خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 13:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملفات امريكية في الحقيبة الدبلوماسية المصرية:
بهمة ونشاط, وروح هجومية واضحة, وتحت مظلة حماية شرعية الانتخابات الرئاسية, ومظلة حماية الاعتراف والقبول الدولي بها, ومظلة تفاهمات جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة, يجري على قدم وساق اعادة صياغة تركيب مؤسسة الدولة في مصر, فالنظام ببنيته الطائفية الطبقية لم يسقط, وانما سقط من البنية الطبقية للسلطة فيه, تحالف الجناحين , البيروقراطي والكمبرادوري, وها هي سلطة النظام تسقط خالصة بيد الكمبرادور, الطائفي التجاري السياسي, وها هي ملامح الطائفية تتبدى اولا: في الصيغة الدستورية المصرية المقترح اقرارها, وثانيا: في عملية الاحلال الوظيفي في جهاز الدولة, والتي بدأت بالاحلال في المؤسسات الامنية, من اجل السيطرة والتحكم بقوة قمعها, وستنتهي بباقي المؤسسات,
اننا نشهد ان جماعة الاسلام السياسي المصري, ابدت الجرأة والمرونة والصلابة التي تثبت انها قادرة على امساك زمام الدولة المصرية, واعادة صياغة بنيتها, وادارتها ادارة تكنوقراطية حديثة, فقد احسنت جماعة الاخوان المسلمين, التعامل مع ادوات الديموقراطية في الصراع, كما احسنت بنفس سياسي طويل مواكبة الصراع الديموقراطي في مصر. وتوظيف ما لله في سبيل تحقيق اهدافها الطائفية الطبقية السياسية الخاصة,
لكن اقرارنا لها بهذه الانجازات, لا يعني اتفاقنا مع توجهها الحضاري المرهون لقناعات ايديولوجية متخلفة, ليس بمضامينها الروحانية وانما بمضامينها الطائفية الطبقية السياسية, فخلافيتنا بصورة عامة وليس اسلامية خاصة, مع الفكر الديني السياسي ليست على تكنوفراطية ادارة الدول والمجتمعات, وانما على توجهها الحضاري الذي يعيد انتاج حالة التخلف في المجتمع, وعلى وجه الخصوص الطائفية كحافظة للمضامين الطبقية الاقتصادية, وانعكاساتها الخلافية مجتمعيا, المعيقة لوتائر التوجه الحضاري للصيغة العلمية, المبنية على التكافؤ التام في المواطنة, وتجاوز مراتبية المواطنة ومقولة الاكثرية والاقلية في توزيع الحقوق,
ان الخلاف مع الدين السياسي يبقى خلاف حضاري ايديولوجي, يتبدى في الصراع معهم في وعلى كل الوقائع الوطنية السياسية العامة, التي يتقاطع عليها اشتباكنا معهم يوميا, لذلك لم يكن غريبا استمرار خلاف القوى السياسية المصرية معهم على بدء تجسيدهم لديموقراطية اخوانية خاصة, يحددون من خلال ممارستهم ادارة الدولة ومن خلال هيمنتهم على اللجنة التاسيسية اقتراحا دستوريا يحجم الحريات الديموقراطية في مساحات ومضامين غير متفق عليها مع باقي القوى السياسية والمجتمعية المصرية,
وكما في الخلاف مع الدين السياسي في مصر على صيغة بناء الحياة الديموقراطية الداخلية, فان الخلاف ايضا معهم يتصل ايضا بمنظورهم لاصطفاف مصر السياسي في مجالات الصراع الخارجية العالمية والاقليمية, وهو المنظور غير المبني على رؤية اولوية الاستقلال والسيادة القومية المصرية بل على اولوية فدرالية عرقية طائفية مذهبية, في القلب منها تصور والعمل على تجسيد دور سلطوي اساسي خاص لجماعة الاخوان المسلمين اقليميا, وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لا مانع عندهم من المناورة في اطار تقبل هيمنة النفوذ الامريكي,
