|
قولٌ على قول ٍفي الرد على قول ماركسَ في الأديان..!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 15:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أسعدني إهتمام بعض السادة الأفاضل من كتّاب موقع الحوار المتمدّن بتعقيبي على أصل مقال السيّد إبراهيم الساعدي ومع أنني حاولت أن أطّلع على ما أورده الأساتذة الكرام من روابط وهوامش ألاّ أنني لا يمكن أن أدعي بأنني قرأتها جميعا لا سيما الكتاب الذي أشار إليه الأستاذ الزيرجاوي فهو كتاب يتطلّب وقتا طويلا لمتابعة ما جاء فيه رغم أنني كوّنت فكرة سريعة عمّا ورد فيه من أساسيّات لا تُغني طبعا عن مطالعته بتمعّن لمرّة ثانية بالتأكيد. في مثل هكذا حوارات تكون غالبا الأسس متباينة بين الفرقاء المتحاورين وقد كتبتُ كثيرا عن أن النظريات الفكريّة والفلسفيّة تعتمد على منطق خاص بكل نظريّة هو عمادها في تعيير وتمحيص الأفكار ، ونحن بالتأكيد نحتاج إلى الثقافة الفلسفيّة بهدف أن نتعلّم كيف نفكّر بشكل سليم غن لم يكن لأسباب أكثر من هذه وهي ولا شك مهمّة صعبة وليس كما يتصوّر عدد كبير من الناس وقد ذكرتُ قبل يومين أن خير طريقة يمكن أن يتحاور بها إثنان هي أن نتتبّع ما ذكره الفيلسوف الكبير إبن رُشد حيث قال: إن الحوار يتطلب أن يتتبّع كل محاور الكيفيّة التي حصلت فيها قناعة الآخر وويُفتّش عن الخطأ وعن الصواب فيها وإلاّ فإنه لا يمكن أن يكون حوارا بغير هذا المنهج وهو المنهج الذي ردّ به على الإمام الغزالي . وفي مقدّمة كلامنا لا بدّ أن نؤكّد أن أغلب جوانب حوارنا هي مما هو ليس بجديد على الفكر الفلسفي والإنساني فالفكر المادي قديم والفكر المثالي كذلك كما أن الأديان قديمة جدا وهي تشكّل أهم الظواهر الإجتماعيّة في التاريخ الإنساني . الفرق بينهما يمكن تشبيهه بعمليّة تناول الطعام فنحن مثلا نعتني بأسناننا لأننا نستعين بها على هضم الطعام ونسهّل عمليّة الهضم ولكن عندما نتناول الحساء مثلا أو اللبن فإننا في الغالب لا نستعين بها وأن عمليّة الهضم ستتم بأفضل شكل رغم عدم إستعمال الأسنان كذلك هي الحال عندما تكون أمامنا وقائع يجب فهمها على الأسس المنطقيّة وبالتتابع العقلي المتواصل فإننا نستعين بالعقل والأجهزة الحسّيّة جميعا لفهم ما مطروح أمامنا ولكن ليست تلك هي الطريقة الوحيدة التي يحصل فيها فهم وإدراك الوقائع المعروضة أمامنا فهناك وقائع ومعطيات لا يستوجب الأمر أن يتعامل بها العقل أو على الأقل نقول ليس بالعقل وحده نفهمها كما يحصل معنا عندما نتناول الحساء واللبن وهي المعارف الكليّة وإذا جاز التعبير أن نسمّيها فوق الفلسفيّة وتنتمي مثل هذه المعارف والعمليات كما أجد أنا( بكل تواضع) إلى مجموعة الظواهر الإشراقيّة أو الروحيّة أو قل الدينيّة مع تحفّظنا على هذا المصطلح للأسباب التي أوردناها في تعقيبنا مدار البحث والعلاقة بين المتناقضين الموصوفين علاقة تبادليّة ولا