|
وثيقة حزب دعم اليسار الاسرائيلي – من اتفاق اوسلو لخطة شارون
هداس لهب
الحوار المتمدن-العدد: 1117 - 2005 / 2 / 22 - 10:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
(مقتطفات من وثيقة الاجتماع العام السادس لحزب "دعم"، حزيران 2004) في نهاية الثمانينات، بعد حرب لبنان ومع اندلاع الانتفاضة، انسحب حزب "مبام" من حزب العمل واسس مع حزب "راتس" برئاسة شولميت الوني، حزب "ميرتس". توحيد الحزبين خلق ديناميكية جديدة مكّنت اليسار الاسرائيلي الصهيوني من التحول لعنصر مؤثر في الساحة السياسية لاول مرة في تاريخه.
علو نجم ميرتس في بداية التسعينات كان تعبيرا عن الدور القيادي الذي لعبه اليسار الاسرائيلي في النضال ضد الاحتلال. الازمة التي يمر بها ميرتس اليوم، تفككه واندماجه بحزب "ياحد"، تعبر عن الطريق المسدود الذي وصله معسكر اليسار. فقدان البرنامج السياسي يدفع هذا المعسكر للانجرار وراء كل مبادرة، سواء اتى بها اليسار او اليمين.
قطع حزب ميرتس شوطا طويلا منذ انتخابات 1992. في تلك الانتخابات حظي ب12 مقعدا بفضل دعم عناصر في حزب "شينوي"، وتحول بذلك لثالث اكبر حزب في الكنيست. غير ان البديل الذي يقترحه ميرتس لحزب العمل، ضعيف وغير جاد. لماذا فشل ميرتس في طرح برنامج بديل لحزب العمل؟ كيف قاد نفسه للانتحار السياسي، وقضى في نفس الوقت على اليسار الاسرائيلي بشكل عام؟
نجيب على هذا السؤال اليوم، ونحن نتوجه للعناصر الاكثر تقدمية في اليسار الاسرائيلي، الساعية بصدق للسلام والمؤمنة بالمبادئ الاشتراكية والمساواة.
في مراحله الاولى كان ميرتس عنوانا لجمهور عريض ملّ من الاحتلال وبحث عن طريق للتحاور مع الفلسطينيين. وشكّل الحزب محورا مهما في النضال ضد الاحتلال، نشط في الكشف عن جرائمه، دعم شعار "دولتين لشعبين" واعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. بفضله، بدأ النضال ضد المستوطنات، وتم تأسيس منظمة "بتسيلم" لحقوق الانسان في المناطق المحتلة. ربط ميرتس مصيره السياسي باتفاق اوسلو، كان خطأه الاساسي. فقد ادى انهيار اتفاق اوسلو الى انهيار ميرتس، ولكنه مع هذا لم يُجرِ اية مراجعة ولم يعترف ابدا بخطئه.
الوقائع كانت كفيلة بكشف الحقائق: في الانتخابات التي اجريت عام 1992 حصل ميرتس على 12 مقعدا، وفي الانتخابات الاخيرة عام 2003 هبط الى ستة مقاعد. استقالة يوسي سريد من رئاسة الحزب، دون الاعلان عن الوريث، كانت اعترافا واضحا بالفشل.
تأسس ميرتس، كما اسلفنا، عشية انتخابات 1992. وكان عبارة عن دمج ثلاثة احزاب يسارية صهيونية ذات افكار مختلفة ومتضاربة، هي "راتس" التي جاءت بمفاهيم حقوق المواطن وفصل الدين عن الدولة والميول المعارضة للتوجهات العسكرية؛ "مبام" التي حملت مشاعر وطنية واشتراكية؛ وقسم من "شينوي" الليبرالي والمتمسك بالمبادرة الحرة. لرئاسة القائمة الانتخابية الجديدة انتخبت شولميت الوني.
