جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 20:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
والسؤال الأكثر أهمية هو:إذا كان فعلا المسلم يستطيع أن يعالج نفسه بالقرآن بدل العلاج بالطب العادي أو(السِم الهاري) فلماذا لا يقرأ هو على نفسه آيات القرآن بدلا من أن يذهب إلى شخص مثله بل أقل منه علما ودراية وإيمانا لكي يقرأ عليه؟ وإذا كان القرآن يشفي من الأمراض النفسية لماذا مثلا لا نغلق أبواب العيادات النفسية أو لماذا لا نضع فيها شيوخا يعالجون الناس بدل الأطباء؟... إذا كان فعلا القرآن يستطيع أن يعالج المريض!!لماذا مثلا يحتاج المسلم إلى شخص آخر لكي يقرأ عليه؟ لماذا لا يتخلص المسلم من مرضه وقلقه من خلال الإيمان بالخلاص وبالفداء نفسه كما يفعل المسيحيون!!! لماذا لا يقرأ المريض على نفسه؟ ولو أجرينا استطلاعا عن أصحاب دعوى العلاج بالقرآن لوجدنا أن هؤلاء الدجالين هم أنفسهم لديهم كثيرا من الأمراض التي لا يستطيع لا العلم ولا السحر ولا القرآن تخليصهم منها,القرآن مثلا واضح جدا في هذه المسألة (فيه شفاء للناس) ولكن لم يقل القرآن للمسلمين اذهبوا إلى الشيخ فلان أو علان لكي يعالجكم,القرآن لم يحدد شخصا معينا يقرأ القرآن على المريض فهذه النقطة وهذه المسألة بحد ذاتها دجل وشعوذة وضحك على اللحى والشوارب لكي يستفيد بعض الناس ماليا من الاتجار بأماني الشعوب وآلامها.
وفي غمرة هذا العصر عصر التطور والانحلال من الخرافات والبدع والأساطير نلاحظ بأن الإنسان العربي المسلم ما زال يتجه نحو الشعوذة لكي يبرأ من أمراضه ومن العلل الجسمانية والعقلية التي تصيبه جراء ضغوطات الحياة وجراء الاضطرابات التي تطرأ على جسمه سواء أكانت تلك الاضطرابات جسمانية أو نفسية,ولكن المرض الآخر هو إيمان المسلم بأن الشيخ الفلاني يستطيع أن يشفي المريض من خلال قراءة سورة قصيرة من سور القرآن والمهم معرفته هو:لماذا لا يقرأ هو على نفسه لكي يشفي نفسه لماذا يبقى بحاجة إلى شخص آخر يقرأ عليه؟ فهذه النقطة لم ينتبه إليها المرضى ولا أحد يبحث فيها بسبب انتشار الجهل بين المسلمين, ويقال علميا بأن سبب اندفاع الإنسان إلى التداوي بالقرآن من أمراضه النفسية يعود إلى سبب رئيسي وهو عدم قدرة العلم على مواجهة الأمراض المستعصية أي أن العلم رغم تطوره ما زال بدائيا والبشرية ما زالت تنتظر فتحا جديدا في الطب, فنحن بالرغم من أننا كبشر تطورنا في مجال الطب والعلوم الأخرى غير أن العلم نفسه حتى اليوم غير قادر على تفسير كثيرٍ من أسباب الأمراض وغير قادر على تحديد أسباب مرض السرطان والإيدز وكل الأمراض الخبيثة وخصوصا النفسية التي تصيب الإنسان ولهذا السبب يتجه الإنسان المعاصر إلى ارتكاب الجهالة مثل السحر والشعوذة والتداوي بالرُقي القرآني,ولو أن العلم وضع حدا للأمراض التي ذكرناها لَما اتجه الإنسان في الحقيقة إلى التداوي بالسحر وبالشعوذة,.ورغم ذلك وإن افترضنا أن هذا التفسير لأسباب الاندفاع للعلاج بالقرآن صحيحة فلماذا يضع المسلم بينه وبين الله ومرضه شخصا آخر مثله مثله لكي يعالجه؟ حتى من ناحية الإيمان نجد أن المريض أكثر إيمانا بالدين وبالعلاج بالقرآن من الشخص الذي يتداوى عنده فلماذا مثلا يذهب إليه وهو أقل إيمانا من المريض نفسه؟ فمن ناحية طبية المريض يذهب للطبيب لأن الطبيب أكثر معرفة بمرض المريض من المريض نفسه وأيضا من ناحية إيمانية يجب أن يكون(الشيخ الراقي) أكثر إيمانا بالدين من المريض نفسه, إنها مسألة بجد مهمة جدا ويجب على المسلم أن يستيقظ من جهله وسباته.
