علي عامر حمدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3812 - 2012 / 8 / 7 - 17:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لماذا أصبحت السادية صفة أساسية في ملامح المجتمع الليبرالي الحديث؟
1. عن المجتمع الليبرالي- الرأسمالي
- لكل جسد, روح تشكله وتصيغه وتبدعه إلى الوجود.
- يوجد الجسد في حيّز مكاني و زماني خاص به لا يمكن مشاركته.
- تبدأ أصغر أشكال الملكية بامتلاك الحيّز المكاني للجسد, وتنمو مع نمو الجشع إلى حد قتل آلاف الأجساد ودفنها خارج حيّز التنافس, الجشع ليس سبب, بل نتيجة لتشوّهات في الروح تفرضها ضرورات الظروف الرأسمالية, إن الجشع هو شكل أخلاقي للجوهر الليبرالي الرأسمالي المحددّ ضمن التنافس لتركيم الربح, وكما تجبر الآلهةُ البشر على الصدق, فإنّ الرأسمالية تجعل الجشع أمراً حتمياً.
- المرحلة التاريخية التي نعيشها خلقت وهم فهم الهوية( الذات, القومية, الجماعة) من خلال الملكية, وبالتالي تعريف المطلق بامتلاك كل شيء, هذا المفهوم المشوّه للمطلق هو الدافع الأساسي للمجتمعات الحديثة ولحركتها.
- النقود هي شكل مُفرَز ويصيغ كافة الأشكال الأخرى في مجالات حياتنا, ولأن جوهر المرحلة هو الملكيات كانت النقود لغة التداول بين المالكين, النقود هي لغة المرحلة التاريخية, هي المستوى الرمزي في التعاملات مع الواقع.
- كل شيء يقيّم بسعر مالي, لتداوله, أيّ أن كل القيم العليا لا حيّز لها في المجتمعات الرأسمالية أو التابعة لها, -أذكر فلماً مصرياً بالأبيض والأسود حيث توجد بقالة لبيع القيم مثل الشجاعة والكرم- , يتجلّى المال كربّ, كسقف للتسامي الانساني, طاغياً على الحاجة والضرورة, حتى أني لأستطيع القول أننا نحتاج ما نصنع, لم نعد نصنع ما نحتاج.
- المال أداة الامتلاك العظمى, العظمى والسائدة فوق كل شيء, أيّ أن لا شيء يملك الارادة الحرّة ليرفض تملّكه من قبل الآخر الأعظم, كل شيء مملوك, بل نحن جميعاً مملوكين, ولا نملك الارادة النابزة من وعي طبيعي لرفض حقيقة كوننا مملوكين, مجرّد وجودك يعني انك ضمن حدود ملكية الآخر الأعظم.
- إن بنية النظام الرأسمالي ثابتة الجوهر ومرنة الشكل, إنّ المالكين ليسوا أحراراً, والمملوكين ليسوا أحراراً, لأنّ فلسفة الحق-الحرية تباع وتشترى, والفلاسفة مهما عظموا يعتقدوا أنّ من حقهم أن يمتلكوا أفكارهم, وأفكارهم تباع وتشترى في كتب مغرية الشكل والمضمون, أصبح الحق الفكري يعرّف في سياق الملكية.
- والحقوق الفكرية هي ضمان الحصول على فائض القيمة من الانتاج الفكري الخاص, حتى فلسفة الحرية لم تفلت من قيد الامتلاك.
2. موت الجمال يعلن ولادة الإغواء
* ضمن المحددات السريعة التي طرحتها بدايةً ملمّحاً إلى ما وصل إليه الانسان, أريد الاقتراب خطوة أخرى في محاولة لفهم السؤال الابتدائي لماذا أصبحت السادية صفة أساسية في ملامح المجتمع الليبرالي الحديث؟
- الجمال هو الاتساق التام بين الروح الحرّة وشكلها الواضح.
- الاحساس بالجمال هو العلاقة القائمة بين روح الناظر وروح المنظور الجميل, علاقة منتجة لطاقة ايقاعية تولّد رغبة عاتية للرقص المحلّق فوق الأرض, دون أي رغبة في الامتلاك.
- إنّ وجود أي فعل انساني لا تحركّه رغبة في الامتلاك يبدو مستحيلاً في مرحلة تاريخية جوهرها الامتلاك.
- إذن فإنّ الاحساس النقي الخالص بالجمال سيبدأ بالذوبان تدريجياً, ببطء ممل لا يعطينا فرصة للإحساس بغيابه وانسحابه القسري.
- سيختفي الجمال الموضوعي, وسيتلاشى الانتاج الانساني الجمالي, سيتعلق أعند الجمال بأطراف الفوهة التاريخية الناقلة إلى عصرنا, سيحسّ البعض به, بغيابه لنتحسّر: "الله يرحم الزمن الجميل".
