|
هادي المهدي - طفل البلاد القتيل
عباس الحسيني
شاعر ومترجم وكاتب معرفي
(Abbas Alhusainy)
الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 15:28
المحور:
الادب والفن
طفل البلاد القتيل
هكذا بدا لي إبن مدينـتـنا الديوانية تماماً، حين إعتــدت على رؤيته مجتمعاً بلفيف من الشباب، وقد شكلوا بالفطــرة والصداقة البريئة ، تجمعــاً ثقافياً عام 1985 - مع كل من : الفنان التشكيلي إيــاد الشيباني والتشكيلي محمد الدعمــي والممثل صــادق مــرزوق والشاعر سميــر المرعبي والشاعر والناقد سعد ناجــي علوان والرســام المبدع يوسف والشاعــر محمد المله، الذي لا ادري كيف توفي، وكذلك الشاعر خالد الشاطئ ، وكان الضيوف الآخرون: سعدي يوسف - محمود در4ويش - أدونيس - لينين - محمد الماغوط - عبد الكريم برشيـد - صاحب الضويري - كزار حنتوش - ماركيــز - سان جون بيرس - سليم بركات - غالب طعمه فرمان - وأدب الثمانينات ..... وآخرون . كنت صغيراً يافـعـاً وقتها ، لا أكاد أنــبس ببــنت شفة بينهم، لكني كنت مبهوراً بطروحات الفلسفة - لجون ديوي وفوكو وعلامات اللا إنتماء ، من قبل كولن ولسن وتحديثات هشام جعيط والجابري وضجيج الاستشراق لادوارد سعيد، مع اللهفة الى الكتب الممنوعــه التي يأت بها هؤلاء الشباب من العاصمة بــغــداد ، لتقرأ من قبل الجميع ، ثم لتجد مصيرها وقد آلـــت الى يدي أشهر وراق في الديوانية ، وهو النصف ضرير والمفكر المحلي ماجد ابو الكتب، الذي كان يتخصر اكبر كتاب فلسفي بعبارتين، حتى ينتهي الى القول: ميفيدك الكتاب ، او هذا الكتاب مهم جدا وعليك اقتناءه، والرجل فهــرس شامل لجميع الكتب التي تطبع في المطابع ، وفي الدهاليز واقبية المناضلين على حــد سواء، كما يسمونه. كانوا يجلسون في مقهى، في صوب الشاميـــة الصغير ، في مدينة الديوانــية، قرب سينما الثورة، وحرب الثمانينات تعصف بالارواح وبمصائر البشر . كان هادي وقتها موجوعــاً من الداخــل، ويختــزل طروحات مسرحية وفكرية كبيره، وكان لشدة انفعالــه يخرج عن خشبة المسرح أثنـاء اداءه ...، اتذكر انه خرج من خشبة قاعة النشاط الفني وسط ذهول المتفرجين وعاد من الباب الخشبي الخلفي ، وهو يأتــزر بخرقة ضمن دور تأريخي ، جعـلـنا نصفـّـق دونما شعور منا، حتى صرخ احد البسطاء: هذا منو العبــاس ابو فاضــل ؟
وكان مكــروها من قبل ارباب المعيشه الفنية ، من الدونــيين، ذوي الاربطة المزيفه ، الذين أسســوا مسرحـاً هرجيــاً وغنــاءً واناشيد مشلولــه للطاغية آنذاك، بل وذهبوا الى تأجير فرق غجريــة (كاوليــه) لكي يحلو الردح في عيد ميلاد طاغية، وهي كارثة الكوارث. وبعضهم ما يزال يراوح في ذات المستقنع . وحين رأيته ثانية وسمعـت بمقتله، أحـسسـت انه ما يزال في حمأة مشاعره ونشوة إنفعالاته، وهوسه للتغرب عن الآخرين وللتفرد بنشوة التمييز، التي حرم منها أكثر فقراء الديوانية والعراق آنذاك ، فــآثــر ان يلعب أدواراً أخرى ولكن على مسرح الحياة، هذه المــره ، وهي الفرصة التي انتظرها طويلاً ، كان يتحدث وقتها عن إمكانية الثوره ضد الطغاة والنظام البعثي المتخلف، مضيفــاً لمسة من السخرية ، من انه بالإمكان ان يصبح ، بعد التغيير السياسي