نعتقد بلزوم وجود أولويّة بل كما وضّحنا في مقالات عدّة أنها تتابع وتلي بعضها البعض كحبّات العقد التي لا تعلم أيّها كان الأوّل إذ ما أن نمسك بإحداها فإننا سنستطيع المباشرة بالعدّ. ومع أنني كنت أودّ لو أمكنني أن أستفيض في تعليل آرائي ولكن المجال لا يتّسع إلاّ إلى شئ من الإيجاز ولهذا فإنني وجدت أن نقاط الإختلاف يمكن حصرها بشكل تقريبي في ما يثقارب من سبعة نقاط وما يتبقّى أرجو أن يعذرني الأفاضل عن تناوله بسبب كونه لا يقع في صلب الموضوع تقريباوهي برأيي على النحو التالي: 1.إن المتتبّع المنصف يجد أن الإسلام لم يقرّ الكهانة بل رفضها فعلا ولكن ما نجده في بعض الحقب التاريخيّة وحتّى اليوم هو من صناعة بعض المجتهدين في الإسلام من مختلف المذاهب والفرق ليس إلاّ ولا يسعنا أن نحسبه على الإسلام فمما يُحسب عليه فقط هي النصوص القرآنيّة والأحاديث الشريفة وسيرة النبي (ص) وكبار أهل البيت والصحابة والعلماء الذين إتّبعوا تلك الثوابت ولم يُضيفوا إليها أو يُنقصوا فيها ولا أستطيع أن أحمّل الإسلام أفعال وإضافات أضافوها بأنفسهم ولم يتأيّد صلاح موافاتها للنصوص الأساسيّة .والإسلام غير مسؤول عن ما جاءت به الفرق المختلفة أو زعماء عدد من المذاهب .كما أن من عاش في احد البلدان الأوربية لمدة مناسبة وليس من ذهب للسياحة أو الزيارة يعلم جيدا مدى تدخّل الكنيسة في الحياة العامّة بل وحياة الأسر والناس وتملك الكنيسة ثروات هائلة وأراضي وأموال والأمر لا يُشبه وضع المؤسسات الإسلاميّة بأي شكل من الأشكال.إذ انها هيمنة واسعة على القرار السياسي والتحوّل الإجتماعي وتعمل الكنيسة بأذرع متعدّدة تحت الأرض كما يقولون في الوقت الذي تعمل فيه المؤسسات الإسلاميّة غالبا في فضاءات التوعية والإعلام وفضاء العلوم الإلهيّة ومن غير المألوف ولا الشائع ان تتدخّل بشكل مباشر في انظمة الحكم وآلياتها ولا تشكّل بناءً إجتماعيا أو سياسيا يمارس السلطة من تحت الأرض وهذا إختلاف كبير نظنّه مفهوم ولا يحتاج إلى كثير تفصيل. 2.أعود لرواية ربعي بن عامر فهي من الروايات التي أوردها ابن كثير والطبري . وبالمناسبة هناك أكثر من طبري مرّ علينا في التاريخ أهمهم وهو المعني بقصدنا هو محمد بن جرير الطبري صاحب كتب التاريخ والتفسير التي لم يُطالعها أحد إلاّ وأثنى عليها وهو العالم والمؤرّخ الذي تعرض للإضطهاد على يد الحنابلة الذين كانوا مسيطرين على الأوضاع آنذاك وحاربوه ورموه بالتشيّع حتّى لزم بيته طوال حياته الباقية وقد أوردت الموسوعة الحرّة خمسة من الأعلام في التاريخ والفكر كانوا يُلقّبون بالطبري (وهم :محمد بن جرير الطبري ،وعمر بن الفرخان الطبري، وإبن رين الطبري،وأبو الحسن الطبري،والطبراني وأحدهم كان فارسيا وهو محمد بن جرير بن رستم وليس هو المعني بقولنا هذا)ولعلّ الطبّاخ الذي يذكره الأستاذ الزيرجاوي واحدا من هؤلاء ولكن ليس هذا المؤرّخ الكبيرعلى