علي عبد الوهاب الدباغ
الحوار المتمدن-العدد: 3846 - 2012 / 9 / 10 - 14:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اِسلامنا واِسلام القرآن
حسب كل تصريحات الإسلامويين القدامى و المحدثين و من تبعهم "باستلاب" إلى يوم الدين، فإن الفكر الديني الإسلامي فكرٌ شمولي يتدخل في كل تفاصيل الحياة الإنسانية لكونه برنامجاً متكاملاً شاملاً كافياً وافياً ... الخ ، أليس كذلك؟ و لكن هنالك تناقضات في مثل هذا القول صيغت بذكاء لأهداف سياسية من قبل رجال الدين الذين حفروا الحفرة ليقع فيها كل المتدينون مُذْ قالوا : بلى ، و حتى اليوم . و يمكنني أن أذكر العديد من مثل هذه التناقضات و كالتالي:
1. هنالك دينان إسلاميان ؛ الأول ما هو موجود لدينا جميعاً و الثاني هو ما موجودٌ في القرآن الكريم.
2. نزل القرآن مفصلاً على عقلي و عقلك و الدليل أن الأوائل لم يحتاجوا له تفسيراً بل قرأوه و فهموه ببساطة و آمنوا به ، و لم أسمع بمفسر في زمن النبي أو الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين، أو حتى في عصر الدولة الاموية. و بدأ التفسير بعد قيام الدولة العباسية ! و يبدو أنه بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار . أما لماذا فلأسباب سياسية بحتة تلبست بمسوح الدين في معظمها.
3. لكون الدين قد شكّل حافزاً جباراً و قوة دافعة و زخماً كبيراً للأفراد و الجماعات فقد استغلّهُ طُلّابُ السلطة أبشع إستغلال ، تَمَثّلَ في جعل الدين إقطاعية لمن والاهم من رجال الدين المعممين الذين منعوا الآخرين من أن يقرأوا القرآن و يتدبروه بحجة الإختصاص من منطلق: "إجعلها في رقبة عالم و اطلع سالم" فأخذوا يقرأون لنا ويفسرون لنا ويفكرون لنا ويفتون لنا وصاروا حاجزاً و سدّاً بيننا و بين القرآن، و كانت كل فتاواهم لمصلحة من يسود و من يستفيدون منه.
4. جمعوا الأحاديث المنقولة شفاهاً بعد أكثر من 200 سنة من زمن قولها، و ذلك شبه مستحيل، مما جعلهم يضعونها وضعاً ثم يضعون شروطاً لتحقيقها و يعتبرون تلك الشروط من "علم الحديث" و تدخلوا حتى في الأنساب و سموها "علم الرجال" فصار فيهم الخصام و هم الخصمُ و الحكمُ. و لو علمنا أنه لم يصلنا شيءٌ مكتوب من زمن صدر الإسلام و من زمن الدولة الاُموية (المفصل في تأريخ العرب في الاسلام - د. جواد علي) فيصبح آنئذ من السهل أن نتتبع المسيرة السياسية للحديث النبوي في العراق (مثلاً) : فعندما جاء الإحتلال الإستيطاني الإسلامي ألى العراق قام و بضربة سيف بإلغاء حكّام العراقيين و كهنتهم و دينهم و آلهتهم و حتى لغتهم ! و استباح ما يملكون كغنائم غزو واستباحوا نساءهم كسبايا و فرضوا عليهم ضرائب ثقيلة كالجزية و الخراج و الزكاة و غيرها (كتاب الخراج لأبي يوسف) و لم يرفعونها حتى عن من أسلم من سكان العراق من المسيحيين و المجوس و اليهود . فانبرى سكان الأراضي المحتلة بما يملكون من تراث ثقافي و فلسفي ليخترقوا صفوف المحتل الإستيطاني الغاشم، و عندما استعصى عليهم القرآن لأنه معجزة إلهية لجأوا للحديث فجمعوه أو بالأحرى وضعوه بأكمله رغم نهي النبي عن تدوينه ! و لكي يعطوه قداسة ترفعه لمستوى القرآن أضفوا القداسة و العصمة على النبي و آله و الصحابة و التابعين و تابعي التابعين والمتصوفة و العارفين لكي يأمروا و ينهوا باسمهم و يصدقهم الغزاة الفاتحون البسطاء من بدو الصحراء . فبدأوا بحماية حريمهم فحجّبوهنّ و نقـّبوهنّ و أزاحوهنّ من طريق الغزاة ، و عند نجاحهم في ذلك ذهبوا أبعد الى درجة أن صار "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" فساووا أنفسهم بالغزاة و تزوج الغزاة بناتهم بعدما كانوا يسبونهم ملك أيمانهم مجّاناً . فظهرت مشكلة "الأخوال" الذين استلموا السلطة في الدولة العباسية كالفرس والأتراك والسلاجقة و البويهيين و الغزنوية و الأتابكة و غيرهم.
