أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - الصدفة في صنع الحضارة















المزيد.....


الصدفة في صنع الحضارة


وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 12:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعترف جميع الحضارات بتفوق الحضارة الغربية , حيث يستعير العالم تقنياتها ونمط حياتها واساليب لهوها وحتى ملابسها .ان ماخذ البلدان المتخلفة على البلدان الاخرى ليس سعيها لتغريبها وانما عدم اعطائها بالسرعة الكافية الوسائل التي تمكنها من التغرب s occidentaliser ان وجود حضارة عالمية هي واقعة فريدة في التاريخ . انتشار الحضارة الغربية سائر للامام ولكننا لانعرف نتائجه , هل ستنتهي الى تغريب كامل للكرة الارضية ؟ ام ستظهر صيغ توفيقية كما نرى ذلك بالنسبة للعالم الاسلامي , الهند والصين ؟ .
ان الانضمام الى نمط الحياة الغربية ابعد من ان يكون عفويا.انه ينتج عن غياب الاختيارات اكثر منه عن قرار حر . لقد قلبت الحضارة الغربية نمط حياة السكان الملونين , سواء بفرض نموذجها الغربي او باقامة الشروط التي تؤدي الى انهيار الاطر القائمة دون استبدالها بشيء اخر .
ان الشعوب المقهورة او غير المنظمة لاتستطيع اذن الا القبول بحلول الاستبدال التي تقدم لها .
يعتقد البعض ان اختراع صناعة الفخار ينتج عن نسيان كتلة من الطين قريبا من النار . هذه النظرة الساذجة تنتج عن جهل كامل لتعدد وتنوع العمليات المتعلقة بالتقنيات الاكثر بساطة .
ان اي صلصال غير ممزوج بجسم جامد, اختير بحكم ميزاته الخاصة ,لايعطي بعد التجفيف وعاء صالحا للاستعمال . يجب انجاز تقنيات القولبة التي تسمح بتحقيق هذه الدورة القوية والمحافظة على التوازن خلال وقت مقدر , وفي الوقت نفسه بتعديل جسم لين سريع العطب , واخيرا يجب اكتشاف الوقود الخاص وشكل الموقد ونمط الحرارة ومدة الاكتواء ( الشواء ) , التي تسمح بجعله صلبا ومانعا لتسرب السوائل , من خلال عثرات التكسر والتفتت .هذه عمليات معقدة لايمكن للصدفة ان تقود اليها . يوضح كاتب المثال هذا الامر بعملية صبغ وشواء الطابوق المزجج لبوابة عشتار ,حيث تقتضي البحث عن المواد والاصباغ التي تعطي اللون السمائي الشذري ويدخل في تركيب الالوان كثير من الاعشاب النباتية بكميات محسوبة بدقة وعملية خلط دقيقة ودرجة حرارة ثابتة للشواء . ان الصدفة موجودة بدون شك , ولكنها لاتعطي لوحدها اية نتيجة .طوال الفين وخمسمئة سنة , عرف العالم وجود الكهرباء , التي اكتشفت صدفة بلا شك . لكن هذه الصدفة بقيت عاقرا حتى الجهود الموجهة عبر افتراضات الامبير والفارادي . علينا ان نميز بعناية بين انتقال تقنية ما , من جيل الى جيل اخر , الامر الذي يحصل دائما بسهولة نسبية بفضل الملاحظة والتدريب اليومي , وبين خلق تقنيات جديدة او اتقانها داخل كل جيل .
وتفترض هذه دائما القدرة التخيلية نفسها والجهود الدؤوبة نفسها من قبل الافراد ايا تكن التقنية التي نملكها وليست المجتمعات التي نسميها بدائية , اقل غنى في العلماء مثل باستور وباليسي , من المجتمعات الاخرى .على الرغم من مقدار التخيل والاختراع والجهد الخلاق الذي يسمح لنا كل شيء بالافتراض بانه يبقى ثابتا تقريبا عبر تاريخ الانسانية ,فاذا كان هذا النسق لايحدد التبدلات الثقافية الهامة الا في بعض الحقب وبعض الامكنة .
اذ انه من اجل الوصول الى هذه النتيجة ,فان العوامل النفسانية المحضة لاتكفي ,لذا يجب ان تكون حاضرة مع توجه مماثل,لدى عدد كاف من الافراد لكي يتامن للخلاق جمهور , وهذا الشرط يتعلق هو نفسه باجتماع عدد مهم من العوامل الاخرى ذات طبيعة تاريخية واقتصادية واجتماعية . اذن من اجل تفسير الفروقات في مجرى الحضارات نصل بذلك الى التماس مجموعة من الاسباب معقدة جدا وغير متواصلة ابدا الى الحد الذي تصبح فيه غيرمعروفة , سواء لاسباب عملية او حتى لاسباب نظرية مثل ظهور اضطرابات متصلة بتقنيات الملاحظة , التي يستحيل تحاشيها.
وبالفعل , من اجل حل كتلة مؤلفة من من خيوط كثيرة العدد ودقيقة ,ليس علينا اقل من اخضاع المجتمع المعني (وكذلك العالم المحيط به ) لدراسة سلالية شاملة وفي كل الاوقات . وحتى دون التعرف لضخامة المهمة , فاننا نعلم ان علماء السلالات الذين يعملون مع ذلك ,على سلم اصغر الى حد لامتناه تحدد غالبا ملاحظاتهم التبدلات الدقيقة التي يكفي وجودها وحده لادخالها في المجموعة البشرية موضوع الدراسة . وعلى مستوى المجتمعات الحديثة , نحن نعرف كذلك استقصاءات الراي العام ,وهي احدى الوسائل الاكثر فعالية في التحقيق ,تغير اتجاه هذا الراي لمجرداستعمالها باعتبارها تضع امام المواطنين عامل التامل في الذات الامر الذي كان غائبا عنها . هذا الوضع يبرر ادخال فكرة الاحتمال في العلوم الاجتماعية ,تلك الفكرة كانت معروفة منذ وقت طويل في بعض فروع الفيزياء مثل فرع الطاقة الحراريةthermodynamique
ولكن يكفي الان ان تنذكر ان تعقد الاكتشافات الحديثة لاينتج عن تواتر اكبر او عن جاهزية افضل لدى معاصرينا . ولكن على العكس تماما , طالما عرفنا انه ,عبر الاجيال لايحتاج كل جيل , لكي يتقدم , الا لاضافة ادخار ثابت الى راس المال الموروث من الاجيال السابقة . اننا مدينون لهم بتسعة اعشار ثروتنا وربما اكثر .ان الزراعة نشات في مرحلة متاخرة تساوي 2 بالمئة من هذه المدة .اما مرحلة التعدين تساوي 0,7 % وتندرج الثورة العلمية الصناعية الكاملة للغرب في حقبة مساوية لنصف في الالف تقريبا من الحياة المنقضية للبشرية .