وضع ميرتس المقاعد ال12 التي حصل عليها، في خدمة حكومة يتسحاق رابين التي لم تتمتع الا باغلبية صغيرة، مدعومة من الكتلة المانعة التي وفرها الحزبان العربيان، الجبهة والعربي الديمقراطي. تذرع ميرتس بانه لا يمكن الحصول على اكثر مما حصلنا عليه من حزب العمل، وذلك كي ينعم بالمناصب والامتيازات التي ضمنها له الحزب الحاكم.
بهدف ملاءمة نفسه للاجماع، تنازل ميرتس في قضايا مبدئية، الامر الذي اضر بمكانته كممثل وحيد لليسار في اسرائيل. من ذلك مثلا قبوله بالمشاركة في الائتلاف مع حزب المتدينين اليميني "شاس". لتبرير هذه الخطوة ادعى ميرتس ان حكومة مع شاس افضل من حكومة مع الليكود، الامر الذي لم يكن مقبولا على كثيرين من مؤيدي ميرتس. من هذا الموقف استفاد لاحقا تومي لبيد، عندما قاد حزب شينوي تحت شعار: الليكود افضل من المتدينين.
تنازل آخر من ميرتس كان الموافقة الصامتة على قرار حكومة رابين ابعاد 400 من نشيطي حماس الى مرج الزهور في لبنان، في كانون اول (ديسمبر) 1992. وكانت النتيجة ان ميرتس عزل نفسه عن الجمهور العربي في البلاد، حتى وصلت العلاقات بين الطرفين للقطيعة في انتفاضة اكتوبر 2000.
انضمام ميرتس لحكومة رابين عام 1992 على اساس اتفاقات اوسلو، كان يعني تنازل الحزب عن موقفه اقامة "دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل". وعمليا منح ميرتس الحكومة غطاء يساريا لاجراءات انتهت بفشل الاتفاق، وقادت لدوامة الدماء المستمرة منذ اربع سنوات.
ميرتس والاجماع
منذ توليه رئاسة ميرتس، قاد سريد خطا يمينيا بحثا عن الاجماع الاسرائيلي. برز الامر في حدثين رئيسيين حسما مصير اليسار الاسرائيلي، اولهما اغتيال رابين والثاني انتفاضة اكتوبر:
اغتيال رابين في تشرين ثان 1995 كان اعلان حرب من اليمين على اليسار الاسرائيلي. ولكن اليسار لم يكن جاهزا للرد. بعد مقتل رابين مر حزب العمل بتحول كبير باتجاه اليمين. في مواجهة هذا التحول اثبت ميرتس فشلا في طرح استراتيجية بديلة معارضة، فتحول الى فضلة لا وزن لها.
الحدث الثاني كان الانتفاضة، التي كانت مقدمتها تجاهل براك للعرب، مع انهم دعموه باغلبية ساحقة ومكنوه من الفوز في انتخابات الرئاسة عام 99. فقد اختار براك التحالف مع حزب المستوطنين "المفدال" ثم توجه لميرتس، دارسا العبر من اخطاء رابين الذي دفع حياته ثمنا على ارتكانه على العرب.
مشاركة ميرتس في الائتلاف، رغم موقف براك العدائي من العرب، زاد احباط الجماهير العربية من كلا الحزبين، لشعورها بفقدان حليفها في المجتمع الاسرائيلي. بقاء ميرتس في الائتلاف الحكومي حتى بعد اعلان براك مسؤولية حكومته عن قتل 13 مواطنا عربيا، كان اشارة الى تخلي ميرتس عن الراية الايديولوجية الاساسية، وهي السعي للسلام مع العرب والدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
برنامج ميرتس لانتخابات 2003 لم يميّز بين الاحتلال والمحتل. دون حياء، يضع برنامج ميرتس حكومة شارون والقيادة الفلسطينية في نفس الخانة، ويتهمهما بالمسؤولية عن تدهور الاوضاع. وينسجم هذا مع موقف الاغلبية في اليسار الاسرائيلي الذي لم يعد يرى في الفلسطينيين شريكا.