أغلب الظن. وكان الخطيب البغدادي ( مؤلف مجلد تاريخ بغداد الذي طبّقت شهرته الآفاق وهو من ألمع كتب التاريخ بشهادة كثير من الباحثين الثقاة وآخرهم الأستاذ الدكتور حسين محفوظ)قد قال عنه : "كان أحد أئمة العلماء يُحكم بقوله وجمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين قل أن ترى العيون مثله." وقال فيه إبن خلّكان صاحب وفيات الأعيان:" المجتهد عالم العصر صاحب التصانيف البديعة كان( ثقة صادقا) حافظا رأسا في التفسير إماما في الفقه والإجماع والاختلاف علامة في التاريخ وأيام الناس عارفا بالقراءات وباللغة وغير ذلك" وقال عنه إبن الأثيرمؤلف كتاب الكامل في التاريخ وهو أهم مصدر للغرب والشرق في مرحلة ظهور صلاح الدين الأيوبي :" ابو جعفر أوثق من نقل التاريخ وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق وكان مجتهدًا في أحكام الدين لا يقلد أحدًا بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه وكان أسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحًا."وهو من مواليد 839 ميلاديّة وهكذا نجد رأي الجمهور فيه صادحا غالبا ومستحسنا ، ولم أسمع عنه ما يطعن في امانته التاريخيّة وهو من الأجيال الأولى وهذا ما يدعو لاعتباره من الثقاة .بشهادة أعاظم المؤرخين الثقاة والبارزين كما أن موقف روايته وصاحبها عن الإسلام ولا يقولها قائلٌ في تلك الحقبة ولا يُتّهم في إسلامه ودينه لأنه تعرض للأديان وهي التي كانوا يفهمونها على أنها ظلم رجال الكهنوت وكيف أنه فرّق بين ذلك وبين الإسلام وهذا مهم جدا في فهم الأوائل للدين وتفريقهم له عن الأديان.
3.موقف كارل ماركس : في البداية نشير إلى أن كارل ماركس كان بالأساس فيلسوفا درس الفلسفة ألا أنه درس التاريخ والإقتصاد والعلوم الإجتماعيّة برفقة صديقه أنجلز وأهم ما تقدّم به هو كتابه رأس المال وبنظرية فائض القيمة التي كانت وما زالت الأساس المادّي للنظريات الإشتراكيّة بعد ماركس أي بعد سان سيمون والآخرين ...إلخ وتُعرف بالإشتراكيّة العلميّة. لم يفرد كارل ماركس رأيا مفصّلا عن الدين ولا عن مختلف الأديان بشكل مفصّل ماعدا شذرات متناثرة بالشكل الذي أشار إليه الأساتذة الذين عقّبوا على مقالنا ومقال الأستاذ إبراهيم الساعدي ولم تكن مسألة الأديان هي الوحيدة التي لم يفرد لها ماركس دراسة وافية بل هناك أمور أكثر أهمية منها بالنسبة لنظرياته الفلسفيّة والإقتصادية هي الأخرى لم يتطرّق لها إلاّ بشكل خاطف ومنها شكل النظام السياسي في ظل تسلم البروليتاريا للسلطة وهي أكبر المعضلات التي واجهت الطبقة العاملة بعد تسلمها للسلطة وآخرها في روسيا وما آلت إليه من دكتاتوريّة فرديّة كبديل لدكتاتوريّة البروليتاريا أي طبقة البروليتاريا، في حين أن طبقة البرجوازيّة لم تمارس الدكتاتورية الفرديّة بل كانت دكتاتوريّة طبقة وهكذا كان الأمر في ظل أنماط الإنتاج السالفة حتى نظام