فاروق عطية
الحوار المتمدن-العدد: 3846 - 2012 / 9 / 10 - 02:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يظن البعض أننى قد أخطأت فى العنوان وكتبت الخريف العربى بدلا من الربيع العربى. ولكننى أقول وأتساءل: أين هوالربيع العربى وبأمارة إيه؟ إنه خريف .. بل خريف دامى تتساقط فيه أرواح البشر بدلا من تساقط أوراق الشجر. وقد يظن البعض أن بوعزة هو مفجر ما أطلقوا عليه ثورات العرب, ولكننى أقول أن مفجر هذه الفورات ـ ولا أقول ثورات ـ هم الغرب وعلى رأسه أمريكا, ولعلّنا نتذكر ما بشرتنا به كوندوليزا رايس منذ أكثر من عشر سنوات وما أسمته بالفوضى الخلاقة, وليتها كانت خلاقة بل هى فوضى ساحقة ماحقة ومدمرة لجميع الدول الناطقة بالعربية, ونحن نسير إلى الهاوية مغمضى العيون سكرى بنشوة انتصار زائف ونخُبّ خبا نحو تقسيم دولنا إلى دويلات وربما إلى كنتونات. وهذه التطلعات والمؤامرات الغربية ليست وليدة هذه الحقبة من الزمن ولكنها قديمة ومتجددة منذ قيام الخلافة العربية. وكانت فى العصور الوسطى على شكل حروب صليبية, وبعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية تم تقسيم إرث الخلافة إلى دول بمقتضى ما أطلق عليه خطة سايكس بيكو التى بمقتضاها تبلوت دول عربية تحت حكم استعمارى لم يراعى فيه الاختلاف الدينى والعرقى, ما لبثت القوى الوطنية المُؤمنة بقومياتها وأوطانها أن انتفضت على الاسستعمار وتخلصت منه عسكريا, وإن كانت آثاره الاقتصادية والثقافية مازالت مؤثرة, وبذلك شعر الغرب أنه خسر مواقعه وخسر إرث الخلافة العثمانية, واليوم يسعى لإرث جديد يتيح له التحكم والسيطرة على ثروات هذه البلاد المعدنية الكامنة وخاصة البترول, ومهندس هذه الخطة هو بيرنارد لويس الصهيونى الكاره للعرب والذى كان مستشارا للرئيسين بوش (بوش الأب وبوش الإبن) والذى دعى إلى تفكيك الدول العربية إلى كنتونات طائفية وعشائرية ورسم لها الخرائط, ووافق الكونجرس على خطته عام 1983.
وما يجرى اليوم هو تنفيذ حرفى لخطة بيرنارد لويس التى تتيح للغرب التحكم والسيطرة على مواردنا وتقسيمها بينهم بل وتجزئة دولنا إلى دويلات, يسهل التحكم فيها حتى لا تفلت مرة أخرى من السيطرة, وتتيح لربيبتها إسرائيل التمدد والتوسع. وتتبلور الفكرة فى إغراق البلدان الناطقة بالعربية فى صراعات دينية وعرقية تشغلهم وتفتت دولهم من الداخل دون عناء يذكر من الغرب الذى ينتظر الحصاد دون أن يبذل جهدا يذكر فى الزراعة. نجحت الخطة أيما نجاح فى السودان فانفصل الجنوب وفى الطريق انفصال دار فور فى الغرب وكردفان فى الشرق. كما نجحت الخطة فى العراق الذى كان يتميز بفسيفساء القوميات المختلفة المتآلفة المتحابة وتحولت بعد الغزو الأمريكى إلى قوميات ومذاهب متناحرة متحاربة أدت لانفصال الكورد بدولة فى الشمال وفى القريب دولة للشيعة فى الجنوب وأخرى للسنة فى الوسط, وضاعت باقى الأقليات (أزيديين وصابئة وكلدان وآشوريين) وتكاد أن تتلاشى أعدادهم بالقتل والتهجير.
ولما استعصت عليهم بعض الدول كتونس ومصر وليبيا واليمن كان لابد أن يجدوا لها حلا مناسبا, فلجأوا لتكنولوجيا العصر كالفيس بوك وتويتر لحشد فورات الخريف العربى وتفجير تظاهرات عارمة بتحريض وتمويل غربى ضد النظم الدبكتاتورية التى هم أنفسهم قد أقاموها وأيدوها وعضدوها, وبعد نجاح هذه الفورات ساقوا لها جماعة الأخوان المسلمين ومن لف لفهم كى يمتطوها. لم يكن ذلك حبا أوقبولا أو إعجابا بهذه الجماعة ولكن كان ذلك بعد بحوث ودراسات قام بها المهتمون بمشاكل الشرق الأوسط من المستشرقين الذين نصحوا بتأييد الأخوان والجماعات المتطرفة الإسلامية المتحالفة معهم ليضربوا عصفورين بحجر واحد, أولهما التخلص من صداع المتطرفين العرب الهاربين من تنكيل معارضي آرائهم فى بلادهم إلى الغرب الذى فتح لهم أبوابه فاستغلوا الضيافة أسوأ استغلال, وملأوا الدنيا ضجيجا وعنفا مطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى البلاد التى استضافتهم, هذا غير المظهر السيئ الذى أحدثوه بافتراشهم الطرقات والشوارع مقيمين الصلاة بها مما يعطل انسياب حركة المرور, وتشجيع انتشار الحجاب والنقاب بين نسائهم, ورفضهم لأسلوب حياة الغرب الكافر الذى استضافهم. فعندما تتحول بلادهم إلى حكم إسلامى سيدفعهم هذا للعودة لأوطانهم ويتخلص الغرب من شرورهم, وقد صحت توقعاتهم ونشاهد اليوم عودة الجهاديون والإرهابيون جماعات إلى بلادنا والبقية فى الطريق.