5. لعب التراكم الزمني و خصوصاً في "الفترة المظلمة" دوره في طمس الحقائق مما أعطى الفرصة للخرافات و الأساطير للتكلس و التحجر لتصبح شبيهة بالحقائق و تصبح اليوم ديناً قويماً و تفرّخ القاعدة و سلفيي الشيعة و غيرهم، و يقتنع بها الناس لعدم وجود الفكر النيّر الحر طيلة مدة رزوخهم تحت نير الظلام والظلم و قديماً قالوا : الظلم لو دام دمّر!
6. لقد وجد المستشرقون لنا تأريخنا و أعطوه لنا برأيهم و تحليلاتهم المستندة على أفكار الثورة الصناعية و أفكار عصر التنوير ، و صدقهم الناس بين محب غال و مبغض قال لما يقولون! و صرنا أسرى لذلك التأريخ دون تمحيص أو منهجية و فاتنا أن التأريخ هو ما نُقل و ليس ما حصل، و أن المؤرخين اُناسٌ طبيعيون مثلنا يحتاجون إلى مصدر دخل ليعيشوا و عوائلهم، و أنهم أصحابُ رأي في الحدث و أصحاب ولاء لمن يدفع لهم الأجر، فجاء تأريخهم متحيزاً و جزئي (عمانوئيل كانت) . و المشكلة أننا صدقنا التأريخ المنقول و صغنا إيماننا بموجبه و تجحفلنا و تعصبنا لعقائدنا و اخترنا مذاهبنا بناءً على اكذوبة، أو أسوأ منها على أنصاف الحقائق.
7. العلاقة الجدلية بين الخصوم أثناء الحروب الصليبية سواء في تقنيات الحرب أو الآيديولوجية و الدين جعلت الكنيسة تحتك بالمسلمين بشكل تزامن مع سقوط الدولة الأموية الإسلامية في الأندلس و تشكيل محاكم التفتيش في اسبانيا منذ القرن الثاني عشر و حتى نشوء الدولة العثمانية التي شكلت أكبر تهديد لأوروبا و احتلت أجزاء منها و حاصرت فيينا مرتين ، مما حدا بالكنيسة الغربية للتحالف مع الكنيسة الشرقية لأول و آخر مرة في تأريخها! و لكي يتخلصوا من العثمانيين صاغوا مذهباً لقاطع طريق في أقاصي الدولة العثمانية (هو والد الشاه إسماعيل الصفوي) ، ليجهزوه بآيديولوجية مبنية على فهم الكنيسة للدين الإسلامي تحوله إلى فاتح عقائدي بعدما كان قاطع طريق، فصار تهديداً حقيقياً للدولة العثمانية مما اضطرها للإنسحاب من أوروبا لمجابهته (د.علي شريعتي: التشيع العلوي و التشيع الصفوي)، فكان مذهباً كبقية المذاهب ويمتاز فقط بكونه مخالفاً لمذهب الدولة العثمانية و معادياً له كأداة فعالة في الحرب معها. و لعل أغرب و أسوأ ما فيه تسميته ، فقد أسموه بالإسم الذي كان يطلق عبر التأريخ على "المعارضة" أي اسم : "الشيعة" ، فصار الإسم يطلق على مسمّيين ؛ المعارضة و المذهب الجديد . و قد كانت تلك لعمري خطوة في منتهى الخبث و الدهاء. فقد سحب المذهب الجديد تأريخ المعارضة المجيد عليه ، و هي مغالطة نعاني من نتائجها حتى اليوم و إلى ما شاء الله. و خلاصة المذهب بعد نشوء و إستقرار الدولة الصفوية تتمحور حول البكاء على الحسين بشرط عدم استلهام ثورته ، أي إبكوا على الحسين و لكن لا تثوروا مثله ، قاتلوا معنا أحفاد من قتله و لا تقاتلوا ضدنا في سبيل الخبز و الكرامة و حقوق الإنسان. و كان ابن تيمية في الوقت ذاته قد دمّر الفكر الديني على الجانب الآخر بإغلاق باب الإجتهاد و القياس، وآيديولوجية التكفير الكيفي، فتخلف الجانبان و ورثنا مع الأسف كل تخلفهم .
