|
الرؤوس الكبيرة تتهاوى... فمَن يُدير آلة القتل في سوريا؟
باسم المرعبي
الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 03:07
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
مع سقوط كبار رؤوس تدبير القتل في أنظمة الجريمة، أو انشقاق شخصيات لها ثقلها، كما يحصل الآن للنظام السوري، يتبادر للكثيرين ان النظام المعني سيسقط للفور. غير ان التجارب مع مثل هذه الأنظمة لا تقول ذلك. هي تتأثر وتتألم من "خسائر" على هذا المستوى، لكنها لن تفلّ من بنيتها الأساسية، ولن تكون مؤشراً على السقوط السريع. في التجربة العراقية، وعند انشقاق حسين كامل عام 1995 وفراره الى الأردن، قال كثير من المراقبين وقتها لقد انتهى النظام، لما كان يشغله من مهام حسّاسة اضافة الى مكانته الاستثنائية عند صدام وصلة القرابة والمصاهرة التي يمثلها وما يعنيه ذلك من أسرار كبيرة ينطوي عليها وما يعنيه من ثلم أو تصدّع كبير (مُفترَض) في هيكل النظام. غير انّ نظام صدام استمرّ بعد عملية فرار كامل، سبع سنوات! صحيح انّ الأمر، هنا، مختلف، نظراً، لما يحدث الآن في بنية نظام بشار وما حوله، إلا انني اردت القول انّ انظمة كهذه غير محكومة بقوانين واضحة، كما انها غير خاضعة لأي اعتبار متعارف عليه، سوى اعتبارها الخاص للاستمرارها في الحكم، فلكلّ ذلك، لا يمكن التنبّؤ الدقيق بمسارها وفقاً للضربات التي تتلقاها خصوصاً حين يكون هناك ما يشبه الانقسام الدولي حولها، وهو عامل حاسم في مسألة بقائها من عدمه، بصرف النظر عما يستغرق ذلك من وقت، فهو رهن بظروف واعتبارات عديدة. يحدث أن تتدحرج روؤس كبيرة عُرفت بضلوعها في تخطيط وتدبير إدارة عمليات القمع بكافة أشكاله، في سوريا، ومع ذلك يبقى "النظام" على ذات النهج والوتيرة من الفتك.. هل من سر؟ انها البرمجة المُسبقة! شيء شبيه بما أوصى به القذافي جموع قواته قائلاً لهم لا تستسلموا حتى لو سمعتم عبر الاعلام صوتي يدعوكم لذلك، وهو ما أوصى به صدام من قبل بالضبط، في حربَي الخليج الثانية، والثالثة وما يوصي به، الآن، نظام بشار واعلامه ولا ينفك يكرّره. من الذي يدبّر، إذاً، كلّ أعمال القتل هذه، بحق السوريين! ليس سؤالاً، بقدر ما هو ابداء تعجّب من استمرارالآلة الجهنمية في الإبادة على مدارعام ونصف، هو تاريخ اندلاع الثورة التي بدأت، هادئةً، سلمية.. لكن الأوامر بالقتل، عادةً ما تكون مبيّتة في مثل هذه التطورات، مهما صغُرحجمها، طالما انها تستهدف النظام وتنتهك "محرّمات" لا يمكن السكوت عنها، مثل المطالبة بالاصلاح، فكيف اذا انقلب الأمر الى مطلب اسقاط النظام ورحيله...؟ وهكذا غدا القتل علامة وهوية الدولة السورية القائمة، الآن. حين نقول دولة، يتبادر لنا شيء من مؤسسات. وفي سوريا، بشار الوريث، مؤسسات حقيقية لكن لصناعة الموت بكل أشكاله مستثمرةً في ذلك الجسد السوري. سوريا اليوم في نشرات الأخبار سطر دم وجثة ملقاة في عراء لا مُبالاة العالم. المبالاة هي أن تفعل شيئاً، كي تتلافى نقطة دم جديدة تسقط، وليس المبالاة هو أن تنقل الأخبار. نقل الخبر مهنة و توظيف في اتجاهٍ ما، حسب ما يتبنّاه مَن يريد توظيف الدم السوري في أسواق بورصة السياسة الدولية الصفيقة. دولة بشار قائمة، لكن ما هو قاموسها الذي يفسّر لنا مفردات أو مرادفات بقائها حتى اللحظة، نقرأ، إذاً: