طيرشي كمال
الحوار المتمدن-العدد: 3836 - 2012 / 8 / 31 - 17:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عبد الرحمن بوقاف –مفكرا-
بقلم -كمال طيرشي-
توطئة
حري بنا و نحن نتقصى أهم انجازات المفكر الجزائري المعاصر , و ما جبلت عليه سريرته من همومية القلق الفلسفي و تداعياته , أو ما يتعلق بالمحاولات الجريئة التي خاض غمارها أولئك الذين تحروا الأصيل في ابداعاتهم الفلسفية برغم ميولهم النزوعية نحو الفلسفة الألمانية أو الفرنسية , و خطاباتها المؤدلجة التي خرجت من رحم مدارس فرونكفونية أو انجلوساكسونية معاصرة , مما جعل كثيرا من المفكرين العرب منهم و الجزائريون بوجه خاص يسيرون على نهج الوافد الجديد و مفاتنه و تنميقاته , متناسين ماهو أصيل نابع من مكنونات ذهنياتهم و عقلياتهم الفلسفية , و لنا في الأستاذ عبد الرحمن بوقاف –أنموذجا- لما هو أصيل برغم ما يقال في هذا الصدد من تبعية صارخة للعقلية الألمانية الهيدجرية منها أو الكانطية التنويرية , صحيح ان بوقاف سار وفق نهج الفلسفة الالمانية و اغترف من معين نبعها الرقراق , وله الحق في ذلك حاله كحال كل دارس منكب على الدرس الفلسفي و خطاباته العميقة , فكيف لنا أن نتقصى الأصيل في مشروعك الفلسفي يا أستاذ بوقاف وفق ماهو ماثل أمامنا من دراسات و بحوث خرجت من رحم المدرسة الجزائرية
بوقاف – مقدما و مشرفا
إنه لمن باب الحصافة و نحن نتتبع بوقاف مشرفا و مقدما في كثير حالات , ان نستحضر في اذهاننا تقديمه الرائع لترجمة عربية لإحدى محاضرات الفيلسوف الألماني –مارتن هيدجر- الشهيرة (( ماذا يعني التفكير ؟)) , هاته الترجمة التي عمدت إلى نقلها الى اللسان العربي احدى طالباته في قسم الفلسفة , و التي اختصت هي الاخرى في الفلسفة الألمانية .
تقديم عبد الرحمن بوقاف الذي كان مسترسلا و مطولا و يحوي في طياته القراءة الجديدة للفكر الوجودي الهيدجري وفق منظور يكتنه في جنباته نوعا من الأصالة و الجرأة أحيانا في تتبع سيرة هذا الوجودي و أهم الإرتباطات و التأثيرات و الايديولوجيات التي احاطت فكره و طبعته بطابع يكتنفه غموض وجودي ساحر قل مثيله عن كثير ترجمات و دراسات صدرت عن هيدجر و قل نظيرها , صحيح أن الفلسفة الهيدجرية سبق و أن تنسمنا عبقها مع اكاديميين كبار أمثال عبد الرحمن بدوي , لكن تلك المنظورية الخالصة التي قدمت لنا من لدن بدوي شابها نوع من الغموضية المبهمة حينا , أو النقل الدقيق لكتاب الكينونة و الزمان الهيدجري و نسبه إلى بدوي على سبيل الاستعارة قطعا.
إن هيدجر الذي يقدمه لك الاستاذ بوقاف هو ذلك الوجودي الذي نقرأ لكتاباته من جديد , و كأننا نحيط بفحواها لأول مرة , إنها قراءة اضفى عليها **بوقاف** شيئا من الأصالة التي لا نجدها إلا في ذهنيات كتابنا الجزائريين الذين اقتدروا على فقه فلسفة الوجود من مصادرها الحقيقية و منابعها , حيث كتب لها أن تكون .
في ما يقارب عن ثلاثين صفحة يجمل لك عبد الرحمن بوقاف فلسفة هيدجر , بلغة شاعرية , ساحرة أخاذة , و عميقة وفق تأملات فاتنة , و متناسقة , و منمقة دراسة غرفت من معين خبايا جوهر الفلسفة الهيدجرية ضمن المجال التاريخي التي سلكته , محاطة بشتى الإرتباطات و التفاعلات مع الفلسفة الألمانية و الكونية برمتها , تناول من خلالها هيدجر وهو لا يزال طالبا في علم اللاهوت , مستتبعا حديثه و اخذ بفكرها و بسلاسة الى المنحى الذين من خلاله اقتدر هيدجر على إنشاء فكرة *الدا—زاين*المشهورة , معرجا على السبب الركيز الذي جعله يحيد عن التزاماته كدارس لاهوت إلى الاخذ بهذا النوع من الفلسفة و اهتماماته العميقة بها , كما نبه الاستاذ بوقاف الى نقطة مهمة , اعتبرها البعض تهديدا صارخا و هالة احاطت بالعقلية الهيدجرية الا و هي الاعتراضات الشديدة التي سلطت عليه من لدن خصومه و و رفضهم المطلق لوجوديته سواء من خصومه الماركسيين الذين سخروا من فكرة الكينونة و الزمان و اعتبروا من خلالها أن هيدجر يرسم نهج الوجود بريشة فريدة المنحى (أي الوجود الأصيل) ألا و هي السير بإتجاه الموت ,أو حتى من لدن الوضعانيين المناطقة الذين وصفوا ميتافيزيقا هيدجر بالتأملية المزعومة خصوصا في قوله **أن العدم يعدم**.
