حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 12:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تخفي اسرائيل خشيتها من البرنامج النووي الايراني منذ عقد ثمانينات القرن الماضي , وبالذات منذ ان تعهدت روسيا ببناء مفاعلين نوويين في بوشهرعام 1995 بقدرة 1000 ميغاوات تعمل بالماء الخفيف بكلفة مليار دولار . وازداد هذا التوجس الاسرائيلي عام 2011 , حيث تطايرت التصريحات من المسؤولين الاسرائيلين عسكريين ومدنيين تدعو الى ضرب المفاعلات الايرانية . وقد اجرت اسرائيل عدة مناورات جوية على اهداف بعيدة , وتعاونت مع اليونان في هذه المناورات في البحر المتوسط , كما اجرت الولايات المتحدة مناورات بحرية وجوية في الخليج العربي . وتزايدت المخاوف بعد كل تقرير صادر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤشر ان البرنامج النووي الايراني يتقدم خطوات في تخصيب اليورانيوم مما يؤشر ان ايران تخطو خطوات متسارعة نحو انتاج سلاح نووي .
موقف حكومة نتنياهو :
ويبدو ان اسرائيل قد وجدت فرصتها الملائمة لضرب البرنامج الايراني في الفوضى التي تعصف بالمنطقة العربية ولاسيما في سوريه اثر الانتفاضات الشعبية المسروقة في الاقطار العربية . ولكن اسرائيل لم تقف موقفا موحدا ازاء ضرب برنامج ايران النووي , وقد شكل تيار نتنياهو رئيس الوزراء ويهود باراك وزير الدفاع , التيار المتشدد المتحمس للتعجيل بضرب برنامج ايران النووي , فيما شكل رئيس الكيان شمعون بيرس ورئيس الاركان السابق ( شاؤول موفاز ) " الايراني الاصل " التيار المعتدل الذي ينادي بعدم الاستعجال في ضرب المفاعلات الايرانية . وهذا الموقف ينسجم مع الموقف الامريكي الحالي .
يرى باراك " ان تأخير الضربة عدة شهور سيجعل البرنامج النووي الايراني في مأمن" . ولكن باراك ونتنياهو يفضلان ان تقود الولايات المتحدة الهجوم على مفاعلات ايران النووية . نظرا لما تمتلكه الولايات المتحدة من امكانات عسكرية وفنية هائلة قادرة على اختراق الجبال حيث توجد تلك المفاعلات , كما تملك ووزنا سياسيا على الصعيد الدولي والاقليمي .
اما سفير اسرائيل في واشنطن ( ميشيل اورين ) قال في مقابلة مع قناة ( بلومبرغ ) الفضائية " ان اسرائيل ستكون راغبة في توجيه ضربة للمنشأت النووية الايرانية , حتى لو كان ذلك يؤخر قدرتها على انتاج اسلحة نووية لعدة سنوات , وخير مثال على ذلك ضرب مفاعل تموز العراقي 1981 . لان الدبلوماسية لم تنجح ووصلنا ـ على حد قوله ـ الى منعطف حاسم يتطلب اتخاذ قرارات هامة " .
وانسجاما مع الموقف المتشدد فقد ادخلت اسرائيل نظام الانذار المبكر على خدمة الرسائل القصيرة, وتم التعاقد على شراء كمامات واقية من الغازات السامة للوقاية من تأثير الاسلحة الكيماوية والبيولوجية . ان ما يمثله نتنياهو وباراك هو صلب الاستراتيجية الاسرائيلية المتمثلة في :
1 . القيام بعمليات وقائية اجهاضية ضد اهداف من المعتقد انها ستشكل خطرا على اسرائيل , كما حصل في ضرب المفاعل النووي العراقي السلمي عام 1981 .
2 . امتلاك السلاح الكفيل بردع الاخر , اي ردع دول الاقليم التي تشكل خطرا محتملا على اسرائيل .
3 . حماية الاجواء الداخلية من خلال الدفاعات الارضية وسلاح الجو الاعتراضي ومحطات الانذار المبكر , مثل القبة الحديدية التي اقيمت بالتعاون مع الولايات المتحدة .
