أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل جديد - بطيخة














المزيد.....

بطيخة


نبيل جديد

الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 20:15
المحور: الادب والفن
    


_ ( عالمكسر ) يا بطيخ ...
اخترق نداؤه النافذة مع رفعنا لآخر طبق من الغداء ، فاسترخت زوجتي نصف مستلقية
على الأريكة و قالت :
- والله يستحق الوقت بطيخة حمراء و باردة .
مددت رأسي عبر قضبان النافذة أستوقف البائع ، فنهرتني :
- اذهب إليه يا رجل و إلا خدعك ...
رأيته يتلمس كومة البطيخ فوق العربة الخشبية ، و يجادل زبونا حول السعر ، ثم يأمر بغله
بالهدوء .
- يجب أن تساومه على السعر و النوعية ..
كان البغل الذي تغطيه الصفائح المزركشة بعناية من رأسه حتى ذيله يتعرض لمضايقات
كلب شارد .
- أتريد الشراء من النافذة ؟!.. و الله أنا متأكدة أن جميع الباعة في الحي يعرفونك جيدا ، و
هم يهللون لرؤيتك : جاء الرزق... جاء الأهبل .
صدمتني كلمتها الأخيرة ، بينما كنت أقارن البغل بخيول كسرى الحربية ، فالتفت إليها بفظاظة ، و كدت أجيب : لا بد أن أهلك أول من قالها عندما جئت أخطبك ، لكنها تداركت ملامحي الصارمة بابتسامة باردة دون حراك ، فاعتبرت ابتسامتها اعتذارا مبطنا ، و حسما لجدال حار في وقت الظهيرة القائظ خرجت من الباب المطل على الزقاق مباشرة .
كان الخلاف قد تطور بين البائع الذي يصر أن البطيخة حمراء و الزبون الذي يعتبرها بيضاء ، فملأت أصواتهما الزقاق المهجور حتى من الظلال ، باقترابي أهملني الشخصان ، و ارتفعت حدّة الجدال و العناد كأن كلا منهما استقوى بي .. و زاد الضجيج عندما بدأ الكلب ينبح البغل و يدور حوله ، رفع البائع سبابته في وجه الآخر مهددا : ضع النقود و خذ بطيختك ... ثم ثناها مشيرا إلى سطح العربة الخشبي ، بينما امتدت يده الثانية لتسحب سكين المكسر عن العربة ، ويخفيها خلف ظهره بحركة مسرحية تهديديه ... ضحك الزبون بفظاظة وكشف عن كعب المسدس عند وركه و قال محركا أصابعه كأنه يكش ذبابة : ( روح استرزق روح )؛ في هذه اللحظة كان البغل قد وجه رفسة إلى بطن الكلب ، فطوى ذيله بين ساقيه و ابتعد ينوح تاركا خلفه الزقاق ، أما العربة فقد هزّت و ترنحت فسقطت بطيخة الزبون على الأرض متشظية و بدا لبّها الأبيض المزهر علّق الزبون ( قال حمراء قال ) ثم رحل .
لويت عنقي صوب باب المنزل منسحبا لاعنا البطيخ والسكاكين والسيوف و(الشنتيانات ) والنساء : تنعم بالظل وترسلني إلى الأخطار : أقلها ضربة شمس و بعضها ضربة سكين ...
فاجأني صوت البائع و كأنه يراني للمرة الأولى ...
- أهلا أستاذ ...أمر
تظاهرت بإبعادي لبقايا البطيخ بعيدا عن منتصف الزقاق ، وقلت دون النظر إليه :
- بطيخة على ذوقك
تكرم ... عجبك هذا الفلم ، يأتينا كل زبون وفي يقينه أننا نمتلك معمل بطيخ ، نصنع و نغش ، هل أنا بقلبها يا أستاذ ، هذه خلقة الله ، وهذا حظه ، سبحان موزع الحظوظ .
هززت رأسي تعبيرا عن التضامن ، بينما راح يطبطب على واحدة انتقاها و ضغطها بالقرب من أذنه ، ثم وزنها ...
- شو ما عرفتني أستاذ ؟! أنا أبو شاكر !! بياع المازوت .
فخطرت لي زوجتي و دمدمتها على المازوت الذي يطقطق طيلة الشتاء في المدفأة منذرا
بانفجار قادم ، وتذكرت رؤيتي للبغل سابقا ...
- أين السكين ؟!..
جفلت ، و أصريت على الاكتفاء بحظي مغلقا ،وبالغ أبو شاكر بإكرامي عبر شقها طوليا ،
موجها إلي الفتحة ضاغطا على الجانبين ليتيح لي الرؤية .
كنت أتعمد ألا أثير غضبه ، و انفد ببطيختي دون مشاكل :
- ممتازة
مددت يدي أتناولها ، و الأخرى انقده حقه ؛ بينما أخذ المبلغ ، و احتفظ بالبطيخة لينظر إليها :
- لا..لا.. ليست جيدة سأبدلها
- يا أبا شاكر ، إنها جيدة .. يقولون أن البطيخ الزهر حلو المذاق .
أقسم وهو يرفع خنجره أمام أنفه :
- والله لن أعطيك إلا واحدة حمراء لو فتحت الكوم كله ..
قلت في نفسي : حظي وأعرفه .. ألم تعترف بتقسيم الحظوظ ؟ .. في الوظيفة بطيختي صفراء ، و مع زوجتي زهرية ، و مع أصدقائي لا لون لها ، سبحان الله .. لن تراني مع بطيخة حمراء أبدا ..
و شهر سيفه على واحدة أخرى
- يا أبا شاكر ، أنا أريدها هكذا تماما ...
لاحظت تردده و ارتباكه ، فظننته اقتنع معي ، لكن سرعان ما تسللت الدهشة إلى عينيه
المتسائلتين ثم قرر :
- لن أحاسبك إلا عما تأخذ ..
و لم يكتف بشق البطيخة الثانية بل أخرج منها مستطيلا ، و كانت زهرية ، فوضعها جانبا
يبحث عن ثالثة ... ألمحت له : لن ترى واحدة حمراء .
علا صوته ممطوطا : كأنك تقول بضاعتي فاسدة .
نفيت كلامه : بعضهم حظه في فمه و بعضهم في أماكن أخرى ، ثم يا أخي أنا أحب
الزهر .. أريدها زهرية
- ( شو أستاذ ؟.. نحنا مو مسخرة )
أدركت المطب الذي علقت به فسارعت للخلاص
- كما تريد .. تصرف على راحتك ، أنت تعرف الحر الشديد وال..
ورفع (شنتيانته) يهز رأسه :
- ( شو هالعالم ) ؟!
- أعطني واحدة سليمة ، لن آكلها فورا ، سأتركها في البراد ...
كأن جملتي الأخيرة كانت بمثابة حبل الخلاص ، فأقلع عن الكسر وقذف لي بطيخة لا على
التعيين بينما تشاغل بلملمة بضاعته ، ناولته النقود ثانية ، وضع الثمن في جيبه ، ثم راح
ينادي : عالمكسر يا بطيخ .
عندما دخلت المنزل ، رميت البطيخة في صفيحة القمامة ، درءا لحوار طويل قادم .. و في الغرفة كانت زوجتي تجلس تحت النافذة مع نفس الابتسامة الباردة ، فسارعت أتصفح كتابا و دمدمت : البطيخ سيئ .



