|
الصهيونية وموقف البعض منها
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 23:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثلما ما راح البعض يبذل جهودا مضنية لتفنيد الماركسية والماركسين ويتغنى بالرأسمالية والرأسماليين ويمجدهم ويضفي عليهم صفات تظهرهم بمظهر الانبياء والمرسلين، فهم، اي الرأسماليين، يساعدون الفقراء والمحتاجين، يطعمونهم ويكسونهم واذا مرضوا يعالجونهم ويضحون باموالهم من اجل الخير الانساني العام، يجنح هذا البعض ايضا للدفاع عن الصهيونية بشكل مباشر او غير مباشر، فكل افعالها القبيحة ومؤامراتها الخبيثة وجواسيسها المنتشرون في عرض البلدان وطولها، وكل عصاباتها الشريرة، ورجال امنها القساة البغاة تصبح اوهام من صنع الخيال. فيقول احدهم: ان الصهيونية لا توجد الا في عقولكم، بينما ثمرة الصهيونية، اسرائيل، تقف شاخصة تتحدى العالم، مثقلة بجرائمها وعدها وعديدها النووي وآلتها الحربية الهمجية ونياتها التوسعية، تقف بكل قساوة وغلاضة على تلال من جثث الاطفال والنساء والشباب واللوعات الانسانية المعذبة، تقف مستهزأة باوجاع ملايين الفلسطنيين الذين قذفتهم الى متاهات الغربة والمنافي الباردة ، حيث يعيشون ويموتون دون وطن، غير مرغوب فيهم، يجترعون المآسي والكوارث، مأساة لا يعرفها الا من تهجر من بلاده وسلب منه حق العيش فيها واعتكف في وطن صغير يسمى ذاته. ومثلما اصبح الرأسماليون رسل هداية ورحمة، اصبح العتاة و رجال الامن والجلادون الصهيونيون ملائكة للرحمة، فهم، اي الصهيونيين، لا يعذبون ولا يقتلون ولا يحتقرون ولا يبتكرون ابشع وسائل التعذيب النفسية والجسدية لانتزاع الاعترافات، لأن ثقافتهم غربية. وكان هتلر وموسيليني ومكارثر وغوبلز وفرانكو ليسوا من نسل الثقافة الغربية.؟ وكان التمييز العنصري والعبودية ليس من الثقافة الغربية. بل ان هذا البعض المريض فكريا، يحمل الذنب على الضحايا احياء وامواتا، فهم ربما قد ارهقوا واتعبوا الجلادين المساكين، فلولا اعمالهم الطائشة، لبقى الصهيوني البرئ في بيته يستمتع بخلوة مع زوجته، ويصطحب اطفاله الى الحدائق وملاعب الاطقال ايام عطلة الاله الذي لم يوصهم خيرا بمن لا ينتمون الى شعبه المختار. قد يتصور البعض ان هذا من وحي ثقافة خاطئة او ثقافة قومية متحاملة، لكن الشواهد والتواريخ تؤكد بان الصهيونية ومنذ عصاباتها الاولى الهجاناه وارغون مارست العنف المفرط لاجبار الفسلطينيين على بيع اراضيهم وبيوتهم ومغادرتها الى المجهول خوف من الارهاب الصهيوني المنظم. لقد اقدمت هذه العصابات المؤدلجة بالفكر الصهيوني العنصري على ارتكاب الكثير من المجازر والمذابح في فلسطين، ولا ننسى جرائم شارون التي ارتكبها في لبنان وخاصة مجزرة صبرا وشاتيلا حيث سمح وساعد ايلي حبيقة على ذبح النساء والاطفال الفلسطينين بابشع صورة.
نحن العراقيون، نعرف بالطبع كيف اجبر اليهود العراقيون على بيع املاكهم وبيوتهم باثمان بخسة ثم اسقطت عنهم الجنسية واجبروا على المغادرة الى الشتات خوفا من المستقبل المجهول، فكيف لنا ان نشطب على الاف القصص الفلسطينية التي تروي عذابات والآم الامهات الفلسطينيات اللواتي لا يتوقفن عن بكاء قتلاهن على يد العصابات الصهونية ونقول ان كل ذلك من اوهام الخيال؟
لم اسمع احدا يمتدح الصهيونية ويثنى عليها إلا الآن، فلا احد يمتدح الارهاب او يبرر له اعماله، الآن فقط يتجرأ البعض وبكل صلافة على امتداح هذه الحركة الارهابية ويمنحها صفة الوطنية بحجة انها تدافع عن وطنها اسرائيل، بل ان احدهم صنفها بانها حركة تحرير وطني!! اما هؤلاء الذين يتهمون غيرهم بالأدلجة ويشنون الحملات على من يحاول تبرير غلاضة وقساوة ستالين، يغضون النظر عن جرائم الصهيونية ولا يرون غضاضة في ايدلوجيتها العنصرية ويتفقون على وجود يسار صهيوني؟ اليس من المضحك ان يكون للاديلوجيات العنصرية يسار؟ هل يمكن ان نقول ان للنازية او للفاشية يسار؟ هل يمكن ان يكون للوهابية اتجاه تقدمي؟
من يؤمن بالأدلوجية الصهيونية التي تقول بان الله قد وعد اليهود ارض المعاد فلسطين وينذر حياته لتحقيق هذا الحلم بكل الوسائل، فهو بنظرهم غير مؤدلج حتى لو افنى حياته وكرسها لتحقيق حلمه الايدلوجي، وهو غير مجرم بل وطني وأن ارتكب عشرات الجرائم ، هكذا يناقش هذا البعض الذي ينبش القبور ويعيد الحياة للاجداث ليحاكمها وفق قناعته الصبيانية وليس وفق واقع فرضته القنابل والمدافع والرصاص واقترف فيه الجميع الذنوب والجرائم واسقطت فيه القنابل الذرية. كم قتلت هذه القنابل اللعينة من الاطفال والنساء والشباب؟ وبقى الاطفال ربما لحد الآن، يولدون مشوهون مسرطنون محرومون من السعادة الطفولية. اليست الثقافة الغربية نفسها هي التي بررت هذا القتل بحجة انهاء الحرب؟ لماذا لا يدين الامريكيون المتحضرون القاء القنابل الذرية على اليابان؟
قد لا نعجب مطقا اذا ما امتدح هذا البعض في يوم ما عصابات الـ كو كلوكس كلان العنصرية بحجة انها تدافع عن نقاء الجنس الابيض الذكي من الاختلاط بالجنس الاسود الغبي. فكل شيء جائز ما دام هو غربي المنبت لأن هذا البعض مصاب بعقدة الخواجة التي تعتبر حتى دنائات الغرب ثقافة وتحضر. انها متلازمة مرضية تضهر اعراضها بحلقات متتالية من الامتهان والاذعان والخنوع والشعور الدوني الذاتي المقارن، عقدة الخواجة لا تعني السعي للالتحاق بالتطور الحاصل عند الغرب، انها مجرد شعور بالدونية عند المصابين به، شعور لا يفارقهم ابدا، فلغتهم وثقافتهم وطرق حياتهم ومعيشتهم تصبح ليست ذات قيمة ولا تستحق الاحترام اذا ما قورنت بالغرب. هنا هي المشكلة عقدة السيد والعبد.
