|
عثمان بن عفان حاكم ظالم ام سلف صالح
رويدة سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 09:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حسب المصادر الاسلامية في نهاية العام 23 مات عمر قتيلا في عملية اغتيال عادي بلا أي مضمون سياسي رغم اشارة كتب السير الى ان عبد الله ابن عمر في انتقامه عرض ببعض المهاجرين أيضا ودفن مع نبيه ورفيقه ابو بكر الذي باستثناء دوره في حروب الردة -المثيرة للجدل كما ذكرت في مقالي السابق - يمكن ان يُعتبر رغم بعض الفروق الجانبية وجه ثان لشخصية عمر الذي يعتبر بدوره امتدادا والمتابع الحقيقي لمحمد النبي المؤسس لتختلط صور الاباء المؤسسين في الذاكرة الشعبية للتراث الاسلامي وتفصل فيما بعد في عصر التدوين وتمنح الادوار المتكاملة والمختلطة لشخصيات ثلاث، تمثل في التاريخ الاسلامي الحلقة الاولى من العمل الاسلامي الدعوي الجهادي المتماسك في فعله الميداني السياسي والعقائدي، ادت بعد فترة من رحيلها عبر عثمان نقطة الربط بين القبلية والملكية العائلية الى الحكم الاموي في الشام. ترك عمر الذي مثل الحلقة الاخيرة في صفحة المؤسسين الاوائل للدولة العربية الاسلامية دولة بشكل امبراطورية ممتدة في العمق الاسيوي وفي الحوض المتوسطي تميزت بالهيمنة العربية المطلقة فيها والتي شجعها بحركات الهجرة الكبيرة من داخل الفضاء الجزيري الى الهلال الخصيب ومصر والشام (كما لو انه لم توجد منذ قرون سابقة قبائل عربية عديدة في هذه المناطق شكلت ممالك قوية تصارعت مع الامبراطوريتين المسيطرتين على ساحة الصراع انذاك او خضعت تحت راية احداها) للتعريب ونشر الدين الجديد والحكم ازاء غياب شبه تام لسكانها الاصليين الذي تقبلوا الزائر الجديد وقبلوا بمعتقداته المختلفة عما آمنوا به لأجيال طويلة ودخلوا فيها افواجا دون أن يلعبوا أي دور تنظيمي او ثوري ضد الاستعمار العربي تقدمهم كتب السير على أنهم لازالوا في طور الطفولة الفكرية والنفسية البشرية المتقبلة بكل سلاسة لهيمنة الناضجين العقلاء عليهم وتقبل فكرهم وتحكمهم بمصيرهم.
بالعودة للمصادر الاسلامية اختير عثمان مساعد عمر والوسيط بينه وبين المسلمين ضمن ستة من المبشرين بالجنة والأكثر سبقا للإسلام، في عملية انتخابية هي الشكل التعيني القبلي العربي المتعارف عليه الذي اطلق عليها اسم الشورى في المنظومة الاسلامية، بين عدد محدود من الافراد اقترحهم عمر وكان على البقية القبول بأحدهم وقتل الرافض او الرافضين لقرار الاغلبية الذين لا يكون عبد الرحمان بن عوف احدهم حسب وصية عمر، مقصيا الانصار للمرة الثانية رغم مآثرهم واستحقاقاتهم كما فعل في حادثة السقيفة ومقصيا على غير سياسته التي اتبعها طيلة حياته في الحكم كل الصحابة السباقين الاوائل الذين كانت لهم مكانة كبيرة عند النبي وفي الجهاد لنشر فكره كعمار بن ياسر إما لأصلهم المتواضع أو لأنهم ليسوا قرشيين صرحاء ليطفو على السطح من جديد مبدأ الروابط الدموية لان النسب القلبي امر محتوم في العقلية البدوية العربية ولان عادات الإعراب أيضا لم تتغير بعد تلك العقود من الدعوة الدينية في سبيل بناء سلطة عربية على المناطق المجاورة لها والتي خضعت لها بقوة السلاح.