من المؤسف هنا الاشارة الى ان الرقابة الاعلامية على مناورة جماعة الاخوان المسلمين السياسية لا تزال تفتقد قراءة ترابط حركتهم في التعامل مع كافة الوقائع, الداخلية والخارجية, وعلى وجه الخصوص وضع تبادل المنافع مع الولايات المتحدة الامريكية, ودون ملاحظة ان جرأتهم على الحركة عالميا تستظل مظلة رضى الولايات المتحدة السياسي, ومظلة تشابك المصالح الامريكية المصرية, وعلى وجه الخصوص في محاولة تحجيم نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة, فهذا هو جوهر تفاهماتهم مع الولايات المتحدة الامريكية,
ان توافقية المناورة الامريكية والمصرية الراهنة لها هدف سياسي مشترك, بدء منذ اعلان الولايات المتحدة المبكر عن ضرورة تنحي الرئيس السابق حسني مبارك, والذي انطوى في جوهره على العمل على توجيه ضربة رئيسية لنفوذ اللوبي الصهيوني في مصر, وقد اظلت الولايات المتحدة الامريكية جماعة الاخوان المسلمين سياسيا في كل المرحلة الانتقالية وفيها قدمت لهم مختلف اشكال الدعم والاسناد في مواجهة المجلس العسكري الذي وجد نفسه عاجزا في مواجهة القدرات الامريكية, وصولا الى اطلاق عملية سيناء السياسية والتي في ظلها حسمت الرئاسة المصرية لصالحها حالة التجاذب مع المجلس العسكري, الى درجة مكنت الرئيس مرسي من القيام بزيارة الصين وايران باطمئنان كامل رغم استمرار وجود بقايا حالة عدم استقرار في الوضع الداخلي المصري,
لقد اشرنا في مقال سابق الى ان الثورة المصرية نجحت في اسقاط اللوبي الصهيوني في مصر وتسائلنا عن امكانبتها اسقاط اللوبي الامريكي, ويبدو على العكس من تمنياتنا ان هذا اللوبي تعززت مواقع نفوذه, فالرؤية الدينية السياسية بطبيعة بنيتها الموضوعية لا تملك قدرة المنهجية الوطنية الاستقلالية السيادية, ولا يعني ذلك اننا على خلاف تام مع ما يعود على مصر الان من مكاسب تتحقق بفعل تشابك مصالحها مع المصالح الامريكية ضد توسع النفوذ الصهيوني في المنطقة, بل وكفلسطيني فانني ارى مكاسب مرحلية ستعود على الوضع الفلسطيني كتحريك ملف المصالحة وحصار الكيان الصهيوني ....الخ, غير ان ذلك لا يعني ان هذه المردود على مصر او على فلسطين يجسد منهجية وطنية نقية, وان لا اخطار استراتيجية تلحق بالمجتمعين, فالولايات المتحدة توظف هذه القضايا وتدير صراعاتها لصالحها الخاص, لا لصالح المجتمعين المصري والفلسطيني, فان اعادة اخضاع الكيان الصهيوني لارادة النفوذ الامريكي الذي انفلت منه سابقا هو سقف حالة التقاطع بين مصالح المجتمعين المصري والفلسطيني و مصالح الولايات المتحدة,
في اطار نفس التقاطع السياسي, كانت زيارات الرئيس المصري محمد مرسي الى خارج مصر والتي كان اخرها زيارة ايران, التي اعلنت الرئاسة المصرية انها بروتوكولية, غير انها كانت سياسية بامتياز, فحقيبة الزيارات المصرية هذه لم تكن تحتوي على ملفات مصالح مصرية مستقلة بل احتوت على ملفات مصالح مصرية امريكية مشتركة, ونحن هنا لا نشير الى ( بعض بل كل ) هذه الزيارات,
اما الاهداف المصرية الرئيسية, فقد كانت تتعلق بتعريف العالم بالبطاقة السياسية للسلطة الحديدة في مصر, وقد تبدى ذلك بصورة كبيرة في خطاب الرئيس مرسي في طهران والذي قدم تعريفا للهوية العقائدية الجديدة للنظام في مصر, وتعريفا بالاصطفاف السياسي الجديد ايضا للنظام المصري في الصراع العالمي, ومواقف النظام الجديدة من ملفات القضايا العالمية والاقليمية وخاصة ملف الازمة السورية والملف النووي الايراني, كما ان النظام استهدف اعادة نسج علاقات الدولة المصرية بدول العالم وهي العلاقات التي انهكتها سلطة الرئيس السابق حسني مبارك,