اظهرت الحضارة الغربية انها اكثر تجميعية من الاخريات , وبعدما تسنى لها راس المال النيوليتي الاولي نفسه,عرفت ان تضيف التحسينات (الكتابة الابجدية ,الحساب والرياضيات ) التي نسيت مع ذلك بعضها بسرعة . ولكن بعد ركود استمر الفين او الفين وخمسمئة سنة (من الالف الاول قبل التاريخ المسيحي حتى حوالي القرن الثامن عشر ) , تحولت فجاة الى مقر لثورة صناعية لم يكن لها معادل , بسبب ضخامتها وشمولها واهمية نتائجها , سوى الثورة النيوليتية وحدها .وبالتالي عرفت الانسانية , مرتين في تاريخها ,وفي فاصل يبلغ حوالي الالفي سنة , ان تكدس وفرة من الاختراعات الموجهة في الاتجاه نفسه , وهذا العدد من جهة وتلك الاستمرارية من جهة اخرى ,تمركزت فترة من الوقت قصيرة الى حد ما لكي تحصل التركيبات التقنية العليا , تلك التركيبات التي ادت الى تغييرات معبرة في العلاقات التي يقيمها الانسان مع الطبيعة .
ان مثل الثورة النيوليتية يجب ان يوحي للانسان الغربي ببعض التواضع بالنسبة للتفوق الذي يمكن ان يجري ادعاءه لمصلحة عرق او منطقة او بلد.
لقد ولدت الثورة الصناعية في اوربا الغربية ,ثم ظهرت في الولايات المتحدة الاميركية ومن ثم في اليابان , ومنذ 1917 م تتسارع خطى الثورة الصناعية في الاتحاد السوفييتي ( روسيا حاليا ) , وغدا ستبرز دون شك في امكنة اخرى , ومن نصف قرن الى اخر , تبرق بنار قوية الى حد ما في هذا او ذاك من مراكزها .نحن متاكدون ( والكلام لشتراوس ) ان مسالة الاولوية ليست ذات اهمية , وبالتحديد لان تزامن ظهور الانقلابات التكنولوجية نفسها ( المتبوعة عن قرب بانقلابات اجتماعية ) , في اقاليم شاسعة وفي مناطق متباعدة تظهر بشكلب جيد, انها لم تتعلق بعبقرية عرق واحد او ثقافة واحدة , ولكن بشروط عامة الى حد انها تقع خارج وعي الناس .لنكن متاكدين اذن ان الثورة الصناعية لو لم تظهر اولا في اوربا الغربية والشمالية ,لكانت ظهرت ذات يوم في نقطة اخرى من الكرة الارضية ) .
ان كل تاريخ هو تجميعي مع تمايز في الدرجة . ان الصينيين القدامى والاسكيمو قد تقدموا كثيرا في الفنون الميكانيكية ولم يكن امامهم سوى القليل جدا لكي يصلوا الى النقطة التي تنطلق منها ( ردة الفعل المتتابعة ) reaction en chaine حاسمة للعبور من حضارة الى اخرى . الجميع يعرف مثل بارود المدفع . لقد حل الصينيون من الناحية التقنية كل المشاكل التي كان يطرحها ما عدا مشكلة استعماله للحصول على نتائج كثيفة . ان موضوع الندرة النسبية لثقافات اكثر تجميعية بالنسبة لثقافات اقل تجميعية ينحصر في موضوع معروف يتعلق في حساب الاحتمالات . انها المسالة نفسها التي تقتضي بتحديد الاحتمالية النسبية لترتيب معقد بالنسبة لترتيبات اخرى من النمط نفسه ولكنها اقل تعقيدا .في لعبة الروليت , ان تتابع رقمين متسلسلين ( 7 و8 -12 و 13 ) على سبيل المثال سهل الحصول الى حد ما , اما رقم من الثلاثة فامر نادر , ورقم من اربعة اندر بكثير .وربما لاتتحقق الا مرة واحدة فقط في عدد مرتفع جدا من الرميات سلسلة من ستة او سبعة او ثمانية ارقام مطابقة للنظام الطبيعي للاعداد . واذا كان انتباهنا منصرفا الى مجموعة طويلة , تصبح المجموعات الاقصر مساوية بالنسبة لنا لمجموعات غير منتتظمة . ذلك يعني تناسي انها لاتتميز عن مجموعاتنا الا بقيمة جزء . واذا واجهناها من خلال زاوية اخرى فانها ربما تمثل انتظاما كبيرا مماثلا .ان لاعبا كان ينقل ارباحه كاملة الى مجموعات متزايدة الطول , يمكن ان يهن عزمه بعد الاف او ملايبين الضربات لم يحصل فيها ابدا على مجموعة من تسعة ارقام متتالية , لكن ربما استطاع لاعب اخر تحقيق النتيجة المطلوبة ولكن على مجموعات من نمط اخر ( نظام معين من التناوب بين الاحمر والاسود او بين المزدوج والمفرد ), مجموعات ذات معنى حيث لم يكن يرى اللاعب الاول الا الفوضى , فالانسانية لاتتطور في اتجاه فريد .واذا بدت في مستوى معين , سكونية او حتى تراجعية فذلك لايعني انها من وجهة نظر اخرى ,ليست مركز لتحولات مهمة .
ختاما يقول شتراوس : على الناس ان يتعاونوا لكي يتقدموا...وان تحترس الانسانية , من خصوصية عمياء تنزع الى قصر امتياز الصفة الانسانية لعرق ما او ثقافة ما ,او مجتمع ما ,وكذلك عدم تناسي ان اية فئة انسانية لاتملك صيغا قابلة للتطبيق على الجميع .
ان ضرورة المحافظة على تنوع الثقافات في عالم مهدد بالرتابة والتماثل , لم تخف على المؤسسات الدولية . ان ما يقتضي انقاذه هو التنوع , وليس المحتوى التاريخي الذي اعطته اياه كل حقبة . يجب الاصغاء للسنابل التي تنمو , وتشجيع الطاقات كافة ,وايقاظ كل الدعوات للعيش معا.
ان الطلب الملح الوحيد الذي نستطيع ان ندعو اليه في هذا المضمار , هو ان يتحقق هذا التنوع باشكال يكون كل واحد منها مساهمة سخية ضمن سخاء الاخرى .
على المودة نلتقيكم ..
المصدر
(العرق والتاريخ ) تاليف كلود ليفي شتراوس, ترجمة د . سليم حداد – ط4 -2008 م – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع-بيروت – لبنان .