الإقطاع لم يجد من الضروري أن يُمارس الدكتاتورية الفرديّة بل دكتاتوريّة مالكي الأرض ( أي وسائل الإنتاج القائمة في حينها) ربما لأنه أي ماركس كان مشغولا بدراساته المتعددة أو لأنه كان متنقلا بين مختلف مناطق أوربا بسبب الإضطهاد أو العوز في كثير من الأحيان وأيا ما يكون الأمر فإن ما انشغل فيه غالبية الباحثين من حيث موقف ماركس كان وما يزال هو هذا النص الذي أشار إليه السادة الأفاضل الذين عقّبوا على المقالين الموصوفين وهو نص لا يتجاوز بضعة سطور ورغم أن له مواقف أخرى لا يعبأ بها بالأديان أو ربما يعتبرها عائقا أمام نضال البروليتاريا في إسقاط النظام الطبقي برمّته ولكن لا نستطيع أن نركن تماما إلى عمليّة صياغة مفهوم متكامل له من خلال تلك السطور المحدودة لاسيما أنه لم يعتبر نفسه كما ذكر كثيرون ملحدا، وبالرغم من كثير من المفاهيم في المجتمع الأوربي آنذاك وكثير من المصطلحات والتعاريف السائدة في ذلك الوقت ليست لها نفس المعاني في المجتمعات المختلفة فكما أسلفنا في مقالنا مدار البحث أن الإسلام لم يكن ينظر للأديان إلاّ على أنها سلطة الكهنة ورجال الدين ومؤسسات من شأنها أن تستعبد الناس بل وتظلمهم وكثيرٌ منهم يأكلون أموال الناس بالباطل فقد كانت سلطة الكهنة فوق سلطة ملاكي الأرض كما وضّحنا سابقا ومن هنا نجد أن الأديان في المفهوم السائد في ظل النظام السياسي والإقتصادي آنذاك يشتمل على إعتبار طبقة الكهنة من ضمن الطبقات المستغلّة ( بكسر الغين)بل أعتى لآنها تستعين بقوى روحيّة وما ورائيّة في قمع الطبقات المستغلّة( بالفتح) وتجعل من الأديان مفاهيم لترسيخ النظام السياسي والإقتصادي القائم بسبب وجود مصالح مشتركة ولأننا كما ذكرنا نجد أن تلك الطبقة هي أحد أركان نظام الإستغلال ، ويمكن أن ندرس وضع المجتمعات الإسلاميّة على هذا النحو ولكننا سنجد أن نظام الإستغلال هنا يستعين أحيانا ببعض الوعاظ لتأدية مهمة متشابهة ولكنّ الطبقة المستغلّة لا تجد أمامها طبقة من الكهان منظّمة بشكل دقيق لكي تُعطيها مثل ذلك الدور ثم أن الحكّام والسياسيين والملاكين لا يريدون أن يشجّعوا على خلق مثل تلك الطبقة التي ستعمل نفس الدور الذي تعمله في المجتمع الأوربي ويُصبح لها تأثير جسيم على الحياة العامّة وتجعل فيما بعد من الحكام مجرّد صور كارتونيّة ورموز فارغة. إن ماركس كان يعي مفهوم الأديان بالشكل الموصوف وليس على أساس من رسالات سماويّة تتحدّث عن عالم ما بعد الموت وأن الإله سيُحيي من في القبور وأن هناك جزاء وعقاب وهناك خلود وهكذا فهو لم يجد نفسه معنيّا بالرد والتعقيب على كل هذا وكانه خارج إختصاصه لا سيما وأن المسيحيّة والمسيحيون يؤمنون أن المسيح هو الربّ وهذا يجعل المفاهيم المطروحة ذات سقوف متدنّية في التعبير عن الأبعاد الفكريّة وما يتطلّبه الوعي من مقادير من الخيال تكفي لتشغيل أهم وظائف العقل( كتب الدكتور عمر جعفر في تحديد وظائف العقل العلياوقال أنها : اللغة والتفكير والذاكرة والخيال والإنتباه و وهي خمس وظائف عليا.)