|
عراق أخضر... أَم ... ترابي؟
نبيل رومايا
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 01:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ العالم يتعرف على مدى عمق الكارثة البيئية التي حلت بالعراق بعد تجفيف الاهوار في تسعينيات القرن الماضي عندما لاحظ متابعي هجرة الطيور نقص هائل في اعداد الطيور المهاجرة التي كانت تستقر وتتكاثر في اهوار العراق في فصل الشتاء وتعود مع بداية فصل الصيف الى مواطنها الأصلية ضمن هجرات كبرى تمتد عبر القارات. ويقال أن اسراب تلك الطيور كانت تحجب الشمس مع بداية كل فصل شتاء لدى تحليقها فوق الاهوار. وفي عام 2000، وزعت الإدارة الوطنية للطيران والفضاء الامريكية (ناسا) صوراً تؤكد تجفيف %90 من أهوار العراق، واعتبرت "إن التدمير شبه الكامل للأهوار العراقية في ظل نظام صدام حسين كان كارثة إنسانية وبيئية كبرى، حرمت عرب الأهوار من ثقافة عمرها قرون". وبتدمير اهوار العراق دمر النظام السابق أهم معالم بقايا الحضارة السومرية والتي كانت اثارها ومعالمها منتشرة في تلك المناطق. إن تجفيف الاهوار ونقص كميات الامطار وارتفاع الحرارة وتقلص المساحات الخضراء وعدم وجود ثقافة بيئية وزراعية مبرمجة، اضافة الى السياسات البيئية العشوائية في العهد الدكتاتوري والمستمرة الى يومنا هذا وتجاوزات دول الجوار تكاد تؤدي الى تغيير الخريطة البيئية والمائية العراقية وتدفعها الى كارثة ممكن تلافيها. وحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فإن " التصحر يعني تدهور الأرض في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وفي المناطق الجافة وشبه الرطبة الذي ينتج من عوامل مختلفة تشمل التغيرات المناخية والنشاطات البشرية. وهذا يؤثر على دعم الوجود البشري في تلك المناطق. إن مشكلة التصحر وجفاف البيئة وخسارة الاراضي الزراعية ستشكل كارثة اقتصادية واجتماعية وانسانية كبيرة في العراق، وستسبب في هجرات واسعة من الريف للمدن، وصراعات بين المحافظات والمناطق حول ملكية المياه والانهر، مع نقص كبير في مياه الشرب والسقي والزراعة. ولم يمر العراق في تاريخه بمرحلة تهدد تصحره لوجود الرافدين الكبيرين وروافدهم وخزانات كبيرة للمياه، ولكن السياسات المدمرة للنظام المقبور وعدم اهتمامه بالاتفاقيات الدولية مع دول الجوار افقد العراق الكثير من حقوقه وخاصة عندما اخذت هذه الدول ببناء السدود العملاقة على الانهار التي تصب في العراق مستغلة وضع العراق الضعيف وعزلته الدولية في تلك الفترة، ومستغلة عجز الحكومة الحالية في المطالبة بالحقوق المائية من دول الجوار بسبب الصراعات الطائفية الداخلية ووقوف هذه الكتل الى جانب هذه الدولة او تلك. ففي محافظة ذي قار فقط بلغت مساحات الاراضي الزراعية المهددة بالتصحر نحو مليونين و881 ألف دونم، او حوالي 54 بالمئة من مجموع المساحة الكلية للمحافظة البالغة 5 ملايين و160 الف دونم. اما الاراضي المتصحرة فعلا فقد اصبحت تشكل 35.6 بالمئة. واذا استمرت الحالة كما هي فأن مؤسسات البحوث الدولية ومنها "المنظمة الأوروبية للمياه" تتوقع ان يخسر العراق موارده المائية بشكل كامل بمجيء عام 2040. فما العمل؟ لقد تم تشخيص الاسباب فهل نستمر بالتذمر والتشكي بدون عمل جاد لحل المشكلة؟ نحن هنا نحاول تسليط الاضواء على هذه الكارثة المحتملة ونطرح بعض الحلول ونطالب حكومتنا الرشيدة بالتوقف ولو لفترة قصيرة عن الصراعات الداخلية والحزبية والطائفية والعمل بشكل موحد لرسم خطة عملية مستقبلية لإيقاف ظاهرة التصحر والعواصف الترابية في العراق والاهتمام بالبيئة والزراعة والمياه. إن عكس وتراجع الخراب البيئي لن يتم بليلة وضحاها وسيستغرق سنوات كثيرة وتخطيط مستمر، فلنبدأ اليوم. بعض الاقتراحات والحلول: 1. الدخول في مناقشات سريعة مع دول الجوار وتثبيت الحق العراقي كمصب مائي. والاستعانة بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية القضائية لتثبيت حصصنا المائية. كذلك فإن العراق سوق كبيرة لمنتجات معظم دول الجوار فالمياه مقابل السوق مقولة لابأس بها. 2. القيام بحملة وطنية مبرمجة ومدعومة بخبرات دولية للتشجير وغرس ملايين الاشجار التي ممكن ان تنمو في البيئة العراقية، مع توفير الموارد للإدامة والحفاظ عليها. 3. البدء بشكل سريع بدراسات ومشاريع طموحة لبناء مخازن وسدود على الانهار العراقية للحفاظ على المياه التي تصب في شط العرب وتحويلها الى المناطق الزراعية وتوسيع الرقعة الخضراء. وهنا تجري الاستفادة من الخبرات الدولية في بناء السدود والخزانات. 4. تخصيص جزء مناسب من الميزانية الوطنية لرعاية المشاريع البيئية وايقاف التصحر. ودعم الوزارات والمؤسسات ذات الاختصاص والاهتمام بها. 5. اطلاق حملة وطنية واعلامية لتوعية الانسان العراقي ودعوته للاهتمام بالبيئة مع مكافآت للمبدعين وعقوبات للمخالفين. وتبدأ هذه الحملة مع الصغار ايضا في بداية المراحل الدراسية. 6. تحديث وانشاء مراكز ومؤسسات للبحث العلمي البيئي، وتخريج اختصاصيين في مجالات البيئة من الجامعات العراقية والاجنبية. 7. تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين العراق ودول العالم واقامة المؤتمرات الدولية لإغناء الخبرات. 8. اقامة مشاريع لتحلية المياه والاستفادة من المياه الجوفية بشكل مبرمج لدعم المشاريع الزراعية والاحزمة الخضراء. 9. اقامة احزمة خضراء حول المدن العراقية والاهتمام بإدامتها على غرار المشروع الذي اطلقه د. حسن الجنابي، الممثل الدائم للعراق لدى منظمة الاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، والذي اقترح فيه مشروع لإنشاء حزام اخضر لمقاومة ظاهرة التصحر في العراق وذلك بزراعة انواع عديدة من الاشجار الملائمة للبيئة الصحراوية. واقترحَ ايضا انشاء هيئة وطنية لتصميم وتنفيذ وادامة المشروع. 10. الاستمرار بدعم مشاريع اعادة الحياة الى الاهوار العراقية، والتعاون مع المؤسسات العالمية المهتمة بالبيئة والتراث والطيور والاسماك والانواع المختلفة للحيوانات المهددة بالانقراض. 11. التخطيط لإعادة نخيل العراق الى الاعداد التي كانت عليها قبل حروب صدام والاهمال الذي عانته منذ ذلك الحين. 12. تنظيف وتوسيع الانهار وروافدها من الاعشاب النهرية والبحرية ومن القمامة والنفايات والمخلفات الصناعية. 13. ايجاد حلول اَنية ومستقبلية لمشكلة زيادة الملوحة في شط العرب والمسطحات والمخازن المائية الاخرى مثل منخفض الثرثار والاستفادة منها في المجالات اقتصادية والزراعية وليس فقط للاستيعاب والتصريف. هذه بعض الحلول والاقتراحات لحل ازمة المياه والتصحر والعواصف الترابية والبيئة في العراق وهذه ليست كل الحلول وانا متأكد ان هناك مشاريع وحلول اكثر لهذه المشكلة. بعض من هذه الحلول قابل للتطبيق بشكل سريع وبعضها ربما يستغرق وقتا وسنوات طويلة، ولكن المهم ان نبدأ الان قبل فوات الاوان. إن الفرق هو بين عراق ذو بيئة صحية متعافية صالحة لعيش شعبها بسعادة وهناء ورفاهية لأجيال وأجيال قادمة او عراق مدمر ضعيف تشوبه الصراعات يعيش من افضال وحسنات دول الجوار. لنبدأ بتنفيذ هذه المشاريع اليوم طالما لدينا الموارد المالية الكافية من النفط العراقي والذي لن يستمر للابد.
#نبيل_رومايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتهاء التظاهرات في كل انحاء العالم ... شكرا للصيف العراقي !
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|