مشاركة ميرتس في حكومة العمل مع شاس ثم مع المفدال، افسحت المجال واسعا لصعود حزب شينوي العلماني، الذي سدد ضربة قاصمة لميرتس. الطابع الاشتراكي الديمقراطي الذي تميز به ميرتس، مثل المطالبة بدولة رفاه متقدمة، اقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل، تفكيك المستوطنات، فقد جاذبيته. شينوي عبر بطريقة افضل عن الميول اليمينية المعارضة للعرب، وعن التعصب القومي الذي انتاب شريحة البرجوازيين الصغار والاشكناز.
من ميرتس الى "ياحد"
وصل ميرتس لانتخابات 2003 ضعيفا. هبوطه الى ستة مقاعد قاد لاستقالة يوسي سريد من رئاسة الحزب. الى هذا الفراغ القيادي دخل يوسي بيلين، دون منازع. الخط الاحمر المشترك بين بيلين وسريد كان رفضهما الدخول في حكومة وحدة مع الليكود، والاستعداد بدل ذلك للتحالف مع المتدينين. الفرق بين الاثنين يتعلق بالموقف من الفلسطينيين، ففي حين يصر بيلين على وجود شريك للحوار، يصر سريد على العكس.
تشكيل ميرتس مع بيلين حزب "ياحد" كان رهانا انتخابيا غير مضمون. فقد فضل ميرتس حلّ نفسه وخلق اطار سياسي جديد بهدف "التخلص" من الصفة اليسارية المعارضة التي التصقت به. ويعترف بيلين بهذا، اذ يقول: "لم يكن هذا القرار بطلب مني. اقتراح اقامة جسم اشتراكي ديمقراطي جديد جاء اصلا من حاييم اورون ويوسي سريد اللذين توجها الي. لم تكن لدي اية مشكلة في الانضمام لميرتس، ولكن يبدو ان الناس داخل الحزب توصلوا الى استنتاج ان الحزب استنفذ نفسه." (الصحيفة المحلية "كولبو"، 13 شباط 2004)
نظرية يوسي بيلين بسيطة، وتعتمد على امكانية زيادة نفوذ ميرتس على حساب حزب العمل، يقول: "اذا قرأت الاستطلاعات حول الموقف من السلام في "هآرتس"، تجد ان هناك 40% يدعمون اوسلو، وفقط 5% يدعمون ميرتس. بالامكان التوجه إما الى ال5% او التفكير في الفارق بينهما وهو ال35%. انا اؤيد التوجه لاقناع ال35%." (المصدر السابق)
السؤال المثير بالنسبة لاتفاق جنيف ليس ما الذي يتضمنه بل ما الدافع وراءه. بيلين ورفاقه يراهنون على احتمال وقوع ازمة، بعد انهيار رؤية شارون-بوش للشرق الاوسط الجديد. شارون متورط في حكومة لا تمكّنه من تنفيذ اية خطة سياسية، وبضمنها خطة الانفصال الاحادي الجانب. بهدف تنفيذ خطته الخطيرة، سيكون على شارون تفكيك حكومته، وسيحظى بدعم من حزب العمل.
بيلين وياسر عبد ربه يعرفان ان احتمالات تطبيق خطتهما غير واردة اليوم. مع ذلك، يحتاج بيلين الى حزب يرفع راية المفاوضات. ومن غير المؤكد ان يوفر حزب "ياحد" لبيلين امكانية تحقيق ما يريد، فمعظم الاعضاء فيه يئسوا من ايجاد شريك فلسطيني. من هذه الناحية، يمثل يوسي بيلين جناح الاقلية في حزبه الجديد. يوسي سريد، الغريم المحتمل الذي يهدد رئاسة بيلين للحزب، لم يسارع لدعم مبادرة جنيف، فهو لا يرى في الفلسطينيين شركاء، منذ دعمهم للعراق في حرب الخليج الاولى.