- يحلّ محل العلاقات الجمالية علاقات قائمة على النشوة, نشوة الامتلاك, ينحسر الحلم الانساني في قيود الربح, والخلاص الفردي من الفقر, ويكون تمام الحلم بالربح المريح باليانصيب أو برامج المسابقات, أو الوجود في حيّز يسهّل الربح كما يسهّل السيطرة وفرض القرارات, ويكون اللبس الرسمي الذي يدلّ على الدقة والاتقان اللبس الموحّد للشعوب باختلاف ثقافاتها.
- ويكون التسويق هو معيار نجاح أي انتاج أو أي شركة.
- التسويق هو فنّ الغواية, هو المصارع الأمريكي الذي قضى على الجمال باستخدام ألوَق لحرية المصارعة الحرّة.
3. الغواية سرّ يمتلكك ولا تمتلكه
- إذا كانت الأفكار قابلة للامتلاك, فإنّ مصنع الأفكار قابل بالضرورة, إن الامتلاك المسيطر على وعي ما, هو الغواية المباشرة.
- الغواية هي فنّ العصر الحديث, في كل الأعمال السينمائية وكل وسائل التسويق وكل الألعاب الالكترونية, تتجلى الغواية كإله نُسلِم له كلّ وسائل الدفاع.
- وكانتقام من الجمال وإجهازاً عليه, فإنّ الغواية اتخذت من العنف والشرّ أسلحةً و مسليّات, أليس السلاح في ذاته مسلّي!العنف والمتعة الفارغة هي نقائض الجمال وهي ما لجأت له الغواية لتمام الاحتقار, نحن الآن ننظر للانسان البسيط الصادق على أنه تافه وسطحي وأهبل, ننظر له باحتقار!
- وبما أنّ الغواية منتج رأسمالي فهي تسعى وراء الربح المالي, ولتحصل منك على مال لا بدّ أن تملّكك شيئاً حتى وإن امتلكت وعيك, ستملكك الغواية أحد أبناءها, ربّما جهاز الكتروني, هذه هي الغواية المزدوجة.
- الغواية المزدوجة, هي افقاد الوعي القدرة الدفاعية ضد تملّك الغرض.
- الغواية المزدوجة هي وسيلة الأنثى في العصر الليبرالي, "الأنثى تغويك لتمتلكها لا لتمتلكك".
وهنا نبدأ بإصابة أطراف الاجابة على السؤال الابتدائي: لماذا أصبحت السادية صفة أساسية في ملامح المجتمع الليبرالي الحديث؟
4. الانثى الأكثر غواية هي التي تتوق لساديتك, ولا مكان للحب
- السادية المباشرة هي أن تغوي أنثى بعنفك وإيلامها نفسياً أو جسدياً, أن تغويها أي أن تسيطر على وعيها, أو تفقدها القدرة على الوعي -بالمعنى الفلسفي لكلمة وعي-. أن تمارس عنفاً على جسد بدون روح, وأن تنظر لك الضحية كآخر أعظم, وليس كطرف في علاقة.
- اذن التصور المطلق للسادية هي ممارسة المتعة واللذة مع الجثث, ومن الغواية زيادة عدد الجثث في العالم.
- كما الجشع فإنّ السادية خلق لا بد منه في المجتمع الليبرالي-الرأسمالي, وكما تتفاخر بتركيم المال, تتفاخر بالامتلاك بالغواية بالسادية.
- الأنثى التي تتوق لغوايتك, هي الأنثى التي يتعانق حلمها مع حلمك, رغبتها بعنفك مع رغبتك بأن تكون موجوداً أكثر, عنيفاً أكثر, هي الأنثى التي تستفز حلمك للخروج والانعتاق, لو سحبنا هذه الصورة سحباً إلى الزمن الجميل, لكانت الصورة هي الأنثى التي تحثّك على البطولة والتضحية والاستشهاد والابداع, ويتعانق حلمها بقوتك مع حلمك بالوجود أكثر بالتقدم أكثر بالارتقاء أكثر, الفارق بين الزمنين في الدوافع, لقد تغيّرت غرائزنا.
"ملاحظة تبدو ضرورية الأنثى والرجل كمصطلحات لا أعني بها هنا المفهوم الفسيولوجي للأنثى والرجل", أيّ أنّ تبدل الأدوار بين الرجل و الأنثى يبدو مباحاً في ظل حرية الامتلاك, الليبرالية.
- ممكن أن تصبح الغواية غاية وليست وسيلة, هدف بذاتها, ألا تتمتع النساء بغواية الرجال وقبل السرير بخطوة يختفين, ألا يتمتع الرجل بعطره المثير أمام كل النساء بغض النظر عنهنّ, وهذا هو الخطر القادم الذي يخبئه لنا التاريخ, الغواية كغاية والقتل كهدف والاستعمار كطبيعة بشرية.
