بهجت عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3844 - 2012 / 9 / 8 - 04:41
المحور:
الادب والفن
بداية رحلة الحياة
كانا صديقين من الطبقة الفقيرة ، يميلان إلى اليسار ويصدران نشرة أدبية جدارية
مدرسية نصف شهرية في العهد الملكي استمرت من الصف الثاني المتوسط حتى
الخامس الثانوي. حصل أولهما على درجة عالية في امتحان البكالوريا تؤهله للقبول
في أيّ كلية عراقية وحتّى البعثة إلى خارج العراق.
وحصل الثاني على درجة واطئة لا تسمح له إلاّ بالدراسة في كليات محدودة.
أخذ الثاني يلعن الحكومة وينعتها بالعمالة .
علّق الأول بسخرية وهو لا يعني ما يقول : "لماذا تسبّ الحكومة الطيبة؟"
أجابه الثاني غاضباً " بعد مصار بأظافيرك طحين كَمت تمدح بالحكومة"
(أي قبل أن تنال النعمة أخذت تمدح الحكومة)
وكان هذا آخر لقاء بينهما.
فتاة من بودابست - لعبة الحياة
كان اسمها تينا ، فتاة هنغارية جاءت إلى كندا في عام بداية السبعينات من القرن الماضي
ولم تتجاوز العشرين عاماً.
تزوجت موسيقاراً يهوديّاً فذهبت معه إلى ميامي – ولاية فلوريدا الأمريكية. لم ينجح
الزواج ، فعادت إلى كندا وعملت محاسبة في شركة تضمّ مختبراً للتحليل وصيدليات .
تعيّن صاحبنا رئيس قسم فيها فانعقدت بينهما صداقة عمل. كانت تستشيره في أمورها
حيث كانت قلقة وتتوجّس خيفة من المستقبل الذي قد يأتي بيوم ماطر ، أو اليوم الأسود ، فكانت
توفّر من ما استطاعت من المال لهذا اليوم. تزوجت مرة ثانية رجلاً من أبناء جلدتها
فلم يستمر الزواج سوى سنتين فعادت تعيش لوحدها بضع سنين. تزوجت مرة ثالثة
من صينيّ يعمل في تجارة العقارات وكان يشكو من مرض القلب . أصيبت بسرطان الثدي
وأخطأ الطبيب في التشخيص فجاءت عملية استئصاله متأخرة وانتشر المرض في جسدها.
بعد ثلاث سنين من الزواج الأخير ذهب الصينيّ للقاء ربّه فبقيت وحيدة مرة أخرى. كان
صاحبنا أثناءها قد ترك العمل في الشركة واتّخذ عملاً (حرّاً) وتركت عملها بعد بضع سنين
وكان يدعوها في كل مناسبة إلى بيته وكانت زوجته تحسبها واحدة من العائلة وتتبادل معها
الأحاديث التلفونية كل أسبوع تقريباً. نصحها بالعودة إلى بودابست ، بعد تحرّر هنغاريا من
السوفييت ، لتعيش مع أمها التي تملك بيتاً كبيراً وأختها ، وتأخذ ما ادخّرته ، شقة ومائتيْ ألف
دولار وكيلوغرام من الذهب الخالص ، وهي ثروة هناك ، فبهذا لن ترى اليوم الماطر أبداً فرفضتْ.
وبقي الاتّصال مستمراً وفجأة انقطع ، ربما لانشغال كل منهما بأمور الحياة المعقدة. ودام
الانقطاع شهراً . أدارت زوجته قرص التلفون لمكالمتها ، فكان على الجانب الآخر صوت نسائيّ
آخـر. هل يُمكنني التكلم مع تينا رجاء؟ فأجاب الصوت النسائي الغريب، إنّ تينا انتحرت ، فقد
التهمت كمية من الحبوب المنوّمة ولم تفق بعدها! وأوصتْ بحرق جثمانها ! وها هي ذي
رماداً في القارورة على الرفّ منذ ثلاثة أيام لإرسالها إلى بودابست. جاء في وصيّتها أيضاً
إعطاء كلّ ما تملك إلى المرأة التي قامت بخدمتها.
#بهجت_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