|
أهي البداية أم قراءة الفاتحة
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 3810 - 2012 / 8 / 5 - 21:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بالقلق على الدوام ومن غير السهل أن تتعايش ضمن محيط يتفوق عليها من الناحية الجغرافية بالإضافة للديمغرافية الأخذة بالتنامي بل أصبحت هذه التجمعات السُكَانية كمصر وسوريا والعراق وغيرها فأل شؤم على الحياة العامة داخل الدولة العبرية رغم أن الأراضي العربية شهدت تقسيم قاسي للتضاريس بعد فقدان العثمانيين السيطرة على معظم التراب العربي وتراجعت حدودها إلى ما سُميى لاحقاً بالجمهورية التركية الحديثة وبالتالي ما فعله سايس وبيكو نيابةً عن الحركة الصهيونية ، عندما اضطروا أن يكشفوا عن انيابهم الاستعمارية للأراضي العربية بهدف ملء الفراغ كانوا يسعوا منذ البداية في تعزيز قدرات الدولة اليهودية القادمة ، مما تطلب الأمر وقت من الزمن لإعادة تشكيل الهوية الوطنية الجديدة لكل قطر عربي ليصبح من حيث الشكل نقاط حدودية وعلم يرفرف ونشيد يحفظ ونزاعات قائمة يذهب ضحيتها ارواح لا ناقة ولا جمل لهم إلا أن تورطوا بمكان الولادة القسرية ، فكان للموت أسبابه التى تلقى دائماً مبرراته الوطنية الجديدة كالمياه الإقليمية أو الجغرافية أو كتلك التى تختلف حولها الأمم بتسمية الجزر والبحار . بالتأكيد لم يكن ثوار تلك المرحلة لديهم النية أبداً في تفكيك الجغرافيا بقدر ما كان الهمّ العام تقليص ما بين الحلم والواقع ليصبح حقيقة ملموسة تترجم على الأرض وتعالج ما اختزنته الحياة العربية من القهر المركب الذي ولّد ثالوث الفقر والجهل والتخلف مما دفع الإنسان العربي أن يتحرك في لحظة توصف بالعصيبة لكنها متاحة وبكل قوة ممكنة كي يقيم مملكته العربية طالما حلم بها وتمناها من كل قلب ناهياً حقبة الذل والاضطهاد واحتكار الثروات وتقنين التعليم والصحة على فئة معينة من المجتمع الواحد وسلب الناس أبسط حقوقهم ، لكن تحالفات تلك الحقبة بين العرب الثائرين والغرب لم تكن بالقدر الكافي قد أُمعن دراستها وتفنيد بنودها والأسس التى ستقوم عليها لاحقاً ولذلك اسبابها العميقة التى جعلت العربي أن يقرأ المرحلة من شدة اللهاث بشكل افقي حيث أعتقد بأنه حليف بكفاءة الندية دون أن ينتبه بأن للحلفاء شروط لا يمكن تجاهلها اطلاقاً أو عدم التوقف عند تفاصيلها لهذا تكررت قضية اللدغ من الجحر ذاته دون أن يتعلم في المرات القادمة بأن للقوى العظمى سياسات لا تحيد عنها وهي بالأصل قاعدة معمول بها على الدوام وليست حديثة الابتكار بأن هناك مصالح دائمة لا أصدقاء دائمين ، ولم يعي العربي لحجم الكارثة إلا بعد الانتهاء من خلع المستبد ليفاجأ بأنه قد جلب استعمار بأقل التكلفة بل أصعب وأشد تنكيلاً من ذوي القربى لتتحول المسألة من مطالب وحقوق إلى تحرير الأراضي المغتصبة .
ليس مستحيلاً أن يلعب المرء دور الحليف لكنه من الصعب لما يتطلب من مقومات وعناصر بحاجة أن تتوفر قبل أن يخطو نحوها مندفعاً بكل ما أوتيا من استغراق بهدف التخلص من الواقع المرير الذي أصاب البصيرة قبل البصر ليصبح سمكة سهلة ينتظر أول شبكة للاصطياد ، لهذا تتعامل القوى صاحبة المشاريع التوسعية مع الآخر من منطلقات عبرت عنها الخلدونية منذ زمن بعيد بأن المهزوم مولعاً بالمنتصر أي بالقوي صاحب المعرفة والتكنولوجيا المتطورة لحد يتحول التابع تدريجياً من قرين إلى ظل ثم صدى حيث تنعدم آدميته تماماً ، إلا أن لم تكن هذه المراحل التى انتقل الحليف منها إلى تابع صدفة او من غير قصد بل مهد لها المستعمر بأعلى درجات الحنكة والدراسة المتأنية للظامئ في جره نحو الانزلاق إلى الهاوية اللامنتهية بحيث توفرت لديه جميع التفاصيل ونتائجها مسبقاً ضمن سياسة التضليل ، ابتدأ بتلك القدرة العالية في أغراء المستهدف بحيث يوفر له كل الاحترام الكاذب والشعور الفارغ بالندية الثقافية والمادية بأن يمكن له أن يصبح حليف محترم ، وإن ما تقدم من مساعدات ومعونات تبقى ضمن تحرير الذات والأرض ليكتشف أنه تحول من حليف إلى تابع يدمن من خلال تراكم السنوات الانقياد والتابعية لحد الاستمراء لذلك يصبح عاجز تماماً من الانفلات من غاباته الموحشة بل يتحول