احد التناقضات في جنيف تكمن في استثنائهم العرب مواطني اسرائيل، من دائرة صنع القرار. المعلّق نظير مجلي كتب عن اصحاب مبادرة جنيف في صحيفة "هآرتس" (5/12/2003): "لقد قاموا بعمل رائع: وفي كل مرة ضموا للمفاوضات شخصية هامة اضافية، تمكنوا من توسيع الصفوف... فقط عرب اسرائيل غابوا عن اذهانهم، كما لو انهم ليسوا مواطني الدولة".
بلا ايديولوجيا يسارية
لادراك التناقضات في نهج اليسار الاسرائيلي، علينا التدقيق اولا في انتمائه الطبقي. من الناحية التاريخية، التركيبة الاجتماعية لليسار الاسرائيلي تعتمد على الطبقة الوسطى المنقسمة لقسمين: الاغلبية الساحقة يمينية، وينتمي بعضها لليكود والبعض الآخر للعمل. والاقلية هي من اصحاب الموقف الليبرالي، وهم منقسمون بين يسار حزب العمل، حزب شينوي وميرتس.
النواة الصلبة لليسار الاسرائيلي مكوّنة من المثقفين، اعضاء الكيبوتسات، طلاب جامعيين، ومجموعات ثانوية مثل مناصري البيئة، اللوطيين والنباتيين. هذا الجمهور تابع للاجماع الصهيوني وبعيد كل البعد عن اية رؤية عمالية، ومعزول عن الشرائح الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي.
ثقافة هذه الشرائح هي ثقافة ما بعد الحداثة (postmodernism)، بمعنى انها تموّه الفروق بين الخير والشر، لا تلتزم باي موقف، تعيش دائما في ظل النظام الرأسمالي وتتغذى من ميزانياته، رغم انها احيانا تنتقده.
بسبب غياب الرؤية الاشتراكية الطبقية، يبقى اليسار الاسرائيلي والاوساط التي لا تعتبر نفسها صهيونية، معرضين لضغوطات دائمة من المجتمع الاسرائيلي الذي يعيش مستوى معيشة مرتفع والمتعصب قوميا والمنعزل. ويعيق هذا الواقع امكانية اليسار طرح اجندة اجتماعية مستقلة.
في الاوساط الاكاديمية تبلورت في العقدين الاخيرين ظاهرة نقدية مميزة، خاصة في قسمي التاريخ وعلم الاجتماع. المجموعة الابرز بين هؤلاء تلك التي تسمي نفسها "المؤرخين الجدد". هذه المجموعة قادت فكرا متجددا ونقديا تجاه سياسة اسرائيل بحق العرب منذ عام 1948. في الاجواء التي سادت اليسار بعد اتفاق اوسلو، لم تعد هذه المواقف مقتصرة على اوساط اكاديمية، وطرحت على جدول العمل الجماهيري. كانت هذه مقدمة لتكوّن مصطلح جديد في اوساط اليسار، هو "ما بعد الصهيونية".
اسم الظاهرة "ما بعد الصهيونية" يشير الى انها لم تنفصل عن الايديولوجيا الصهيونية، ولا تدخل في مواجهة مع مبدئها الاساسي وهو الدولة اليهودية. لذا، ورأسا بعد انهيار اتفاق اوسلو وبدء العمليات الانتحارية، عاد اصحاب نظرية ما بعد الصهيونية الى حضن الاجماع الصهيوني، وتراجع المؤرخون الجدد الى مواقف يمينية، مما دل على افلاس المثقفين اليساريين.
نبي تيار "المؤرخين الجدد"، البروفيسور بيني موريس، اثار ضجة كبيرة عندما صرح مؤخرا بدعمه لطرد عرب ال48، ومعارضته للتسوية مع الفلسطينيين. في محاولاته لرد الحملة على تصريحاته، فسر موريس موقفه بالقول: "للاسف، تدمير اسرائيل وعودة اللاجئين تحولا الى عنصر مهم في الهوية الفلسطينية، وطالما ان هذا العنصر قائم فلا مجال لتسوية تاريخية." (ملحق هآرتس، 23/1/2004)
في مقال بعنوان "ما بعد الصهيونية: هل ماتت ام جُمّدت؟"، يؤكد الدكتور توم سيجف، من المؤرخين الجدد، افلاس نظرية ما بعد الصهيونية: "اعتقد ان وضع ما بعد الصهيونية سيعود، بل سيعود بكل قوة حتما، وذلك عندما نسوّي علاقاتنا مع الفلسطينيين. لا مجال الآن للتوصل الى حل للنزاع. انا لا اعرف كيف يمكن حله، كما ان "ما بعد الصهيونية" لا تلتزم بالتوصل الى حل".
