|
يسار الثورة
عديد نصار
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 23:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما أشعل ثورة الشعب في سوريا هو نفسه ما أشعل باقي الانتفاضات على امتداد الوطن العربي و هي انتفاضات شبابية و شعبية متدحرجة و متواصلة و ستشمل كل الوطن العربي على الأقل في المرحلة الصاعدة، و هي أسباب مادية لا ينكرها إلا عدو الشعب. لأنه آن للمخدوع أن يفهم. هذه الأسباب تتلخص بالافقار و الإذلال اللذين مورسا بكل صلف بحق كل المواطنين. إضافة إلى التبعية ولاستشراء الفساد في كل مجال. في سوريا، و في البدء، كانت مطالب الناس بسيطة و متواضعة تتلخص بمعاقبة القتلة في درعا و إجراء بعض الاصلاحات البسيطة ( و بقيادة الدكتور الشاب بشار الأسد نفسه ! ). ووجهت هذه المطالب، ليس بقنابل الغاز المسيل للدموع، و لا برشاشات المياه، و لا بالعصي، و لا حتى بالرصاص المطاطي ... كما تفعل سائر أنظمة الحكم في العالم، بل بالقتل المباشر و الجماعي للمتظاهرين! و من ينكر هذه الوقائع هو عدو للبشرية جمعاء و ليس للشعب السوري فحسب. انتفض القاع الاجتماعي من المفقرين والمهمشين في مختلف الأرياف ضد القهر. ( حنين نمر و غزو الريف للحضر ! مللا شيوعية مسخرة ! ) فكان حصار المدن و الأحياء و القرى من قبل قوى السلطة و هجومات الشبيحة و القتل المباشر و القصف و زج الجيش في مواجهة المتظاهرين. ارتفعت حصيلة ضحايا القمع الدوي الذي مارسه كل من الأمن و الشبيحة و الجيش في مواجهة المنتفضين في مختلف المناطق من حتى بلغت الآلاف، باستثناء قلب دمشق و حلب التجاريين إلى درجة بدأ الجنود يرفضون أوامر القتل الصادرة بحق أهلهم. هؤلاء الجنود ليسوا أولاد الرأسماليين و ليسوا أبناء المتنفذين بل ابناء المفقرين و المهمشين. فكانت الانشقاقات و كانت بالمقابل الاعدامات الميدانية. و تطورت الأمور إلى الوضع الراهن نظرا لشراسة النظام في عدائه و احتقاره للشعب. تم الانفصال بشكل كامل بينهما. دعمت روسيا و الصين و إيران قوى النظام بكل قوة ( وغباء ). و استخدمت باقي القوى العربية و الدولية ( الامبرياليون و الأتباع ) أساليب ملتوية تتيح لهم المناورة و تتيح للنظام القيام بمزيد من المجازر و عمليات القتل طالما يمارس تماما ما كانوا ليمارسوه و لكن بأدوات و عنصر بشري محليين، أي دون أن يكلف تلك القوى، المعادية للشعوب، أي شيء. و توسعت الانتفاضة و الانشقاقات في صفوف الجيش و القوى الأمنية. و منذ البداية، كان هناك من يحاول الاصطياد في الدم السوري المسفوح من قوى ظلامية و اسلام سياسي استفادت من غياب قوى ثورية جذرية قادرة على توجيه الانتفاضة الشعبية و تحويلها إلى أهم ثورة شعبية في التاريخ المعاصر. و لكن هذه القوى ظلت محدودة و معزولة في الشارع بخلاف ما يصوره الإعلام التابع. من هنا نجد أنها ثورة شعبية عفوية. إنها ليست ثورة اشتراكية و ليست ثورة ذات مشروع وطني متفق عليه سلفا أو بقيادة موحدة تمتلك برنامجا سياسيا واضحا و محددا للمرحلة. و هذا ليس مسؤولية الشعب الذي انتفض في مواجهة آلة القتل و ضحى بعشرات الآلاف من الشهداء و مئات الآلاف من المصابين و المعتقلين لإسقاط الجزار. إنها مسؤولية أحزاب اليسار و الشيوعية التقليدية المأزومة و الانتهازية التي التحقت بالنظام و بررت له مجازره بحق الناس بدل التحامها بالشعب. فعبرت عن سقوط سياسي و أخلاقي مريعين. الصراع الحقيقي أصبح ضمن الثورة، و عليها، و هنا علينا أن نحدد خيارنا و موقعنا، ليس مع الثورة أو في مواجهتها. فالنظام سقط منذ حرّك القوات المسلحة لمواجهة الشعب. فلِمَ التعلق به؟ و ضمن الثورة، و من قلبها يمكنك أن تعلن مشروعك كيساري، تحدد الأصدقاء و الأعداء، و ترسم تحالفاتك التي تستطيع أن تجعل منها تحالفات الثورة.