وقد بلغني عن أحد الأصدقاء ولا أعتبر ذلك حجّة دامغة لفقدان الإسناد لقولي أن ماركس بعدما تخفّى في الجزائر فترة ما حاول التعرّف على الإسلام لأنه وجد أنه يختلف في جوهره عن مفهوم الأديان الذي يعرفه ولكنّ أحد أصدقائه ثناه عن عزمه هذا بدعوى أنها أمم متخلّفة ولم تصل إلى النمط الصناعي المتطوّر بعد ولن تجد لديهم شيئا. أنا لا أقدّم هذه الرواية كدليل دامغ ولكن كلمحة تدعم فكرة كون ماركس كان يعني بالأديان ذلك المفهوم الذي يُعبّر عن إستغلال طبقة الكهنوت باعتبارها من أساسيات النظام الطبقي ، وما زلت عند رأيي في تفسيري لقوله أو مقالته عن المجتمع الذي هو بلا قلب ولا روح والتي تقدّم عرضها في متن المقال موضوع البحث. إن قول ماركس في الأديان لا يكفي أبدا لنقول أن الماركسيّة تقرّ الإلحاد ( الإلحاد في اللغة هو ترك القصد والإزراء بالأحلام والأهداف!)بل يمكن إعتباره ذا نفع في وصف الإستغلال الطبقي لا يتضمّن أية معاني جوهريّة كما تفعل الرسالات السماويّة. لقد كتبتُ بكل تواضع في عدد من المقالات أن كارل ماركس كان فيلسوفا وعالما أخرج للناس نظريّة إجتماعيّة إقتصاديّة ما زالت سليمة وجد من خلالها أن هناك قيمة لقوّة العمل التي يشتريها رب العمل أكبر بكثير مما يدفعه رب العمل هذا للعمال وأثبت ذلك بكل الوسائل العلميّة القويمة ،هذا إنجاز ككل إنجازات العلوم المختلفة في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والأحياء والطب والتكنولوجيا وهكذا ولا علاقة له بإحياء من هم في القبور ولا الجزاء ولا يوم القيامة ولهذا يحقّ أن يؤمن بها أي بنظريّة ماركس من يؤمن سواء من كان يؤمن بالله ورُسله أم من لا يؤمن وأن ربط هذه العقيدة العلميّة الدنيويّة بالعقائد الروحيّة والإصرار على مفهوم الإلحاد ليس من الماركسيّة في شئ بل أن هذا المنهج طالما وضع دعاة الماركسيّة والإشتراكيّة والشيوعيّة في وضع لا يُحسدون عليه وجعلهم يدفعون ثمنا باهضا مقابل هذا الإصرار الذي ليس له دخل في النضال من أجل التقدّم طالما يلتحق بفصائل هذا النضال مؤمنون وغير مؤمنين لأن ما يجمعهم هو النضال من أجل القضاء على النظام الطبقي الذي يُتيح الثروة والفرصة للذين لا يعملون بل يعيشون على جهود الآخرين الذين بعرق جبينهم يصنعون التقدّم وهم وحدهم القادرون على بناء مجتمع اللاإستغلال 4.يقول الأستاذ العزيز والغالي فؤاد محمد محمود أنه إنتهى ، يؤسفني أن لا أقرّ أن شيئا قد إنتهى بعد فالإسلام ليس نظريّة إقتصاديّة ولا نظريّة علميّة ولا فلسفيّة إنه رسالة سماويّة أي رسالة ومعنى رسالة أنها خطابا أو منظومة إشارات وتعاليم وردت من موقع أعلى خارج وعي وإرادة الإنسان ولا نستطيع أن نخضعها لمنهاهجنا المنطقيّة كما بيّنا في أول مقالنا هذا فهي كالحساء الذي لا يجعل لأسناننا