سلمان مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3830 - 2012 / 8 / 25 - 14:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لاشك ان العنوان اعلاه ينطوي على قدرا من الطرافة ، و الا ما علاقة التفاح او اي سلعة كانت طبيعية ام مصنعة ، بان تكون معيارا لتحديد او فرز اجتماعي او طبقي ، فالذي اردته من هذا ، هو ان بعض السلع و الاشياء تختلف من حيث مستوى جودتها ، مما قد يجعلها ان تكون صالحة لمثل هذا الامر ، فالشئ الذي يكون ذو مستوى من الجودة العالية ، تكون قيمته السعرية او التبادلية بنفس المستوى من العلو و الارتفاع ، ولا يختص او يحضى بها الا من كان قادرا عليها اقتصاديا او ماليا ، لذلك ومن خلال هذه الرابطة ، نستدل على المستويات الاجتماعية او الطبقية للافراد و الجماعات ، و هو هذا الذي اردته لا غير . ففي عصور الظلم و الاستبداد و الحرمان ، كانت الفواكه من اندر الاشياء و السلع المتاحة للاستهلاك ، وخاصة ( التفاح ) ، و كان التجار يجلبونها من الدول التي تشتهر بانتاجها ، حيث كان البلد يعتبر انتاج هذا النوع من الانتاج الزراعي ضربا من الترف ، او لنقل ان منظومة الانتاج الزراعي غير مؤهلة لمثل هذا النوع من الانتاج ، الذي يحتاج الى تنظيم العمل ، من خلال عملية الانتاج بكل جوانبها و مراحلها ، اضافة الى ضرورة توفير معارف و تجارب العلم ، المتبعة في البلدان الاخرى ، و كل هذا يحتاج الى الاستثمار المنظم ، و ذلك يتطلب كم كبير من رؤوس الاموال النقدية و العينية ، كذلك من اسباب التخلف في مثل هذا النوع من الانتاج يعود الى الكسل ، الذي يعاني منه المزارع لاسباب منها الذاتية ، كضعف البنية الجسدية ، نتيجة لسوء التغذية ، كذلك الجهل و انخفاض المستوى التعليمي و المعرفي ، بسبب تفشي الامية ، اضافة الى عوامل موضوعية ، كالظروف الاجتماعية و الاقتصادية السيئة ، بفعل الاوضاع السياسية المتردية ، وحتى العوامل الطبيعية ، و المتمثلة بالتقلبات المناخية ، كل تلك العوامل تظافرت لكي تجعل ذلك المزارع ، كتلة من الخمول الدائم ، وقبل ذلك قد يعود الامر كله الى السلوك العملي للمنتج ان كان برجوازيا او اقطاعيا ، و الذين يعتبرون ( الربح السريع ) ربهم المعبود ، لذلك كان الطريق الاسرع لتحقيق هذه الغاية ، هو الاستيراد ، فكانت تجلب ــ كما اسلفنا ــ هذه المنتوجات من البلاد التي تتمتع بظروف افضل عن تلك التي ذكرت ، كعامل من عوامل عدم وجود هذا النوع من الانتاج ، فكان التاجر يستورد هذه المنتجات وهي ( فجة ) غير مكتملة النضج ، وذلك لاسباب منها : عدم تعرضها للتلف اثناء عملية نقلها ، لانه في ذلك الزمن كانت عملية النقل بطيئة و لا تتوفر ــ كما هو الان ــ تلك الحاويات المكيفة ، و التي تبقي المنتوج وكانه على اغصانه غض و طري ، ومن الاسباب الاخرى التي كانت تدفع التاجر المستورد بجلب هذا المنتوج ( الفواكه و اهمها التفاح ) قبل نضوجها ، هو تامين الية الاحتكار التي تجعله قادرا على تحقيق اعلى الارباح ، من خلال عملية التحكم بالعرض و الطلب ، وقد يتبادر الى الذهن السؤال التالي / كيف لهذا التاجر المستورد ان يحافظ على صلاحية تلك ( الفاكهة ) لكي تكون مقبولة من قبل مستهلكيها ؟ الجواب بكل يساطة ، لان البشر من هذا النوع ــ اعني ( التاجر ) وخاصة في هذا البلد ، ليس عديم المعرفة ، لانه و امثاله ، من دون الفئات العاملة الاخرى ، كانت الاقرب للانظمة السياسية القائمة انذاك ، ونحن نعرف جميعا طبيعة تلك الانظمة ، التي بمجرد وصولها الى الحكم ، وفي ليلة اول ( خميس ) من حكمها تعقد قرانها على راس المال ، لانشاء عائلة الاستغلال و الكسب الحرام . الذي اريده ان هؤلاء التجار ــ سابقا ليس الان ، لان تجار و مقاولي هذا الزمان لوحدهم حكاية ــ يمتلكون الحد الادنى من الوسائل و الادوات و المواد الكيماوية ، للحفاظ على سلامة تلك الفواكه من التلف ن ولكن سوء ادارة وتشغيل هذه الادوات و المواد ، و طول المدة التي تحفظ فيها الفواكه ، انتظارا لفرص اقتناص اعلى الاسعار ومن ثم اعلى الارباح ، مع انه لابد من حصول هامش من الخسارة ، و المتمثلة بتعرض تلك المحاصيل الى التلف ، بسبب بدائية التخزين وسوء التعبئة ، فتظهر بوادر التعفن ، الذي يطغى على هواء ( الشورجة القديمة ) التي بمحاذاة شارع ( الكفاح ) الذي هو شارع ( غازي ) انذاك ، نسبة الى الملك غازي بن فيصل الاول ، وهو الملك الثاني بعد ابيه على عرش العراق ، ما بين الحربين العالميتين الاولى و الثانية ، ما اريد قوله ان رائحة العفن هذه ان كانت تزعج سكنة المناطق المجاورة ، فانها مسك وعنبر بالنسبة للتاجر المستورد ، فان ذلك بالنسبة اليه ، ايذانا بنهاية موسم تلك ( المحاصيل ) ، ولابد من رفع الاسعار لتحقيق الهدف الاستراتيجي ، لتلك العملية كلها و هو تحقيق اعلى الارباح ، و المسالة لاتنتهي عند هذا الحد ، بل قد تكون البداية ، عندما يدخل عنصر اخر من مكونات الية تداول السلع ، و هو ( البقال ) بائع التجزئة او مايطلق عليه عندنا ( بائع المفرد ) ، و هو الذي يقوم يتصريف تلك المحاصيل ، وليس له الخيار في ان يرفض محصول ما ، لان تلك المحاصيل متكتما عليها في حاوياتها ، وهي عبارة عن صناديق خشبية مقفلة باحكام ، فيكتفي بورقة التعريف الملصقة على الصندوق ، كان يكون مكتوبا عليها ، النوع / تفاح اصفر ( كولدن ) او تفاح احمر ، وقد يكون الوزن مثبتا ايضا : الكلي و الصافي ، فما ان تتم الصفقة حتى يتم التحميل الى ( البقالة ) او ما يعرف عندنا ( الدكان او المحل ) ، و يتم ذلك بعربة يسحبها او يدفعها صاحبها ( الحمال ) او ما يعرف ( بالمكاري ) ، ففي هذه الحالة تبرز على المسرح الاجتماعي ، طبقة او فئة اجتماعية اخرى ، من تلك الفئات التي تتعامل مع ( الفاكهة ) المستوردة وخاصة ( التفاح ) وهذه الفئة ، نحن غير قادرين على تصنيفها اجتماعيا او طبقيا ،لان افرادها يمتلكون من القوة الجسمانية ما يجعله مكافآ لكفائة بعض الادوات الميكانيكية ، فالمحتمل ان تكون هذه الفئة الاجتماعية ، فوق حدود الاكتفاء بقليل للاجر المجزي الذي يحصلون عليه ، وحال الوصول الى ( المحل ) او ( البقالة ) ، حينها تبدا عملية الفرز و تصنيف المحصول ، كان يكون ( التفاح ) ــ وهو الاهم في موضوعنا هذا ــ فبعد فتح الصندوق تزداد الرائحة انبعاثا ، وتلك الرائحة هي خليط غير متجانس ، ما ترتاح النفس الى شمه و بين ما تانف منه ، و السبب معروف حتما ، فتظهر لك تفاحة مغلفة بالورق لحمايتها ، و مطبوع عليها العلامة التجارية ، و بعد فض التفاحة عنها ثم مسحها بقطعة من قماش قطني ، فبانت و كانها مصباح في لجة الظلماء ، ينبعث منها بريق لامع ، ليس كلمعان التفاح المستورد في زماننا هذا ، حيث تغلف التفاحة بطبقة من الشمع لحمايتها من تاثير عوامل النقل و طبيعة المناخ ، دون اعارة الاهتمام بالاثر السلبي لتلك المادة ، و التي قد تسبب السرطان اذا ما تم تناولها ، اما العارفين بالاثر هذا ، فانهم يعملون على تقشير التفاحة تلك تجنبا لذلك الاثر السلبي ، الا انهم يفقدون اهم فوائد التفاح و المتركزة في قشرتها و ليس في لبها ، ويستمر صاحب ( البقالة ) في الفرز ، فبعد الصف الاول او الثاني ، تبدا التفاحات الفاسدة بالظهور ، و اولها يكون فسادها طفيف ، لا تتجاوز مساحة ( الفلس ) تلك العملة المعدنية الصفراء ، التي كانت تتداول حينها ، فيتم ازالة التلف بسكين صغيرة ، و ترصف في حاوية ( سلة ) مصنوعة من القصب ، و تتوالى التفاحات الفاسدة ، و كلما تعمق بالصندوق اتسعت مساحة الفساد في التفاحة ، احيانا قد يصل الى اقل او اكثر من ثلثها ، ثم ترصف كل حسب حجم التلف فيها ، و الحصيلة ثلاثة اصناف على اقل تقدير ، منها السليم الذي يتلآلآ كانه فوانيس رمضان تحت و هج المصابيح الكهربائية الملونة ، لياتي المترفون كاشفين عن انتمائهم الطبقي شاؤا ام ابوا ، بشرائهم هذا الصنف من التفاح لغلاء سعره دون الاصناف الاخرى الرخيصة ، فالاصناف الاخرى تلك سيكون نصيبها التجوال على عربات الدفع في اطراف المدينة حيث الاحياء الفقيرة ، فيبتاع من تلك الاصناف كل حسب قدرته الشرائية ، و قد تتسلل هذه الاصناف الى قلب المدينة في الشوارع و الازقة الخلفية ، التي تعتبر الوجه الاخر للمدينة و الاسوآ و النقيض في كل شئ عن الوجه المرئي لها وخاصة في المستوى المعاشي . اذن عندما عنونا الموضوع بهذا العنوان كنا غير مجانبين للواقع ، المهم ان الحياة تستمر ــ في هذا البلد ــ بهذا الشكل او ذاك و السنين تمضي من حدث الى اخر ، الى حدث قلب الاوضاع سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ، لتدخل معايير اخرى في تحقيق الفرز الاجتماعي او الطبقي ، فتوسعت دوائر الدولة و انتشرت المصانع و المزارع ، الحكومية منها و الخاصة او التعاونية ، بحيث اصبحت معالم المجتمع واضحة ، طبقات برجوازية قد تكون الفئات الحاكمة منها ، وعمال و فلاحين ، وطبقات اعلى في السلم الاجتماعي ، كبقايا الاقطاع و ( الافندية ) ، ومنهم التجار و اصحاب مراكز حكومية مفقودة ، لان اصحابها ازيحوا عن مسرح الحياة السياسية ، فمنهم من هاجر الى خارج البلاد و منهم من بقى معتاشا على الذكريات ، وقد يحلمون او يخططون لاعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، اما العمال تلك الطبقة الفتية ، و التي توسعت و ازداد عددها مع