دون أن ننسى الطريقة التي أعادنا بها عبد الرحمن بوقاف إلى الجانب المشرق من الهيدجرية ألا و هو الجانب اللاهوتي , و من بعض رجالاته الذين أثنوا على اللغة الهيدجرية كون لها اليد الطولى في فهم و قراءة النصوص الدينية قراءة تعبر و بجلائية عن تجربة تاريخية للكائن البشري .
بوقاف يجيب عن سؤال –لماذا بقيت الفلسفة في العالم العربي حبيسة لغتها ؟-
إن الفلسفة في عالمنا العربي اليوم تعيش نوعا من المفارقة عن كل ما هو واقعي , يمس بدرجة أولى الحياة اليومية و هموميتها لإنسان الواقع العربي , حتى و إن كان البعض لا زال ينظر للفلسفة بنوع من التعالي عن الواقعية , بحكم طبيعتها المجردة , و ذلك الكبت او الفوبيا التي يعانيها الفرد في مجتمعنا و من نظرة سلبية تمس بعض المشتغلين بالفلسفة , بالاضافة الى التبعية الصارخة لكل ما يأتينا من دراسات فلسفية وافدة من الغرب , و حالات الاحباط و عدم القدرة على الانتاج الفلسفي الاصيل الذي يقتدر على أن يجاري ركب الحضارة .
منظور عبد الرحمن بوقاف لهمومية هذا المشكل ؟
يؤكد الدكتور بوقاف على أن سبب نكوصية الفلسفة , و عدم نزولها الى واقع الناس الحياتي و بعث قضايا الانسان العربي المعاصرة , و محاولة ايجدا الحلول الراهنة , بما يتوافق و الذهنية العربية , هو أن عالمنا العربي لا يزال تحت وقع و ووطأة النص التراثي المقدس , الذي يكتسي طابعا محاكماتيا ينزع إلى ضرورة الإمتثال لتوافقياته و ضوابطه , لأنه مرجعية مكتملة تامة , لا يغالبها النقصان , بل هو نص منجز سلفا يحتكم للامتثالية و الطاعة , و معتبرا المفكر العربي لا تزال تطبعه النظرة الضيقة للعالم و محوره الوجودي في الكونية , كما أن في الصراعات و الصدامات الفكرية بين الأكاديميين و المفكرين عادت بالوبال على التفلسف في العالم العربي .
كما عرج الدكتور بوقاف على ضرورة التركيز و الاهتمام بتشخيص المشكل الفلسفي وفق تاريخانيته بعيدا عن أي تسرع لضرورة ايجاد الحلول التوافقية . ففي تشخيص المشكلة بعث و حث على ايجاد الإمكانات الفاعلة لحلها وفق صيرورتها عبر تاريخ **العقلية المفتكرة** .
كما أن المتأمل في تاريخية المشكلات الفلسفية التي تجابه العقلية العربية الاسلامية عبر التاريخ حري به ان تستوقفه ثلاث محطات رئيسية او محطات مصيرية تستلزم استدامة تفكير و عقل واعي بكنه كل لحظة و الوقوف بتمعنية جينويولوجية دقيقة. و هذه المحطات هي =
أولا – لحظة الوحي و النبي
يعتبرها الدكتور بوقاف لحظة يكتسيها الجانب أو البعد الخوارقي المبني على الإبداع (( العقلية المبدعة المتمثلة في شخص انموذجي , معصوم من الخطأ , و مبعوث من الإله , و مبشرا و نذير جاء بما هون خارق للواقع المادي (( المعجزات الإلهية )) , و يتنزل عليه الوحي من السماء ,و يخبر الناس بما كان و بما هو ات .
ثانيا- لحظة رجل الدين
اعتبرها الدكتور بوقاف لحظة غربة (( و محاثية للواقع الملموس)) و هي لحظة فارقة في تاريخية الفكر العربي الاسلامي ، حيث عمد " رجل الدين " الى الانهماكية نحو تاسيسية تفسبر النص المقدس ، وظهرت على اثرها سنة الاختلاف وتضارب الوجهات وتباين النزعات والتصورات الذهنية حول النص المقدس انبجست على حد وصف الدكتور بوقاف نزعة "تحجر العقول " او ما يطلق عليه في عرف الفلاسفة ب "الدوغمائية ، الوثوقية ، التزمتية " او ان صح التعبير = نزعة التعصب الديني والطائفي والعقائدي ....الخ
ثالثا-لحظة الإنسان المفكر
يصرح عبد الرحمن بوقاف قائلا بأن هاته اللحظة الختامية **الثالثة** , لم يكتب لها التجلي و الانبجاس بعد , و العلة في ذلك مردها إلى السيطرة التي طالت ذهنية العربي المسلم , من لدن اللحظة الثانية **اي لحظة رجل الدين** أو ان جاز أن نطلق عليه مجازا تسمية (( الكنيسة الإسلامية )) وسيطرتها الكبيرة على سيرورة و صيرورة (( الأنا المفتكرة)) في عالمنا العربي بإسم الدين المقدس.
و هنا يقف الأستاذ بوقاف وقفة المشدوه المترقب و العقل الامل بتحقق نبوءاته حول سيادة (( الإنسان المفكر )) في نهاية المطاف .
#طيرشي_كمال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