صمت كتب السير عن ابن عمر المعين في هيئة التحكيم تظهر انه اضيف فيما بعد لمنح الشورى شرعية عقائدية وسياسية وأن الامر في حقيقته كان قبليا محصورا بين عثمان ممثل الامويين العشيرة الاكبر والتيار القرشي بصفة عامة وعليّ ممثل بني مناف والأنصار وان حكاية الشورى التي منحت طابع القداسة فيما بعد عند جمع الاحداث وإضافة عناصر لتجميلها لم تكن شورى بالمعنى الذي يريدون تسويقه لنا فانفراد ابن عوف بالاختيار بعد التفويض الذي حصل عليه من الاغلبية رغم احتراز عليّ المهدد بالقتل في حال رفضه قرار ابن عوف تحول الى تعيين من طرف واحد وافقد بذلك المجلس الانتخابي من طابعه الاستشاري والشورى من طابعها كمجمع
هذا الانتخاب لعثمان اظهر حقيقة الصراع السياسي بين قطبين متعاديين : بيت عبد مناف والبيت الاموي القرشي – بين تيار يدعي الشرعية الدينية وروابط الدم مع النبي وتيار قرشي الممثل الاجدر للانتماء القبلي والذي يدور في فلك السلطة الاموية – هذا الصراع فجر في النهاية خلافة عثمان التي تحولت الى ملكية عائلية لنسأل ما التاثير الحقيقي لمحمد الذي ابطل سيطرة الروابط القبيلة في سبيل الامة الاسلامية التي يجمعها الدين على عقلية مجتمعه وخلفاءه لتعود روابط الدم بكل تلك القوة والحدة في عملية انتخاب عثمان وهل ان فعله الدعوي، الذي ينص على اولوية الدين في تمييز الافراد عن بعضهم البعض ومنحهم الجدارة في القيادة والقرار، والذي يقدمه التاريخ الاسلامي المدون بعد قرون فعل حدق تاريخيا فعلا ام انه من وحي الخيال الادبي للكتاب؟
لم يشذ عثمان عن القاعدة العمرية في انتهاك الشعوب الآمنة وسلبها وقتلها وسبي نساءها وأطفالها لكن سياسته الداخلية (المالية والسياسية) كانت مخالفة تماما لما عهده اهل المدينة من مهاجرين وانصار وأمهات المسلمين مع النبي ذاته ثم ابو بكر وعمر قبله الذين لم يخضعوا في حكمهم لا لولاءات ولا قرابة بل للجدارة القيادية والعقيدية والتي مكنت صحابة من اصل متواضع من مراكز القرار والسيادة.
هذه المقارنة مع سابقيه جعلت فعله السياسي مثيرا لاستنكار صحابة نبيه وزوجاته ومطالباتهم بتنحيته والقصاص منه ليظهر مصطلح البدعة والتغيير في السنة معه ولتبدأ المطاعن التي توجت بالثورات ضده وأدت الى مقتله الذي بلغ حد التمثيل بجثته ودفنها من دون صلاة في مدافن اليهود.
سياسيا مثل عثمان الحامي عن جدارة لأطماع الامويين السيادية إذ بعد ان آل إليه الامر يُروى عن عمار ابن ياسر ، بأنه اجتمع بنو امية ، فدخل اليهم ابو سفيان وكان قد كُفّ بصره ، فسألهم: أفيكمْ أحدٌ من غيركم ؟ قالوا : لا ، فقال : يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به ابو سفيان ، ما زلت ارجوها لكم ، ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة." وهو ما حدث بالفعل فمنذ توليه الحكم عمل على تمييز الامويين اقاربه على حساب الطرف الثاني في الصراع السياسي السيادي على العرب وذلك بتوليتهم ومنحهم صلاحيات وتسهيلات كبيرة
تذكر كتب السير أنه في السنة الاولى لولايته عفى عن عمه الحكم بن العاص الذي قال فيه محمد " ويلٌ لأمتي مما في صلب هذا " واعاده للمدينة معززا كما ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف ص131 وجعله جابيا لصدقات قضاعة ووهبه مبالغ من المال . نقرأ تفاصيل الخبر في أنساب الأشراف: 137:6 وتاج العروس: 377:11:" عن ابن عبّاس: كان ممّا أنكروا على عثمان أنّه ولّى الحكم ابن أبي العاص صدقات قُضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فوهبها له حين أتاه بها" وهذا العفو التشريعي الذي قام به عثمان لصالح عمه اثار الصحابة لتبدأ الخلافات منذ بدأ خلافته في الظهور وتتراكم مع اسرافه في تمييز بني اميه مشكلة بوادر البركان الذي سيؤدى الى قتله بشكل فضيع. وحول الحكم عم عثمان نقرأ في في أسد الغابة للحافظ ابن حجر: " .... وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم مع حلمه وإغضائه على ما يكره، ما فعل به ذلك إلا لأمر عظيم، ولم يزل منفياً حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر الخلافة، قيل له في الحكم ليرده إلى المدينة، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عمر" وهو من اسباب النقمة على عثمان والتي يذكرها في سير أعلام النبلاء الحافظ الذهبي :"نقم جماعة على أمير المؤمنين عثمان كونه عطف على عمه الحكم وآواه وأقدمه المدينة ووصله بمئة ألف" في السنة الاولى أيضا نقرأ في سير أعلام النبلاء » سيرة الخلفاء الراشدين سنة خمس وعشرين: "وفيها عزل عثمان سعدا بن أبي وقاص عن الكوفة واستعمل عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي ، أخو عثمان لأمه ، كنيته أبو وهب ، له صحبة ورواية . روى عنه : أبو موسى الهمداني ، والشعبي" والوليد وصفه القرآن ذاته بالفاسق في الاية " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا" ونجد في اسباب النزول ما نصه :"قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:"ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق" قال طارق بن شهاب : لما قدم الوليد أميرا أتاه سعد ، فقال : أكست بعدي أو استحمقت بعدك ؟ قال : ما كسنا ولا حمقت ، ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم ، وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعدا وولى الوليد بن عقبة ، فذكر حضين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعا وهو سكران ، ثم التفت وقال : أزيدكم. ولما أتاه اهل الكوفة يشتكون صنيع واليه غضب عثمان وعنفهم ليبرز الشقاق ثانية بين محاولات عثمان العفو عنه واسقاط حد مثبت بالقرآن واصرار الصحابة على الجلد. وفي تفصيل الحادثة يذكر البلاذري في الأنساب أنه : شرب فسكر فصلّى بالناس الغداة ركعتين ثمّ التفت فقال: ءأزيدكم؟ فقالوا: لا قد قضينا صلاتنا، ثمّ دخل عليه بعد ذلك أبو زينب وجندب بن زهير الأزدي وهو سكران فانتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكراًقال أبو اسحاق: وأخبرني مسروق أنّه حين صلّى لم يَرِمْ حتى قاء، فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر: أبو زينب، وجندب بن زهير، وأبو حبيبة الغفاري، والصعب بن جثامة، فأخبروا عثمان خبره، فقال عبداالرحمن بن عوف: ماله أجنّ؟ قالوا: لا، ولكنّه سكر قال: فأوعدهم عثمان وتهدّدهم، وقال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟ قال معاذ الله، ولكنّي أشهد أنّي رأيته سكران يقلسها من جوفه، وأنّي أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل. قال أبو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان، وأنّ عثمان زبرهم، فنادت عائشة: أنّ عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود."
