بلعمري اسماعل
الحوار المتمدن-العدد: 3838 - 2012 / 9 / 2 - 14:55
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
التاريخ ليس رواية أدبية أبدعها الكتاب من وحي خيالهم و تراكمات تجاربهم و معارفهم, و لا هو مسرحية وزِّعت فيها الأدوار على شخوص وهمية وهب لها الكتاب أدوارها وفق ما يحلو لهم.
التاريخ علم يقوم على أساس فهم الروابط القائمة بين الوقائع التاريخية بمختلف أوجهها الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و السياسية.
أما تأويل تلك الوقائع فأمر خاضع إما لنوازع ذاتية قائمة على أسس عرقية عنصرية أو عقائدية مِلَلِية أو طبقية إجتماعية, و إما لمنطق عقلي موضوعي لا يمكن لأيٍّ كان الزعم بخضوعه له كاملاً من غير أن تكون للنوازع الذاتية حظٌ منه, و عليه فإني لا أزعم أن هذه المقالة خالية من أية نزعة ذاتية غير أني أؤكد أنها لا تقوم على أية خلفية غير علمية مسبقة.
قبل سرد الوقائع التاريخية المتعلقة بالهجمة الهلالية على الشمال الإفريقي في القرن الحادي عشر الميلادي يجدر بالذكر أننا في سياق حقبة تاريخية لم تعرف فيها البشرية قِيَّم عالمية موحدة و لا حدود سياسية معترف بها بين الأمم, و للحرب يومئذ قوانينها التي نتأفف منها اليوم لكنها في عرف أجدادنا جزء من طبيعة الحياة و سيرورتها.
بنو هلال و بنو سليم و الإسلام:
إن خير معبر عن ما عانته الدعوة المحمدية من الأعراب ما جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى ( الأعراب أشد كفراً و نفاقاً و أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)
لكن شر الأعراب الأعظم على الإسلام و المسلمين و بصفة خاصة أعراب بنو هلال و إخوانهم بنو سليم تجلى في أبشع صوره بعد إنقضاء الخلافة الراشدة, و كلا القبيلتين من نجد, و كانت مضاربهم بين الطائف و مكة و المدينة, و لطالما مر هؤلاء الأعراب في رحلات تجارتهم إلى الشام و اليمن ( رحلة الشتاء و الصيف) بأطراف المدينة المنورة فيغيرون عليها و يقطعون السبيل و ينهبون ما قدروا عليه, و اشتهروا بالحرابة إذ كانوا يترصدون الحجيج على شعاب مكة و المدينة فيُغيرون عليهم, و لطالما ناجزتهم الدولة العباسية فلم تُمَّكن منهم, و ظلوا على طيشهم حتى ظهرت فرقة القرامطة المتطرفة فوافقت أساليبها الإرهابية سجية أعراب بنو هلال و بنو سليم فانظموا إليها و أعانوها في دعوتها من غير أن يكون لهم منها قناعة, اللّهم سوى في أسلوبها, حتى تم لهم غزو مكة.
يقول ابن كثير في البداية و النهاية ج11, ص 159 :
(فلما قضى القرمطى لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج, أمر أن تدفن الموتى في بئر زمزم, و دفن كثير منهم في الحرم و في المسجد الحرام,.....و هدم قبة زمزم و أمر بقلع باب الكعبة و نزع كسوتها عنها و شققها بين أصحابه, .......ثم أمر أن يقلع الحجر الأسود, فجاءه رجل فضربه بمثقال في يده وقال: أين الطير الأبابيل, أين الحجارة من سجيل, ثم قُلع الحجر الأسود و أخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم و مكث عندهم إثنين و عشرين سنة حتى ردوه).
فلما تمادى القرامطة وطغى أمرهم نصب لهم الفاطميون الحرب, فأجلوا أغلبهم إلى صعيد مصر لإبعادهم عن البلاد المقدسة, و كان غالب من أُجلي من قبائل بنو هلال و بنو سليم و بعض حلفائهم و أشباههم من قبائل مضرية كهذيل وتميم وعنزة وقبائل قيسية كفزارة واشجع وعبس وعدوان وفهم.
و في صعيد مصر كما في بلاد الحجاز ظلت تلك القبائل على طباعها في الإغارة على الآمنين و و أعمال السلب و الحرابة و الإفساد, و شكلوا للحكم الفاطمي وجع رأس لا يطاق, فلا هم أهل سياسة يمكن جمعهم على أمر و لا قلة يمكن إستئصالهم و الإستراحة منهم للأبد.
و في بلاد المغرب حيث ظهرت الدعوة الفاطمية و اشتدت بسواعد الكتاميين خاصة نقل الحكام الفاطميون أمر الولاية على المغرب إلى خصومهم الصنهاجيين في إطار لعبة توازن مكيافيلية, و بالإجمال فإن شعورا بالجحود قد ساد البربر منذ أن نقل الحكم الفاطمي عاصمته إلى المشرق ( القاهرة), فقامت في بلاد المغرب ثورة على المذهب الإسماعيلي للدولة الفاطمية نادى فيها الناس بالعودة إلى المذهب المالكي السني, لم يجد فيها المعز بن باديس ( والي الفاطميين على بلاد المغرب) من سبيل إلا الإستجابة لها, فأبطل المذهب الإسماعيلي و نادى بالعودة إلى حضن الخلافة العباسية و قطع الخطبة للمستنصر الفاطمي و نادى بها للخليفة العباسي القائم بأمر الله.
