|
عم سيد ( قصة قصيرة )
محمد عزالدين
كاتب وباحث وشاعر وأديب مصري
(Mohammed Ezzdien)
الحوار المتمدن-العدد: 3811 - 2012 / 8 / 6 - 19:40
المحور:
كتابات ساخرة
ليس غريبا وأنت تتجول بين مجموعة من الزقاقات فى أحد المناطق الشعبية أن تجد محلا للفول والطعمية ، ولكن الأغرب أن تجد هذا المحل ملتقى زعماء مصر السياسيين ، وليس غريبا أن تجد صاحب هذا المحل مواطن مصرى بسيط ، ولكن الأغرب أن تجده يتحدث بأشهر جمل هؤلاء الزعماء والتى سجلها لهم التاريخ . لقد تعجبت كثيرا أنا وأصدقائى عندما دخلنا ذلك المحل فوجدناه مليئا بصور زعماء مصر السياسيين ، وطريقة صاحب المحل فى تعامله مع زبائنه والتى تشبه تعامل الزعيم مع شعبه حتى أنه كان يطلق عليهم اسم " الشعب " ويتعامل معهم على أنه زعيم الفول والطعمية وليس بائعا عاديا .
البداية
كان يقف " عم سيد " خلف الفاترينة المليئة بكل ما لذ وطاب من أصناف الطعام من " مسقعة " و " البطاطس " بانواعها و" السلاطات " ، مما يجعل الأمعاء الجائعة تطير من البطون وأخذت الزبائن امام كل هذه المغريات تهتف ، فمنهم من يقول : " مشينا بقى يا عم سيد " ، وآخر يصرخ : " عايزين نخلص عندنا مصالح " ، وثالث : " يا عم سيد والنبى اثنين فول و واحد طعمية وثلاثة مسقعة " ، فرد عليهم " عم سيد " قائلا : " حاضر يا بهوات والصبر طيب بردو بس الطعمية تستوى وكل شىء هيخلص وصباحكم هيبقى فل إن شاء الله " ، وفى غمرة ذلك الزحام راح خيالى المعطر برائحة البتنجان يرسم لعم سيد صورة زعيم ومناضل ، ولكن من طراز فريد جدا ... جدا .
الكارثة
وأخيرا جاء صبى " عم سيد " وهو يحمل صينية الطعمية وكاد الشعب كما يطلق عليه " عم سيد " ان يلتهم الصينية بما فيها وحاملها أيضا لولا أن أخذ منه " عم سيد " الصينية بسرعة وقلب ما فيها أمامه فى الفاترينة ، وعادت الجماهير للصراخ مرة أخرى - كل يبكى على ليلاه – " السندوتشات بقى يا عم سيد وآدى الطعمية وصلت ما تخلصنا بقى " ، وصرخ من بينهم صديقنا " إبراهيم " المتعهد الرسمى لشراء السندوتشات : " يا عم سيد عندنا محاضرات مشينا فى السريع كدة " فرد عليه " عم سيد " وقال : " حاضر يا أستاذ " ، فاستطرد صديقنا " إبراهيم " قائلا : " عارف يا عم سيد أحلى حاجة فيك إيه ؟ " فابتسم " عم سيد " وهو يحضر السندوتشات قائلا : " إيه يا كابتن ؟! " فقال له " إبراهيم " : " إن كل حاجة حوالينا بقت غالية وانت لسة بتبيع الصاروخ بربع جنيه " فعلت وجه " عم سيد " ضحكة زهو وهو يقول : " أعمل إيه يابنى ما انا مش عايز شعبى يجوع " ، ويصرخ أحد الزبائن قائلا : " الفول بتاعى فين يا عم سيد ؟ " فيرد عليه " عم سيد " : " حاضر يا أستاذ الفول زمانه على وصول " ، وما أن أتم " عم سيد " عبارته حتى وقف بائع الفول أما المحل فنظر إليه " عم سيد " نظرة المستنجد قائلا : " ياناس يا هوووووه الفول اللى بتحبوووووه " ، وقال "عم سيد " للرجل : " أتأخرت ليه ؟ " فأخذ الرجل يعتذر له عن تأخره بسبب كثرة المحلات التى مر عليها وازدحام الشوارع ، واعتذر لـ " عم سيد " مرة أخرى لأنه لم يحضر له اليوم سوى قدرة فول واحدة واحدة فامتقع وجه " عم سيد " وصرخ فيه قائلا : " ده يبقى اسمه خداع وعار على الرجالة أم شنبات آآآآآه على الزمن اللى الرجالة فيه مبقتش قد كلمتها " ، ودفعه " عم سيد " من أمامه ليأخذ القدرة وها هو ذا قد بدأ فى رفع الوزن الثقيل الخفيف لهذا النوع من القدر حيث كان هذا من أهم الأحداث التاريخية التى مر بها " عم سيد " والتى دونها له مؤرخه المعاصر " عبده قدرة " فى كتابه الشهير " أحلام الطعمجية فى الأيام اللى مش هى " ، ولكن ما حدث بعد ذلك كان هو الأهم . فبينما كان يقف " عم سيد " متأففا يصنع السندوتشات للزبائن محاولا أن يخفى غضبه مما حدث مع بائع الفول جاء إليه شاب يجرى مسرعا وهو يصرخ : " يا عم سيد .. يا عم سيد " فرد عليه " عم سيد " : " فى ايه يابنى ؟! " ، فقال له الشاب : " أنت سمعت الراديو النهاردة ؟ " ، فهز " عم سيد " رأسه نفيا وهو يقول له : " كل أخبار امبارح هى أخبار النهاردة هى أخبار بكرة يعنى مفيش جديد " ، فقال له الشاب : " لا بقى يا عم سيد النهاردة بالذات فيه جديد " ، فقال له " عم سيد " فى عدم اهتمام : " طاب والله خير إن فيه جديد " ، فصرخ الشاب قائلا : " أمريكا يا عم سيد ... أمريييييكا " ، ولم يلبث الفتى وأن أتم عبارته إلا وقد خلا المحل من زبائنه وأصبح كأن لم يكن به جنس مخلوق منذ لحظات وكأن عفريتا دخل المحل وأخفى كل الناس ، فقال له " عم سيد " وهو يضغط على أسنانه من الغيظ : " مبسووووووط يابوذ الأخص أديك طفشت الزباين ، مالها بقى المعدولة أمريكا ؟! " ، فقال له الولد والدموع تنساب على خديه : " عايزة تقفلك المحل يا " عم سيد " ، فتسمر " عم سيد " مكانه وبرقت عيناه وفتح فمه حتى كاد اللعاب يسيل منه وكأنما أصابه العته وبدت على وجهه ملامح البلاهة وكأن سهم الله نزل عليه وهو واقف ثم أخذ يهز رأسه ويفتح عينيه ويغمضها عله يستفيق ، ثم أخذ يصرخ صراخا هيستيريا وهو يقول : " يعنى إيييييه هى خلاص نكدت ع الدنيا كلها ومش فاضل غيرى اللى هتنكد عليه لاااااا ما انا مش زى الناس التانييييين " فرد عليه الشاب وهو يبكى : " يا عم سيد بطل تهييس بقى ما التانيين اللى انت بتتكلم عليهم كانوا دول ولها جيوش ومقدروش عليها ، لكن يا عم سيد انت واحد هتقدر تعمل معاها إيه ؟! " فاغرورقت عينا " عم سيد " بالدموع وذهب ليفتح الراديو ليستمع إلى آخر الأخبار فإذا به يسمع المذيع يقول فى نشرة الأخبار : " هذا وقد تم تحويل ملف عم سيد إلى مجلس الأمن وقد قررت لدول الثمانية الصناعية بتوقيع أقسى العقوبات عليه نظرا لصورايخه التى تهدد الأمن القومى الأمريكانى وقد أبدى كل من مبعوثى الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة أسفهما إزاء القرار فقد قاموا بتحذيره كثيرا وأرسلوا له البرقيات التى تطالبه بوقف نشاطه ولكنه لم ينصاع لرغباتهم " فوقع " عم سيد " على الأرض وهو يبكى ويلطم على الخدود قائلا : " والله ما بعتولى حاجة ديه عالم كدااااابة يا خراااااب بيييييتك ياسيد دانا ما بعملش حاجة غير إنى بأكل الناس الغلابة ومش عايزهم يجوعوا ، وبساعدهم عشان يصمدوا فى رحلة الحياة " ، فرد عليه الشاب : " وهم بقى يا عم سيد مش عايزينك تخليهم يصمدوا فى رحلة الحياة اللى انت بتقول عليها ديه " ، فوقف " عم سيد " شامخا وهو يقول : " بس لأ أنا مش هسكت .. ، وعندما ادار وجهه ليخرج من المحل وجد جماهيره الغفيرة وهى تستعد للقيام بمظاهرة كبرى من أجل الدفاع عنه رافعين شعارات منها " الأبيض هو قلبنا والأحمر هو دمنا " ، ومن هتفاتهم " يا عم سيد احنا وراك وبروحنا كلنا فداك " .
النهاية
وفجأة أحسست بشخص ما يهز كتفى فنظرت إليه فإذا به صديقى " عمر " يقول لى : " إيه يابنى انت نمت ولا إيه ؟! إحنا خلصنا أكل وانت لسة ما أكلتش ؟! " فنظرت إليه مستغربا ، وقلت له : " طاب وعم سيد " فقال لى : " أديه اهه بيعمل السندوتشات لزباينه " فأدركت أنه كان حلما لا لا أقصد كابوسا وحمدت الله على أنه لم يكن حقيقة ، وهممنا بالانصراف مودعين عم سيد فسمعت صوت نفس المذيع وهو يتحدث حول مزاعم أمريكا فى نشر السلام فى العالم ونزع أسلحة الدمار الشامل فتذكرت ذلك الكابوس وأخذت أضحك ضحكا هيستيريا فسألنى أصدقائى عم يضحكنى فأخذت أسرد عليهم ذلك الوهم ليضحكوا معى أيضا .
#محمد_عزالدين (هاشتاغ)
Mohammed_Ezzdien#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد ليالى ألف ليلة وليلة ( الليلة الثانية بعد الألف )
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|