|
ليلى والمجنون
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3821 - 2012 / 8 / 16 - 19:58
المحور:
الادب والفن
حلّ رباط ساقه قبل أن يبرئ جرحه الناتج عن تعثره بقبر حبيبته يوم أمس عندما قام بدفنها بمساعدة الآخرين ، فما أن انتهوا من مراسيم الدفن حتى سارع لقطف بعض الأزهار البرّية رغم الأوحال وزلق الأرض نتيجة انهمار المطر ، وعندما انحنى وهمَّ بوضع الأزهار زحلقت قدمه اليسرى ففقد توازنه وسقط على القبر وكأنه يريد حضنها ، وارتطمت ساقه بحجر مسنن كان موضوعا بعناية على حافة القبر ، فتأوه وتلوّى من شدّة الألم ثم رفع رأسه كمن يريد أن يداري خجله ، ولكن ارتطمت جبهته هذه المرة بشاهد القبر وسالت منها الدماء على الزهور التي جلبها، وعندما حاولوا مساعدته على الوقوف مجددا رأى عجبا ... رأى الزهور التي صبغت بدمه قد أصبحت عسلية اللوّن كما كانت عيون حبيبته (ليلى) فأخذ يشير إليها بسبابته وهو يضحك ويردّد قائلا : ( عيونها ... انظروا ... عيون ليلى ... انظروا الى عيونها ...) والدماء تسيل من رأسه ومن ساقه مما حدا بالبعض ممن حضروا مراسيم الدفن أن يحملوه ليأخذوه إلى أقرب مسعف وهم يرددون : ( لقد جنّ المسكين من فرط عشقه لها ... ) . وفي صباح اليوم التالي جاء الذي جنّ لرحيل حبيبته . جاء يزور قبرها ثانية وقد لفّ رأسه وساقه بضمادات وأربطة طبية . جلس القرفصاء ثم وضع أمامه دفترا يحتوي على قصائد وخواطر كان يكتبها فيما مضى لليلاه، وكلما كان يكتب قصيدة جديدة أو خاطرة يعبّربها عن حبّه كان يتصل بها ويسمعها ليشعر بعدها بنشوة عارمة تغمره . تحسس جيبه . أخرج علبة السكاير . أشعل سيكارة ، وبدأت الدموع تنهمر من عينيه وهو يدخن . تابع التدخين وهو يشعل واحدة بعقب أخرى منتهية حتى أتى إلى آخر سيكارة ثم رمى العلبة الفارغة باتجاه القبر وما أن استقرت حتى قام والتقطها ثم رماها بعيدا . رجع إلى دفتره وكتب حروفا في صفحة جديدة . حروف اسم (ليلى) ولاشيء غير ذلك إلى أن ملأ عدة صفحات من حرفي اللام والياء ، دس يده إلى جيبه ثانية بحثا عن سيكارة فوقع (الموبايل) في يده ، أخرجه وكأنه قد وجد شيئا عزيزا مفقودا منذ دهر . قبّل الصورة في الخلفية وحرّك الضوء الأخضر باتجاه أيقونة الأسماء ثم ضغط زر التوافق وأختار اسم ( ليلى ) وأتصل بها وكرر المحاولة ومرة ثالثة ولكن دون جدوى رفع نظره وأخذ يخاطب القبر قائلا : ( لماذا لا تجاوبينني يا ليلى ... ) وبعدها أرسل لها الرسالة التالية : (ألا تعلمين إنك تفتحين دروبا للاتصال عندما تسّدين دربا ) .! وأعقبها بأخرى (حبيبتي ... ما أكنّه لك من حبّ لا يسعه قلب صغير بقبضة اليد ، فما أن رحلت حتى تحوّل جسدي كلّه إلى قلب).! ثم أخذ ينظر إلى (الموبايل) منتظرا قدوم رسالة مع رنة (الكريستال) التي كانت تجعل قلبه يقفز فرحا عندما ترد منها رسالة ، ولسبب وجيه لعاشق مجنون بحبّ (ليلى) تلك التي لن يراها ثانية قام بحلّ رباط ساقه قبل أن يبرئ جرحه . فتح (الموبايل) الشخاطي طوليا ووضعه في كفه الأيسر وأخذ يربطه على كفه بلفات عدة برباط ساقه الملوث بالدم ثم أحكم عقده على زنده ، وبدأ يقهقه ويقول ( الآن أصبح بإمكاني الردّ عليك إذا ما اتصلت يا حبيبتي الصديقة ويا صديقتي الحبيبة ) ، وأخذ يلثم الموبايل حتى تبلل بدمعه . تمدد بجانب القبر وهو ينظر إلى (الموبايل) المربوط بكفه تارة وأخرى يقلب صفحات دفتره الأثير وفي لحظة ما شعر بالرغبة في الدخول إلى الضوء المنبعث من (الموبايل) وسمع وكأن حروفا تدعوه من دفتره ... دفترها ... ليكون هو الآخر حروفا مثلها ، لم يعد يشعر بشيء ، بدا وكأنه يسمع نداء (ليلى) من وراء الجبل وهي تطلب منه الدخول إلى البيت ... إلى القبر ... إلى الدفتر ... إلى (الموبايل) ... لئلا يبرد ، كوّر جسمه ليدخل بجسمه ... ليدخل ... ليدخل إلى قبر ليلى ... لتخرج روحه وتدخل إلى حيث روح ليلى روحها التي تنتظره ليلتقيا ثانية ... وعمّ السكون كل شيء إلا من رنة (كريستال) تنبئ بقدوم رسالة جديدة من ليلى تقول فيها : ( ... أنا في انتظارك لا تتأخر ... ) .بقيت الرسالة تعلن عن حضورها دون أن يتحرك أصبع من أصابعه ليضغط على الزر المعني ويرى فحوى الرسالة . في اليوم التالي حُفر قبر جديد بجانب قبر (ليلى) ووضع مع جثة المتوفي دفتر يحتوي على أشعار وخواطر و(موبايل) وبات الجميع يطلق على المقبرة اسم (مقبرة ليلى والمجنون ) .
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بتلات الورد 27
-
قولي شيئا
-
بتلات الورد 26
-
مكالمة لم يرد عليها / قصة قصيرة
-
حكايات من شنكال 32
-
بتلات الورد 25
-
مصطلحات من سيباى
-
جاري والمجاري
-
فيض عينيك
-
بتلات الورد 24
-
بتلات الورد 23
-
الراعي
-
بتلات الورد 22
-
بتلات الورد 21
-
بتلات الورد 20
-
بتلات الورد 19
-
بتلات الورد 18
-
الصرخة الخرساء
-
fبتلات الورد 17
-
حكايات من شنكال 31
المزيد.....
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
-
محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى و
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|