وهذا على الأقل يبقى افتراضا لأسباب العلاج بالقرآن أو الادعاء بأن قراءة سورة من القرآن مثلا تشفي المريض من مرضه, ومن ناحيةٍ أخرى اليوم نجدُ إقبالا ضعيفا على العلاج بالقرآن من الأمراض المستعصية أو الخبيثة مثل السرطان والقلب وضغط الدم أما الأمراض النفسية فحدث عنها ولا حرج فهنالك الكثير ممن يلجئون للقرآن للعلاج ضد الاكتئاب والقلق رغم أن الطب النفسي في هذا المجال متقدم جدا ولديه الكثير من الأدوية النفسية ذات الفعالية الجيدة ولكن رغم ذلك هنالك إقبال شديد من قبل المسلمين على التداوي بالقرآن ضد الأمراض النفسية,وهنا نقول:أوكي ماشي الحال,ولكن لماذا يلجأ المسلم إلى شخص آخر ليقرأ عليه ويرقيه لماذا هو لا يُرقي نفسه بنفسه؟ هذا على الفرض بأن التداوي بالقرآن صحيح, وهنالك مسألة أخرى تغيب عن الأذهان وهي أن الموسيقى والألحان تبعث النفس على الشفاء فكلنا أحيانا نستمع للطرب ونشعر من خلال الموسيقى بأن نفسيتنا قد تحسنت,وحتى إذا قيل أن المسيحيين يُعالَجون بالإنجيل غير أن النسبة ضئيلة جدا قياسا بالمسلمين المهووسون بالعلاج بالقرآن والطريقة مختلفة جدا, ولكن السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا الشعوب الإسلامية لوحدها هي الأكثر إقبالا على السحر والشعوذة وطرد الأرواح الشريرة وإلى اللجوء إلى القرآن للتداوي به؟, فالمشاكل الصحية التي يعاني منها المواطن العربي المسلم هي في الأغلب نفس المشاكل التي يواجهها الإنسان المعاصر في أكثر دول العالم تطورا من ناحية الصناعة والتجارة والطب وكافة العلوم التطبيقية البحتة ومع ذلك لا يلجأ هنالك المواطن للعلاج من أمراضه عن طريق التوراة أو الإنجيل بالقدر الذي يلجأ إليه المسلم , ففي المجتمعات الأوروبية هنالك ثقة كبيرة بالعلم أكثر من ثقة المسلم بالعلم ،ويبقى المواطن العربي هو المواطن الوحيد من بين كل الأديان السماوية الذي يلجأ إلى العلاج بالقرآن.
وتشير الدراسات والملاحظات إلى أن المواطن العربي المسلم ينفق كثيرا من النقود على أصحاب دعوى العلاج بالقرآن وعلى حيازة(الحُجب) والرُقيات الشرعية أو التي يدعي أصحابها بأنها شرعية وما هي بشرعية وهنا المسلم غافل عن النقطة الأساسية وهي أنه يذهب إلى شيخ ليقرأ عليه رغم أن إيمان الشيخ أضعف وأقل من إيمان المريض نفسه ولذلك هنا يصبح العلاج شعوذة وسرقة للأموال حين يؤمن المريض بأن هذا الشخص قادر على علاجه,وتزداد جيوب هؤلاء الدجالين بالأموال التي يسرقونها من الغلابة والمساكين ومن الأغنياء أصحاب العقول المختلة أو المشوشة,ويرجع سبب ذلك إلى ثقة المواطن العربي المسلم بالعلاج بالقرآن حين ييئس من العلاج بالطب الحديث والسبب الآخر هو أن المواطن العربي المسلم يؤمن بالغيبيات أكثر من إيمانه بالعلم التطبيقي البحت, ومما يبعث على الاستغراب هو أن أكثر المقبلين على التداوي بالقرآن لا يحصلون على نتائج طيبة أو مؤكدة عن نجاح العلاج بالقرآن ومع ذلك يبقى هاجس القلق يسكنهم ويبقى لديهم إيمانٌ قوي بأن القرآن يشفيهم مما يعانون منه سواء أكان مرضا نفسيا أو عضويا خبيثا.
ويبقى السؤال قائم وهو لماذا لا يعالج أصحاب الإنجيل أو التوراة مرضاهم من خلال استعمال الإنجيل والتوراة بنفس النسبة التي عند المسلمين؟إن فكرة الخلاص والفداء في الديانة المسيحية لوحدها قادرة على تخليص المسيحي من آلامه وهي نفس الآلام الموجودة في المجتمعات الإسلامية... لماذا العرب المسلمون هم وحدهم من يلجأ للعلاج بالكتاب المقدس الإسلامي في حين اليهود والمسيحيون من كافة الطوائف لا يعالجون المرضى من خلال آيات وأسفار كتبهم المقدسة بنفس الطريقة المتبعة عند المسلمين؟.
وحين يشعر أصحاب العلاج بالقرآن بأنهم قد انكشفوا وانكشف معهم السر الذي يخبئونه وراء العلاج بالقرآن نجدهم يلجئون إلى مصطلح آخر وهو مصطلح(العلاج بالطاقة) أو تخليص الإنسان من الطاقة الزائدة أو التي يسمونها (طاقة سلبية) في جسمه وذلك لكي يقولوا للناس بأنهم قريبون جدا من العلم بل ومسيطرون أيضا على العلم وبعضهم يدعي بأن الطاقة هي نفسها الجن أو الشيطان الذي يسكن جسم المريض.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=197711
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