موقف الولايات المتحدة :
اما الولايات المتحدة فانها حذرة من الاستعجال في توجيه ضربة للمفاعلات الايرانية قبل ان تستنفذ كل الجهود السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها مباشرة مع نظام الملالي في ايران , او من خلال الترويكه الاوروبية ( 5+1 ) . وترى الادارة الامريكية انه كلما امعن نظام الملالي في تعنته ورفض المطالب الدولية في الكف عن تخصيب اليورانيوم , وكلما تقدم في برنامجه النووي , كلما كانت احتمالات الضربة اكثر اقناعا لمن يدافعون عن ايران وعن برنامجها النووي . اضف الى ذلك ان الرئيس الامريكي باراك اوباما مشغول الان بالحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية بعد ان رشحه الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة لدورة ثانية .
وقال مسؤولون اسرائيليون انهم في مناقشات وثيقة مع الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، والسعي لتخفيف حدة التوتر التي ظهرت بين الحليفين حول احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران , على امل ان يتوصل الطرفان الى اتفاق عملي يحول دون مواصلة ايران تطوير برنامجها لكي لا يصل الى مرحلة صناعة سلاح نووي , ولاسيما انها تمكنت من صناعة صواريخ بعيدة المدى تصل الى المدن الاسرائيلية , يمكن ان يركب عليها رؤوس نووية .
وقد أثار سلسلة من التحذيرات من قبل المسؤولين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة مخاوف من أن اسرائيل قد تشن في وقت قريب ضربة عسكرية احادية الجانب.الامر الذي جعل كبار المسئولين الأمريكيين يبدون معارضتهم لأي عمل عسكري اسرائيلي في الوقت الراهن. وقد قال وزير الدفاع الامريكي بانيتا " ان اي هجوم على ايران سوف يغرق العالم في حرب عالمية ثالثة , او سيقذف بالشرق الاوسط في اتون الحرائق " . وينطلق الوزير الامريكي من الوضع السياسي الدولي المتمثل في موقفي روسيا والصين من الازمة السورية .
وانتقد نتنياهو المجتمع الدولي لفشله في كبح برنامج ايران النووي. في الأيام الأخيرة، ودعا العالم لوضع خط أحمر واضح بالنسبة للايرانيين. واعتبرت تصريحاته بأنها انتقاد مبطن للرئيس باراك أوباما.
إسرائيل لم تحدد خطوطها الحمراء الخاصة علنا والتي قد تشمل موعدا نهائيا لإيران لفتح منشآتها أمام مفتشي الأمم المتحدة , وتعتقد اسرائيل ان ايران تحاول تطوير اسلحة نووية وهو اتهام تنفيه ايران. الولايات المتحدة قالت انها لا تعرف ما هي خطط ايران في نهاية المطاف بالنسبة لبرنامجها النووي.
ومن جانبه خفف السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جاي كارني يوم الاحد الماضي من شأن الخلاف بين واشنطن وتل ابيب ، عندما يتعلق الأمر بضرورة منع إيران من الحصول على سلاح نووي. وقال ان أفضل طريقة لضمان منع إيران من الحصول على سلاح نووي هو من خلال عملية دبلوماسية تكون نتائجها في النهاية موافقة ايران، بطريقة يمكن التحقق منها تماما، التخلي عن طموحاتها النووية واحترام التزاماتها الدولية.ولكن هذه النافذة لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية، وقال كارني وأكد أن أوباما قد أصر على أن كل الخيارات تبقى على الطاولة.
وفي السياق ذاته اكد تقرير للامم المتحدة الاسبوع الماضي استمرار التقدم في البرنامج النووي وأن إيران نقلت أكثر انشطتها لتخصيب اليورانيوم الى المخابئ المحصنة ومنيعة تحت الارض تقيها اي هجوم جوي .
السيناريوهات المحتملة :
ان الولايات المتحدة تراهن على عد خيرات منها :
1 . المراهنة على الداخل الايراني , اي على المعارضة الايرانية للقيام بتغيير نظام الملالي , ولكن هذه المراهنة تنقصها المصداقية , اذ ان الخارجية الامريكية لم تشطب منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة من قائمة الارهاب التي وضعتها قبل عدة سنوات لارضاء نظام الملالي , ولو كانت جادة في تغيير النظام لدعمت المعارضة دعما كافيا لاحداث هذا التغيير , ولاسيما ان الشارع الايراني مهيأ للتغيير , بفعل الاحتقان لدى ابناء ايران من القوميات المضطهدة من غير القومية الفارسية , والازمات الاقتصادية التي يعاني منها الايرانيون .
