفي الرواية بغيراتساق مع مضمون النص ومعانيه ، مما ساعد على إظهار أجزاء من روايتها كتقارير صحفية عادية تحمل في داخلها تراكيب لفظية بعيدة كل البعد عن الفضاء النصي للرواية .
و من دواعي الغرابة أن كاتبة الرواية قد سطت أيضا ً، على مقالة ثانية لي بعنوان " كندا تعتذر للسكان الأصليين ، من يعتذر للشعب الفلسطيني " تم نشرها في جريدة الاتحاد الحيفاوية بتاريخ 2008/8/1 ، أخذت عدة صفحات منها واقحمتها في نهاية مساحات سردية … فرضتها فرضاً بغير ترابط مع التركيب البنائي للرواية .
و يهمني أن أبين ابتداء ًبأنني كتبت هذه المقالة ، نتيجة أنشطة ساهمت فيها دامت أكثر من عامين ، لها علاقة بالسكان الأصليين في كندا ( الهنود الحمر ) ، زرت خلالها عدة محميات من محمياتهم ، وزرت مركزهم الثقافي في شارع أونتاريو في مونتريال ، و قرأت عدة كتب عنهم ، كما ساهمت في عرض فيلم وثائقي عن محمية كاينساتاكي المجاورة لمدينة أوكا ، مع فيلم وثائقي أخر عن قرية نعلين الفلسطينية ومسيرتها الأسبوعية ضد جدار الفصل العنصري ، وقد تم عرض هذين الفلمين معا ً للجمهور في احدى نواصي شارع سان لوران الشهير ضمن برنامج خاص للمركزالكندي لدراسات الشرق الأوسط ،استهدف التعريف بالأوضاع الحقيقية لقرية فلسطينية تحت الإحتلال ، ومحمية من محميات السكان الأصليين في كندا .
للأسف أن كاتبة الرواية زجت نفسها في موضوع لا علاقة لها به من قريب أو بعيد ، أخذت صفحات من مقالتي بلا مبالاة ، مع أن ما أخذته يختلف اختلافا ً بيناً عن موضوع روايتها ، ولا علاقة له بالتسلسل المنطقي للأفكار المتضمنة في نصها ، وأسلوبها هذا يؤكد مقدرتها الفائقة على نسخ ما يحلو لها من نصوص الغير حرفياً… باسلوبها هذا تتحول الكتابة الى فوضى … صف كلام ضار بالقيمة الحقيقية للإبداع ….نصوص بأسانيد مرجعية مختلفة غير مترابطة يتعذر فيها تحقيق الموضوعية .
بأسلوبها هذا حولت روايتها الى شظايا كتاب مليئ بحكايا كثيرة مختلفة في مواضيعها وتفاصيلها ، يخيم عليها لغة تقريرية مباشرة لا تصلح للحوار والسرد ، جعلت أجزاء ً كثيرة من الرواية مجرد تفاصيل مقالات صحفية.عادية... نسيج خال من التجانس ، بدون حبكة فنية ، وغير نابع من بواطن الإصالة الإبداعية .
قدمت ملاحظاتي هذه شفاهة لصاحبة الرواية ... لا يهمني هنا ذكر اسم الكاتبة ولا اسم روايتها … كل ما يهمني هو التأكيد على أن التوثيق على جانب كبير من الأهمية حتى في الأعمال الإبداعية ... في الرويات والقصص وحتى في الدواوين الشعرية ، وثمة شواهد كثيرة تشير الى أن الكثير من المبدعين الكبار قد اهتموا بتوثيق المصادر التاريخية وغير التاريخية التي اعتمدوا عليها في أعمالهم الإبداعية … ثبتوها بالحواشي في أسفل الصفحات بحرف صغير ، لتعزيز مصداقية أعمالهم الإبداعية …منهم : أمين معلوف وعبد الرحمن منيف وابراهيم نصر الله وصنع الله ابراهيم .
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، أشار ابراهيم نصر الله في بداية روايته " قناديل ملك الجليل " إلى اسم صديقه الذي أهداه كتابا ً عرفه فيه على ظاهر العمر الزيداني الشخصية المحورية في روايته الشهيرة ، كما ثبت صنع الله ابراهيم ، نحو مائة حاشية في أسفل صفحات روايته المعروفة أمريكنلي ( أمري كان لي ) اشتملت على ذكر مراجع اعتمد عليها في روايته وعلى ملاحظات توضيحية ومعلومات اضافية ساهمت كلها في إثراء نص روايته واظهارها بمصداقية عالية .