يسار بلا عرب
اليسار الاسرائيلي لا يُعتبر يسارا بالمعنى المتعارف عليه، واحد الاسباب لذلك موقفه من العرب. فقد كان هذا اليسار دائما وابدا يسارا بلا عرب. ولا يعني هذا ان العرب لم يشاركوا في احزاب اليسار، ولكن معظمهم كان من اصحاب المصالح السياسية ونشطوا في الوسط العربي ومثّلوا قطاعات نخبوية، بحثت عن امكانيات الاندماج في المجتمع الاسرائيلي.
خلافا لحزب العمل الذي بنى قوته في الشارع العربي اعتمادا على العملاء، بحث حزب "مبام"، وميرتس عن العناصر المستقلة والنظيفة في الوسط العربي. منذ النضال ضد الحكم العسكري في الستينات، واثناء الحركة ضد الحرب في لبنان، حاول هذا اليسار تقديم نفسه على انه معارضة معتدلة لسياسة الحكومة، ولكنه توخى الحذر من الاقتراب للمعارضة الراديكالية التي مثلتها منظمات واحزاب كالجبهة، الارض وابناء البلد.
علاقة اليسار الاسرائيلي بالمواطنين العرب، جاءت من منطلق استعلائي. فقد سعى لترويض العرب واخضاعهم للاطر الصهيونية، وحاول ان يفسر لهم دوافع الحركة الصهيونية والفوز بثقتهم. من ابرز العلامات على استعلاء اليسار هي عدم اتقان عناصره للغة العربية. كما بقي اليسار على مر تاريخه معزولا عن العالم العربي، عن ثقافته، وعن التيارات السياسية التقدمية فيه.
اليسار الاسرائيلي بقي غريبا وبعيدا عن اليسار الفلسطيني ايضا، الذي كان جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية. فقد حكم اليسار الاسرائيلي على الحركة الفلسطينية وحدد علاقته بعناصرها المختلفة، حسب معيار دعمها او معارضتها لوجود اسرائيل. ولم يطور معسكر اليسار اي فهم جدلي للقضية الوطنية الفلسطينية، ولم يجتهد لادراك تناقضاتها الداخلية. لذلك سقط بسرعة في فخ الاعتماد على التيار الموالي لامريكا في منظمة التحرير الفلسطينية، والذي، كما بات معروفا، قاد الشعب الفلسطيني الى الحضيض.
ان استعداد منظمة التحرير لتوقيع اتفاق اقترحه الامريكان واسرائيل، اعفى اليسار من المسؤولية عن الضرر الذي سببه الاتفاق للشعب الفلسطيني، بحجة ان قيادته قبلت. لكن الاعتماد على "الشرعية" التي اعطاها الفلسطينيون للاتفاق، اتضح كمبرر لا اكثر عندما دعم بيلين وحزب "ياحد" خطة الانفصال الاحادي الجانب التي لم تحظ بدعم عربي ولا فلسطيني.
عشية سفر شارون الى واشنطن في 14 نيسان (ابريل) 2004، نشر بيلين باسم مبادرة جنيف دعاية داعمة لشارون تناشده تطبيق خطته دون وجل. قبول "ياحد" لمخطط الانفصال الاحادي الجانب هو استمرار لدعم اليسار للجدار الفاصل ايضا. انجرار اليسار الاسرائيلي وراء المخططات الاحادية الجانب، او لاجزاء منها، يشير الى التحول في المناخ العام في اسرائيل، وبين اليسار ايضا: من تفاؤل واستعداد للتسوية الى استنتاج بانه ليس هناك شريك والمهم هو المصلحة الاسرائيلية فقط.
