نبيل بلحسين
الحوار المتمدن-العدد: 3834 - 2012 / 8 / 29 - 20:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أي عصر نحاول أن نصنعه على أسس تقاليد ترتبط ارتباطا جذريا بالإستبداد ؟ ، إنه من غير اللائق على وجه الإطلاق أن نقيم في عز الحداثة والديمقراطية حفل تذليل بقيمة وكرامة الإنسان ، هل بهذا الشكل نريد أن نصنع المواطنة ، إن انحناء الرئوس وصعودها ليس دليلا على الولاء ، ولا يمكن أن يكون كذلك ، إن ما يشعر به المواطن البسيط ، هو أن العالم تغير من حوله ، وأن عصر التقاليد والقيم قد تغيرت ، وقد ثم انحلال كل شيء ، وحل عصر العولمة والفكر ، ذلك لأن أفعاله تُرفض باستمرار باسم ذلك التغيير ، لكن الأمر مختلف تماما ، إن ما يمثل العولمة لدينا هو في عمقه تقاليد ليس إلا ، فتهديد الكرامة ليس سوى قيمة من قيم الإستبداد لا يحاسب عنها القانون ، لأنها تنتمي إلى تقاليد ومراسيم حداثية تقام باسم الدين ، وباسم القانون المدني ، إن وثيقتنا مع الطبيعة ، أقصد تلك التي هي العقد الإجتماعي ، لا زلنا نوقع عليها ، لكن في كل مرة تقل فيها كرامتنا ونزداد ذلا ،إننا ندعي من خلال جملة المؤسسات الإجتماعية والإعلام بأننا في وطن حداثي، على الرغم من أن الشروط الأولى للحداثة تتصف بالتحرر ، وبإرادة الإختيار ، ولا يمكن على الإطلاق أن نصنع وطنا ديمقراطيا جديدا إلا وفقا لهذه الشروط ، ولا يمكن أن نسيء إلى وطن إلا إذا أسئنا إلا مواطنيه ، إلا كرامتهم وإلا قيمتهم ، إننا في الحقيقة نتغنى بالإستبداد وليس بالحداثة ، إن تكريس ممارسات تعود إلى أزمنة قد مضت منذ عهود باسم الدين ، هي ممارسات تتناقض مع قيم الحداثة ، وتذكر بسنوات رافقت سنواة الجمر والرصاص ، إن التعاقد ما بين الدولة والشعب إنما يتم عبر دستور ديمقراطي يزكيه الشعب في استفتاء حر ونزيه ويمر في إطار احترام كرامة المواطنين ، ولا يمكن أن يقوم إلا في هذه الحدود ، إذا ما كنا نريد بالفعل تزكية الفكرة القائلة " بأن المغرب بلد حداثي " أما إذا صرحنا حقيقة بأننا لا زلنا لم نبلغ الحداثة فهذا أمر لا يشكك فيه ثلة المثقفين ولكن يجب كذالك أن يصرح به من لدن مؤسسات ، حتى نستطيع وتستطيع هي كذلك معنا أن تبرر ارتباط ممارساتها بالإستبداد ، وأن يكون عامة المواطنين على وعي بذلك ، إن ما يصنعه الإعلام أحيانا ليس سوى تزييفا للحقيقة ، وهذا التزييف لا يكمن أن تقوم عليه سوى حداثة معاقة كليا .
لكن هناك بعض الأقاويل يستنتج من خلالها بأن مراسيم الإستبداد لا يمكن الإستغناء عنها باعتبارها جزء من منضومة دينية ورمزية للبلد ، وهذا لا يمكن قبوله كمبرر لأن التقاليد التي لها علاقة بالإستبداد هي تقاليد لا تربي على المواطنة ، ولا نستطيع من خلالها بناء مجتمع ديمقراطي نحافض من خلاله على حرية وكرامة وقيمة الإنسان المواطن.
إن المواطنة عبارة عن اختيار حر وواعي ، يقوم على أساس منظوماتي ، تحكمه قوانين وحقوق وواجبات ، إنه تعبير عن مساواة الأفراد ، وعن حبهم وولائهم للوطن ، لذلك فالمنتظر من الوطن نفسه - أقصد كل المؤسسات الإجتماعية - أن تبادل هذا المواطن نفس الشعور ، أن تحتكم وإياه إلى شروط وقوانين المواطنة ، وهي الإحترام والكرامة والمساواة ...إلخ.
إننا نخبر بهذا ليس لأن لدينا مشكل مع التقاليد أو القيم أو الممارسات أو الإعتقادات ، ولكن عندما يتحول هذا التقليد إلى إهانة ممنهجة يحكمها قانون ودستور ، فهذا أمر لا يمكن لعاقل أن يقبله ، لأنه أمر مرفوض سواء من خلال منطق العقل أو منطق الدين فهو لا يسمح بأي ممارسات يتم من خلالها تهديد كرامة الإنسان ، وأظن أن الأولى بالحديث عن هذه الأمور التي تهدد قيمة الإنسان هم المفكرين المغاربة ، ولكن للأسف هم منشغلون بمواضيع مستوردة من دول " الغرب "هذا ليس حكم قيمة ، ولكنه في الحقيقة واقع نعيش مأساته قولا وعملا ، بالإضافة إلى أنني أستغرب كيف لموضوع ذوا أهمية كهذا لا يجد لنفسه حلقة ضمن مسلسل الإصلاحات التي تستهدف بدورها تغيير شعائر وممارسات وقيم وأوضاع من سيء إلى أسوء ، حسب تغيير المفهوم فقط والإحتفاض بالدلالة .
إن مأساة هذا الوطن ليست هي مشكلة تحية أو ولاء ، إنها مشكلة قيمة وكرامة ، مشكلة تحقيق العدالة والديمقراطية ، يجب أن يكون لدينا وعي تام بأن الإنسان هو غاية في ذاته ، ويجب أن نعامله انطلاقا من هذا التصور ، أما أن نجعله عبدا وأن نستبد حريته وكرامته فهذا لن يحقق الوطنية ولا الحداثة . أن نجعل الفرد مواطن معناه أن نتيح له إمكانية التحرر وإمكانية الإختيار ، لأن المواطنة ليست فطرة توجد معنا وإنما هي قيمة نحصل عليها بمحاذاة قوانين ونظم ديمقراطية .
أقول أخيرا أن بناء وطن جديد وإرساء نظم الحداثة والديمقراطية ، يتطلب ضرورة الإهتمام بالفرد ، والتنازل عن القيم والتقاليد المرتبطة بالإستبداد ، والإهتمام بقيم تتشبع بأخلاق التسامح والإحترام ، هذا إذا كان لدينا فعلا هم أن نبني مغربا جدبد .
#نبيل_بلحسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