لم يكن هدف الصهيونية انشاء وطن قومي لليهود، فهذا مطلب انساني قد يتعاطف معه الكثيرون وقد يختلف معهم اخرون، وهذا ما عناه بلفور بتصريحه بان الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف لانشاء وطن قومي لليهود. فلو قال ان الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف لتحقيق الهدف الديني الصهيوني فهل يتعاطف مع احد؟ الا يعتبر ذلك فضيحة؟ الصهيونية لا تقول بانشاء وطن قومي لليهود، انها تعمل من اجل ارجاع اليهود الى ارض المعاد، الى تحقيق وعد الله لهم، الى العودة الى تل صهيون حيث بنى عليه ملكهم داوود معبده. انها حركة دينية متطرفة مثلها مثل الوهابية والقاعدة و الاخوان المسلمون كلهم يسعون لتحقيق اهدافهم الدينية باي وسيلة كانت اجراما كانت ام ارهاب. لو قلنا ان الصهيونية حركة وطنية، فاننا عندها نعتبر ان كل اليهود صهاينة، وهذه اهانة لليهود وخطأ لا يقع فيه الا المغفلين والاغبياء. فهل البعثيون وطنيون؟ هل القوميون وطنيون؟ ابعد ما يكون عن الوطنية هي الحركات القومية. الوطنية شعور بالانتماء للجميع، بينما القومية حدودها لا تتعدى مضارب القوم. ان الصهيونية حركة عنصرية بالضرورة لا تزدهر ولا يتلاحم اعضاءها الا من خلال الحقد والبغض على الاخرين، انها تصنع الاعداء لكي تعيش وتبقى ويتسيد قادتها على الجميع. الصهونية بهذا المعنى حركة قومية دينية متطرفة وليس حركة علمانية.. لذلك يصر الصهيونيون على اعتبار اسرائيل دولة يهودية رغم انها تحوي على عدة ديانات وعدة اقوام. المفارقة ان الاصوليين اليهود يضادون الحركة الصهيونية ويعتبرونها تدنيسا للدين اليهودي واجحادا بالاله، فهم يحاججون بان وعد الله لا يتحقق الا بيد الله وليس على يد حفنة من ممتهني القتل والاجرام الذين لا يتورعون على تفجير وقتل ناسهم لاجبارالبقية على الهجرة الى ارض المعاد، ليس بمعرض تبجيل هؤلاء الاصوليين الذين يجدون حضنا دافئا عند الاسلاميين، فيستضيفونهم في برامجهم التلفزيونية يدعوهم الى مؤتمراتهم الدينية، ليس لأن الاسلاميين يؤمنون بوعد الله وحق اليهود بالحياة، بل لان الاسلامين ميكافليون غايتهم تبرر وسائلهم حتى لو كانت النفاق هو الوسيلة، لكن لكي اوضح ان ليس كل اليهود صهيونيون وان احد اسباب عدم حل المشكلة الفلسطينية هم الصهاينة.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيعة ومقبرة النجف
-
كوردستان من الفدرالية الى الكونفدرالية
-
رجال الدين والفضائح
-
المساواة في القانون والشريعة الاسلامية
-
إله عربي بقلنسوة وأزلاف طويلة
-
وصايا الله العشرة والاسلام السياسي
-
كلمات الله الضائعة بين جبرائيل وبين محمد
-
سيرة غير عطرة لنبي
-
الايمو والسياسة والدين.
-
اضطهاد المرأة في صدر الاسلام
-
عندما يكون الله معديا
-
من اجل ربيع يساري قادم
-
هل يمكن تعايش الثقافتين العلمانية والاسلامية؟
-
احتجاج جسد عاري
-
الديمقراطية الإسلامية العجيبة في العراق
-
الاسلام والقذافي وصدام
-
الصخب الإعلامي والإسلامي
-
القوميات بين الواقع والطموحات.
-
هل تخلع الشعوب الاله كما خلعت الحكام ؟
-
من الديمقراطية إلى الإسلام در.!!
المزيد.....
-
إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي
...
-
10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
-
برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح
...
-
DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال
...
-
روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
-
مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي
...
-
-ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
-
ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
-
إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل
...
-
الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات
المزيد.....
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
المزيد.....
|