في حضن الهيمنة الامريكية
اليسار الاسرائيلي يعاني خللا ايديولوجيا، فهو يدعم بشكل غير مشروط استراتيجية امريكا في الشرق الاوسط. خلافا لحركات اليسار في العالم، لا يتمسك اليسار الاسرائيلي برؤية معارضة للرأسمالية والاستعمار. بالعكس، يرى في الولايات المتحدة المثال المطلق للديمقراطية ويدعم كل سياساتها، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الاوسط.
في الستينات ازدهرت الحركات الاحتجاجية، فكانت منها الحركة ضد الحرب في فيتنام وضد الحرب الباردة. اما اليسار الاسرائيلي في تلك الفترة فتبنى مواقف معارضة للاتحاد السوفييتي، وابتعد عن كل حركة معارضة للامبريالية بما فيها اليسار الفلسطيني.
اكثر من ذلك - ميرتس يرى نفسه جزءا من النظام العالمي الجديد والاقتصاد العالمي. برنامجه يتحدث عن "العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة" وعن ميزات العولمة: "الاقتصاد العالمي وتطورات العولمة قادت الى نمو اقتصادي حقيقي، خاصة في نهاية التسعينات في انحاء العالم وفي اسرائيل على وجه الخصوص." (برنامج ميرتس 2003)
سبب اضافي للهفة اليسار الصهيوني لدعم كل خطة امريكية، بما في ذلك الحرب على العراق، هو الاعتقاد بان القوة التي ستفرضها الدولة العظمى الاولى في العالم، ستضطر الفلسطينيين اخيرا للمساومة وقبول الاملاءات الاسرائيلية. بشكل عام، يعتبر اليسار معزولا عن اي نضال تقدمي من اجل العدالة الاجتماعية في العالم، خاصة اذا تعارض هذا النضال مع المصالح الضيقة الاسرائيلية او الامريكية.
اذا قارنّا بين مواقف ميرتس قبل عشر سنوات وبين مواقفه اليوم، نلاحظ تراجعا حادا. ويقودنا هذا للاستنتاج بان اليسار الاسرائيلي هو ظاهرة غير مستقرة: ففي حالات المد الثوري، يمكنه دعم الحلول الراديكالية، اما في اوقات الازمة، فانه يسعى للعودة للاجماع في اطار القومية الاسرائيلية المتعصبة، كيلا يفقد الامتيازات التي يمنحها له قربه من المؤسسة الحاكمة.
هذا الفراغ في ساحة اليسار يعزز نفوذ اليمين، ولكنه في نفس الوقت يخلق امكانية لبروز ظواهر جديدة، مثل رفض الجندية. مبدأ رفض الجندية الذي يرفضه ميرتس بشكل مطلق، تحول الى امر واقع، ولكن بسبب غياب اي اطار بديل بقي ظاهرة هامشية وغير منظمة، مصيرها مثل مصير اليسار الاسرائيلي، متعلق بنمو عنصر سياسي ذي ثقل يكون قادرا على ان يحل محل ميرتس الذي يعجز عن القيام بدوره.
#هداس_لهب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة الانفصال - اليسار الاسرائيلي ينفذ عملية انتحارية
-
امين عام الحزب الشيوعي الاسرائيلي النائب، عصام مخول، حول تأس
...
-
اسرائيل تخاف من فعنونو حرا
-
الجدار الفاصل باقة الشرقية بين الارض والسماء
-
الجدار الفاصل باقة الشرقية بين الارض والسماء
-
الفاشية الابن الشرعي للرأسمالية
-
شبح الفاشية يطوف سماء اوروبا
-
The Caretaker "مدبر المنزل" في حيفا ...هوامش المجتمع.. مرآته
-
قانون الارهاب يضرب حقوق الانسان الامريكي
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|