#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفتيت المسيحية من الداخل , المورمون انموذجا
- شتراوس والاعراق والتاريخ
- هل هناك علاقة بين تنوع الثقافات والاعراق؟
- المشتركات بين ( الشلة ) وبين السياسي العراقي المعولم
- البغاء واسبابه
- موقف اباء وفلاسفة المسيحية من المراة
- المراة والملكية الخاصة والرجل
- تخلف الديانات من تخلف مجتمعاتها
- الاختلافات في الثقافات
- تصحيح الخلل في النفسية العراقية
- الامة العراقية والامة الكردستانية
- الكتلة التاريخية التي ستنقذ العراق- ج 2
- التعليم والمكتبات في سومر وبابل واكد
- الكتلة التاريخية التي ستنقذ العراق
- اغتيال ماركس على يد فؤاد النمري
- شريعة حمورابي ..ج 2
- شريعة حمورابي
- العبيد في المجتمع البابلي
- في الاخلاق الليبرالية
- سرجون الاكدي , رجل الحداثة والعلمانية الاول


المزيد.....




- محادثات أولية للمرحلة الثانية من اتفاق غزة ومبعوث ترامب يتوج ...
- الاحتلال يصعد عدوانه على الضفة ويهجر آلاف العائلات بجنين وطو ...
- الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا ...
- -ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي.. ...
- الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
- إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
- أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك ...
- سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو ...
- حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر ...
- مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد يوسف عطو - الصدفة في صنع الحضارة