وثانيها إستغلال حمق وغباء الإسلاميين وكرههم للرأى الآخر حتى يؤججوا الفتنة الدينية بين المسلمين والمسلمين(سنة وشيعة) من ناحية وبين المسلمين والمسيحيين من ناحية أخرى وبذلك تكون هناك حجة للتقسيم, وللأسف فقد انساقت الجماعة ومن والاهم من السلفيين والحهاديين وهم مغمضى العيون نحو الهدف المرسوم لهم وهم سكرى بنشوة الوصول للحكم الذى عملت له الجماعة من تحت الأرض أكثر من ثمانين عاما وظنت انها ستبقى عليه إلى ما شاء الله. والمؤسف أنهم تعهدوا بالحفاظ على مصالح الغرب وعلى رأسه أمريكا وحماية الكيان الصهيونى والحفاظ على معاهدة السلام وعلى القواعد الأمريكية ببلادهم. وقد رأينا على سبيل المثال تطبيقا لتعهداتهم السماح للأمريكان المتهمين فى قضية التمويل الخارجى للجمعيات الأهلية العاملة فى مصر ضد القانون وتسهيل سفرهم على طائرة خاصة, وتلقيهم الشكر من الخارجية الأمريكية على هذا التعاون الفاعل. بدأنا نشاهد بوادر الانقسامات فى ليبيا واليمن إلى قبائل كل منها يريد تحويل قبيلته إلى دويلة. كما بدأت بوادر التقسيم فى مصر أيضا وإن كانت غير واضحة المعالم ولكنها تحبو حتى تصل للمراد. منها ما يحدث الآن فى سيناء من انتشار للجماعات الجهادية ومتسللى حماس عبر الأنفاق, وانتشار شراء الأراضى تمهيدا لإنشاء وطن بديل للفلسطينيين بسيناء وتنتهى بذلك تماما المشكلة الفلسطينية من الوجود. ومع ازدياد العنف والاضطهاد ضد الأقباط المسيحيين, ومع الحرب المعلنة على سياحة الآثار التى تمثل النشاط والدخل لأبناء النوبة بدأ التفكير بل وظهرت خرائط متداولة لتقسيم مصر إلى دويلات, دويلة للنوبيين فى الجنوب (تشمل جزءا من شمال السودان), ودويلة للفلسطينيين فى سيناء وأخرى للأقباط تمتد غرب النيل من أسيوط ووادى النطرون غربا حتى الإسكندرية شمالا والباقى من مصر للإسلاميين.
وبشار الأسد رغم أنه دكتاتورا لا يقل دموية عن صدام أو القذافى, لكنه محبوبا من معظم شعبه الذى يرى فيه الوطنية ويفضلون حكمه عن حكم الفاشية الدينية. وما يحدث هناك ليست بثورة حقيقية ولكنه غزو منظم من قطر والسعودية وتركيا تحت إشراف أمريكى مباشر, وللأسف قد تسللت إليه فصائل من القاعدة بقيادة أسماء معروفة ومطلوبة فى تركيا ولكنهم يغضون الطرف عنهم ويمدونهم بالتأييد اللوجستى والسلاح. وما يبث على قنوات الجزيرة وعربية من مذابح ومجازر ما هى إلا صور مضللة يقوم بها ما يطلق عليه جيش التحرير الذى يرتكب المذابح وينسبها للجيش السورى, وإن كان بشار أيضا مسؤولا عن ضرب أحياء يسيطر عليها الغزاة مما يعرض أهلها المسالمين للقتل. وستنتهى هذه المهزلة بتقسيم سوريا لأربع دويلات, دولة فى حلب, وأخرى تسمى دولة الشام وثالثة للعلويين باللأزقية ورابعة للدروز بالقرب من الحدود الأردنية.
والمملكة السعودية ودويلات الخليج ليست بعيدة عن مخططات بيرنارد لويس التقسيمية فقد أظهرت خرائطه زوال كل إمارات ومشيخات الخليج واليمن وظهرت ثلاث دول متوازية بالجزيرة العربية, هى دولة الإحساء الشيعية شرقا ودولة نجد فى الوسط ودولة الحجاز تشمل مكة والمدينة (فاتيكان الإسلام) شرقا. حتى لبنان لم تسلم من التقسيم, شمالا للسنة وجنوبا للشيعة والوسط للمارونيين والجبل للدروز. يسير هذا المخطط بنجاح منقطع النظير يساعد على تنفيذه غباء المتأسلمين وانقيادهم الأعمى للمخططات الأمريكية ظنا منهم أنهم الأذكى وأنهم قادرون على البقاء فى السلطة ولا يعلمون أنهم مخلب قط لتفكيك الدول العربية إلى دويلات حتى يسهل للغرب السيطرة على إيران وإخضاعها والسيطرة على كل الموارد البترولية فى العالم, والتخلص من حماس وحزب الله وتمكين إسرائيل من تحقيق حلمها التوسعى من الفرات إلى النيل, وبعدها تنتفى الحاجة لهم ويبعدون إلى حيث كانوا فى غياهب السجون.
#فاروق_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