طبعا، الجواهري وزيراً للثقــافة وسعدي يوسف ممثلاً للعراق في الامم المتحده، بدلا من الامــيين، وهو ما لـــــم ولـــــن يحدث في العراق. كان هـــادي يتحدّث في الثمانينات في مقاهــي الديوانية المليئة بالمنهكين من العمال المصرييـن و(أهل المســطر) من عمال البناء والقرويين البسطاء ، الذين سكنوا المدينة هربــاً من كلمة معدان ومن ظلم وبطش رؤوساء العشائر، وكــأنهم يعيشون رعبــاً وطغيانــاً مضاعفاً ، ومع اهل المدينة الخائفـين حتى من الجدران الصامتة، ومن الغرباء ومن أرباب الثورة وصنـّـاع المصائـر ، وكان الراحل هـــادي يتحدث عن ضرورة تغيير الجماهير ووعيها الطوطمـي، مثيراً الخوف الطبيعي ذلك الوقت، بين من يلتقيهم ، حتى هرب الجميع من صحبة هادي ، الذي لا اكاد اصدق انه كبر كثيرا وقتل في بغداد ... كانت لغته كمشاعره، مليئة بالاغلاط والالتباسات، وقبل رحيله، بذلت جهداً في فهم طبيعة التحــول في الذات العراقية، حال إقتراب تلك الذات من السلطة، أية سلطة كانت، سياسية ام فكرية ، وكانت النتيجة واحده. ان ارباب السلطة في العراق لا يميلون الى أنسـنـة وشمولية خطاباتهم وتوجــهاتهم وافعالهم ، بل هم يتحولون بــوعي أو دونما وعــي منهم، الــى كائنات مقلده روتينية الطباع والتطلع، وهم يقتاتون على ما كان أعداؤهم يقتاتون عليه. لقد كنا نطرد من قاعــات الموسيقى لاننا نحمل هماً إنسانيا ًمغايراً ، بل البعض منا واجه تعسفا وتهماً بجرائم خيانة الدولة والمؤسســة .... وكنا نلجم عن القاء قصائدنا ، لاننا لا نتحدث عما ترتأيه قريحة المداح والبــزاخ والمرتشي ....
اقول لهادي الآن: ان الديوانية لم تكن يوما وكما قلتها مثل قرية ماكيـنـدو الكولومبية، في رائعة مائة عام من العزلة، لماركيز، لان ماكيندو كانت مجرد يــوتوبــيا، لكنها تشبه باريس الآن، ان لم تكن اجمل منها، أمـّـا العراق، فقد ولــد سقيماً بين بلسمين من المياه، وهــا هو يوارى كل يوم ذبيــحاً بين خنجرين من التخلف الفكري والسلطوي المريض.
الى من يبحث عن تعريف لهادي المهدي: فانه اللا منتمي الاخير ، وربما اخر كم انتمى الى عزلة القمح في حقول الحرية
انه الشاب الوسيم والمحروم انه الشاب الفقير دومـــــاً انه الشاب الذي رأيته مرة واحدة .... على مسرح التمثيل ومـــرات على مسرح القتلى انه ببساطة إبــن مدينتي الفقيرة : اللا منتمي ابـــداً هـــادي المهدي
عباس الحسيني 2012
#عباس_الحسيني (هاشتاغ)
Abbas_Alhusainy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترنيمة ونفهم البحر
-
مالذي تبقى لمالك بن الريب ؟
-
شعر عباس الحسيني - ازجي التبغدد كله
-
عباس الحسيني - مقدمة بقلم رجل ميت
-
شعر عباس الحسيني - في بلدي شباك وفيقة
-
رفع الظالم ونصب المطلوم
-
ثورة الكهرباء ام ثروة الفقراء
-
هو لا أحدْ
-
عباس الحسيني - قصيدة
-
الشاعر يؤسس لمفهوم الحرب وإندثار صوت البلاد
-
منذر علي شناوة
-
بلاد بلا خرائط
-
شعر يولد من رحم نغم
-
كامل شياع - طرب عراقي
-
قصيدة - الشاعر عباس الحسيني
-
لينين في الرايات
-
فيما يُشبِهُ الرَجْعْ
-
قصيدة
-
في الكلام اليك ....
-
لماذا نكتب للخريف
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|