بعد سنتين من خلافته منح معاوية السلطة على كل أرض الشام الثرية وذات الموقع الجغرافي المميز مقدما الاسباب السيادية والمادية لمعاوية السياسي الكاريزمي والقوي والداهية السياسي للمطالبة بالحكم في خلافة علّى ونقرأ تفصيل ذلك عند الطبري (2/446):" عن شعيب عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، عن خالد بن معدان؛ قال: لما ولي عثمان أقر عمال عمر على الشام؛ فلما مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - ضم عمله إلى معاوية، ومرض عمير بن سعد في إمارة عثمان مرضا طال به، فاستعفاه واستأذنه فأذن له، وضم عمله إلى معاوية؛ فاجتمع الشأم على معاوية لسنتين من إمارة عثمان. "
وفي سنة 25 عيّن عبد الله بن سرح ابن عمه وشقيقه بالرضاعة عاملا على مصر بدل عمرو بن العاص الذي قال لعثمان لما رجع عبد الله إلى مصر وبعث إلى عثمان مالا قد حشد لمنهيه ، فدخل عمرو على عثمان فقال له: يا عَمْرو هل تعلم أنّ تلك اللقاح دَزَتْ بعدك ؟ قال عمرو : إنَ فِصَالَهَا قْد هلكتْ, وقد ثار المصريون على عثمان لأنه كتب لأبي السرح يأمره بالتشديد عليهم والفتك بزعمائهم. وعبد الله كان في بداية اعلانه الاسلام كاتبا للوحي اهدر محمد دمه حتى لو تعلق بأستار الكعبة ونقرأ عنه في أنساب الأشراف : أما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه أسلم، وكان يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله؛ فيملي عليه: الكافرين فيجعلها الظالمين ، ويملي عليه: عزيز حكيم فيجعلها عليم حكيم ، وأشباه هذا فقال: أنا أقول كما يقول محمّد، وآتي بمثل ما يأتي به محمّد، فأنزل اللَّه فيه: وَمَنْ أَالأنعام: ظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ اُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ" الأنعام- 93، وهرب إلى مكّة مرتدّاً. وفي هذه السنة اعطى خمس خمس الغنائم لمروان بن الحكم ولعبد الله بن سعد وهي اموال تذهب حسب الشرع الى بيت مال المسلمين أذ نقرأ في تفسير ابن كثير صفحة القرآن رقم 182:" روى الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين قال : أتيت رسول الله وهو بوادي القرى ، وهو يعرض فرسا ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في الغنيمة ؟ فقال : لله خمسها ، وأربعة أخماس للجيش . قلت : فما أحد أولى به من أحد ؟ قال : لا ، ولا السهم تستخرجه من جنبك ، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم" . في حين يذكر ابن الاثير في تاريخه الكامل:"ثم إنّ عبد الله بن سعد عاد من إفريقية إلى مصر وكان مقامه بإفريقية سنة وثلاثة أشهر ولم يفقد من المسلمين إلا ثلاثة نفر قتل منهم أبو ذؤيب الهذلي الشاعر فدفن هناك ، وحمل خُمس إفريقية إلى المدينة فاشتراه مَرْوان بن الحَكَم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان ، وكان هذا مما أخذ عليه وهذا أحسن ما قيل في خمس افريقية فإنَ بعض الناس يقول : أعطن عثمان خمس افريقية عبد الله بن سعد، وبعضهم يقول : أعطاه مروان بن الحكم ، وظهر بهذا أنّه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع افريقية والله أعلم" كما أقطع مروان كاتبه الخاص أرضا لا تحل له ولا يحق لعثمان التصرف فيها. أخرج البيهقي([1381]) من طريق المغيرة حديثاً في فدك وفيه: أنّها أقطعها مروان لمّا مضى عمر لسبيله. فقال: قال الشيخ: إنّما أقطع مروان فدكاً في أيّام عثمان بن عفّان وكأنّه تأوّل في ذلك ما روي عن رسول الله :" إذا أطعم الله نبيّاً طعمة فهي للذي يقوم من بعده" وكان مستغنياً عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم، وذهب آخرون إلى أنّ المراد بذلك التولية وقطع جريان الإرث فيه أفليس بيت مال المسلمين اولى أم انه تشريع للمحسوبية التي يسير عليها حكام المسلمين الى الان مهملين حقوق شعوبهم؟ وفي العقد الفريد([1382]) "في عدّ ما نقم الناس على عثمان: أنّه أقطع فدك مروان وهي صدقة لرسول الله (وهي التي طلبتها فاطمة ميراثاً لكن ابا بكر منعها عنها) وافتتح إفريقية وأخذ خمسها فوهبه لمروان" سنة سبع وعشرين. وهو ما نجده ايضا عند اليعقوبي 165:2 وفي أنساب الأشراف 136:6 عن عبداللَّه بن الزبير:" وكثرت الغنائم، وبلغت ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار.وروى بعضهم: أنّ عثمان زوّج ابنته من مروان بن الحكم، وأمر له بخُمس هذا المال" ويتوسع ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة ص35 – 36 في ذكر هذه التجاوزات حيث قال : وذكروا أنه اجتمع أناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسنة صاحبيه ، وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ، ومنهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبعة دور بناها في المدينة ، دار لنائلة ودار عائشة وغيرهما من بنات أهله ، وبنيان مروان القصور بذي خشب ، وعمارته للأموال من الخمس الواجب لله ورسوله"