القتل، التنكيل، الخطف، الاغتصاب، التعذيب، الحبس، القصف عشوائياً ومركّز ـ التهجير، الفتنة، الترويع، الاغتيال، الكذب، الفساد، النهب، الابتزاز، الاعتداء، الاستعداء (فئة على فئة وطائفة على طائفة)، التجسّس.. وقائمة الانتهاك والرعب تطول.. * * * * دولة بشار قائمة كتنظيم مافيوي، والمافيا لا تعرف الانتماء الى وطن بقدر ما تسخّر هذا الوطن كي يكون خادماً لها ولمشاريعها في الجريمة وابتزاز الناس. والوطن في مفهوم المافيا ليس أكثر من مفهوم الفندق وما يعنيه، وإلا كيف يتأتّى لمواطن حرّ الإنتماء ان يعيث سفكاً بوطنه ومواطنيه على النحو الذي عرفته سوريا طوال تمكّن هولاء"النزلاء" من رقبة البلاد؟ آلة القتل تدور، هي مبرمجة سلفاً، تؤدي مهامها اوتوماتيكياً، وليس مهماً من يديرها أو يشغّلها. فالأهم هو الإيعاز الأوّل. حتى لو غاب قيّم الآلة، فهي ستستمر لبعض الوقت قبل ان يتم ايقافها. هذا يذكّر بمشاهد جنود انقطعت اتصالاتهم بقادتهم فظلّوا يقاتلون في الوقت الذي أدار قائدهم ظهره للمعركة أو سلّم نفسه للطرف الآخر أو لاذ بجحر ما. هكذا هو حال فرق الموت في سوريا (الشبّيحة)، فهي منخرطة في عملها، مشتبكة، ومندغمة في مهمتها الجهنّمية حتى انها لا تفكر أبعد من لحظتها الراهنة، لا تسمع لا ترى ولا تفهم. ممتثلة فقط لما يصدر لها من أوامر لتباشر دورها في القتل والتمثيل والتنكيل واطلاق كوامن غريزة الحقد والضغينة من معاقلها السود وماتراكم عليها من غبار الجهل والتوجيه المنحرف. في دولة القتل أصنام تقود أشباح القتلة والمنحرفين، لذا دورة الفتك مستمرّة. أصنام وأشباح تورية تتناسب ومبدأ الإنكار الذي تقوم عليه نُظم الجريمة، وكأننا أمام واقع افتراضي، وليس واقعاً منقوعاً بالدم سيحين الكشف عنه، أكثر، لحظة سقوط الأصنام وتحطّمها.
#باسم_المرعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة لأطفال المزابل مع ضيوف المربد
-
صفّحوا ضمائرَكُم قبلَ أن تُصفّحوا سياراتِكُم
-
صوَر بالأبيض والأسوَد
-
الجُناة يتضامنون، فمتى يتضامن الضحايا؟ عن قضية المفصولين من
...
-
حتى لو اختفت امريكا من الوجود، القتل لن يتوقّف في العراق
-
شمس صغيرة
-
اعتذار الى الشعب السوري العظيم وجُملة أسئلة الى نوري المالكي
-
الإعلام العربي: مرايا الضمائر الميتة
-
اسلام في خدمة الطغيان
-
مصائر الشعراء انطباعات واستذكارات متناثرة عن كمال سبتي
المزيد.....
-
وسط ترقب لرسالة أوجلان.. ماذا يريد حزب -ديم- الكردي من زيارة
...
-
تركيا تشترط القضاء على حزب العمال الكردستاني لإعادة النظر في
...
-
مراقبون للشأن اللبناني: مهاجمة المتظاهرين السلميين عمل مشين
...
-
إضرام النار في الجسد: وسيلة احتجاجية تتكرر في تونس بعد 15 عا
...
-
حصيلة عمل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بمناسبة اختتا
...
-
افشال السياسة العنصرية لترامب واسرائيل بحق الفلسطينيين مهمة
...
-
الحزب الشيوعي يرفض اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان
...
-
-ميول إسلاموية- ـ المشتبه به يقر بتعمد دهس متظاهرين في ميوني
...
-
كلبة الفضاء السوفييتية -لايكا- تشارك في -يوروفيجن 2025-
-
جبهة البوليساريو تنفي تواجد مقاتلين تابعين لها في سوريا
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|