8. تأثر العراق بالإحتلال البريطاني بعمق و كان هزة أو زلزال لكل معتقداتهم و مسلماتهم و كانت "هوسة" العشائر عندما رأوا طائرة في الجو ترمي القنابل عليهم : "متعجب خالقلة بعيرة"! وكان انفتاحهم المفاجيء على العالم المتقدم مبعث عداء بين رجال الدين و كل مظاهر التقدم ، و ساد المبدأ السلفي "التقدم إلى الوراء" فجمدوا التأريخ على القرن السابع الميلادي و الجغرافيا على مكة و المدينة و بإسلوب العنف و الدم حد الإبادة لتجنيد الإنتحاريين المحبطين (محمد باقر ياسين : تأريخ العنف الدموي في العراق) . فالعنف مبدأ عريق عايشناه في تأريخنا و لا خلاص لنا إلا بالتخلي عنه و الإعتراف بالآخر و الإيمان بأن لا خلاص إلا بالديمقراطية ، رغم أن الدين (أقصد الموجود عندنا كلنا و ليس الدين الذي في القرآن!) لا يعترف بالسلام .
9. الإسلام المعتدل و المتمثل بالإسلام العلماني اليوم، هو إسلام متأثر بالمسيحية العلمانية الأوربية و كما أسلفت فإن العلاقة الجدلية بين الأديان و الأفكار و المصالح مسألة طبيعية . ولكننا وللأسف لا نستطيع بعقليتنا العربية أن نقرأ الاسلام دون خلفيات مبنية على مخلفات زمن "العصملّي" و "الله ينصر الدين و الدولة" ، وعلى المعطيات الإسلاموية اليوم في العراق. لذلك فإننا قد نصنفها بمعايير خاطئة لا تنطبق عليها، بينما لو قرأنا الأديان بلغتها الأصلية كما انزلت، لرأينا أنها مناسبة جداً و تأخذ الدين وزخمه الهائل و الديمقراطية بشكلها الصحيح كطريق للخلاص ولاِذكاء الحماس الشعبي الوطني، و ترسم لنا "الطريق القويم" أو السراط المستقيم. ولكن الأديان – كلها - انتهت بموت الأنبياء، وحلت محلها "السياسة" التي نسميها اليوم: ألمذاهب!
10. العراق يحتاج إلى الدين العلماني و يحتاج الشباب (وليس الداينصورات من أمثال أصحاب العمائم من كل الطوائف) من أجل خلق مجتمع المسؤولية في دولة المواطنة .
لقد تعمدتُ أن تكون مقالتي من عشرة نقاط ، ليس تشبهاً "بالوصايا العشرة" لموسى و لا "الفضائل العشرة" بل مجرد لأنها رقم مدور "حسن صحيح"!
#علي_عبد_الوهاب_الدباغ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