عملا تؤدّيه وليست تلك الرسالة مما يجب أن يخضع لعمل العقل كما هي الظواهر الأخرى بل ربما وأقول ربّما لأنني أخوض حوارا لا تقديم نتائج بحث متكامل ، ربما لا تحتاج إلى عمل العقل قدر حاجتها إلى تناولها كما نفعل مع بعض الدواء الذي نتناوله ونحن لا نعي مركباته ولا كيفيّة عمله ولا أي شئ عنه ولكننا نتناوله فقط إمّا ثقة في الطبيب ( وهو هنا أصحاب الرسالة) أو لأننا جرّبناه فقط ولا أظن أن العالم أي عالم يقبل التجربة كعمليّة منهجيّة في إدراك الأشياء فقط وهذا ما كان من مؤلف لينين ( الماديّة ونقد الفكر التجريبي)وهو جهد مُميّز ومُبهر ، إننا أيها الأخ والأستاذ العزيز هذا اليوم أحوج ما نكون إلى عدم القيام بربط الفكر والنظريّة الماركسيّة وخصوصا في نظريّة فائض القيمة وقضايا الإنتاج والأسس والركائز الأوليّة للنظرية الماركسيّة وبين العلمانيّة وأفكار الإلحاد والإزدراء بالأديان وسوى ذلك لأن هذا كلّه لا يمكن أن يخدم رسالتنا في قهر النظام الطبقي وتقليل الفوارق الماديّة بين بني البشر بل سيجعلنا كما ذكرت مرارا ندفع ثمنا غاليا من حياة ومستقبل أفضل مناضلي شعبنا وحياة ومستقبل عوائلهم في سبيل دعاة آخرين لا شان لهم بالفوارق الطبقيّة ولا الإشتراكيّة ولا هم يحزنون 5.الطبري طبّاخا! لا أدري من هم الذين تُشير إليه نون( نعتبره) ، هل هم الشيوعيون أم الإسلاميون وأي طائفة منهم أم من؟ وأنا لم أجد من وصف الطبري بمثل هذا الوصف الجديد مع شديد الإعتذار للأستاذ الكبير الزيرجاوي 6.كتاب مقدّمة في التاريخ الآخر، لقد تصفّحت الكتاب الذي أشار به عليّ الأستاذ الفاضل الزيرجاوي تصفّحا سريعا يحتاج بطبيعة الحال إلى قراءة أخرى ،لا سيّما وأنه حُشدت للكتاب آلاف المراجع والمصادر والتي يقتضي الأمر مراجعتها للتثبّت من صحّة المصدر وما إلى ذلك ولهذا فإنه بتعذّر عليّ أن أحاول كتابة نقد ولو موجز له ومع هذايمكن أن نضع رؤوس أقلام : هناك كثير من المآخذ على الكتاب لا يسعني حصرها فلو كان الإسلام غير موجود قبل 725ميلاديّة وأن التعاليم الإسلاميّة قد تم وضعها بعد ذلك التاريخ فما الذي كان عليه كبار وقادة المسلمين أمثال علي( ع) وعمر( رض) وباقي المسلمين الأوائل؟ثم إن سنة 725 ميلاديّة هي تقريبا بعد التحويل سنة 105 هجريّة والمؤلف يقول أيضا أن الإسلام تم وضعه في عهد عبد الملك بن مروان تحديدا فماذا نفعل بالمصحف المحفوظ لغايته والمخطوط بيدالإمام عليّ (ع) ومعروف متى توفّي أو إستُشهد علي( ع) وكذلك باقي المصاحف ثم ما ذا نفعل بالرسائل المتبادلة بين النبي محمد (ص) وبين الأباطرة الكبار آنذاك أمثال قيصر وكسرى والمقوقس وكثير منه يُبرر التساؤل ثم كيف أنه لا توجد أية دلائل آركيولوجيّة ولا أدري ما ذا نعني بذلك إذ أن العقيدة إنتشرت وقبلها نزلت قولا وكلاما ثم على أوراق الجريد وجلود الحيوانات حتّى إختراع أو إستخدام الورق فأيّة دلائل آركيولوجيّة تُصبح مطلوبة ؟ ولا أدري أيّة دلائل آركيولوجيّة موجودة تدلّ على المسيحيّة أو اليهوديّة لا سيّما وأن الكتاب المقدّس تعرّض إلى التحريف والترجمة ولم نحصل لحد الآن على النسخة الأصليّة له والتي في الغالب نزلت بالآراميّة وليس العبريّة أو الرومانيّة ولا العربيّة ولا السريانيّة.. وكذلك الأمر بالنسبة لليهود الذين مازالوا يُلقون قطعة من خشب أو عظام هنا وهناك في الأراضي المقدّسة ليجدوها بعد حين ويُهلّلوا ويكبّروا مدّعين الحصول على أدلّة جديدة ومن هذا المال حمل جمال كما نقول . ثم لو أن الإسلام تم تشريعه في عهد عبد الملك بن مروان فلماذا لم يردّ العبّاسيون على ما وضعه الأمويون وهم أعداؤهم ومقوّضي دولتهم وكذلك العلويون الذين خطّ جدّهم القرآن بأنامله الطاهرة كيف يلتزمون الصمت أزاء هذا العمل وهذا الإفتراء الجسيم؟ كما أن الأمويين لو كانوا هم الذين وضعوا الإسلام فلماذا لم يضعوا فيه نصوصا تثبّتهم في الملك والخلافة ما دام الأمر كله تزييف وتحريف . إن علم التاريخ الذي طوّره العرب والمسلمون قام على نفس أسس علم الحديث وله نفس الأسس والعلوم الأساسيّة مثل علم الجرح والتعديل وعلم الرجال وما إلى ذلك من الوسائل والدعائم ولا غرابة في ذلك لأن علم الحديث هو بالأساس علم تاريخي والرجوع للأحداث والأنباء الصحيحة فعلا بسبب حصولها تُشكلّ أهم أسانيد وبراهين الواقع المادي والإستناد إلى ما صح منها هو صلب منصوص النظريّة المادية التاريخيّة التي وضعها ماركس مع صديقه أنجلز والتي هي عبارة عن حالة خاصّة من الماديّة الدايلكتيكيّة ولا مجال للجدال في حدث تأيّد حدوثه فعلا ولهذا يٌقال : التاريخ لا يُخطئ) وليس معنى هذا القول أننا لا يمكن أن نٌخطئ بل أن ما حصل حقّا لا يٌمكن أن يكون قد حدث على سبيل الخطأ. إن مهاجمة الإسلام أمر مفروغ منه لأن باقي الأديان السماويّة ستصبح في موقف محرج إذ ما الذي دعاها إلى عدم الإيمان به؟ إن هذه المساعي ليست جديدة أبدا إذ كنّا قد إطّلعنا في بواكير حياتنا على كتاب بندلي جوزي وغيره ولكنّها لم تُغيّر قناعاتنا ولم تُشكّل ولا وجها من آرائنا ولا ثقافاتنا والسبب بسيط وهو أن الباحث في التاريخ له أن يكون منحازا لطرف أو جهة وليس مطلوب منه أن يكون محايدا ولكن على طريقة المشجعين في ساحة كرة القدم إذ أن خمسين ألفا أو يزيد من المتفرجين والمشجعين وإن إنقسموا وانحازوا لأحد الفرق المتبارية فإن لا أحد منهم ولا فردا واحدا من المتفرجين يستطيع أن يتلاعب بالنتيجة وأن اللعبة تجري وفق نظامها المعروف. وبقدر ما يصحّ ويجوز للباحث في التاريخ أن يكون متحيّزا فإنه لا يجوز له بالمقابل أن يكون له موقف مسبّق من الأحداث التاريخيّة فهذا أسوأ شئ يمكن أن يفعله الباحث في التاريخ إذ يجب دراسة الأحداث والوقائع كما هي بكل موضوعيّة ( أي بشكل مستقلّ عن وعينا وخارج عن إرادتنا ) وأضيف وأكرر للتأكيد فقط وبعيد عن رغباتنا وميولنا . وأتمنى على الله أن يمنّ علينا بالصحّة والعافية لكي نحاول الرد على هذا المصدر الذي لم يأتِ بجديد على أي حال. 6.