وفي سنة 29 عين عبد الله بن عامر عاملا على البصرة بدل ابو موسى الاشعري وفي تعيينه يطالعنا خبر ورد في الاستيعاب 1160:250:2 ومفاده :" إنّه |شبل بن خالد| دخل على عثمان حين لم يكن عنده غير اُموي، فقال: ما لكم معشر قريش، أما فيكم صغير تريدون أن ينبُل، أو فقير تريدون غِناه، أو خامل تريدون التنويه باسمه!! علامَ أقطعتم هذا الأشعري العراق، يأكلها خَضْماً؟ فقال عثمان: ومن لها؟ فأشاروا بعبداللَّه بن عامر، وهو ابن ستّ عشرة سنة، فولّاه حينئذ"
إضافة الى ما تقدم يطالعنا شذوذ مثير في سياسته المالية وتعامله مع الثروات الواردة للمدينة والاقتطاعات في البلدان المستعمرة والتي - في حين كان لا يعطى منها للبدريين في المدينة الا 5 الاف درهم وفي الامصار كانت العطاءات الثابتة تترواح بين 200 و3 الاف درهم - تمتع بها هو وعائلته والبيت الاموي بصفة خاصة في شكل هبات وعطاء جزيل واستدان من بيت المال كان يمتنع هو ذاته وبنو امية عن تسديده.
بدأ عثمان منذ البداية بأخذ بعض المال من بيت المال لحاجاته وهباته ثم بدأ يتجاسر حتى انه حسب ما ورد في مروج الذهب: 341:2 :"بنى داره في المدينة، وشيّدها بالحجر والكِلْس، وجعل أبوابها من الساج والعرعر، واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة. وذكر عبداللَّه بن عتبة: أنّ عثمان يوم قتل كان له- عند خازنه- من المال خمسون ومائة ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القُرى وحُنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلّف خيلاً كثيراً وإبلاً " وفي أنساب الأشراف :"عن سليم أبي عامر: رأيت على عثمان بُرداً ثمنه مائة دينار" وفي الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري فيما نقله عن أبو موسى الاشعري انه قال: كنت إذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شيء، فلما ولي عثمان أتيت به فكان يبعث به الى نسائه وبناته، فلما رأيت ذلك أرسلت دمعي وبكيت، فقال لي ما يبكيك؟ فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال: رحم الله عمر!! كان حسنة وأنا حسنة ولكل ما اكتسب. قال أبو موسى: "إن عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبي من أولاده فيرده في مال الله ويقسمه بين المسلمين، فأراك قد أعطيت إحدى بناتك مجمرا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الأخرى درتين لا يعرف كم قيمتهما، فقال: إن عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير، وأنا أعمل برأيي ولا ألو عن الخير؛ وقد أوصاني الله تعالى بذوي قرباي؛ وأنا مستوص بهم أبرهم ومنها." وقال الذهبي في دول الاسلام 1 : 12 :"كان قد صار له أموال عظيمة رضي الله عنه وله ألف مملوك" وفي البداية والنهاية عن الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عتبة قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل، ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم، ومائة ألف دينار (2)، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات كان تصدق بها، بئر أريس، وخيبر، ووادي القرى، فيه مائتا ألف دينار. وفي رواية ابن سعد عن الواقدي: خمسون ومائة ألف دينار وقال في مروج الذهب: كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف خيلا كثيرا وإبلا"
كما انه وسع في منح المال للأمويين وأغدق عليهم عطايا لا تحق لهم شرعا ولا يحق له التصرف فيها او منحها لهم على حساب البدريين وبقية الصحابة وعموم المسلمين الخاضعين لحكمه. اجزل العطاء لمروان ابن الحكم رغم انه طريد الرسول مع ابيه ولم يكن له سبق في نشر الدعوة حتى تحول الى احد اثرى أهل المدينة. نقرأ في أنساب الأشراف 136:6 عن اُمّ بكر بنت المِسوَر: "لمّا بنى مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه، وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يحدّثهم: واللَّه، ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهماً فما فوقه فقال المسور: لو أكلتَ طعامك وسكتَّ لكان خيراً لك! لقد غزوتَ معنا إفريقيّة وأنّك لأقلّنا مالاً ورقيقاً وأعواناً، وأخفّنا ثقلاً، فأعطاك ابن عفّان خُمس إفريقيّة، وعملتَ على الصدقات فأخذتَ أموال المسلمين.