توسع و زيادة الحركة الصناعية ، وكذلك الفلاحين باصنافهم حيث اصبحوا يجهلون مسار حياتهم تحت تاثير المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية العشوائية غير الموجهة ، مع انه اجريت تغيرات على قدر كبير من الاهمية لو احسن توجيهها ، كتشريع قوانين الاصلاح الزراعي و الغاء النظام الاقطاعي و توابعه ، ومن ثمرة هذا الارتبارك في عموم قطاعات المجتمع ومنها الصراعات السياسية ، الى ان حدث الانقلاب البشع الذي كان من اخطر اثاره ، عملية محو معالم المجتمع و العمل على صهره في بودقة ( الحزب الواحد ) ، دون الاهتمام بالعوامل الموضوعية التي تحدد طبيعة الفوارق الاجتماعية ، فكان القرار السئ الصيت بالغاء صفة ( عامل ) محاولين في ذلك اغراء البعض بالبريق الكاذب لصفة ( موظف ) ذوي الياخات البيضاء ، ثم ظهرت معايير ــ للفرز الاجتماعي ــ تم استعارتها من الفترات المظلمة الماضية ، كفئة ما عرف حينها ب ( شيوخ التسعين ) ، و اخطر ما افرزته هذه المرحلة اجتماعيا ، هو ظهور فئة ( الرفقة او الرفاق ) الذين تم تميزهم بعلامات و رموز تمثلت بنوع فصال البدلة او لونها ، وحتى قصة الشارب ــ التي تذكر باعتى طواغيت البشر و اعنفهم ــ وكذلك هيئة الجسد و حركتة التي تمثل من يمشون في الارض مرحا ، وهذا كله يعلن بان هذا الشاخص هو ابن ( الحزب الواحد ) الذي يعمل على صهر المجتمع في اتون الحروب ــ المجانية المجنونة ــ و التي جعلت من الصعوبة التميز بين البشر ، فالكل في نارها يحترقون ، ولكن هل كان هذا يحصل مع الجميع ؟ الجواب كلا بالطبع ، لان النظام تحسب لهذا الامر ، فالذين يكتوون بنيران تلك الحروب تم تشخيصهم سلفا ، و نكون غير مخطئين ان قلنا انه هناك قوائم بالاسماء و الالقاب و اماكن السكن قد اعدت سلفا ليكونوا حطبا لنار تلك الحروب ، فاصبح المجتمع صنفين ، مشعل للحرب و محترقا فيها و ليس هناك ثالث الا الهارب داخل البلاد او خارجها ، الى ان تهاوى المجتمع جاثيا على ركبتيه ، بل منبطحا على الاديم لتدوسه ماكنة الاحتلال الحربية و الارهاب سوية ، ليضطر الرافض لهذا الفرز اما ان يكون عميلا او طائفيا ، شاء ام ابى ، معتقدين كلاهما في ان ذلك هو طوق النجاة ، و لكن متى كان الوهم حقيقة ، ثم تعقدت الحياة ليظهر معيارا عجيبا ــ للفرز الاجتماعي ــ لم يتوقعه اعتى الشياطين ، حيث اصبحت عملية الفرز و التميز بين البشر تتم في الشوارع ومنعطفات الطرق و الازقة ، فتسآل من قبل السيطرات الوهمية عن اسمك و لقبك و منطقة سكنك ، ليتم حسم مصيرك على واحدة ــ فقط ــ من تلك التعريفات و لايشفع لك كان يكون وا حد من هذه التعريفات لا ينسجم مع الاخريات . اخيرا انه سؤال مشروع يستحق التفكير ، و محاولة الاجابة عليه ، كيف القادم من الايام ؟ وهل هناك معيار اخر قد يظهر للفرز الاجتماعي ؟ نآمل ان تكون ( الانسانية ) هي المعيار القادم ، مقتفين في ذلك مقولة صوت العدالة الانسانية (الامام علي ـ ع ـ ) : ( الانسان اما ا خا لك في الدين او نظير لك في الخلق )
#سلمان_مجيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