وأما عن التوثيق في الأعمال الشعرية ، فيكفي ان أذكر مافعله الشاعر العالمي الكبير اليوت ، في قصيدته الشهيرة " الأرض الخراب " او " الأرض اليباب " إذ ذيلها ( بناء على ما جاء في كتاب الدكتور فائق متي الموسوم "اليوت " ، دار المعارف بمصر 1961 ) بعدة ملاحظات لتساعد القارئ على فهمها واعترف في مستهل هذه الملاحظات بانه استند الى كتابين هامين في كتابة القصيدة ، اقتبس منهما عدة اتجاهات ومبادئ رمزية .
عنوان الكتاب الأول " من الطقس إلى القصة الخيالية " لجسي وستون ، الذي " تتبعت فيه كاتبته المعتقدات الدينية الأولى ، ووصلت فيه الى منابعها وأصولها ، كما تتبعت أيضا ً حفلات الزرع وجني الكروم " وقد أوعز هذا الكتاب لأوليوت " عنوان قصيدته والكثير من رمزيتها العارضة ".
وعنوان الكتاب الثاني " الغصن الذهبي" لجيمس فريزر ، الذي تعرض فيه كاتبه لاّلهة القدماء , وأخذ عنه اليوت " أدونيس ، اّتس ، أوزوريس " … أشار لهم في قصيدته ، كما أشار أيضا ً الى حفلات الزرع المذكورة في هذا الكتاب .
إضافة الى كل هذا أشار اليوت ( حسب المصدر السابق ذكره ) الى مراجع اخرى كثيرة استخدمها في قصيدته المذكورة أنفا ً ، منها سفر حزقيال ، والكوميديا الالهية لدانتي ، ومسرحية " النساء يحذرن النساء " لتوماس ميديلتون ، وعظة بوذا أمام الجموع الغفيرة من النساك ، وقصيدة أدموند سبنسر عن حفل الزفاف ، والقصة المعروفة " قسيس ويكفيلد " لأولفر جولد سميث ، وأربعة أبيات اقتطفها من الفصل الأول لأوبرا " تريستان وإيزولد " لفاجنر ، وغيرها من المصادرالأخرى .
وتجدر الإشارة الى أن اليوت استخدم مصادر كثيرة في قصائده الأخرى ، استمدها (باعترافه وتسجيله لها ) من فلسفات وديانات كثيرة كالبوذية والهندوكية ومذهب كونفوشيوس ومعتقدات أهل بابل وأشور والفلسفة المسيحية وبخاصة في القرون الأولى بعد ظهورها ، ولهذا جاءت أشعاراليوت محملة بصور بليغة ، وأفكار فلسفية عميقة .
كما لعبت الرمزية دورا ً جوهريا ً في أشعاره ، واعتمد كمصدر له في هذا المجال الإبداعي ( باعترافه ) على المدرسة الرمزية الفرنسية كحركة أدبية لها قيمتها الكبرى في العالم أجمع ، وعلى وجه الخصوص اعتمد منها على بودلير ، ورامبو ، وفيرلان ، وبسسب اعتماده عليهم " نشأ الغموض في معظم أشعاره ، وبخاصة في الافتتاحيات الدرامية لقصائده التي تثير في القارئ عنصري الدهشة والفضول "
هذا ما يقوم به المبدع الحقيقي ، لا يغرف خلسة من نصوص الأخرين ، بل يوثق بشفافية ما يأخذه منهم … بهذا تتفاعل التجارب الإبداعية ، تتصل بعضها ببعض بكل مافيها من حصيلة وفيرة .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امرأة منسية
-
فتاة الترومبون
-
ناجي علوش شاعراً ومفكراً
-
في ذكرى ناجي العلي ثانية
-
في ذكرى ناجي العلي
-
العرب لا يقرأون
-
كتاب - الإسلام وأصول الحكم - للشيخ علي عبد الرازق
-
رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم
-
رواية فريدة للروائي نعيم قطان
-
حول ابداعات القاص عدي مدانات
-
حول التقشف والانضباط المالي في أوروبا
-
التنمية العربية في ظل الربيع العربي
-
عن فنِّ التصوير عند العرب ويحيى بن محمود الواسطي
-
هذه الارض لنا ...أنا وانت
-
رواية أيام قرية المُحسنة
-
مريم ذاكرة وطن
-
دينُ الحب
-
بنت عمي فاطمة
-
هيلين توماس
-
مآّذننا وأبراج كنائسهم
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|