إلى عدو شرس امام كل من تسول نفسه الانفكاك والتمرد لتصبح الحرية عبء ومشقة غير مرغوب فيها ما دام هناك عقول اخرى تفكر وتخطط نيابةً عنه . تقف الأمة من جديد عند مفترق طرق بين الحرية والنهوض أو اعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيته كي يتماشى مع القائم من المنظور او الرؤية الإسرائيلية التى ترفض بشكل قاطع الأسباب التى تجعلها رقم في معادلة الجوار أو أقل من ذلك حيث تعي بعمق بأن الحال إذ ما استمر بهذا النهج سيكون مزيد من التقوقع والتراجع لمصيرها ، يبد أن تسعى من كل جهد مع القوى الغربية إلى احياء لذات المشروع بهدف خربطت الأوراق وتعطيل اعادة بناء الدول التى شهدت ثورات ادت إلى انهاء انماط من الحكم الفردي والشمولي وتسعى إلى محطة كانت معطلة تماماً هي الدستورية مما يعزز الديمقراطية التى تنتج بدورها إصلاحاً شاملاً يهدد الاستعلاء إسرائيلي الذي لا يمكن أن يقبل بنصف الحلول أو بالعلاقات الندية المتوازنة ، اسرائيل اليوم تعيش حالة كما يبدو من التربص الأشبه بالواضع يده على قلبه خوفا من أن تتفلت الأمور من قبضتها لهذا تدفع بكل امكانياتها ومن خلال ادواتها لتغذية الأثينية والقضايا الثانوية الفرعية على الأم لإضعاف الدول وتفكيكها حيث يجري مشروع مضاد متوازي لمشروع النهضة على قدم وساق كأنها باتت ممنوعة عليها أن تلتقط أنفاسها وذلك يعود الفضل بما تفعله اسرائيل عبر المتغلغلين بشكل ناعم داخل المجتمعات والمؤسسات المتنفذة ، فالمسالة أكبر بكثير من موضوع إفقار الناس بقدر ما هو ما بعد ذلك وما يظهر من تفقيس لانحرافات بأشكالها تؤدي إلى توسيع الجهل وبالتالي إلى تحويل ضحاياه إلى أعداء لأنفسهم أولاً قبل الاخرين فبدل أن ثاروا ويثورا من أجل وضع حد لسيطرة فئات سياسية وطائفية تطيح بالمفاهيم الاحتكارية وإعادة الكرامة المهدورة وبناء دول قوية ينزلقوا بسب فقدان البصيرة في متاهات العصبيات والانقسامات التى يعتقدون بأنها مشروعة تبررها معتقدات بالأصل دخيلة ويعاد نبشها حيث استقرت منذ زمن وتستدعى في وقت يراد به تفتيت الأمة استكمالاً كمرحلة الثانية ومتشابهاً لما حصل بالأندلس وطوائفها المتعددة التى تحولت عبر السنوات إلى تناحر واقتتال ما بينهم دون أن يستشعروا بأنهم يفقدون تدريجياً قوتهم ودرجة المعرفة والتقدم التى وصلوا إليها ، متجاهلين لضخامة حدة التشابك بأن هناك من يتربص على الحدود ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض بعد ما احكم الخمول والاستنقاع بالحياة العامة حيث اتيح لمن خطط ودبر وأدار النزاعات بشكل ناعم وسلس بالاختراق لما كان يحسب له ألف حساب أو يتردد في اختراقه .
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحرر من عُقد النقص والتورط بالتقليد
-
صفحات بلا فصول
-
ظل وظلال
-
الشعب يريد نصرك يا الله
-
باحثون عن حفرة ينامون بها إلى الأبد
-
يحتاج المرء إلى ثلاثة اضعاف عمره كي ينجز بعض احلامه
-
المعرفة المجزوءة
-
اتباع الطاغية لا دولة بنوا ولا حرية سمحوا
-
عجلات لن ترحم
-
أجمل ما في الحياة أن يدافع المرء عن نفسه
-
نقدم العزاء لروح ستيفن جوبز
-
الموت السريري والنبض الكاذب
-
عناق تحت الأرض
-
قد يكون المحذوف هي الحقيقة ذاتها
-
لم يعد متاح لمن يسبح على الرمل أن يفوز بقطع النيل
-
المياه العميقة تمشي ببطء
-
مصطلحات موسمية
-
سجان توحشت روحه
-
خبر ناقص أعرج
-
تواطؤ يتغذى من الذات
المزيد.....
-
ماكرون يدعو نتانياهو لإنهاء محنة المدنيين في غزة
-
وزير خارجية فرنسا : العلاقات في وضع مؤسف للغاية
-
وزير الخارجية الفرنسي يؤكد أهمية استئناف -حوار صريح وواضح- م
...
-
عامان من الحرب ولا نهاية في الأفق.. كيف -امتدت- الحرب الأهلي
...
-
ماذا يريد ترامب من كندا؟
-
هيئة كبار علماء الأزهر تهاجم محمد رمضان
-
روسيا.. الحكم بالسجن 15 عاما على أسير أوكراني أدين بترويع ال
...
-
صحة غزة: الجيش الإسرائيلي تعمد قتل المسعفين في القطاع ودفنهم
...
-
لمواجهة ضغوط الاحتكار.. زوكربيرغ يبحث فصل -إنستغرام- عن -ميت
...
-
عون يبحث مع عبد الله الثاني نتائج التحقيق مع خلية تصنيع الصو
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|