|
أول يوم في الروضة
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 3825 - 2012 / 8 / 20 - 19:59
المحور:
كتابات ساخرة
صباح هذا اليوم أخذت ابني الصغير ذو السنتين والنصف ليلتحق بأول يوم له في الروضة، استقبلتنا معلمته السوداء البشرة بوجه مبتسم برغم أن ابني تفاجأ بلونها، ولم يعجبه تحيتها له، فالتف حول قدمي، وأمسك بسروالي لاجئاً ومعتصماً خوفاً منها، ولكنها وبخبرتها قالت أن السبب بشرتي السوداء، وبعد عدة محاولات منها بالتحدث معه مباشرة، واصطحابها له ليتعرف على باقي الأطفال بمجموعته، بدأ تخوفه منها يضمحل، ولكنه لم يتلاشى. أخذته لإحدى الصالات التي تجمع بها عدة أطفال للعب بالترمبولينا، وبعضهم كان لا يقفز، بل ينام فوقها، وبكلماتها الرقيقة وحزمها الواضح، رضح لها كل الأطفال، ونزلوا عنها ليدعوا سدير، ابني الصغير للعب والقفز عليها. فقلت للمعلمة بأنه يستطيع أن يلعب مع آخرين فوقها، قالت ولكنه سيقع أرضاً، فهي لا تتحمل إلا طفلاً واحداً كل مرة، ولذا فإنها ستعد له عشرة قفزات ثم يترك مكانه لطفل آخر. ولكن ابني أبى أن يترك القفز، فقد أعجبه، ولم ينزل من فوق الترمبولينا، فأعطته دوراً آخر، ولكنه استمر، فحاولنا معه مراراً وتكراراً، ولكنه يأبى في كل مرة ترك اللعبة وإعطاء الدور لغيره، وهذا ليس حال ابني الصغير ذو السنتين ونصف فقط، بل حال كل ساسة العراق، في ماضيه وحاضره، فهم أطفال بعمر صغيري، فلا يغرنكم شكلهم، فعقولهم كعقل ابني، يتشبثون بلعبتهم، ولا يحبون أو يحترمون دورهم، وأنه انتهى من زمن ليس بالقصير. بعدها تم رفع الترمبولينا، وشغلوا جهاز تسجيل، واستمعنا لأغاني جميلة، رقص الأطفال على أنغامها، ثم أجلسوهم جميعاً، وغنوا مع معلمتهم أغنية يذكرون بها الصباح الجميل، والجو اللطيف، وكنت قبلها قد أمسكني المطر بشلاله، وكان مازال يهطل بكثافة، فعن أي جو جميل يتحدثون، انه بالخيال فقط، ولكنهم يجب أن يتعلموا التفاؤل، وحب يومهم، حتى لو جاء بالطوفان، وليس كحال ابناء شعبنا، نبكي حظنا ليل نهار. بعدها جاءت أغنية التعارف، حيث يبدؤون بذكر اسماء كل الأطفال، مع تصفيق ومديح لكل واحد منهم، وبعدها نادت بأسماء ثلاثة منهم للذهاب لغسل أيديهم للطعام، وبعدها ثلاثة أخرى، وهكذا. جلس كل الأطفال حول طاولة مستديرة، ومعهم معلمتهم ومساعدتها، وبدأ توزيع الحليب عليهم، وأحضر كل طفل علبة طعامه وفتحها بنفسه، وبدأ يأكل، الكل بنظام وترتيب، يذكرني بترتيب لقاءاتنا وقت الأعراس أو مجالس الوفيات، حيث يكون الهرج والمرج هو الطاغي حين يحضر الطعام، خاصة لو كان اوبن بوفيه، وكأننا مجموعة من الجواميس أو الذئاب. أكل جميع الأطفال، وشربوا حليبهم الموجود في أكواب صغيرة ملونة وبيضاء، ثم رفع الأطفال بأنفسهم باقي طعامهم، وأبلغتهم معلمتهم بضرورة لبس ملابس واقية من المطر لانهم سيخرجون للعب في الحديقة، بالرمال ومياه الأمطار، فنزلنا معهم لحجرة تغيير الملابس، وبعض الاطفال اعترض أن الجو ماطر، وانه بكثافة، قائلا الجو سيء، فقالت المعلمة، لا يوجد جو سيء، بل هناك فقط ملابس سيئة لا تصلح لهذا الجو. وقالت لنا، أنا وطفلي، أن بإمكاننا المغادرة اليوم، وغدا سأمضي مع طفلي ساعتين وأتركه بعدها، وبعد غد لن أمضي معه بالروضة أي وقت، حيث سيتعلم أن يبقى لوحده. لم يعجب ابني ان نغادر، فهو يريد أن يلعب، فبدأ يصرخ ويصرخ حتى أرضخ لمطالبه، وهذا بالضبط ما يفعله المتحاورون في أي برنامج سياسي أو ثقافي على الجزيرة أو العربية، فعندما لا يجد المحاور شيئاً ليقوله، يرتفع صراخه، وهو باعتقادي بقايا آثار ورثناها من أجدادنا القردة، أو أخوة القردة، حيث معروف جداً أنها أكثر الحيوانات تحب الصراخ لإثبات الذات، أو لإثبات أنه الذكر الأول المسؤول عن تلقيح أناث القطيع. ولكن ابني رضح بعد لحظات لطلباتنا حينما حاورته المعلمة قليلاً بالرغم من أنها تتكلم لغة لا يفهم منها ابني حرفاً واحداً، ولكنه فهم أن ما يفعله خطأ، وعليه أن لا يعيده. حيتنا المعلمة بابتسامتها المعهودة، وقالت بأن ابني سيتغير مع الوقت، وسيكون مطيعاً ولطيفاً، يعرف دوره، ويعرف حقه، وأهمها يعرف دور غيره، وحق غيره أيضاً. فالحضارة لا تأتي بالصراخ والعويل وندب الحظ العاثر، الحضارة تأتي بالبناء والتعلم واحترام الآخر، وحقه بالوجود وحريته بالاعتقاد والتعبير، ليس بالصراخ، بل بالكلام اللطيف. أكتب كلامي هذا وأنا أتذكر كم هو الفارق الحضاري بين مثقفينا وكتابنا، حتى بموقعنا الحوار المتمدن، أو على صفحات الفيسبوك، ( وأكبر دليل كم التعليقات والاتهامات المعيبة والمخجلة على أي مقال مثير للنقاش ) وبين معلمة ابني الغامقة اللون، القادمة من كينيا، والتي تتحدث السواحيلي، والتي تغيرت قيمها الحضارية، من قيم الصراخ والعويل ولطم الخدود الافريقية والشرق أوسطية، الى قيم حضارية اوربية اسكندنافية. تحياتي وتحيات ابني ومعلمته لكل العقول التي تفهم وتعي.
محمد الحداد 20. 08. 2012
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عائشة ج4
-
عائشة ج3
-
عائشة ج2
-
عائشة ج1
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج56 والأخير
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج55
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج54
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج53
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج52
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج51
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج50
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج49
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج48
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج47
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج46
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج45
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج44
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج43
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج42
-
عندما كنت ملحداً قصة هدايتي ج41
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|