وللحارث ابن عمه نقرأ في المعارف لابن قتيبة 195 أنه : تصدّق رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمهزور- موضع سوق المدينة على المسلمين، فأقطعها عثمانُ الحارثَ بن الحكم؛ أخا مروان بن الحكم" وفي أنساب الأشراف 137:6 عن اُمّ بكر عن أبيها: قدمت إبل الصدقة على عثمان، فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص"
كما منح عبد الله بن خالد بن أسيد صهره مالا كثيرا يرد ذكره في تاريخ اليعقوبي (1/172) حيث نقرأ "زوج عثمان ابنته من ، وأمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البصرة." و:"حدث أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى آتاها عثمان، فقال له: ادفعها إلى الحكم ابن أبي العاص. وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال، فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إن شاء الله، فألح عليه، فقال: إنما أنت خازن لنا، فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب، فقال: أيها الناس زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته، وإنما كنت خازناً للمسلمين، وهذه مفاتيح بيت مالكم. ورمى بها، فأخذها عثمان، ودفعها إلى زيد بن ثابت." وفي تاريخ المدينة 1022:3:"عن محمّد بن سلام عن أبيه: قال عبداللَّه بن خالد لعبداللَّه بن عمر: كلِّم أميرَ المؤمنين عثمان؛ فإنّ لي عيالاً وعليَّ دَيناً. فقال: كلِّمه، فإنّك تجده برّاً وصولاً. فكلَّمَه، فزوّجه بنته، وأعطاه مائة ألف"
ولسعيد بن العاص ايضا في مال المسلمين حسب سياسة الخليفة عثمان حق يبنه أنساب الأشراف 137:6 :"عن أبي مخنف والواقدي: "أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيدَ بن العاص مائةَ ألف درهم، فكلّمه عليٌّ والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف في ذلك فقال: إنَّ له قرابةً ورَحِماً فقالوا: أفما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذَوُو رحم؟ فقال: إنّ أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسبُ في إعطاء قرابتي
ولزيد ابن ثابت كاتبه الذي جمع القرآن في عهده حسب المصادر الاسلامية منح عطاء لا وجود لتبرير شرعي له نجد خبره في أنساب الأشراف166:6: لمّا أعطى عثمانُ... زيدَ بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبو ذرّ يقول: بشّر الكانزين بعذاب أليم، ويتلو قول اللَّه عزّوجلّ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الآية التوبة: 34 وزيد ابن ثابت هذا تحول الى احد اثرى اهل المدينة ولنا أن نسال هل لسبقه في الاسلام كان له ذلك ام لجمعه للقرآن ام لخدمته المخلصة لعثمان؟ نجد في مروج الذهب: 342:2 عن سعيد بن المسيّب: إنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب والفضّة ما كان يُكسر بالفؤوس، غير ما خلّف من الأموال والضِّياع بقيمة مائة ألف دينار"
كما اعطى ابن شريكه في الجاهلية العبّاس بن ربيعة عطاء من بيت المال ولا نعلم ان كان خلاصا لدين قديم عجز الخليفة عن سداده فأضطر للأخذ من بيت مال المسلمين ام اعتراف بروابط صداقة قديمة مع شريكه يذك خبره الطبري في تاريخه 404:4 "عن سحيم بن حفص: كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب شريك عثمان في الجاهليّة، فقال لعثمان: اكتب لي إلى ابن عامر يُسلفني مائة ألف. فكتب، فأعطاه مائة ألف؛ وصلَه بها، وأقطعه دارَه؛ دار العبّاس بن ربيعة اليوم." واعطى موسى بن طلحة مالا يذكره كتاب أنساب الأشراف 108:6 "أعطى عثمانُ طلحةَ- في خلافته مائتي ألف دينار." وتاريخ المدينة 1020:3:" أوّل من أقطع بالعراق عثمانُ بن عفان قطائعَ ممّا كان من صوافي آل كسرى، وممّا جلا عنه أهله، فقطع لطلحة ابن عبيد اللَّه النشاستج" وهي حسب معجم البلدان: 285:5 "ضيعة أو نهر بالكوفة، وكانت عظيمة كثيرة الدخل "
ومع الزبير بن العوام سلك ذات الإغداق من بيت مال المسلمين حسب الطبقات الكبرى 107:3 :"عن أبي حصين: إنّ عثمان أجاز الزبيرَ بن العوّام بستّمائة ألف."
