|
هل هناك كتابة نسائية ؟
عبدالواحد الفقيهي
الحوار المتمدن-العدد: 3824 - 2012 / 8 / 19 - 22:15
المحور:
الادب والفن
يمكن أن نقول تاريخيا بأن من بين أهم مطالب حركة النهضة في العلم العربي ، المطلب المتعلق بتحرير المرأة – وقد بدأ هذا التحرير يتحقق نسبيا في دخول المرأة مجال التعليم الذي مكنها من المساهمة في مجال الكتابة – ظهرت مع الخمسينات كتابات نسائية مفعمة بصيحات الاحتجاج والثورة : ليلى بعلبكي – كوليت خوري – غادة السمان – ليلى عسيران ....وهذا الظهور فرض بروز مفهوم " أدب المرأة " أو " الكتابة النسائية " . ونتساءل هل هناك بالفعل كتابة نسائية ( في مجال الإبداع والتنظير أيضا ) ؟ ، هل هناك اختلاف ملاحظ ملموس بين كتابة الرجل وكتابة المرأة ؟ هل تملك المرأة وعيا بخصوصية ومغايرة لغتها وكتابتها ؟ . ماذا تقول المرأة في هذا الإطار ؟ - يمنى العيد : تقول : « يأتي نتاج المرأة الأدبي كمساهمة فنية راقية في طرح قضايا المجتمع ومعالجتها ، وهو إذ يعالج قضايا المرأة لا يعالجها كقضايا ذاتية سجينة في فنويتها ، بل يعالجها كقضايا اجتماعية تتحدد في إطار العلاقات والمفاهيم الاجتماعية ، ويظهر ما فيها من خصوصية على أساس هذه العلاقات والمفاهيم وبسبب منها ، لا على لأساس طبيعة في المرأة أو بسبب منها ...ليس هناك إلا نتاج ثوري يلغي مقولة التمييز بين الأدب النسائي والأدب ، كما يلغي مقولة الخصوصية النسائية كطبيعة تعيق مساهمتها في ميادين الإنتاج الاجتماعي والتي منها الأدب » ( مساهمة المرأة في الإنتاج الدبي – الطريق – عدد 4 أبريل 1975 ، ص 144 )
يمكن إبراز موقف يمنى العيد من مسألة الكتابة النسائية من خلال ملاحظات منها : - إذا كانت للمرأة خصوصية فإن هذه الخصوصية ليست طبيعية ثابتة ، بل هي ظاهرة تتجذر في الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة . - معنى ذلك أيضا ، أن خصوصية أدب المرأة ليست خصوصية فنية ( تتعلق بلغة الكتابة ) بل هي خصوصية نابعة من وعي المرأة باعتبارها تنتمي إلى فئة اجتماعية تعيش ظروفا خاصة ... - إذا نظرنا إلى تلك الخصوصية من منظور فني فإن الكتابة النسائية ستتصف برؤية محدودة ، لأنها ستتمركز حل عالم الذات تعبيرا عن هموم بلهجة ستسقطها في رفض السلطة الذكورية دون التساؤل عن الجذور الاجتماعية لهذه الوضعية ... - إن التركيز على البعد الذاتي في الكتابة النسائية سيحول المشكلة من مجالها الاجتماعي إلى مجال الجنس ، فتصبح المساواة بالرجل هي الغاية النهائية ، بينما المسار السليم يتحدد باحتلال موقع داخل المجتمع إلى جانب الرجل . غادة السمان : تقول : « من حيث المبدأ ليس هنالك تصنيف لأدبين ، نسائي ورجالي ...إن تسمية أدب نسائي ...نابعة إما من أسلوبنا الشرقي في التفكير ، وقياسا على المبدأ القائل ( الرجال قوامون على النساء ) خرج نقادنا بقاعدة ، على طريقة المنطق الصوري ، تقول : الأدب الرجالي قوام على الأدب النسائي ، وإما من كون أن أكثر نتاج الأدبيات قبل أعوام كان لا يدور إلا حول موضوع المرأة وحريتها وتمردها وقلقها » . - إن غادة السمان ترفض إذن منطق التمييز بين كتابة خاصة بالنساء وكتابة خاصة بالرجال لن هذا المنطق لن يؤدي إلا إلى حوار عقيم .... - لكن مع ذلك ، ولو أن غادة السمان لا تفرق بين الكتابتين ، فإنها تضع في نهاية الأمر نوعا من التمييز وتعترف بوجود بعض الخصوصيات في الأدب النسائي ، تقول : « لدينا في نتاجهن دوما بطلة ، دوما متوترة ، دوما تطالب بحقوقها ، دوما تكتب عن تجاربها » خناثة بنونة : « أعتبر هذا التصنيف " رجاليا " من أجل الإبقاء على تلك الحواجز الحريمية الموجودة في عالمنا العربي ، وترسيخها وتدعيمها حتى في مجال الإبداع ....إني أرفض بشكل مسبق هذا التصنيف على أساس أن الإنتاج يعطي نفسه ويملك الحكم عليه في ما يقدمه دون اعتبار للقلم سواء أكان رجاليا أم نسائيا ....وأعتبر أن كل هذه التصنيفات عابرة ، إذا كانت المرأة تملك الجدارة الفكرية والاجتماعية ، أعتبر أنها حتما ستبطل هذه التصنيفات بشكل سلمي أو غير سلمي » . بول شاو ول ( علامات من الثقافة المغربية الحديثة ) مليكة العاصمي : « من الأكيد أن أدب المرأة يحمل سمات خاصة ، كما أن أدب كل المجتمع وكل فئة وكل طبقة يحمل سمات خاصة ، لكنني لا أميل إلى تقسيم الأدب كما يقسم العالم ذلك التقسيم النخبوي السائد الذي يجعل أدب الغرب أرقى أنواع الأدب ، وسيجعل أدب المرأة بالتالي في آخر السلم التراتبي النخبوي » . ما هو الموقف العام من الكتابة النسائية ؟ إنه موقف نفور من مفهوم الأدب النسائي أو الكتابة النسائية . • يمنى العيد : « ليس هناك إلا نتاج ثوري يلغي مقولة التمييز بين الأدب النسائي والأدب ». • غادة السمان : « من حيث المبدأ ليس هناك تصنيف لأدبين ، نسائي ورجالي » . • خناثة بنونة : « إني أرفض بشكل مسبق هذا التصنيف » . • مليكة العاصمي : « إنني لا أميل إلى تقسيم الأدب... » .
