|
تكوين الظاهرة الروائية إعادة النشأة وهيمنة التفسير الايديولوجي 1-2 .
حسن مجاد
الحوار المتمدن-العدد: 3814 - 2012 / 8 / 9 - 09:33
المحور:
الادب والفن
ترى كيف يمكن ان نتخيل حجم الإرث الروائي في كلاسيكياته المؤسسة لتقاليد الفن، وهو يعمل عبر فاعلية المخيال السردي على تصوير الحياة الأوربية وصعود الطبقة البرجوازية، كيف ساهمت الرواية في تقديم رؤية للعالم من شرفات القاع، وهو ما أقصى البعد الفانتازي والغرائبي الذي كان متحكما في البناء الملحمي، هل جاءت الرواية مفتتحا للإعلان عن موت الملحمة أو بالأحرى موت الإله وموت صراعات الآلهة لتحل محلها صراعات القوى والإنسان ضد الواقع وطبقاته ومنعرجاته ؟!، هل الرواية هي فن الإنسان والمجتمع بامتياز تعبيرا عن أفق تغيير أو مسار حركة أو هموم فرد، من هنا يمكن لنا ان نطل على اتجاهات تفسيرية للعالم الروائي في ضوء الرؤية الايديولوجية في مسارات تكوينها الاولى بدءا من ماركس ومابعده وصولا الى لوكاتش ولوسيان غولدمان وميخائيل باختين، الا ان النزعة الشكلانية التي سادت في اوربا في منتصف القرن العشرين جعلت من التفسير الايدبولوجي إرثا لا يكشف عن جماليات التعبير بقدر ما يكشف عن اتجاهات تفسير النشأة وتمثلات الواقع.
ينبغي لنا ونحن في بدايات الأسئلة ونثارها ان نلملم خيوطا قد لا تكون منسجمة في اول البدء ونعيد قراءة المفاهيم في ضوء بيئة النشوء المعرفي، ومن هنا فان اللبس الذي يكمن في تحديد دلالة مصطلح الاشكالية لم يكن وليد البيئة الغربية بل هو نتيجة تلقي عربي انتج اساءة فهم تتعلق بقدر التماثل الدلالي بين الإشكالية بحمولاتها المعرفية التوسيرية والمشكل في فقه اللغة وأصول الفقه في الموروث العربي.
إنَّ البنية الإشكالية بنية مركبة ولا يمكن تصور أحد أطرافها بمعزلٍ عن الآخر، ومن ثم، فإنَّ محاولة تأطيرها بوضعها داخل نسق مسبقٍ لا يكشف عن خصوصيتها داخل الخطاب النقدي، ومن هنا، فلا بُد من ضرورة التنبيه على الافتراق المعرفي بين الإشكالية والمشكل، إذ ليس من المبرّر جداً والمسوّغ علمياً توارد هذين المفهومين على نسقٍ واحدٍ كما حاولتْ النقدية العربية أنْ تضعَ تصوراً عنه في ضوء هذا المنحنى التوليفي؛ إذ إنَّ الأصول المعرفية والجذورَ التاريخية لهما مختلفة، فالإشكالية مصطلح ٌ كما يعرفها جابر عصفور في ملحق كتاب عصر البنيوية "أشاعه لوي ألتوسير، يشيرُ إلى العناصر البانية في مجال أيدلوجية لمواجهة مشكلات وتساؤلات يطرحها الزمن التاريخي، على نحو يتكشف عن إطار داخلي لبنية توحّد كل العناصر"، وهي على وفق هذا الجذر التاريخي والفهم النظري تشير إلى مجموعة من الأفكار التي قد تختلف فيما بينها، ولكنها تشكل وحدة فكرية تتيحُ للباحث أنْ يتناولها بوصفها قضيةً مستقلةً على حين يتجه مفهوم المشكل نحو دائرة فقه النصوص الأدبية والتاريخية في تعريفات الجرجاني "مالا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب"، فالجذور التاريخية لمفهوم المشكل تختلف عن نظيرها الإشكالية. ومن هنا فان إشكاليات تكوين الظاهرة وتحليلها تكون معقدة بتعقد علاقاتها التاريخية، وبعيدا عن النزعة الشكلانية التي تحاول إلغاء السياق التاريخي لتكوين الظواهر لتنحو بعد ذلك إلى تحليل بناء النص، فان الأسئلة التي تتشكل في إطار هذا التصور لا تنجو من التاريخ نفسه، إذ هل يمكن ان نتصور تكوين الظاهرة بعيدا عن سياق تاريخي يشكل لحظة بدئها وانتهائها ؟!، وهل يمكن لنا ان نزيحها عنه لنبحث عن علاقات تكوينها وأنظمة بنائها ودلالاته، وهل تعد الظاهرة نسيجا منسجما تحدد به عناصر تشكلها تاريخيا أم ان الإحالة الاجتماعية التي تتكئ عليها لا تجعلها كذلك، ومن هنا تتوسع دائرة التباين في الرؤى تبعا لاختلاف الطبقات الاجتماعية التي تشكل رؤيتها للعالم، وتبقى المساحة الكبرى مشغولة برؤية مهيمنة تقصي الرؤى المحايثة وتلغيها، أو تشكلها على ضوء تصوراتها.
أصبح من الممكن تاريخيا ان نتحدث بلباقة عن نشوء الرواية في أزقة المدينة، السؤال الذي يمكن ان يثار هو إلى أي مدى تخطت الرواية المعالم الطوبوغرافية للمدينة، بمعنى ان التحولات التي لحقتها لم تكن وليدة تحول آلي، من هنا ارتبطت عودة المثقف روائيا مساوقا مع خراب المدينة احتلالا كما في بغداد مثلا، أو اقتلاعا لذاكرة كما في أورشليم القدس، قضية التخطي بكل الأحوال قد تبدو افتراضية لان المدينة ستتحول بطبيعة الأمر من وصفها خلفية لتنامي أحداث ما في مجرى معين إلى بعد مركزي لا يمكن تجاوزه إلى الحد الذي يمكن عد المكان بطلا، المدينة ليست مكانا فحسب بل مجموعة من علاقات مركبة لوجه حضاري قد تركت وراءها القرى والأرياف على ضفافها الشاسعة والضيقة معا على حد سواء، إلا إنا لا يمكن ان نتجاوز نمو المدن على مستوى الإسكان بفعل الهجرات والنزوح، وهنا ما يشكل معها هجرة مفاهيم وتبدل قيم لا تلحظ بوقت على المدى القصير بل تبق رهينة ما يطرأ عليها من تغيرات حادة، لنا في ذلك تجارب مهمة على مستوى الرواية الغربية والعربية، قد لا تؤرخ بأهالي دبلن وباريس ولا تنتهي بالقاهرة المحفوظية.
#حسن_مجاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالم مهدي عيسى الصقرالقصصي ...ينابيع التجربة ..وتحولات الرؤي
...
-
نزعة التعبير الايديولوجي روائيا .... من اشكالية تفسير النشأة
...
-
سعدي سماوي في الخروج من القمقم ... البناء ودلالة التعبير الر
...
-
عبد الرحيم صالح الرحيم ...في طريقه الى أبواب الليل
-
جرار قهرمانة - أو مساء الخير أيها الادب النسوي
-
الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العرب
...
المزيد.....
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|