ومنح الوليد ابن عمه الحق في عدم خلاص دينه من بيت مال المسلمين بل بلغ الامر ان عزل ابن مسعود الذي طالب بسداد الدين واهانه ويفصل الخبر في أنساب الأشراف 140:6 :"عن أبي مخنف: لمّا قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال، فاستقرضه مالاً- وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثمّ تردّ ما تأخذ-، فأقرضه عبد اللَّه ما سأله ثمّ إنّه اقتضاه إيّاه، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان إلى عبد اللَّه بن مسعود: إنّما أنت خازن لنا، فلا تعرّض للوليد فيما أخذ من المال فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال: كنت أظنّ أنّي خازن للمسلمين! فأمّا إذ كنت خازناً لكم فلا حاجة لي في ذلك. وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال" وفي العقد الفريد 308:3 "عن عبداللَّه بن سنان: خرج علينا ابن مسعود ونحن في المسجد وكان على بيت مال الكوفة، وأميرالكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال: يا أهل الكوفة، فُقِدت من بيت مالكم الليلة مائةُ ألفٍ، لم يأتِني بها كتاب من أميرالمؤمنين، ولم يكتب لي بها براءة قال: فكتب الوليد بن عقبة إلى عثمان في ذلك، فنزعه عن بيت المال"
محابات أقاربه وتمكينهم من مراكز القرار والسيادة الى جانب هذا التوسع في أخذ مال لا يحق له واصراره على تحدي الجميع والتمسك بحقه في التصرف فيه دون مراجعة ولا انتقاد لسلوكه مثل أهم اسباب الثورة ضده مثيرا غضب الصحابة الذي بلغ مع علّي حد التلاسن والتهديد بالضرب ومع عمار ابن ياسر حد الضرب المبرح ونجد بعض تلك الاخبار - في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ الهيثمي "عن سعيد بن المسيب قال: كان لعثمان آذن فكان يخرج بين يديه إلى الصلاة قال: فخرج يوما فصلى والآذن بين يديه ثم جاء فجلس الآذن ناحية ولف رداءه فوضعه تحت رأسه واضطجع ووضع الدرة بين يديه فأقبل علي في إزار ورداء وبيده عصا فلما رآه الآذن من بعيد قال: هذا علي قد أقبل فجلس عثمان فأخذ عليه رداءه فجاء حتى قام على رأسه فقال: اشتريت ضيعة آل فلان ولوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائها حق أما إني قد علمت أنه لا يشتريها غيرك. فقام عثمان وجرى بينهما كلام حتى ألقى الله عز وجل وجاء العباس فدخل بينهما ورفع عثمان على علي الدرة. ورفع علي على عثمان العصا فجعل العباس يسكنهما ويقول لعلي: أمير المؤمنين ويقول لعثمان: ابن عمك. فلم يزل حتى سكتا فلما أن كان من الغد رأيتهما وكل منهما آخذ بيد صاحبه وهما يتحدثان. رواه الطبراني في الأوسط. - وفي أنساب الأشراف 161:6 عن أبي مخنف- في إسناده-: كان في بيت المال بالمدينة سَفَط، فيه حَلْي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله. فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلّموه فيه بكلامٍ شديد، حتى أغضبوه فخطب فقال لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء، وإن رَغِمت اُنوف أقوام فقال له عليّ: إذاً تُمْنع من ذلك، ويُحال بينك وبينه وقال عمّار بن ياسر: اُشهد اللَّه أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك."
إضافة لما تقدم مثل تعدي عثمان على بعض الصحابة (كابن مسعود وعمار ابن ياسر وابو ذر) من المشهود لهم بالسبق للإسلام والذود الدائم عنه والمكانة المرموقة عند نبيه حسب كتب السير السبب الذي أفاض الكأس وفجر الثورة بتكتل الصحابة وامهات المسلمين ضده ومطالبته بالتنحي بل والاشارة الصريحة الى ضرورة قتله لأنه بدل وغير سنة نبيه والشيخين قبله مما أذكى الغليان الثوري في كل من الكوفة والبصرة ومصر وأدى الى الانفجار الذي انتهى بمقتله.
حول تعديه على ابي ذر نقرأ في تاريخ اليعقوبي 1/174 أنه سنة 30 :" بلغ عثمان أن أبا ذر يقع فيه، ويذكر ما غير وبدل من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أبي بكر وعمر، فسيره إلى الشام إلى معاوية، وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق، إذا صلى صلاة الصبح، فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن الله الناهين عن المنكر والآتين له. وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه: أن احمله على قتب بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه... فلم يقم بالمدينة إلا أياماً حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها... إلى الربذة ... حتى تموت بها... فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي."
وعن ابن مسعود نقرأ في تاريخ المدينة : 1049:3 و 1051:"عن إسماعيل بن أبي خالد: إنّ الوليد بن عقبة كتب إلى عثمان يبغضه على ابن مسعود، وأنّ عثمان سيّره من الكوفة إلى المدينة، وحرمه عطاءه ثلاث سنين ... لمّا بلغ عثمان أنّ عبداللَّه مريض حمل إليه عطاءه خمسة عشر ألفاً، وكان عطاء البدريّين خمسة آلاف، فدخل عليه عثمان فقال: كيف تجدك؟ قال: مردود إلى مولاي الحقّ. قال: يرحمك اللَّه، كأنّها ظِنّة، هذا عطاؤك خمسة عشر ألفاً فاقبضه. قال: منعتنيه إذ كان ينفعني! فأنا آخذه منك يوم القيامة. فانصرف ولم يقبل عطاءه." وفي انساب الاشراف (2/269 :" قدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ألا أنه قدمت عليكم دويبة سوءٍ من تمشِ على طعامه يقيء ويسلح... ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً، وضرب به عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأرض، ويقال بل احتمله يحموم غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فدق ضلعه
وعن عبد الرحمان بن حنبل نقرأ في ذات الصفحة من تاريخ اليعقوبي:" وبلغ عثمان. عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم، فأمسك عنه، وسير عبد الرحمن بن حنبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القموس من خيبر، وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوئ ابنه وخاله، وأنه هجاه."