- إن كانت السادية هي تلاعب رأسمالي في منطقة الهُوْ الفرويدية عند الانسان, فإنّ إعادة انتاج الغواية كغاية كهدف, هو اغتصاب حقير لمنطقة الأنا الأعلى الفرويدية.
5- الاغتصاب هوَ هوَ الاستعمار
- الاغتصاب هو امتلاك جسد يرفضك, كما الاستعمار.
- ثم ممارسة التمتع القسري مع الجسد ومحاولة فرض السيطرة النفسية عليه حتى يصل لحد التمتع بكونه ذليلاً لذات أعظم, وعند انفضاض المغتصب-المستعمِر يبدأ هذا الجسد الذليل بطلب المزيد, لأنه يستسهل بطريقة ممتعة صعوبة كونه عبدأَ لذات أقوى وأعظم, ويستصعب سهولة عودته حراَ كشكل تنتجه ذاته الواعية الحرّة وروحه المتسامية.
إنّنا جميعاً نحمل رغبة دفينة بأن يتم السيطرة علينا وأن يتملكنا الآخر الأعظم, نحن جميعاً نتوق لأن نتعرض للغواية والاستعمار, مالم نخلق إلَهَنا الذاتي, وهذا ما سأفصله في مقال لاحق.
Angry Birds
In February 2010, Angry Birds was a nominee for the "Best Casual Game" award at the 6th annual International Mobile Gaming Awards in Barcelona, Spain. In September 2010, IGN named Angry Birds as the fourth best iPhone game of all time. In April 2011, Angry Birds won both the "Best Game App" and "App of the Year" at the UK Appy Awards. At the 15th edition of the Webby Awards, Angry Birds was awarded "Best Game for Handheld Devices".
http://en.wikipedia.org/wiki/Angry_Birds
هذه بعض انجازات هذه اللعبة الأشهر, وهي لعبة بإمكانك ممارستها يومياً وفي أي مكان وفي مختلف الأوقات, وهذا النوع من الألعاب يغدو عن كونه أداة لزرع أفكار إلى فكرة يومية يعيشها الفرد.
هي عبارة عن مجموعة من الطيور يقوم اللاعب بضربها على هدف محدد.
لماذا حققت هذه اللعبة كل هذا النجاح؟
إنّ الطيور الغاضبة تمثل حلم الرأسمالية المطلق عن الانسان المستقبلي, فهي تحمل نفس الغضب والسأم اليومي للانسان الحديث, ولكنها غاضبة لدرجة أنها مستعدة لتفجر نفسها في بنيان الآخر-العدو ليس عدوها كطيور بل عدوّك كمسيطر على الطيور, وفي نفس الوقت هي تمارس الغواية المزدوجة مع اللاعب, أيّ أنها تغويه ليسيطر عليها ليتملكها ليمارس ساديته العنيفة عليها بتفجيرها, حتى أنه هو من يرسم اتجاه قذفها وقوته.
إذن الرأسمالية تريدنا جثثاً مشظّاة خدماً لأهدافها, ما الجديد في اللعبة؟
الجديد أن اللعبة تقتل كل أمل للطير بالانعتاق من اللاعب-المسيطر-الأخر الأعظم, حيث أن كل الطيور الغاضبة بدون أجنحة, والجناح هو أداة التحليق والانعتاق, ليس الوعي هو ما فقدناه فقط, بل وأدوات التحليق التي هي مكوّن طبيعي لنا كطيور بشرية تسعى للارتقاء دوماً, وتذكرنا بحقيقة رغباتنا الأولى بالانعتاق من كل سلطة بما فيها الجاذبية الأرضية, هنا تبدو نهاية التاريخ وشيكة!
بطرح تطبيقي لهذه اللعبة كمثال أردت أن أشير بومضة إلى اقتحام الرأسمالية -ومنتجاتها الغواية والسادية- كل تفاصيل حياتنا, و تواجدها على المستوى المايكروفيزيائي لحياتنا.
تبدو مهمة الانعتاق من الرأسمالية مهمة تحليقية, لا بد لها من إرادة فلسفية ناتجة عن وعي حقيقي للحق والحرية, وممارسة النقد الذاتي لجثثنا ولكل ما فينا من جثث ,بسادية الآخر الأعظم الذي ننتجه نحن وهو هنا الوعي الأرقى.
إن بعض الجثث تتوق لسادية ما لتحيى لا لتموت.
وسيكون الحب الساذج المحلّق الراقص أنشودتنا الثورية.
"الوجود الآن يعرّف بالملكيات, والاشباع اللحظي يأتي فقط من خلال الغواية السادية, أحاول أن أفهم فقط لماذا صرخت فيّ: لا تحترمني فتلغيني, احتقرني أريد أن أحسّ بوجودي!!!
"كُتبت هذه المقالة نتيجة استفزاز شخصي من الحال الذي وصلت إليه علاقاتنا اليومية, وأحدها علاقتي على المستوى الشخصي".
#علي_عامر_حمدالله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