لكن الملاحظ ان توقيت وتوجهات الزيارات لا يعكس في الحقيقة لائحة الاولويات السياسية كما تفترض ترتيبها ومراتبيتها المصلحة القومية المصرية, رغم انها لم تخرج عن الاطار العام للمصلحة القومية المصرية, لكنها تعكس بشفافية اكبر اولويات المصالح الامريكية, ان في توجهه للسودان واثيوبيا, حيث تختلط قضية ملف مياه نهر النيل وعلاقة مصر بدول حوضه, مع قضية توسع النفوذ الصهيوني في شمال افريقيا والمشاكل التي يخلقها في استقرار اوضاع دولها خاصة في الصراع بين دولة السودان ودولة جنوب السودان,
كذلك الامر في زيارة الرئيس المصري للمملكة العربية السعودية, فالى جانب ملف القروض المالية وملف العمالة المصرية وملف الخلاف المذهبي بين حركة الاخوان المسلمين والحركة السلفية الوهابية, وملفات قضايا اخرى ذات اهتمام مشترك, الا اننا نجد ان ملف التنسيق بين المملكة كنطاق جيوسياسي رابط منطقة شرق المتوسط بمنطقة الخليج, ودور المملكة في التصدي للسياسة الايرانية والمد المذهبي الشيعي, ودورها في العمل على اسقاط نظام بشار الاسد في سوريا, وايصال الدين السياسي للسلطة فيها, هي ملفات مستوى الاهتمام الامريكي بها اعلى من مستوى الاهتمام المصري, خاصة فيما يتعلق بالاصطفاف على هدف محاصرة النفوذ الصهيوني في المنطقة وعلى وجه الخصوص في الخليج والعراق...الخ,
كذلك الامر للزيارة المصرية المفاجئة لجمهورية الصين الشعبية, فالى جانب ان الصين قوة اقتصادية كبيرة وقادرة على الاستثمار في مصر وتنشيط وضعها الاقتصادي, الا اننا نجد في الصين ايضا موقعا من مواقع مناورة الكيان الصهيوني ضد الضغوط الامريكية, بل يبدو ان الكيان الصهيوني ينظر لها كبديل محتمل للولايات المتحدة الامريكية واروروبا ايضا في المستقبل, وقد عمل دائما على تعزيز علاقته بها مما يغري الولايات المتحدة بمحاولة اغلاق الصين في وجه التوجهات الصهيونية, ولا ننسى موقع الصين في الشرعية الدولية ومجلس الامن وموقفه من قضية الملف النووي الايراني وكذلك ملف الازمة السورية, وتحالف الصين مع روسيا....الخ, فمن الواضح ان هناك محاولة لجعل الصين تستبدل الكيان الصهيوني بمصر كسوق استثماري وموقع لوجستي....الخ,
وحتى في زيارة ايران فقد تعددت الرسائل الامريكية التي حملتها زيارة الرئيس المصري لها, فمن جهة هي رسالة مساومة امريكية تعلرض على ايران تعديل موقفها من الرئيس بشار الاسد, وليست زيارة الرئيس المصري هي المؤشر الوحيد هنا فزيارة بان كي مون ايضا تحمل نفس الاغراء, وهي ايضا تحمل تهديدا بمواجهة محتملة بين مصر وايران, كان مؤشرها الاشارة الى الخلاف المذهبي وايضا تحديد موقف رافض لاستمرارية الرئيس الاسد,
ان ما نقصده في هذا المقال هو الاشارة الى الدور الذي تلعبه مصر لصالح الولايات المتحدة الامريكية في صراع النفوذ المستعر بين الولايات المتحدة وبين الكيان الصهيوني, والذي باتت مؤشراته تتناثر بوضوح في التصريح السياسي الامريكي الرافض للتوقيت الصهيوني لشن هجوم عسكري على ايران, بل وفي اتخاذ اجراءات عسكرية محددة تعرقل( تخفيض حجم المساهمة العسكرية في المناورات العسكرية الامريكية الصهيونية المشتركة) والذي بات يتعدى توافق وتقاطع المصالح وارتقى الى درجة من التنسيق السياسي المشترك, والذي لا نعترض على اهدافه القريبة المنظورة, غير اننا نطلب من القيادة المصرية وقيادة السلطة الفلسطينية وكل قيادات مجتمعات المنطقة الحرص على ان يكون اطلاق النار جميعا على نفس الهدف يجب ان يكون من الخنادق الوطنية مستقلة, لا من الخندق الامريكي فقط.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