وعن عمار نجد في انساب الاشراف (2/275 :" قال عثمان: أعلي يا بن المتكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلىّ وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله؛ وقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفاً لبني مخزوم فقال: يا عثمان أما عليّ فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم السرة" يروي ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص29 أن عثمان ضرب عمار بن ياسر ضرباً مبرحاً . مع أن النبي (ص) قال " من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله " (الإصابة ج2 ص512). ويروي ابن كثير في تاريخه ج7 ص163 أن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود وكسر ضلعه وفي تاريخ المدينة : 1099:3 عن المغيرة: اجتمع ناس فكتبوا عيوب عثمان وفيهم: ابن مسعود، فاجتمعوا بباب عثمان ليدخلوا عليه فيكلّموه، فلمّا بلغوا الباب نكلوا إلّا عمّار بن ياسر؛ فإنّه دخل عليه فوعظه، فأمر به فضُرب حتى فُتق؛ فكان لا يستمسك بوله. فقيل لعمّار: ما هذا؟ قال: إنّي مُلَقّى من قريش؛ لقيتُ منهم في الإسلام كذا، وفعلوا بي كذا، ثمّ دخلت على هذا- يعني عثمان- فأمرته ونهيته، فصنع ما ترون؛ فلا يستمسك بولي"
هذه التجاوزات في حق صحابة محمد السابقين الى الاسلام ادت الى المنادات بضرورة قتله فيما نقل ابن الأثير والطبري عن الصحابة: وقيل كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم إن أردتم الجهاد فهلموا إليه فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فأقيموه . ( تأريخ الطبري ج4، ص36 وابن الأثير ج3 ص 58) كما نجد في الرياض النضرة ص389 وفي انساب البلاذري " لما توفي أَبُو ذر بالربذة تذاكر عَلِي وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فعل عُثْمَان فَقَالَ عَلِي : هَذَا عملك ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ : إِذَا شئت فخذ سَيْفك وآخذ سَيْفي ، إنه قَدْ خالف مَا أعطاني.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ ، عَنْ مُحَمَّد بْن صَالِح ، عَنْ عبيد بْن رافع ، عَنْ عُثْمَان بْن الشريد ، قَالَ : ذكر عُثْمَان عِنْدَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فِي مرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ : عاجلوه قبل أَن يتمادى فِي ملكه ، فبلغ ذَلِكَ عُثْمَان ، فبعث إِلَى بئر كَانَ يسقى منها نعم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فمنعه إياها " وينقل اليعقوبي أنه لما :"بلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم" وفي الجزء 2 / 132 قال اليعقوبي : " وكان بين عثمان وعائشة منافرة ، وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيرها أسوة بغيرها من نساء رسول الله " . وهذا الخلاف بين عائشة وعثمان يذكره الطبري في تاريخه فيقول :" أن الحسين بن نصر العطار، قال: حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار، قال: حدثنا سيف بن عمر، عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلى الحنفي. قال: وحدثنا عمر بن سعد، عن أسد بن عبد الله، عمن أدرك من أهل العلم؛ أن عائشة ... ردوني ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه، فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر"
أمام ما يتهدده من دعوات للانتقام التجأ عثمان الى معاوية والي كل الشام لكنه خذله ولم يقف معه خوفا من فقد الشرعية في المطالبة بالخلافة بعد مقتله وتذكر عدة مصادر سنية ذلك كالطبري في تاريخه (2/483) : فلما رأى عثمان ما قد نزل به، وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشأم... فلما جاء معاوية الكتاب تربص به، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد علم اجتماعهم." واليعقوبي (1/175) "وحصر ابن عديس البلوي عثمان في داره، فناشدهم الله، ثم نشد مفاتيح الخزائن، فأتوا بها إلى طلحة بن عبيد الله، وعثمان محصور في داره، وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة، فكتب إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثني عشر ألفاً، ثم قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحة أمره، فأتى عثمان، فسأله عن المدة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. قال: لا والله، ولكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا ولي الثأر. ارجع، فجئني بالناس! فرجع، فلم يعد إليه حتى قتل. وفي تاريخ المدينة لابن شبة » أخبار عثمان بن عفان : رقم الحديث: 2169 حديث موقوف) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قال : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ ، قَالَ : أَرْسَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَمِدُّهُ ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ جَدَّ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ ، وَقَالَ لَهُ : إِذَا أَتَيْتَ ذَا خُشُبٍ فَأَقِمْ بِهَا وَلا تَتَجَاوَزْهَا ، لا تَقُلِ : الشَّاهِدُ يَرَى مَا لا يَرَى الْغَائِبُ ، قَالَ : وَأَنْتَ الْغَائِبُ . # فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان رضي الله عنه . فقلت لجويرية : لم صنع هذا # ؟ أَنَا الشَّاهِدُ قَالَ : صَنَعَهُ عَمْدًا لِيُقْتَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ." وأيضا :"قال المسوّر : إنّى والله ما قتلت عثمان ، ولكن قتله سيرة أبى بكر وعمر ، وكتب يستمدّك بالجند فحبستهم عنه حتي قُتل ، وهم بالزَّرقاء"