- لماذا هناك رفض للاعتراف بوجود مفهوم كتابة نسائية ؟ تطرح رشيدة بن مسعود سببين أساسيين : أولهما يتجلى في عدم تحديد وتعريف كلمة ( نسائي ) التي تحمل دلالات مشحونة بالمفهوم الحريمي الاحتقاري – إن تبرم الكاتبات ورفضهن للمصطلح يرجع إلى الخوف من إلصاق تهمة الدونية بهن والرغبة في انتحال موقع الرجال . ثاني السببين : يتجلى في غياب تصور نقدي لم يصل إلى مستوى دراسة هذه الظاهرة وتفكيكها داخليا – إن الخطاب النقدي يمارس في معظمه من طرف الرجال ، وهو خطاب بحكم أنه متأثر بمركزية ذكورية يناقش الكتابة النسائية من منظور معيار المساواة وليس من منظور الخصوصية . - فهل يمكن الاعتراف في نهاية المطاف بكتابة نسائية لها خصوصيتها ؟ كذكر أقول نعم ....ولو أن هناك اختلافا بين عدد من الكتاب ...ولم أجد هنا نصا أدق من نص لمحمد برادة قدمه كمداخلة في إطار الندوة التي نظمها اتحاد كتاب المغرب حول القضية العربية في مكناس ونشرت أعمالها في مجلة آفاق – أكتوبر 83 . يقول الأستاذ برادة : « إن الشرط الفيزيقي المادي للمرأة كجسد هو الذي يبرر أن نفترض وجود لغة داخل نصوص تكتبها المرأة ، يلتقي الرجل الكاتب والمرأة الكاتبة في اللغة التعبيرية واللغة الإيديولوجية ، لكن هناك اللغة المرتبطة بالذات ( يبعدها الميثولوجي ) ، من هذه الناحية يحق لي أن أفتقد لغة نسائية ، فأنا من هذه الزاوية لا أستطيع أن أكتب بدل المرأة ، لا أستطيع أن أكتب عن أشياء لا أعيشها . التمايز موجود على مستوى التمييز الوجودي ، أنا لا أستطيع أن اكتب بدل الرجل الأسود المضطهد » . معنى هذا أن المرأة تنتج كتابة لها خصوصيتها التي تجعلها تختلف عن ما يكتبه الرجل – بل إن الأمر يتعلق بكل أشكال الكتابات ، باعتبار أن كل كتابة لها علاقة بالجسد ( اللغة – الفن – الوشم ) . يقول الخطيبي : « إن المرأة يمكنها أن تشم مقدمة جسدها ، بينما يكتفي الرجل بوشم يده أي الذراع والعضد ، بمعنى أن يد الرجل لا تغادر مجال الكتابة ( تَكتب وتُكتب ) ، ونحن بالإضافة إلى ذلك ، نشم مثلما نكتب ، أي أننا نعطي للجانب الأيمن امتيازا ، مما لا يحطم تناظر الجسم ، فالجسم مقسم إلى قسمين متناظرين بعلامة توازيه ( حركة اليد الواشمة ) من الجبهة إلى الذقن إلى ما بين النهدين : إنه خط تتفرع عنه الشهوة ، لا مركز له ، باستثناء مكان قراءته الخاصة ، وضلاله الخاص » . إن ما ينقصنا في ثقافتنا هو هذا التعامل مع الجسد الذي لا يشكل موضوعا معرفيا / للتفكير في ثقافتنا ....إن الجسد مقصى من هذه الدائرة ، إن الثقافة تقصيه تحت ثنائية المقدس / المدنس .
#عبدالواحد_الفقيهي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وعي الحداثة وضرورة التحديث
-
الجنس بين التحريم والكتابة
المزيد.....
-
وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
-
سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون
...
-
العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه
...
-
إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|