فالشتد حنق المستنصر الفاطمي على المعز و قد كان خلع عليه لقب " شرف الدولة", و على عموم أهل بلاد المغرب, فاهتدى بمشورة من وزيره المحنك أبو محمد الحسن بن علي اليازوري إلى ضرب العدو بالعدو, و في مشورته مهارة سياسية جديرة بالتقدير, هكذا إذا بدأت الهجمة الهلالية على بلاد المغرب, و لم يحدد الخليفة الفاطمي لقبائل نجد أية قواعد حرب, بل أطلقهم على الشعوب المغاربية كعقوبة إنتقامية, و دغدغ غريزة السلب لديهم فقال لهم ( قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجي ،العبد الآبق ،فلاتفتقرون) فانطلقوا لا يهتدون بهدي و لا يرتدعون بوازع, (كالجراد المنتشر لا يمرون على شيء اٍلا أتوا عليه ) على قول ابن خلدون,
و في البلاد المغاربية تقاسم أعراب هلال و سليم أعمال التخريب, فانقضت بنو سليم على مدن ليبيا الشرقية ( برقة و سرت و أجدابيا) و خربتها عن آخرها, و كذلك فعل بنو عمومتهم الهلاليين بالقيروان و هي جوهرة مدن المغرب, و بقلعة بني حماد, و استحمكت فيهم شهوة القتل فأوغلوا في الدماء و احتلوا البوادي و قسموها بين بطونهم و حاصروا المدن و كمنوا الطرق بينها فلا يكاد يخرج منها أهلها إلا حصدتهم سيوف الأعراب و رماحهم, "ولم يبق اٍلا شرهم ممتدا وفسادهم على مر الزمان والدهور" ( ابن خلدون).
العبرة الأولى:
إذا كانت الحروب جزء طبيعي من حركية التاريخ, فالجدال لا يدور حولها بل حول مقاصدها و أساليبها, هناك حروب عادلة تخوضها الشعوب و الأمم للتحرر من الظلم و الهيمنة و دفاعا مشروعا عن النفس و المبادئ السامية التي تؤمن بها و التي يكون الإنسان جوهرها, و المتمعن في الهجمة الأعرابية على بلاد المغرب, يدرك بلا ريب أنها لم تكن حرباً بين أمتين مختلفتين في الملة و العقيدة, و لا بين دولتين متنافستين في الهيمنة الجيوسياسية, فتلك الهجمة لم تكن حرباً بين الدولة الفاطمية و المنفصلين عنها, لا هي كانت حرب دينية و لا إقتصادية و لا سياسية, بل مجرد نزعة إنتقامية استغلت الطباع العدمية البدائية في الأعراب لتشفي غليلها و تطهر بلادها من عنصر معادي للحضارة و غير قابل للتمدن.
العبرة الثانية:
إن القراءات التي يحاول بعض العروبيين تقديمها لهذه الحوادث التاريخية تحت عنوان " الهجرة الهلالية" ليست جريمة في حق التاريخ فحسب بل و إهانة لأرواح الأبرياء الذين ذهبوا ضحية الدفاع عن النفس و الشرف و الأرض ضد فئة باغية ضالة و ضد الهمجية الأعرابية التي عادت لتنتج نفسها في بلادنا تحت رداء الحركات الإسلامية المتطرفة المتصلة بالتراث الدموي لأسلافها بحبل متين و بفلسفتها الماضوية التي ترى في كل رأي قديم حكمة " السلف الصالح", فأمثال عثمان سعدي (الأمازيغي المستلب) و بن عيشة ( من بقايا الهلاليين في هذه البلاد) و غيرهما ممن لا يفرقون بين الهجرة وهي حركة جغرافية إنسانية سلمية و بين الغزوالذي هو عدوان مسلح, أباحو لأنفسهم الخلط المتعمد للمفاهيم خدمة لأيديولوجية عروبية تجاوزها التاريخ مثل ما تجاوزهم, و ما زالوا ينفخون فيها إلى اليوم بلا كلل مدفوعيين بصمت الطرف الآخر المهان في أرضه و تاريخه و ثقافته.
العبرة الثالثة:
إن تسمية الأشياء بمسمياتها, و تقديم الوقائع التاريخية كما هي بلا تجميل أو تشويه هو الكفيل الوحيد لخلق وعي ثقافي و حضاري للفرد الجزائري, الذي بلغ الحقد عليه بشخص مثل بن عيشة أن يفاخر في الصحف أنه سمى حفيده "زهيراً" على اسم قاتل الكاهنة, و لا تفسير لذلك إلا أن بلادنا لم تشفى بعد من البلاء الهلالي المفاخر بقيّم وحشية لا تمت للأسس الحضارية للإنسانية و للإسلام السمح بأي صلة.
#بلعمري_اسماعل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