2 . انتظار ايران حتى تصل الى مرحلة متقدمة في برنامجها النووي يقترب من انتاج سلاح نووي , عندها تكون الضربة مناسبة وقد يكون لها غطاء دولي من خلال مجلس الامن او من خلال تحالف دولي كما حصل في غزو العراق . وهذا الخيار يستلزم الاستمرار في التفاوض مع ايران , وزيادة العقوبات على نظام الملالي لايصاله الى حالة صعبة تحول دون الاستمرار في برنامجه النووي . وقد تؤدي المفاوضات الثنائية والدولية الى حالة من الانفراج بين واشنطن وطهران , وقد تتخلى ايران عن عزمها التوصل الى صنع سلاح نووي وتكتفي بالطاقة وسلة الاغراءات التي ستقدمها الولايات المتحدة ودول الغرب كما حصل مع كوريا الشمالية .
3 . اذا فشلت كل هذه الخيارات فقد تسمح الادارة الامريكية لاسرائيل القيام بضربة جوية منفردة مع تقديم معونة فنية تساعدها في تنفيذ تلك الضربة بنجاح . وفي هذه الحالة فمن المتوقع قيام ايران بردة فعل عسكرية ضد اسرائيل او ضد القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة او اغلاق مضيق هرمز , وكلها خيارات ايرانية قد تؤدي الى تدخل الولايات المتحدة عسكريا , وقد تتطور الحرب اقليميا وتتدخل فيها اطراف دولية لحماية مصالحها . ومن غير المتوقع ان تكون الضربة العسكرية الاسرائيلية قبل الانتخابات الامريكية وقبل انجلاء الموقف في سوريه .
البرنامج النووي الايراني :
يعود البرنامج النووي الايراني الى عهد الشاه , فقد كانت خطته تقضي ببناء 24 مفاعلا نوويا لتغطية حاجة ايران من الطاقة الكهربائية , وقد تعاقد من اجل تنفيذ هذا البرنامج مع عدة دول غربية ومنها الولايات المتحدة .
عندما جاء خميني الى الحكم عام 1979 بمعونةغربية , اوقف العمل في عدة مفاعلات , وألغى بعض الاتفاقات مع عدة دول , اي انه علق البرنامج النووي ولم يلغيه , بدليل انه احتفظ بالعلماء والكوادر الفنية في علم الذرة , ولم يعاملهم كما عامل ضباط الجيش السابق .
تحرك نظام الملالي عام 1984 , اي اثناء الحرب بين العراق وايران , وبدأ في احياء البرنامج النووي , وسعى رافسنجاني الى احياء دور منظمة الطاقة الذرية الايرانية . وفي عام 1992 تعاون نظام الملالي مع كل من فرنسا وروسيا , وقد وصل 100 خبير روسي الى موقع ( بوشهر ) في ايران . وفي عام 1995 توصل نظام الملالي مع روسيا الى اتفاق لبناء مفاعلين نوويين بقدرة 1000 ميجاوات تعمل بالماء الخفيف . وما زالت روسيا ملتزمة باكمال مفاعل بوشهر . وفي عام 2005 قرر مجلس الشورى الايراني انتاج الوقود النووي , حيث قوبل ذاك القرار بعقوبات اقتصادية فرضتها دول الغرب على ايران . وفي عام 2006 نجحت ايران في تأمين الوقود النووي , ومن ثم احيل الملف النووي الايراني الى مجلس الامن . وفي عام 2007 بدأت المفاوضات المباشرة بين ايران والولايات المتحدة تنفيذا لتوصيات ( هاملتون ـ بيكر ) . وفي عام 2009 امتدح الرئيس الامريكي باراك اوباما الثقافة الايرانية في محاولة لاسترضاء نظام الملالي , ولكن النظام طالبه بتغيير السياسة الامريكية ازاء ايران , وقد تناغم الرئيس الايراني نجاد مع اوباما في اجراء مفاوضات مباشرة . وفي اخر الانباء ان عمليات تخصيب اليورانيوم على قدم وساق في منشأة نتانز شمال اصفهان المبنية تحت الجبال على الطريقة الكورية .
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