#نبيل_جديد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انترنت
- الوفاة
- الكامل
- مجموعة ق ق ج
- اغتيال خائن
- الاختيار - قصة
- حياة مواطن- ق ق ج
- الاحفاد- قصة
- اللائحة السوداء- قصة
- البريق - قصة
- استمرار الهروب_قصة
- الكنز


المزيد.....




- -كانت واحة خضراء-.. كشف أثري عن واقع السعودية قبل 8 ملايين س ...
- الدهاء الأنثوي يحرك الدراما السورية.. حيل ومكائد تؤجج الحكاي ...
- ياسمين عبدالعزيز تعود للسينما بفيلم -زوجة رجل مش مهم- مع أكر ...
- قصص سينمائية حقيقية.. كيف تتطاير أجساد أهالي غزة بصواريخ الا ...
- خطوات تثبيت تردد قناة cn بالعربية الجديد على نايل سات 2025 “ ...
- عروض الأفلام الخاصة مهرجان للأزياء والترف، وليس للتقييم
- رحيل الفنان جواد محسن صاحب -قطار العمر-
- رحيل الفنانة الأردنية رناد ثلجي عن 36 عاما بعد صراع مع السرط ...
- -دحول الصمان-.. هيئة التراث السعودية تعلن عن اكتشاف عالي الأ ...
- قيعان المحيطات تختزن تراثا ثقافيا تهدده الأنشطة التعدينية


المزيد.....

- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل جديد - بطيخة