إن مقالنا هذا لا يقف لا مع هيئة علميّة ولا إفتاء ولا أي من المراجع التي تخرج عن الصفة العلميّة والبحث في العلوم الدينيّة والإسلاميّة بهدف ترصين المعرفة الروحيّة وتوضيحها ولا مع وعّاظ السلاطين ولا مع كهّان الإسلام كائنا من يكونواولا مع تجّار الإسلام والذين يشترون به ثمنا قليلا بل نحن نقف مع جوهر الرسالة التي تدعو إلى الوحدة وترصين العرى مع من أنزل هذا البيان المحكم فقط بالإعتماد على الأعمال الصالحة وكفّ الأذى واحترام الناس جميعا . 7.أخي الأستاذ العزيز أحمد التاوتي: لا أعتقد أننا نُصيب لو تابعنا تقليد من سبقنا في مذاهبهم وما إجتهدوا فيه إذ يجب علينا أن نستعين بالمعارف الحديثة والوسائل المبتكرة في إشتقاق موقفنا على نحو جديد دون أن نمسّ لبّ الرسالة فإن المسلمين منذ عهد بعيد تحاوروا في المنقول والمعقول وتحزبوا وأثاروا ضجّة كبيرة جدا ورغم أننا وصلنا إلى فهم أكثر تقدّما للعلاقة بين كل من المنقول والمعقول وهي نفسها المقولة الفلسفيّة في المنطقي والتاريخي والعلاقة الدايلكتيكيّة بينهما فإننا مع ذلك ما زلنا نجد بيننا من يُدافع عن المنقول وآخرين عن المعقول أي نجد كثيرا من ( السلفيين) وهم ائمّة المنقول وبين ( معتنقي مذاهب الإجتهاد) وهم ائمة المعقول ، ولا أدري متى يتفهّم الجميع ما جدّ في الفكر الإنساني من أبحاث فلسفيّة واسعة. إنني إذ آسف على الإطالة التي أعتقد أنني إضطُررت لها فإنني أتقبّل أيّة معارضة لآرائي هذه بل أكون مسرورا جدا خصوصا لو كانت مما يتّبع أسلوب الحوار الذي أشرنا إليه وهو ما ذكره إبن رُشد . تحيّاتي لكل من شارك بهذا الحوار وإلى أستاذنا الكبيرالعزيز الزيرجاوي مع وافر التقدير للجميع.
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في قول ماركس في الأديان..!
-
الإيمان أوّلا..لماذا؟
-
الفنان والمعماري هندرتفاسر يكتب عن نفسه ( مترجمة عن الأنكلي
...
-
التعرّض لأية مسألة فلسفيّة يتطلب إلماما بمبادئ الفلسفة..!
-
قولٌ في الأنظمة السياسيّة ..!
-
شعارات ليست ديمقراطيّة ولا ليبراليّة ..!
-
ليس بمقدور كارل ماركس أن ينحاز لغير الطبقة العاملة..!
-
هزّتان تضربان أرض الكنانة..!
-
إنه منهج البحث العلمي فأي نادي وأي تصفيق؟!
-
الإسلام الصحيح..والصندوق الأسود..وسنستدرجهم!
-
تصميم جديد لمدينة البصرة !
-
مصر!..أحابيل وعقابيل..!
-
بين جدّة ليلى والذّئب..!
-
أنا والبصرة الزهراء..!
-
شيوعي أم مسلم؟
-
رأسماليّة الدولة هي أسوأ الطرق إلى لإشتراكيّة..!
-
بين الدعوة والتبشير..!
-
المدرسة! مباني يجب أن تناسب مهماتها..
-
ما هي السياسة؟
-
أفكار ومقترحات لتنظيم وتصميم المحور المركزي ، بصرة - عشّار(C
...
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|