بالتالي لم يكن الاحتقان ضد عثمان وخلافته وليد فترة معينة محددة زمنيا بل كان امتدادا طبيعيا لسياسة عثمان منذ بداية توليه الحكم. عثمان الذي كان يرى أنه لو كانت بيده ابواب الجنة لأدخل كل بني امية والذي مهد للحكم الاموي الذي انتزعه معاوية بالقوة العسكرية والسياسية والمادية التي يمتلكها كوال لكل الشام. عثمان الذي يؤمن ان الولاية ابدية لا سبيل الى نزعها من الحاكم قائلا :" والله لا أنزع ثوباً سربلنيه الله " عندما واجهه الصحابة وقواد الثورة ضده بتجاوزاته وخروجه عن الاسلام مقترحين عليه العقاب كاي مسلم أخطأ او أن يتبرأ من الولاية او ان يعزل من طرف رعيته فرد عليهم كما يذكر ذلك الطبري 3- 437 :" أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقدمن أحد منهم وقد علمت أنما يريدون نفسي وأما إن أتبرأ من الامارة فأن يكلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من عمل الله عز وجل وخلافته وأما قولكم يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤن من طاعتي فلست عليكم بوكيل ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة ولكن أتوها طائعين "
في الكتب السنية نجد محاولات تبرير لتجاوزات عثمان السياسية والمالية رغم ان كتب السير الاقدم تقدم هذه التجاوزات تصريحا او تلميحا كوقائع تاريخية. فهل ان الطبري وابن كثير والبلاذري وغيرهم كانوا من اعداء السنة الباحثين عن زلات عثمان وأخطاءه السياسية ليذكروها في مصنفاتهم أم انها إضافات لاحقة لهم تمت حشرها عنوة في كتبهم أم انها الحقيقة الت يحاول المسلمون تجاهلها لأن تمس بأحد الخلفاء الذين يمنحونه العصمة ؟
ثم إذا سلمنا بمفهوم عثمان للخلافة الاسلامية على انها ابدية لا يراجع فيها الحاكم على اخطاءه ولا يجوز لرعيته انتقاده او عزله، يتصرف في اموال شعبه على هواه ليثري منها ويمنح منها من يشاء من بطانته وأنصاره نسأل أين العدل في المنظومة التشريعية الاسلامية لما يتعلق الامر بتجاوزات في حق المسلمين يقوم بها الحاكم صاحب السلطة المطلقة والممثل للنبي القدوة ولأمر الله في رعاية الجماعة من المسلمين؟ ثم انطلاقا مما قام به عثمان في فترة حكمه نسأل هل توجد مبادئ على الحاكم الالتزام بها ان اخطأ وظلم رعيته وهل يمكن ان يعتبر عثمان بالتالي سلفا صالحا يجب الاقتداء به؟
وهل أن سلوك عثمان الاستبدادي بالسلطة والذي لا يقبل مراجعة مهما كانت مخالفاته من صميم الدين الذي يحاولون اليوم العودة اليه بالدعوة للحاكمية الالهية وإرساء دولة الاسلام ثم لو التزم حكامنا بعرى الدين علنا في كل مظاهره التعبدية لماذا اسقطنا بعضهم ونحاول اسقاط البقية ما داموا لم يشذوا عن سياسة عثمان في استغلال مناصبهم وصلة رحمهم والتصرف الحر في خزائن أموال دولنا عطاء وهبة واثراء فاحشا أم اننا نمنح العصمة والقداسة لرموز قديمة فسقت وجارت معتبرين اياها قدوة وسلفا صالحا ونثور على كل ما يمس استقرارنا المادي والسياسي بدعوى خروج حكامنا عن الدين القويم؟
هل وجدت قواعد للحكم السياسي وضوابط واضحة تحدد مدى حرية الحاكم في سياسته لشعبه وثرواته في المنظومة الاسلامية وان وجدت لماذا شذ عنها عثمان ورغم ذلك بحثوا ولا زلنا نبحث له عن تبريرات؟
دمتم بخير
#رويدة_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حضور الغياب .. وقفة سياسية
-
بحث في سيرة عثمان من منظور اسلامي
-
الخلافة الراشدة عثمان وعلي والفتنة الكبرى - سياسة بلوس ديني
-
صفحات من تونس- دخول الاسلام الى افريقية جزء 2
-
صفحات من تونس- دخول الاسلام لافريقية
-
صفحات من تونس- تاريخ شعب
-
الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 2
-
الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 1
-
حضور الغياب.. صفحات مصرية
-
حضور الغياب.. وريقات عراقية
-
الخلافة الراشدة
-
حظور الغياب: أنيس مرة أخرى
-
السياسة المحمدية. جزء ثاني
-
السياسة المحمدية : الزنا الحلال بين الدين والسياسة
-
الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثالث)
-
الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثاني)
-
الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الاول)
-
النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى 2
-
النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى
-
النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: القرآن
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|