هذا ما جعل الكثير من القواعد الشعبية و التنظيمية لتلك الأحزاب ( شيوعيون من مختلف القوى و الأحزاب ) تنفضّ عنها و تلتحق بالشارع بـ"المفرق"، فكانت فاعلية نضالاتها المتميزة متواضعة و لكن ملموسة. و بالتالي يتحدد دور الشيوعيين في هذه الحالة بالالتحام بانتفاضة الشعب و ليس الوقوف في وجهها و التنكر لها و تركها نهبا للانتهازيين و قوى الثورة المضادة و المتصيدين بالدماء. دورهم يفرض عليهم حمايتها من كل هؤلاء و توجيهها و صياغة شعاراتها و الإضاءة الدائمة على أسبابها المادية و أهدافها الحقيقية. لقد شكل رفاقنا اليساريون و الشيوعيون في الشارع ما يمكن تسميته بيسار الثورة، و كي يستطيع هؤلاء الرفاق أن يؤدوا الدور المفترض لهم، لا بد أن يصنعوا بداية، ثورة اليسار على واقعهم و واقع أحزابهم المأزومة. و بالتالي لن يكون بمقدورهم لعب هذا الدور بشكل حقيقي و فاعل ما لم يتخلصوا من أزماتهم المزمنة، أزمة قوى الشيوعية التقليدية و حركات اليسار الملتحقة بالنظام. و لن يكون ذلك ممكنا إلا بالخروج من هذه الأطر المأزومة و بالعمل بين الناس و صياغة رؤى و أطر جديدة من رحم الواقع و من معاناته، فتأتي قادرة على أن تجيب على أسئلة الواقع، و بالتالي قادرة على قيادة نضالات الجماهير.
إنها دعوة مفتوحة لكل حريص على دور حقيقي و فاعل لليسار، ( في سوريا و في غيرسوريا )، دور تتعطش له الشوارع و الطبقة العاملة و كل الكادحين و المهمشين: أنْ غادِروا أزمتكم المزمنة، تحرروا من القيود الإيديولوجية و عبادة الموتى و من قيود السلفية الشيوعية المرتبطة بأفكار و أحداث كانت لها ظروفها التاريخية التي لم تعد موجودة. و بالتالي تحرروا من الرؤى التقليدية التي لم يعد لها أساس مادي راهن. و لتكن رؤيتكم ماركسية مادية جدلية لواقع مستجد و متغير محليا و إقليميا و عالميا. و توحدوا في إطار وحدة العمل النضالي الملتحم بنضال الجماهير، في إطار وحدة قادرة على إعادة صياغة أهداف و توجه ثورتها بما يخدم التحرر و التقدم و الانفتاح على الأفق الاشتراكي الذي نحلم به. دائما هناك متسع من الوقت لإعادة تقييم المواقف!
#عديد_نصار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجموعة يساري: اللقاء الحواري الأسبوعي -الثورة السورية: الفري
...
-
- المؤامرة - و الموقع الطبيعي لليسار في الانتفاضات الثورية
-
خاص مجموعة يساري: الصراع الطبقي في مصر و الأزمة السياسية – م
...
-
اللقاء الحواري الأسبوعي في مجموعة يساري: الحراك الشعبي في ال
...
-
في العنف والعنف الثوري – حسان خالد شاتيلا- مجموعة يساري: الل
...
-
الحوار الاسبوعي في مجموعة يساري : باسم شيت، الثورة المصرية و
...
-
الحوار الاسبوعي الذي تجريه مجموعة يساري: قضية المرأة مسألة أ
...
-
لماذا فشلنا في اسقاط النظام الطائفي في لبنان
-
الحوار الاسبوعي في مجموعة يساري : سلامة كيلة - الارتباكات حو
...
-
الحزب الذي يصنع المناضل المثال!
-
مجموعة - يساري - ندوة حول تطورات الثورة المصرية
-
المفتون
-
ملاحظتان في حدث
-
في الذكرى ال75 لانطلاقة الحزب الشيوعي العراقي، كيف نستعيد حز
...
-
محاولة للرد على رد على تعقيب السيد علي الأسدي - ماذا تبقى من
...
-
- الدولة الحديثة - في القراءة المادية
-
البرجوازية الوضيعة ( الصغيرة )، القاعدة العريضة للنظام الطائ
...
-
ظلّي اضحكي!
-
بعض المصطلحات التي يروج لها النظام الرأسمالي المتهالك و ضرور
...
-
من أجل برنامج سياسي ثوري للحزب الشيوعي اللبناني
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|